الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتاة الفرنسية وعمق وعيها الاجتماعى

طلعت رضوان

2018 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفتاة الفرنسية وعمق وعيها الاجتماعى
طلعت رضوان
شاء قانون المصادفة أنْ أشاهد على أكثرمن قناة تليفزيونية أوروبية (بما فيها القنوات الفرنسية) مشهدًا لفتاة فرنسية كانت ضمن المتظاهرين ضد الحكومة الفرنسية بسبب رفع سعرالبنزين (وبنسبة بسيطة) وهذا المشهد كان بعد تراجع الحكومة وتأجيل الزيادة لمدة ستة شهور.
رأيتُ الفتاة وهى تخرج من صفوف المتظاهرين..وتتقــّــدم نحورجال الشرطة، وهى تصرخ فى وجوههم بكل طاقتها الروحية..وهى تسألهم: ماذا فعلنا لكم كى تضربوننا؟ نحن لانملك أية أسلحة..نحن نريد الرقى بفرنسا..ثـمّ ركــّـزتْ خطابها بأنْ طلبتْ منهم الانضمام لصفوف المتظاهرين..وقالت لهم: اتركوا خراطيم المياه وقنابل الغاز..عارعليكم أنْ تفعلوا بنا هذا ونحن غيرمسلحين..انضموا إلينا من أجل أمهاتكم وزوجاتكم وأطفالكم..هذا المشهد- بقدرما أبهجنى بقدرما جعلنى أشعربالشفقة على الفتاة- لأننى كنتُ أخشى تعرضها لرد عنيف من الشرطة..وهذا لم يحدث.
ويبدوأنه نظرًا لأهمية هذا المشهد فقد انتشرعلى بعض المواقع الالكترونية، ولخصـّـه موقع (عر ب- سكاى نيوز- يوم9ديسمبر2018ومعه صورة الفتاة.
000
مشهد الفتاة الفرنسية ذكــّــرنى بمشهد فى الفيلم الأرجنتينى/ الكندى (موسم الحرائق) عن مجموعة مُـستثمرين أغروا الحكومة الأرجنتينية بقطع أشجارالبلوط، مقابل مبلغ من المال..ولكن الفلاحين تصدوا للحكومة وللمستثمرين..وفى مشهد انحفرفى ذاكرتى..عندما تقــدّمتْ الجرافات وأدوات قطع الأشجارتحت حراسة الشرطة..وإذا بسيدة عجوزتتقدم نحوالضابط الذى رفع مسدسه نحوالفلاحين المتظاهرين..ولكنها لم تهتم وظلــّـتْ تتقدم نحوه..وعندما اقتربتْ منه تجمّـدتْ الكاميراعلى وجهىْ الضابط والمرأة العجوزوهى تأخذ المسدس منه..والضابط- كما لوكان تحت تأثيرمُـخـدّر- لم يـُـقاومها وتركها..وقد استدارتْ فى اتجاه جموع الفلاحين والمسدس فى يدها.
ومشهد الفتاة الفرنسية ذكــّـرنى بمظاهرات جدودنا المصريين فى أربعينيات القرن العشرين، حيث شملتْ كافة فئات الشعب، بما فيهم رجال الشرطة..وفق التفاصيل المهمة التى ذكرها طارق البشرى فى كتابه المهم (الحركة السياسية فى مصر: من 1945- 1952) الصادرعن دارالشروق- ط2- عام1983.
وعلى سبيل المثال ذكرأنه فى الشهورالأولى من عام1947شهدتْ مصرحركة اضرابات كبيرة فى صفوف العمال، حيث أضرب عمال شركة نسيح الفيوم بشبرا الخيمة..وخلال الفترة من سبتمبر1947إلى إبريل1948تصاعدتْ حركة الاضرابات، فأضرب عمال شركة شل..وشركة النيل للنسيج..وكان أهم وأصخم اضراب عمالى هواضراب عمال شركة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى البالغ عددهم 26000عامل..وبدأ العمال يتحرّكون بعيدًا عن نقاباتهم..وطبعوا منشورات طالبوا فيها الغاء اللائحة الموجودة..ووضع لائحة غيرها تــُـنصف العمال..ورفض الفصل التعسفى وزيادة الأجوركلما ارتفعت أسعارالسلع..وفى2سبتمبر1948قام العمال بمظاهرة كبيرة، عجزتْ قوات البوليس عن تفريقها..وعندما اعتصموا داخل المصانع حاصرتهم قوات البوليس والجيش..ولكنهم نجحوا فى تسريب رسالة (فى شكل برقية ) إلى جريدة المصرى قالوا فيها أنهم يموتون جوعـًـا داخل المصانع..وأنّ البوليس والجيش يتحرشان بنا..وأنّ ((مكان الجيش هوالميدان للقضاء على المستعمرالغاصب الذى احتلّ أرض مصروليس على العمال.
وفى 29سبتمبرمن نفس العام تـمّ إعلان حالة الطوارىء بالاسكندرية، حيث توقفتْ مصانع أكبرشركتيْن للغزل والنسيج فى مصر(شركة المحلة الكبرى والشركة الأهلية بالاسكندرية) وفى ذات الوقت أضرب عمال شبرا الخيمة تضامنــًـا مع زملائهم..وخرجوا فى مظاهرة كبيرة..ولكن البوليس منع دخولها القاهرة..وعند هذا الحد كان التحدى الأكبرحيث بدأتْ كافة فئات المجتمع تدخل فى الاضرابات.
ففى يوم7إبريل1948حدث اضراب المُمرضين بمستشفى قصرالعينى ومستشفى فؤاد..وبلغ عددهم نحو1500ممرضًـا..وانضم إليهم طلبة كلية الطب..وشملتْ الاضرابات المدرسين بالتعليم الحربسبب تأخرصرف مراباتهم..وأضرب موطفو التلغراف (750موظفــًـا) وامتنع معاونو السكة الحديد عن العمل..وطالبوا بخفض ساعات العمل..وأضرب المدرسون عن تصحيح أوراق الامتحانات..وفى يناير48 أضرب خريجو المدارس الثانوية الصناعية، فى مسابك السكة الحديد ببولاق وورش أبوزعبل..وورش الحديد بالمنيا وطنطا وغيرها..وفى الرى ومصلحة المساحة.
وبلغة المؤرخ المُـدقق ذكرالبشرى: ثم كان الحدث الكبيرالذى ضرب الحكومة فى الصميم..وأصاب الدولة والنظام كله بما يشبه الذبحة الصدرية..وهواضراب رجال البوليس..ولما امتنعتْ الحكومة عن تلبية طلباتهم (مساواتهم برجال الجيش) سجلوا أسماءهم فى قصرعابدين..ولما أعلنتْ الحكومة حالة الطوارىء، فإنّ ضباط القاهرة تركوا مكاتبهم وغادروا أقسام البوليس..واجتمع500منهم بالنادى، ووصلتهم برقيات التأييد من1772ضابطــًـا بالأقاليم..وقرّرضباط الاسكندرية البيات فى ناديهم..وتطوّرتْ الأحداث حيث امتنع جنود البوليس جميعـًـا ومعهم رجال المروروفرق الهجانة والمطافى والسوارى عن العمل..معلنين تضامنهم مع المضربين..وذهبوا إلى النادى وهم يهتفون ضد الحكومة..وامتنع الصولات والكونستبلات (الذين يمرون على الشوارع للتأكد من حالة الأمن وهم يركبون الموتسكلات) وجنود البوليس عن العمل..وبلغ عددهم أربعة آلاف جندى..وكان أهم مظهرهوتضامن العمال والطلبة مع رجال البوليس فى اضرابهم (المصدرالسابق- من ص100- 110، ومن ص108- 217)
000
مشهد تضامن العمال والطلبة مع رجال الشرطة، بالرغم من كراهتهم لكل رمزبوليسى (نتيجة الترسبات التاريخية)..ولكن طالما تعلق الأمربالموقف ضد كبارالمسئولين..وأنّ رجال الشرطة وقع عليهم الظلم..هنا برزتْ الروح المصرية الأصيلة..ومن هنا جاء التطورالدراماتيكى..وهوتوحد قوى الشعب ضد رموزالظلم، وكان أبرزمظاهرهذا التوحد هوانخراط رجال الشرطة مع الحركة الشعبية..ومع ملاحظة أنّ هذا المظهرحدث ومصرتحت الاحتلال البريطانى والنظام الملكى.
000
وبذلك يتبيـّـن أنّ رجال البوليس المصرى عام1948، نفــّـذوا ما طالبتْ به الفتاة الفرنسية عام2018..كما أنّ شجاعتها ذكــّـرتنى بالفلاحة المصرية التى شـدّتْ أحد الضباط وهوعلى الحصان وأوقعته على الأرض..وضربته بالقلم على وجهه فى أحداث كمشيش، التى بدأتْ فى شهرإبريل1966بسبب ما فعله الاقطاعى (صلاح الفقى) الذى أطلق النارعلى المناضل (صلاح حسين) وكانت النتيجة أنْ أفقده النطق..وبسبب تلك الأحدث أصدرعبدالناصرقرارتشكيل (لجنة تصفية الاقطاع) برئاسة الجنرال المشغول بالفنانات..والمُـتسبب فى هزيمة1956 (المشيرعبدالحكيم عامرأى أنه بعد مرور14سنة كان (الاقطاعيون) الذين تضّـمنتْ (مبادىء ضباط يوليو1952) ((تصفيتهم)) مازالوا جاثمين على صدورالفلاحين..وهوما يؤكد أنّ الأمرعلى أرض الواقع كشف أكاذيب الشعارات.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أخطاء كلا الطرفين
حازم (عاشق للحرية) ( 2018 / 12 / 11 - 11:59 )
الصراحة يا فندم كلا الطرفين إرتكبا أخطاء فادحة جعلت الحق و الصواب يضيع بين هذا و ذاك:
الرئيس الفرنسى و حكومته يتصرفون بغرور ,و اشتهروا فى فرنسا انهم سلطة لصالح الاغنياء فقط ,و لن تجدى معهم الاحتجاجات السلمية
والمحتجين يمارسون تخريب و تدمير ممتلكات ,ثم مثل تلك الفتاة يدعون على الإنترنت انهم ملائكة عزّل من السلاح يجب ان يضربوهم بالبونبون و الشوكولا؟!
والاسوأ ان ليس لهم قيادات واعية على غرار التيارات السياسية ذات الفكر الحداثى التقدمى و التوجه الاقتصادى العادل مثلا -لا- بل هم جماعات غاضبة بلا عقل, كل ما يرديونه حياة قادرين على تحمل نفقاتها

حكام اوروبا اوصلوا الوضع الى تلك النقطة التى اصبح عندها -بصرف النظر عن تأييدنا لصالح من- ان الكلمة صارت للأقوى على الارض! (هل الحكومة بنفوذها, ام المحتجين و ما يفعلوه وما يترتب عليه من نتائج)

اخر الافلام

.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني


.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح




.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل