الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شوبنهاور ليس متشائماً

داود السلمان

2018 / 12 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المعروف، في كل الاوساط الفلسفية والفكرية، أن شوبنهاور فيلسوف متشائم، وكل من ارخ للفلسفة وخاض في فلسفة التشاؤم، ذكر هذا الفيلسوف على رأس قائما الفلاسفة المتشائمين. والذي يدرس فلسفة شوبنهاور دراسة معمقة، ويسبر اغوارها، سيجد أنه ليس متشائما ابدا، وانما كان فيلسوفا واقعيا يحب الحياة، ويعشق الجمال، ويؤمن بأن الحياة هي قدر طبيعي محتوم يجب أن نقضيها ونعيشها على علاتها، أي يجب أن نعيشها كما فرضتها الطبيعة علينا. لذلك ادان كل من يعرض نفسه الى الانتحار واعتبر الانتحار حالة من حالات اليأس.
وعليه، فأنا في هذا المقال سأثبت أن شوبنهاور فيلسوف واقعي، وانما كان يعيش وسط مجتمع لا يفهمه، مجتمع كان منطويا على نفسه، مجتمع يعيش التناقضات، ليس للإرادة وللإنسان الحر الذي يحب العزلة ويريد ان يعيش ذاته لذاته، وان يخلو بنفسه لأداء طقوسه النفسية والذاتية وربما حتى الروحية، مجتمع يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، من التي تعنيه ومن التي لا تعنيه، هذا وغيره من القضايا التي كانت لا تنسجم مع فيلسوف كبير بحجم شوبنهاور، اضافة الى ما رآه من المعاملة السيئة المقصودة من والدته التي كانت تركض مع ملذاتها، وارضاء غرورها، وهي امرأة اديبة، جعل منه لا يثق بذلك المجتمع الذي يعيش التناقضات ويقفز على سلم الواقع بأرجل متهرئة، فأحب الاعتزال وفضل الخلوة مع ذاته، ولكون كذلك أن معظم الفلاسفة، الذين عاصرهم، ومن مفكرين ومن سواهم، لم يفهموا فلسفته، ولم ينسجموا معها فأصابته خيبة الامل، فلم يحسن الظن بهم، فاحب الانزواء وعدم الاختلاط بكذا مجتمع يجهله.
الذي يقرأ الفصل الرابع والخمسين الجزء الثاني ص 156، ترجمة وتقديم وشرح سعيد توفيق، فسيجد في هذا الفصل أن شوبنهاور واقعي، وواقعي جدا، يشرح في هذا الفصل معنى الحياة ومعنى الموت، ويسلط الضوء على قضية: أن الموت والحياة هما تبادل ادوار، وهما مسألة طبيعية وانما نمر به نحن البشر لا يدعو الى التذمر والنكوص، ما يعني أنه يبغض التشاؤم ولا يدعو اليه. فيقول: "من السخف أن نخشى الموت لكونه ينزع منا الحاضر... الشخص الذي يخشى الموت باعتباره محاقا لحياته، يبدو كما لو كان يظن أن الشمس يمكن أن تسطع بالليل " (راجع: ص 164، المصدر المذكور). ويضيف في الصفحة التي بعدها: " لا يمكنه أن يتمنى الخلاص من الموت، ولا يمكنه أن ينقذ نفسه بالانتحار". على اعتبار أن الانتحار هو طريق الخلاص من الحياة التي يتحمل الانسان عبئها ويعيش مأساتها مرغما، وهو ما يعني أن ذلك الشخص كان متشائما من عبأ الحياة ويريد أن يختصر تلك المسافة بأن يجعل لها نهاية هو الذي يحدد تلك النهاية ويرسم حدودها بريشته.
شوبنهاور يرفض، رفضا قاطعا، قضية الانتحار ، ويعد ذلك مدعاة التشاؤم ونبذ الحياة، بل أن الحياة فيها محطات كثيرة ويجب على الانسان أن يمر بتلك المحطات، فيها محطات سعيدة واخرى تدعو الى النصب والحرمان، فليس كل شيء في الحياة يسير على وتيرة واحدة.
وطالما أن (العالم ارادة وتمثلا) فأن كل شيء في وجودنا مبني على ارادة، وتتمثل لنا هذه الارادة بكثير من القضايا التي تتراءى لنا ونعيش واقعها "وهي ليست سوى رغبة ملحة عمياء" (ص 156، نفس المصدر). وبحسب شوبنهاور اننا نستطيع أن نتخلى عما نريده اذا كان هذا الشيء هو ما يصعب تحققه فيفضي بنا الى حالة تذمر ومن ثم الى حالة من التشاؤم المقيت، لا سيما لو لم يتحقق لنا تلك الارادة. " وحيث أن الارادة هي الشيء في ذاته، أي جوهر العالم ومضمونه الباطني، في حين أن الحياة، أي العالم المرئي أو الظاهري هو مجرد مرآة للإرادة، فأن هذا العالم يرافق الارادة بشكل ملازم مثلما يكون الجسم مصحوبا بظله". ولنا مزيدا من الايضاح في وقت آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص