الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد الوعي الديني، و الإسلام، و الإسلام السياسي في عصر الإمبريالية. الجزء الأول

يونس أثري

2018 / 12 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يشكل التاريخ و الطبيعة مجالان خصبان للتأويل و التجريد و التفسير، و حتى التغيير. فقد عكست حركة الطبيعة و المجتمع، تصورات ذهنية: مثالية كانت أو مادية، علمية أو خرافية. فعلى كل هي تصورات يكون منشؤها التفكير العلمي السليم، أو التفكير القاصر، العاجز، في هول حركة الكون، ومخاض صياغة أفكار سليمة.


لنقل أن منشأ الخرافة، ليس إرادة ذاتية لبشر معين، فالواقع الموضوعي للإنسان البدائي المضطهد، أنجب تفسيرا قاصرا، يتناسب و الدرجة التي بلغتها علمية التفكير، في هذا العصر، وهو تناسبٌ يوافق طبيعة التقسيم الطبقي للعمل - حيث تشتغل الإرادة الذاتية للإنسان -


قبل 12 - 10 مليار سنة، كان العالم أصغر مليارات المرات من " ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺪّﺑﻮﺱ . فتمددت ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ - ﻭ ﻟﻢ ﺗﻨﻔﺠﺮ - ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺯﻣﻨﻴﺔ ﺧﺎﻃﻔﺔ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟصغر (ﻛَﺴْﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﻴﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ) ﺗشكلت فيها وﺗﺠﻤّﻌﺖ كل ﺍﻟﺠﺰﻳﺌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ يتﻜﻮّﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻜﻮﻥ "(1)


فتكونت بعدها مليارات المجرات، و الكواكب و النجوم و النيازك، و قبل 4.54 ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺳﻨﺔ من الآن! ‏ولد كوكب الأرض، الكوكب الآهل بالحياة. وقت أزلي لم يعثر فيه على بصمة الانسان الا قبل عام بمدينة اليوسوفية المغربية، حيث عُثِرَ على جمجمة أقدم إنسان عاقل، قُدِّر عمرها ب 300 ألف سنة.


بعد جملة من الأحداث الكونية العظيمة، تناسل البشر العاقلون، واستطاعوا بفضل العمل، تطوير قدراتهم الذهنية و البدنية... فالعمل، أكسب اليد مرونة أكثر، واستقام ظهر الإنسان و تجاوز انحناء الإنسان قبتاريخي. مما جعل القدرات الذهنية و الكفاءات العقلية للعقل البشري تتطور وتزيد، "ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺩﻣﺎﻍ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻣﻨﺬ ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻋﺎﻡ ﻳﺰﻥ أﻗﻞ ﻣﻦ 400 ﻏﺮﺍﻡ ﻭ ﻫﻮ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﺰﻥ 1350 ﻏﺮﺍﻡ " (2 )


فلنعد لوهلة للموضوعة الأساسية في المادية التاريخة: الوعي الإجتماعي، إنعكاس جدلي، للوجود الإجتماعي. القاعدة في الماركسية اللينينية بمثابة المسلمة، اذ أن صيرورة الإنتاج للخيرات المادية، و تحصيل مستلزمات العيش، جعل البشر تنشأ بينهم روابط اقتصادية متداخلة - علاقات الإنتاج - في ظل تقسيم للإنتاج وفق نمط معين، حيث تظفر فيه جماعة بشرية معينة - الطبقة - بملكية وسائل الإنتاج - في المجتمع الطبقي - مخضعة بذلك طبقة، جماعة بشرية أخرى، لسلطانها الإقتصادي و الإيديولوجي - الدين - و السياسي - الدولة، اتحاد القبائل، القبيلة .. -


وقد صاغ هذه المسلمة ماركس سنة 1859 حين قال بأن" ﻓﻲ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻣﺤﺪﺩﺓ، ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ﻭﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬﻢ، ﻭﻫﻲ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺗﻄﺎﺑﻖ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺗﻄﻮﺭ ﻗﻮﺍﻫﻢ ﺍﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ . ﻭﻳﺸﻜﻞ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺃﻱ ﻳﺸﻜﻞ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﻓﻮﻗﻪ ﺻﺮﺡ ﻋﻠﻮﻱ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻭﺳﻴﺎﺳﻲ ﻭﺗﺘﻤﺸﻰ ﻣﻌﻪ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ﻓﺄﺳﻠﻮﺏ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻫﻮ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺑﻮﺟﻪ ﻋﺎﻡ . ﻟﻴﺲ ﻭﻋﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ، ﺇﻧﻤﺎ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩ ﻭﻋﻴﻬﻢ "(3)


فالوعي الديني اذن، شكل من أشكال الوعي الإجتماعي. أي أنه شكل لمنهجية ذهنية، يلجأ إليها البشر، لتفسير الطبيعة أولا، وثانيا لستر التناقضات الطبقية و تغليفها بعباءة دينية. فاكتشاف الإنسان للنار، جعله يؤله هذه القوة الجديدة التي بفضلها أصبح بمأمن من خطر الحيوانات الأقوى منه.

قسم فالح عبد الحبار، الوعي الديني إلى عنصرين، عنصر " إيماني " و عنصر " اجتماعي أخلاقي "


1 - العنصر الإيماني :

يعكس ارتباط البشر بالطبيعة، و منشأه جهل البشر بهذه القوى، و عدم استطاعتهم التفسير و التحكم بهذ القوى الجبارة، مما جعل البشر يضطر لتأليه النار، لما أعادته عليه من منافع. و في خشيتهم من البرق و الرعد و العواصف، أله البشر هذه القوى، فصوروا المطر إلها للخصوبة، و الرعد إلها للغضب. حيث "يولد الإعتقاد في الألهة، الشياطين، و في المعجزات من عجز الإنسان الوحشي في نضاله ضد الطبيعة "(4)

2 - العنصر الإجتماعي - الأخلاقي :

في سياق انحلال المشاعة البدائية، و ظهور أول تقسيم للعمل بين القبائل الرعوية و القبائل الزراعية، و بعد ظهور أول طبقة اجتماعية مستغلة، أي المستعبدون. صار الدين سلاحا طبقيا، حيث "تزامن ظهور الآلهة مع ظهور التبادل غير المتساوي بين الأفخاذ و القبائل " (5)


لقد اتخذت الطبقاء المستغلة من الدين سلاحًا لتبرير سيطرتها الطبقية، و كغطاء لنهبها المستمر للمضطهدين.
" الدين ثمرة صراعات اجتماعية بين قوى طبقية متعدد " (6) للجم الطبقات المضطهدة، لتخديرها، لإبقائها على وضع الإستكانة و الخنوع، غلفت الطبقات المسيطرة كل تناقض طبقي، كل استغلال، بغلاف ديني

من جهة أخرى غدى الدين " زفرة المخلوقات المضطهدة " يستبدل به المضطهدون شقاءهم في الدنيا وصبرهم على البلاء، بنعيمٍ في الآخرة. يستوعد المقهورون أنفسهم، بالرخاء في الجنان، و هكذا يستسلمون لها. هنا اغترب الإنسان عن دنياه، كمفعول به ككائن مخدر، سادي يستسلم للجوع و الحرمان، منتظرا فناءه ﻷجل أن تخلد روحه في النعيم الأبدي. إن انعدام قوة الإرادة البشرية لدى هؤلاء المضطهدين، أسس ﻹغتراب الإنسان عن إنسانيته، عن كونه أداة فاعلة ما اكتفت تفسير الواقع و تسعى تغييره.


يضيف لينين " الدين هو أحد أشكال مظاهر القمع الروحي الذي يرهق دائما، و في كل مكان الجماهير الشعبية المسحوقة " (7) لذا، فتحرير الإنسان من السماء من الوعي الغيبي.. قائم على إشاعة الفكر العلمي، نقيضا مباشرا للوعي الزائف، القاصر في وجه الطبيعة. لتحرير الإنسان من شقائه و فقره، وجب تحريره من آلهة البورجوازية، الملكية الخاصة و الدولة.

فالمسيحية مثلا، في القرن الأول ذي الميلاد، وجدت في العبيد تربتها الخصبة للإنتشار و النمو. فكانت الشكل الإيديولوجي الملائم ﻻنتقال أوروبا من المجتمع العبودي للمتجمع الإقطاعي،فقد كانت سلاحًا ايديولوجيا للعبيد و الرعاع و المعدمين وتعبيرا لهم، لكن بعد الإنشار السريع لها، و تعاظم عدد معتنقي المسيحية تزواجت الطبقات المسيطرة و تسلحت بالمسيحية، و استغنت عن الوثنية، لتتحول المسيحية في سنة 313 تحولا رسميا حيث اعتمدت ديانة رسمية للامبراطورية الرومانية بموجب ما عُرف بـ" مرسوم ميلان "، لتصبح هنا المسيحية أداة التضليل الطبقي الرئيسية، أداةً للسيطرة الإيديولوجية بمعنى أدق.

في المتجمع الإقطاعي، صور ملاكوا الأراضي للأقنان ملكية الأرض على أنها مشيئة إلهية، كي يستأثر مالك الأرض بالريع الإقطاعي و الخراج مثلما يفعل بزوجة القن في الليلة الأولى . هنا يغترب الإنسان أمام أخيه الإنسان.. كانت الكنسية تكنز الذهب، و تستخلص الربح من الريع الإقطاعي و صكوك الغفران و القرابين المقدمة ليسوع، مما جعلها تحتكر السلطة الدينية، و السلطة السياسية، كانعكاس مباشر لسيادتها الإقتصادية، إلى جانب النبلاء و الأمراء و ذوي الضيعات.

الوعي الإجتماعي و الوجود الإجتماعي في ظل الإسلام :


اذا ما عدنا لعصر انحلال المشاعة البدائية، عصر تحطيم الروابط القبلية في شبه الجزيرة العربية، حيث ظهر الإسلام كحادث ثوري، كتعبير عن علاقة الصراع الطبقي، بين القبائل القريشية المسطيرة على التجارة و الرعي، و العبيد و المعدمين الذين يكسبون قوت عيشهم من رعي غنم الوجهاء و العمل مع تجار القوافل.

في تلك المرحلة، أفرزت لنا التناقضات الطبقية إيديولوجيتين : إيديولوجية الزعمات القرشية المسيطرة، أنصار تجميد حركة التاريخ، التي اتخذت الوثنية و تعداد الآلهة كسلاح إيديولوجي، بالمقابل، نجد إيديولوجية أنصار التغيير، المتمثلة في الرسول محمد و أتباعه، هنا بنى الإسلام نفسه حول فكرة التوحيد.

جاء الإسلام في مكة بأفكار طبقية تناقض مصالح الزعمات القُرَشِيَّة المسيطرة، كتحريم الربا و كنز الذهب و الفضة، وأكل أموال اليتامى و المساكين، و عدم إيتاء الزكاة .. أما سياسيا ، وبفضل انتصار الإسلام، ارتقى التنظيم السياسي في شبه الجزيرة العربية، من مستوى حكم اتحاد القبائل، إلى مستوى تأسيس الدولة المركزية، التي أسست قوانين جاوزت الأعراف القبلية، قوانين مستنبطة من الكتاب و السنة. هنا تتجلى ثورية الإسلام في عصر ظهور،حيث كان الوعي الديني الإسلامي الشكل الملائم لإنحلال المجتمع العبودي.

تطرق حسين مروة الى أن القطع مع العلاقات الإقتصادية - الإجتماعية القائمة، أسهم في القضاء على تشتت القبائل، ففكرة التوحيد، جمعت العرب في أمة، تحت عبادة رب واحد، مما قضى على الآلهة الكثيرة التي كان كل واحد منها يمثل قبيلة معينة. هذا كان بحد ذاته إرتقاء في الوعي الديني لدى العرب، ثم الشعوب التي احتكت فالفاتحين المسلمين في تحقيق الإسلام لكونيته.

بعد الفتنة الكبرى " كانت السلطات السياسية التي استظلت راية الخلافة الإسلامية طوال عصور عدة، قد وجدت السبل ﻹختراق .الفكر الإسلامي بايديولوجية سلطوية استخدمت هذا الفكر سلاحا ايديولوجيا لدعم سيطرتها الاستبدادية و لمحاربة القوى المعارضة لهذه السيطرة "(8 )

اخترق الفكر الإسلامي من منفذ الإجتهاد، ﻷنها الطبقات المسيطرة، وجدت الإسلام مرنا، يمكن تكييفه مع الواقع الحي دوما، أي التشريع وفق ما تقتضيه مصالحها الطبقية

بالمقابل، اتخذت الطبقات الثورية، شكلا معينا من الوعي الديني كأداة لنقض إيديولوجيا لطبقات المسيطرة. كالفكر الصوفي، الذي يلغي الشريعة، و يلغي دور الفقهاء، كرابط بين الاله و المسلم، وانحلال الذات البشرية، في الذات الإلهية، بما هو إلغاء للشريعة نفسها، كله كان دافعا للإضطهاد الذي سلط على المتصوفة، الحلاج بالأخص.
التيار الديني المسيطر، هو إسلام الطبقات المسيطرة، وقد كان الإشراف الصوفي، نقيض هذا الفكر الديني المسيطر، هذا الصراع، في التحليل الأخير صراع طبقي، له هو أيضا، أرض معركة إيديولوجية يخاض عليها، إذن، فالتناقض بين الإشراق الصوفي، و إسلام الطبقات المسيطرة، صراع يجري خوضه في حقل الصراع الإيديولوجي، على أرضيه التناقض و الصراع بين و وعيين دينيين ف" تيار العقل الشرعي و تيار الإشراف، صراع إجتماعي، في شكل ديني من الفكر هو المسيطر " (9( و هنا تحدث مهدي عامل عن إمكانية " عقد تحالف ثوري بين الفكر المادي، و أعني الفكر الماركسي بالتحديد و الفكر الصوفي الذي يحتل، في وجه الفكر الفكر الشرعي المسيطر، موقع الفكر النقيض " (10)

في الفكر الديني للطبقات الثوري، نشأت أولى بذور التفكير العقلاني المادي، ففي استرشاده بالعلمية الماركسية اللينينية، أكد حسين مروة أن الفكر الإسلامي، كوعي اجتماعي، جرت دراسته بآلية ميتافيزيقة مثالية، تعزل الفكر الإسلامي عن تربته الإجتماعية التي أنبتته، لذا، فإن أي دراسة حاضرة للتراث الإسلامية، عليها أن تركز على فهم التراث فهما جدليا، أي دراسة تبتر الجوانب الرجعبة من هذا التراث، مع إحياء للجانب التقدمي منه. إن أي ماركسي يلغي دور الأفكار الدينية التي ترسخت في الذهن الجماعي للجماهير الكادحة، أي وضع الفكر الديني كله في صف الرجعية، هو انحراف يساري. و قد ناضل لينين ضد " العدمية التراثية " التي تحاول خلق ثقافة بروليتارية دون توفر أساسها المادي الحي.


و من المسائل الكبرى التى اختلف حولها، نذكر مسألة الجبر و الإختيار، لا يمكن أن نعزل هذا المسألة عن واقعها الموضوعي. فطبقات المضطهدين، حملت موقف الإختيار، إذ تعتبر الإنسان مخير لا مسير، و مُصاب الإنسان من بؤس و شقاء هو من صنعه، الإنسان، بإرادته، حر في أفعاله و مسؤول عنها، في الطرف المقابل تبنت الطبقات المسيطرة فكرة الجبرية، و نشرتها في صفوف العامة عبر المساجد، زاعمةً أن ما يصيب الإنسان من مكروه هو قدر من الله، فالفقر عندها بلاء، و النهب و السبي كذلك و ما على المسلم التقي إلا الصبر على البلاء. كأن الخليفة، وسياسته مشيئة إلهية

كان نقاش القدرية و الجبرية، نقطة الإنطلاق، حسب زعم حسين مروة، لنشوء النزعات المادية في الفكر الإسلامي. فالنظر العقلي، أي الدراسة العقلانية للظاهرة الإجتماعية، نقلت الوعي الإجتماعي العربي، لمستوى إنتاج نزاعات مادية. هذا النظر العقلي، طور الفكر الإسلامي لينتج لنا فكر المعتزلة، أي علم الكلام، حيث يجب الإعتراف أن " هذا العلم هو ذروة الفلسفة الإسلامية "(11 )
فالعقلانية - اللاهوتية، و تطور علم الكلام، جزء من الصراع الإيديولوجي في العصر العباسي. تمجيد المعتزلة للعقل، عبر طرحهم فكرة أولوية العقل على النقل، ضد الفكر السلفي، الذي يتخذ الإقتداء بالسلف، و التطبيق الحرفي للنص، غاية. هنا ينقلب الفكر غاية، فسعي الإسلام السياسي ﻹقامة دولة إسلامية، تحكمها شريعة إسلامي، في العصر التطور التكنولوجي، هو انتصار للماضي لا الحاضر. انتصار الجمود ضد حركة التاريخ السائرة أبدا نحو الأمام.

صحيح أن الفكر المعتزلي، بأصوله الخمسة، لم يخرج عن نطاق الفكر الديني الغيبي، لكن النظر العقلي، و إعلاء شأن العقل لدى الإنسان المفكر، يشكل نقلة نوعية في الفكر الإسلامي في العصر الوسيط. المفهوم المادي للتاريخ، يلغي إمكانية القطع التام مع السمات التقدمية، أي العقلانية للفكر الإسلامي.

لاشك الصراعات التي نشبت قي العصر العباسي بين الطبقات الإجتماعية، لم تكن صراعات دينية، فالثورة الإسماعيلية مثلا، طرحت برنامجا تقدميا، تضمن إلغاء الملكية الخاصة للأرض، و المساواة بين الرجل و المرأة، إلغاء تعدد الزوجات .. مما فتح الباب للهجوم وارتكاب المجازر في حق الثوار الإسماعيلين، حيث قتل منهم " مئة ألف من الباطنية و بنى برؤوسهم بالري منارا أذن عليه المؤذنون " كما ذكر ذلك البغدادي

أما ثورة الزنج سنة 255 بعد الهجرة، بقيادة محمد بن علي، فقد كانت إحدى أكثر الثوارت تعبيرا عن واقع، و صفاء ظاهرة الصراع الطبقي في العصر الوسيط. فتعاظم أعمال السخرة التي يؤديها العبيد في القصور و المنازل و الصناعة و التجارة، و اردياد عدد العبيد، مع تعاظم شقائهم مقابل نعيم ملاكهم، كل هذا أسهم في نشوب هذه الثورة بمدينة البصرة في ظل الحكم العباسي، هذه الثورة حررت مناطق واسعة من البصرة و أسست بها حكما مستقلا، دام قرابة 15 سنة. تحالفت طبقات أخرى مع الزنج ﻹشعال فتيل الثورة، من بينهم الفلاحين و الأزارقة الخوارج و القرامطة و العامة و الرعاع و الشحاذين. لكن الثورة لم تقضي على العبودية، إذن تحول كبا الثوار إلى ملاك جدد استعبدوا ملاكهم القدامى و أسرهم


-----------------------------------------

(1) العفيف الأخضر، ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻦ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺗﻜﻮّﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭ ﺍﻟﻌﻠﻢ ؟

(2)ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻦ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺗﻜﻮّﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭ ﺍﻟﻌﻠﻢ ؟

(3) كارل ماركس، مساهمة في نقد الإقتصاد السياسي

(4) لينين، الإشتراكية و الدين

(5) العفيف الأخضر، من تقديمه لكتاب " نصوص حول الموقف من الدين "

(6) فالح عبد الحبار، الوعي الديني و التطور الرأسمالي

(7) لينين، الإشتراكية و الدين

(8) حسين مروة، دراسات في الإسلام

(9) مهدي عامل، نقد الفكر اليومي

(10) م.ن

(11) حسين مروة، دراسات في الإسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟