الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الداخلي في عقل المسلم ما بين الموروث الديني والتطور الإنساني

قيس حسن

2018 / 12 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن هذا الصراع قد أصبح ظاهرة تنتشر في المجتمعات العربية والإسلامية حيث يعيش الفرد فيها تناقضات بين التزامه بالدين والعادات والتقاليد المرتبطة به ومحاولاته لمواكبة العصر الحديث والتكيف مع قيمه الأخلاقية ومختلف تطوراته الفكرية والعلمية.
هذا الصراع أصبح له تأثير كبير على حياة المسلم وسبباً في تشتيتها ما بين الماضي والحاضر، وشئنا أم أبينا فأن الموروث الديني الإسلامي بصورته الحالية التي تعكس طريقة تفكير وعقلية من الماضي قد ساهم وبشكل كبير في تحويل الإسلام إلى أحد الأسباب الرئيسية في تخلف وتأخر أفراد المجتمعات العربية والإسلامية، وكيف لا وهو يتحكم بمختلف مسارات وخيارات حياتهم من الولادة وحتى الممات ويتدخل في أبسط التفاصيل ويفرض منظوره الخاص، ويمكن شرح وصف "الموروث الديني الإسلامي" هنا بأنه المحصلة المعرفية الناتجة عن النصوص الدينية الإسلامية في مختلف مجالات الحياة، الاجتماعية والعلمية والسياسية والاقتصادية والتي خلفها رجال الدين وتناقلتها الأجيال عبر مئات السنين إلينا.

لم يدخر رجال الدين في وقتنا الحاضر جهداً لتحويل الإسلام إلى بوابة زمنية تأخذك إلي الماضي وتحديداً قبل 1400 سنة في منطقة صحراء شبه الجزيرة العربية لتشارك أهلها أفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعارفهم وعلومهم وتعيش بها في القرن الواحد والعشرين، عودة إلي زمن الحروب مع الكفار والجهاد لنشر الإسلام والغزوات وسبي النساء والعلاج بالحجامة وفك السحر، كل هذه الأمور أصبحت اليوم "تخلف" و "إرهاب" و "سرقة" و "أغتصاب" في نظر العالم المتحضر المتقدم ولكنها لا زالت تلقن إلي عقل المسلم في البرامج التلفازية والندوات الدينية وخطبة يوم الجمعة، والمحصلة هي أنتشار ثقافة العداء والكره لأصحاب المعتقدات الدينية الأخرى، كل يوم جمعة يستمع المسلم إلي الخطيب من علي المنبر وهو يحكي القصص عن المآثر والبطولات التي قام بها الصحابة والمسلمون الأوائل قديماً وحروبهم وغزواتهم لنشر الدين وكيف أنتهي اليوم زمن عزة أمة الإسلام وأصبحت الغلبة للكفار بسبب تخاذل المسلمين، كل هذا يقدم في أطار استفزازي وتحريضي لمشاعر وعواطف المسلم، ويسأل الخطيب متي ستعود هذه الأنتصارات والأمجاد ! وحتي أنه يدعوا في نهاية الصلاة أن تعود !

الموروث الديني الإسلامي بصورته الحالية يرفض كل ماهو مختلف ومخالف ويحرض عليه، وكما أنه يزرع شعوراً وهمياً بالتفوق والأفضلية في عقول المسلمين بأنجازات من الماضي لم تعد تصلح لعصرنا الحالي، كل هذا يتناقض مع واقع تأخر وتخلف المجتمعات الإسلامية واعتمادها على التقدم العلمي والصناعي للدول الغير إسلامية، ويضع الحواجز والعوائق أمام المسلم للتعايش مع أصحاب الأديان والمعتقدات الأخرى وتقبل الاختلاف معهم وأحترام حريتهم والأسوء أنه يسهل الطريق على انتشار التطرف الإرهابي الإسلامي، نحن لا يمكننا القول بأن داعش والقاعدة والتنظيمات الإرهابية الإسلامية لا تمثل الإسلام عندما تكون أفكارهم ومعتقداتهم وأفعالهم موجودة في كتبنا الدينية ويتم التفاخر بها من علي منابر المساجد في خطب الجمعة ويتم تدريسها في مناهج المدارس والجامعات الإسلامية وتداع في البرامج التلفازية، متي سيدرك رجال الدين والمدافعين عن الموروث الديني ان عليهم مواكبة التقدم في الوعي الإنساني والتخلي عن المفاهيم القديمة التي كانت متواجدة عند بداية الإسلام لأنها كانت مناسبة ومقبولة في ذلك العصر لكنها لم تعد تناسب وقتنا الحاضر وأصبحت سبباً في تأخرنا.

ومن أبرز الصراعات التي يواجهها عقل المسلم هي وضع المرأة في الموروث الديني، قد يكون الإسلام رفع من شأن المرأة قليلاً بالنسبة لما كان عليه في ذلك الزمن قبل 14 قرناً ولكن اليوم مقارنة بالتطور في وضعها الإنساني وبالحقوق التي حصلت عليها في الدول المتقدمة فإن الإسلام قد ظلم المراة ظلما كبيرا و حرمها من حقوقها و سلبها حريتها وحقرها وسخرها لطاعة وخدمة الرجل، يصور الموروث الديني الإسلامي المرأة بأن مخلوق عاطفته تتغلب على عقله ولذلك شهادتها بنصف شهادة الرجل وهذا علمياً غير صحيح ولكنه معتقد قديم كان رائج في ذلك الزمن، وكما أنها تحتاج لوصاية الرجل المتفوق عليها عقلياً وجسدياً ورقابته عليها وتقويمه لسلوكها لحمايتها من الانحراف ويحق له تأديبها عند النشوز، ويرسخ الموروث الديني الإسلامي مبادئ النظام الأبوي الأسري، وينظر لجسد المرأة علي أنه يمثل شرف زوجها وعائلتها وهي تشكل فتنة للرجال الأغراب لذلك يجب تغطيتها والحرص على تقييد ظهورها أمامهم وتواجدها معهم، حتي أنه يربط بين دخول الرحل للجنة وتحكمه في أناث عائلته، ولأن الرجال قوامون علي النساء ومسؤولون عن تلبية احتياجاتها فهم يأخذون ضعف نصيبها في الميراث ويحق للرجل ان يتزوج اربعة نساء ولكن لا يحق للمرأة بعذر أختلاط النسب، كل هذه المفاهيم فقدت قيمتها لإن اليوم يوجد تحليل DNA ويمكن تطبيق المفهوم نفسه وتتزوج المرأة 4 رجال وسيعرف من هو الأب بسهولة واليوم لم نعد نحتاج للقوة الجسدية ولا يخرج الرجل ليصطاد أو يغزوا والوظائف تعتمد علي مقومات عقلية وجسدية متوفرة في الجنسين والمرأة اليوم أصبحت تعمل وتستطيع إعالة نفسها بل أنها في الكثير من الأحيان هي من يعول زوجها وعائلتها، ولقد أثبتت نفسها وكفائتها في مختلف المجالات والوظائف، الطبيبة والمحامية والقاضية ورئيسة لبلاد من دول العالم الأول، ولم يعد بالإمكان إجبارها على الالتزام بالجلوس في المنزل وحصر دورها في تنظيف الكهف وأعداد الطعام والأنجاب ولا يحق لأحد تقييد حريتها الشخصية بعذر حمايتها من الرجال أو لأنها تشكل أغراء لهم، زمن الخيام و الصحراء قد ولى.

إلى متى سيستمر الصراع الداخلي في عقل المسلم بين رغبته في الحياة ومواكبة التطور وخوفه من مخالفة تعاليم دينه، هذا الصراع الذي يجعل منه متناقضاً وأحياناً كثيرة مستشرفاً، متى سيدرك المسلمون بأن هناك نصوص دينية لم تعد تصلح ولا مقبولة لهذا الزمان ويجب عليهم إعادة التفكير فيها على أنها موجهة لزمن معين وتتناسب مع أحداث هذا الزمن، اليوم لم يعد بالإمكان تطبيق حد الرجم ولا قطع يد السارق أو قتل المرتد، لم يعد الزواج المتعدد أمراً مقبولا وكذلك تأديب الزوجة بالضرب، وقتال وقتل أصحاب المعتقدات الأخرى بأسم الجهاد أصبح أرهاب، إن تصفية الموروث الديني الإسلامي من الانحرافات الأخلاقية والفكرية والخرافات التي تتعارض مع التطور المعرفي الإنساني أصبح ضرورة حتمية لا مفر منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24