الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين الفرنسيون الحمر من انتفاضة السترات الصفراء؟

إحسان المصري

2018 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


تعيش فرنسا في الأسابيع الأخيرة انتفاضة ما يعرف بـ"السترات الصفراء" للاحتجاج على قرار حكومة ماكرون برفع أسعار المحروقات. لفهم كيفية تطور هذا الحراك ووصوله إلى هذا الزخم الشعبي غير المسبوق في عهد ماكرون، لا بدّ لنا من العودة قليلاً إلى الوراء.

تطور حراك السترات الصفراء

فقبل هذا الحراك وخلال سنة ونصف بعد انتخابه على أساس برنامج ليبرالي بامتياز لم يخفه حتى في حملته الانتخابية، ولكنه برز بشكل أكثر وضوحاً بجملة قرارات يعتبرها "اصلاحات" منها: الهجوم على مكتسبات المتقاعدين وما تبعها من متظاهرات لكبار السن الفرنسيين، التعديلات الغامضة في النظام الضريبي وخفض ضريبة السكن (التي يبدو أنها لم تنخفض في كل المدن)، طرح خصخصة شركة القطارات الوطنية المملوكة للدولة SNCF وما أثارته من إضرابات لعمال الشركة أدت إلى تعطيلات في حركة القطارات، رفع الأقساط الجامعية لطلاب الليسانس والماجستير الأجانب بعشرة أضعاف معدلها الحالي وهو ما قد يستتبعه رفع الأقساط للطلاب الفرنسيين أيضاً. كل هذا ترافق مع اكتشاف مكامن الفساد في الحكم مع قضية "بن علا" وهو أحد مرافقي ماكرون وصولاً إلى التغييرات الحكومية واستقالة بعض الوزراء من فريق الرئيس والملتحقين به ومن أبرزهم وزير البيئة نيكولا هولو وهو رئيس سابق لحزب الخضر التحق بماكرون كما فعل الكثير من قيادات الحزب الاشتراكي (في طور الانحلال).

إذن، كان الإجراء الأخير برفع أسعار المحروقات، القشة التي قسمت ظهر البعير ودفعت إلى التحاق الكثير من المواطنين الفرنسيين بهذا الحراك الشعبي. الحراك الاحتجاجي على القرار بدأ بشكل عفوي عبر دعوة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى استخدام السترات الصفراء كشعار (المفروض تواجد هذه السترات في كافة السيارات وفق قانون السير الفرنسي). الحكومة بررت القرار لأسباب بيئية التزاماً منها بمقررات قمم التغيير المناخ المعروفة باسم COP. ولكن الأغلبية الشعبية اعتبرت هذا القرار هجوم على آخر ما تبقى من قدرة شرائية للمواطن الفرنسي خاصة أن الكثير من العائلات والمواطنين يعيشون أوضاعاً مادية مزرية. وهذا ما شاهدناه في مظاهرات ضمت ما يقارب 290 ألف في مظاهرة السبت 17 تشرين الثاني ورغم تفاوت الأعداد في كل مظاهرة (انخفض الرقم 130 ألف في مظاهرة الأول من كانون الأول) إلاّ أن ما يهم هو انتشارها في كل المدن الفرنسية حيث يقوم المتظاهرون بإقفال مخارج ومداخل الطرقات السريعة إلى المدن الكبيرة.

في أغلب المدن اتصفت التظاهرات والاعتصامات بطابع سلمي لكن المناوشات العنيفة بين قوى الأمن وبعض المتظاهرين بشكل رئيسي في العاصمة باريس أدت إلى سقوط قتلى وجرحى كما هاجم المتظاهرون الكثير من المحلات والسيارات الفخمة وبعض الأماكن الرمزية كقوس النصر وشارع الشانزيليزيه. السلطة اتهمت مجموعات اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف (مجموعات تروتسكية وأنارشية) بافتعال أحداث الشغب هذه. فيما أعلنت قوى اليسار مشاركتها في المظاهرات ودعا جان لوك ميلونشون رئيس حركة فرنسا المتمردة إلى المشاركة السلمية. كذلك دعت النقابة العامة للشغل (CGT) للتظاهر والمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور (SMIC). كذا فعل الحزب الشيوعي الفرنسي الخارج من مؤتمره العام في 24-25 تشرين الثاني.

الحزب الشيوعي الفرنسي ومؤتمره

إذن في خضم هذه الأحداث العاصفة عقد الحزب الشيوعي الفرنسي مؤتمره الـ 38. حيث تم انتخاب فابيان روسيل (النائب عن منطقة الشمال) أميناً عاماً فيما سيتسلم بيار لوران الأمين العام السابق مسؤولية المجلس الوطني. المؤتمر دعا إلى اعتماد شيوعية تحاكي القرن الواحد والعشرين.

وقد شهد الحزب الشيوعي الفرنسي تاريخياً تحولات (ترافقت مع التحولات التي حصلت في الاتحاد السوفياتي) من الستالينية إلى الشيوعية الأوروبية ولكن لا يمكن أن ننسى أن الحزب الشيوعي الفرنسي كان القوة الرئيسية الأولى في البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، هو حزب جان جوريس الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال النازي كما كان له مساهمات في استحواذ الطبقة العاملة الفرنسية على قانون الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية عبر وزيره في حكومة ديغول الأولى بعد الحرب "امبرواز كروازا" إلى غيرها من المكتسبات الاجتماعية في عهد ميتران وهو حزب أنتج العديد من المثقفين والمفكرين والشعراء مثل لويس التوسير، هنري لوفيفر،هنري باربوس، لويس اراغون وبول ايلوار وغيرهم...

لكن في هذين العقدين الأخيرين ومع تقدم اليمين وتراجع المكتسبات الاجتماعية وانحرافات الاشتراكية الديموقراطية، عانى الحزب الشيوعي الفرنسي من تراجع في صفوفه وقدراته الانتخابية (من25% بعد الحرب العالمية الثانية إلى 2 % في الانتخابات الأخيرة) لذلك لم يقدم مرشحاً للانتخابات الرئاسية واكتفى بدعم ميلونشون الذي استقطب العديد من مناصري الحزب وبات القوة الأولى في اليسار اليوم مما سبب اشكالاً عميقاً حيث يرفض ميلونشون الحوار مع باقي قوى اليسار التقليدي، فيما يطالب الشيوعيون بتحالف وقوائم انتخابية موحدة. خاصة أن انتخابات البرلمان الأوروبي قادمة ويبدو أن كل قوى اليسار ستقدم لوائح منفردة مما قد يساهم بإضعافها.

فهل من أمل أن يستعيد الحزب الشيوعي الفرنسي تاريخه كما نتمنى؟ وهل يستطيع اليسار بشكل عام أن يتجاوز الخلافات ويتحد لمنع تذويب حركة "السترات الصفراء" أو تجييرها إلى اليمين واليمين المتطرف أو جعلها نموذجاً آخراً من الثورات المضادة التي صادرت انتفاضات الشعوب العربية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا