الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكارثية واليسار الأقتصادي الامريكي

مظهر محمد صالح

2018 / 12 / 26
الادارة و الاقتصاد


لم يفاجئنى ِالمقال الذي تصدر واحدة من صفحات المجلة الاقتصادية اللندنية "ذي ايكونومست" مؤخراً والذي تناول مخلفات الحركة المكارثية وجاء بعنوان مفاده:مكارثي في المتحف ......انه معرض الوغد..!! .فقد احتل جوزيف مكارثي (عضو مجلس الشيوخ الامريكي الاسبق) تمثال نصفي من معدن البرونز في زاوية ثانوية من زوايا متحف مدينة ابلتون في ولاية ويسكانسن الامريكية مسقط رأسه من دون إهتمام يذكره الجمهور .فبين العام 1950- 1954 قاد مكارثي بنفسه حملته العقائدية المضللة الشهيرة ضد اليسار الامريكي وقواه التقدمية التي لم يفلت منها حتى عالم الفيزياء البرت إنشتاين اضافة الى الفنان الكبير تشارلي شابلن وداعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ والكاتب الشهير آرثر ميلر واكثر من 250 شخصية امريكية مختلفة.فالمكارثية هي سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتأمر والخيانة دون الاهتمام بالادلة ،اذ قادت تلك الاتهامات الى اعتقال العديد من الشخصيات في الولايات المتحدة الامريكية ووضعوا جميعاً في القائمة السوداء وجرت احالتهم الى القضاء بدعوى مكافحة الخطر الشيوعي في الولايات المتحدة ذلك إبان التوترات التي أفرزتها الحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين. واستمرت الحملة المكارثية حتى أصدر الكونغرس الامريكي قراره الشهير في العام 1954 بأيقافها وتوجيه اللوم لجوزيف مكارثي نفسه . ولم يتخطى التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة واحدة من أشهرالاحداث المهمة للمكارثية يوم طالت الحملة المذكورة الاقتصادي الأكاديمي الشهير بول سويزيSweezy الذي إكتسب فكره اليساري من خلال دراسته العالية في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وتتلمذه في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي على يد عالم السياسة هارولد لاسكي الذي اصبح زعيماً لحزب العمال البريطاني بعد الحرب الثانية وعمو م التيار الماركسي البريطاني الجارف وقت ذاك قبل ان يكمل تعليمه العالي في جامعة هارفرد.وتذكر الوقائع التاريخية ماجرى يوم
دخل السناتور جوزيف مكارثي حرم جامعة نيو هامشاير وكان بول سويزي يلقي محاضرته كزائر ضيف ليطلب مكارثي باعلى صوته اوراق ومسودات المحاضرة التي كان يلقيها بول سويزي ، الا ان طلبه جوبه بالرفض من جانب المحاضر .ذهب مكارثي بنفسه الى حرم جامعة هارفرد التي كان سويزي استاذاً فيها وهو يصرخ باعلى صوته قائلاً: أرى رؤوساً حمراء قد اينعت وحان قطافها ....!! ما اضطر رئيس الجامعة الى طرد مكارثي واخراجه الى خارج سياج الجامعة لكونه خرق الحرم الجامعي الحر وانتهك الحريات الاكاديمية .وبالرغم من ذلك لم يفلت بول سويزي من الاعتقال وقت ذاك في نطاق الديموغوغية المكارثية. كما دفع بول سويزي ثمن رؤيته في الماركسية الجديدة عن كتابه الاقتصادي الشهير :نظرية تطور الراسمالية الصادر في العام 1942 والتي حاكى فيها نظرية العمل كمصدر للقيمة وعلى وفق معطيات السوق الامريكية والنظام الاقتصادي الراسمالي السائد ابان الثورة الصناعية الثانية وسيادة رأس المال الاحتكاري. واسس سويزي في العام 1949 بالاشتراك مع زميله هيبرمن المجلة ألاقتصادية الشهرية"ذي مونثلي ريفيو" ليكون البرت اينشتاين الكاتب الاول في العدد الاول من تلك المجلة وبمقال لانشتاين كان عنوانه :لماذا الاشتراكية؟أصبح سويزي من مناصري الحزب التقدمي الامريكي . مرت اليوم ستة عقود على رحيل مكارثي في العام 1957 وهو العام الذي اغلقت الدعوى القضائية المثارة ضد بول سويزي ،إلا ان المكارثية ظلت المصطلح الاقوى على الايذاء .اذ يتحدث المؤرخ الامريكي المعاصر جيمس باتيرسون قائلاً: لم تتوافر وسيلة كافية وقت ذاك تستطيع ان تتحدى أكاذيب مكارثي وتلفيقاته ،وان شخصيات قوية قد اهتزت لضراوة هجماته الكلامية وقدرته على النقد والتجريح اللاذعين والتي لايمكن صدهما. فعلى سبيل المفارقة حث الرئيس الامريكي ترامب قبل اسابيع الجميع بأهمية اعادة دراسة تاريخ الحركة المكارثية الامريكية مهاجماً التحقيقات المسماة لجنةً روبرت ميلر وهي لجنة القاض الذي كلفه نائب المدعي العام الامريكي روزنشتاين في أيار 2017 للتحقيق في موضوع التدخل الروسي بالانتخابات الامريكية منذ العام 2016 والمسائل ذات الصلة بين حملة ترامب الانتخابية والحكومة الروسية.إذ علق الرئيس ترامب بهذا الشأن قبل اسابيع قليلة قائلاَ:إن امريكا تعيش اليوم في ظلال حقبة (صاحبنا )جوزيف مكارثي...!! ختاماً،ربما سيظل المعرض الصغير لجوزيف مكارثي في مدينة ابلتون الامريكية يشرح بوضوح طيش ذلك الرجل ولاسيما تلك الابتسامة المغلفة التي تلاعب أطراف شفتيه والتي أظهرت حملته التحقيقية من خلالها الجانب الداكن من التشكيك المرير في الوطنية الامريكية. انه تاريخ لن ينقطع من العداء للثقافة والمثقفين على مختلف الازمنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي