الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسباب السياسية لظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائر

فضيل ابراهيم مزاري

2019 / 1 / 1
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


د. فضيل ابراهيم مزاري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الشلف
الاسباب السياسية لظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائر
شكلت الهجرة غير الشرعية ظاهرة حادة في كل الدول التي تعاني عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن بين المواطنين وانتشار الجوع وقلة فرص العيش، وهذا موجود في العديد من الدول عبر مختلف الأزمنة، ولقد هاجر مثلاً بنو هلال في القرن 11 ميلادي من الجزيرة العربية حتى استوطنوا مصر ثم المغرب العربي هروباً من الجوع والقحط الذي ميز منطقتهم، الا أن اللافت للعيان في هذه الأيام الأخيرة عادت هذه الظاهرة الى الجزائر بشكل مخيف جداً، نظراً لكون هذا النمط من الهجرة يتم عبر قوارب الموت التي يمتطيها الشباب والشابات للوصول الى ضفة شمال المتوسط ليعيشوا في الجنة الأوروبية حسب تصورهم، وهذا بدوره دفع الاكليروس السياسي لاستنفار أئمة المساجد عبر خطب الجمعة لنبذ وتحريم وتجريم هذا الفعل الشنيع الذي ينكره العقل والدين، دون العمل بالمقابل وفق سياسة سوسيو- اقتصادية واضحة تهدف الى الحد من هذه الظاهرة، وهذا رغم ما تتمتع به الجزائر من استقرار سياسي وموارد اقتصادية وبحبوحة مالية قادرة على توفير فرص عيش رغيدة للمواطنين لو استغلت بالكفاءة المطلوبة؛ وعليه يمكن طرح التساؤلات التالية: ما هي الدوافع الأساسية للهجرة غير الشرعية في الجزائر؟ وهل فعلاً الجزائر تعاني من انعدام فرص العيش والصعود الاجتماعي؟ وكيف يمكن قراءة هذا النمط الانتحاري لظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائر؟
1- نخبة سياسة تقليدية وجيل شبابي متعلم: متغير الفجوة وانتاج الاحباط الشعبي: يُخيم على جل الشعب الجزائري اليوم ما يمكن أن نسميه ذهنية الحرمان المادي بمختلف أشكاله، فالشاب الذي يتقن ويجيد استعمال الانترنت والذي يرى ويراقب كل يوم كيف يعيش المواطن السويسري والهولندي على مختلف مواقع الانترنت، كما أنه يتقن الكثير منه لغة أجنبية على الاقل هو في الأصل يعيش في واقع لا يتماشى وتصوراته وأماله على الاطلاق؛ ومن هنا نشأت الفجوة الأولى بين رغد العيش الأوروبي وقساوة العيش في الوطن. ومصدر هذه الفجوة راجع من جهة لعدم وجود نخبة سياسية قادرة على تحقيق طموحات الشباب أو جزء منها، ومن جهة ثانية راجع الى تلكؤ الخطاب السياسي وإلقاء اللوم على الشباب وتمجيد انجازات النظام الحاكم من جهة ثانية، ومن هنا خلقت الفجوة الثانية بين ما يراه الشباب حياة اللاأمل التي تسود في الجزائر وطبيعة النظام السياسي الحاكم وسياساته وخطاباته التي لم تعد ترق الى مستوى تفكير هؤلاء الشباب، ومن هنا يخلق الاحباط أو اليأس الذي يكون دافعاً للقيام بعمل عدواني أو غير عقلاني، والذي تجلى في الحالة الجزائرية في ركوب قوارب بحرية رغم حالات الموت العديدة التي تُصورها وسائل الاعلام كل يوم. إذن فالإحباط هو الدافع الرئيسي للهجرة غير الشرعية، وهو في نهاية المطاف نتيجة حتمية لضعف الأداء السياسي للنظام السياسي الحاكم وخطاباته وعدم تحقيق لوعوده.
إذن الهجرة غير الشرعية على الطريقة الانتحارية الجزائرية مردها تقليدانية النخبة السياسية الحاكمة وتلكئ خطابها السياسي وخارجانيتها عن الشعب، حيث لا ترقى بالأساس الى طموحات الشباب الجزائري الحداثي والمتعلم. وهذه الفجوة تبرز ضمن الخطابات السياسية لمختلف الوزراء، وخاصة لممثلي الشعب الجزائري في مختلف الهيئات التمثيلية على المستوى المركزي (البرلمان) والمحلي (المجالس البلدية والولائية) وكذا قادة الأحزاب المتحالفة مع السلطة الحاكمة. فالتقليد الجزائري المعروف في وظيفة التمثيل السياسي أنها تُسند لغير المتعلمين من المقاولين والباعة والمتجولين وغيرهم من الوصوليين والنفعيين ضمن خريطة واضحة يرسم معالمها المال الفاسد وبيروقراطية الدولة والأحزاب المندمجة فيها بما يضمن استمرار مصالح عصابات مالية معينة واستقرار النخبة السياسية الحاكمة، وهذا الوضع يفهمه الشاب الجزائري المتعلم جيداً ويعلم أن هؤلاء الممثلين وحماتهم يعملون وفق اطار محدد المعالم يحيط به ستار حديدي لا يمكن تجاوزه الا باتباع طرق خاصة تحتاج الى مسار تكويني آخر غير الذي تلقاه في الجامعات ومراكز التكوين ولا يتوافق مع قيم الشاب الجاد والنشط.
وفي ظل هذا النظام السياسي المتعالي الذي يعبر عن خارجانية النخبة السياسية عن جيل الشباب وطموحاته ومستوى تفكيره، يجد الشاب الجزائري نفسه وحيداً ينعصر ألماً ولا يوجد من يشعر به ويُعبر عن ألامه ويعمل على تحقيق أماله؛ فالسبب الرئيسي هو سياسي، أما السبب اللاحق هو سايكولوجي، والنتيجة هي الهجرة حتى ولو كانت نسبة نجاحها محدودة للغاية وترافقها مخاطر الموت في عرض البحر.
2- انتشار الفساد الموسع ونمو البرجوازيات الطفيلية ونمو الغيض الشعبي: يرى جل الشباب الجزائري خصوصاً حملة الشهادات أن الدولة يسيطر عليها زمرة من الفاسدين على المستوى المركزي وشبكات واسعة من المنتفعين والوصوليين على المستوى المحلي والذين يتيحون فرص التوظيف وانشاء المشاريع الاقتصادية الى مقربيهم وذويهم ومن سار في نهجهم؛ ونتيجة هذا الفساد على مختلف المستويات وبمختلف الأشكال وفي شتى المجالات نمت برجوازية طفيلية تتميز بالاستهلاك التفاخري الذي يؤدي في الأخير الى بروز الغيض الشعبي تجاه هؤلاء الذين يُحسبون على السلطة السياسية وأجهزتها على المستوى المركزي والمحلي؛ وبالنسبة للشباب أن هناك تحالفاً بين السلطة السياسية والبرجوازيات الطفيلية التي سيطرت على موارد الدولة (العقارات والأموال) والمناصب الوظيفية دون تأهيل حيث شكلت جداراً اسمنتياً لا يمكن تجاوزه أو زعزعته، وبالتالي لا يمكن التفكير بإزاحته أو متابعته لأنه ببساطة حليف السلطة السياسية التي تملك ماكنة القمع السياسي والقهر المادي بمختلف أشكاله، ومن هنا يأتي التفكير في الهجرة كحل أخير للتخلص من الفضاء الضيق التي تتحكم فيه السلطة السياسية وبرجوازيتها الطفيلية والذي لا يمكن العيش فيه بالنسبة للشباب.
إذن الخريطة السياسية – المالية التي تهيمن عليها البيروقراطية المحلية وموظفيها ومسانديها من رجال المال والأحزاب تشكل الستار الحديدي للأوليجارشية بتعبير عالم الاجتماع الايطالي ميشيلز R. Mishels والتي لا تتيح فرص الاندماج الاقتصادي والاجتماعي الا لمقربيها؛ وفي ظل هذا الاطار المقيد نشأت البرجوازية الطفيلية الحديثة التي تتميز بالتباهي والتعالي والتي تشكل دافعاً أساسياً للإحباط الشبابي الذي سُدّت كل الأبواب أمامه ولم يجد الا الهجرة بطريقته الخاصة.
3- عدم نجاعة السياسات الاقتصادية وضعف الأداء الاقتصادي: لقد تميزت السياسات الاقتصادية في الجزائر منذ مطلع الالفية الثالثة بضعف كبير على مستوى النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، وهذا ما انعكس سلباً على احداث تغير نوعي في البنية الكلية للاقتصاد الوطني بما يحرره من التبعية للريع النفطي من جهة، ويوفر فرص شغل للشباب من جهة ثانية، ويعمل على بناء قاعدة انتاج وطنية في المواد الضرورية على الاقل من جهة ثالثة؛ فخيبات الأمل التي أصيبت بها السياسات الاقتصادية الوطنية وان كانت لها عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية كما لها تبعاتها الثقيلة في نفس هذه المجالات، هي التي تعتبر العامل الأكثر تأثيراً في انهيار آمال الشباب نحو بناء حياتهم الاجتماعية وتحقيق آمالهم في فرص الشغل وتحقيق الاندماج الاجتماعي، وعليه يمكن القول أن ضعف الأداء الاقتصادي يعتبر عامل حاسم في اصطفاف الشباب ضمن طابور البطالين، ومن هنا يشعر الشاب بخيبات الأمل والاحباط وضيق الأفق، ويبدأ التفكير في العيش في عالم آخر غير عالم الاحباط الذي تحكمه ساسة من الجيل القديم لا ترتقي ولا تعبر عن طموحاته.
إذن فالسياسات الاقتصادية غير الناجعة منذ ما يقارب عقدين من الزمن تعتبر كذلك من بين أهم الأسباب السياسية التي حولت الجزائر الى أرض طاردة لشبابها بدل احتواءه ودمجه في عالم الشغل. والأكثر من ذلك رغم توفر الجزائر على كل الموارد الاقتصادية والميكنة التكنولوجية في مجال الأشغال العمومية الا أن العديد من مشاريع البناء توكل الى شركات أجنبية في وقت يوجد طابور طويل من الشباب البطالين الذين يعيشون حالات البؤس المادي والاحباط النفسي.
4- ضعف سياسات التكوين المهني والجامعي: أن ما يميز الجامعة الجزائرية ومختلف مراكز ومعاهد التكوين هو العدد الهائل من الخرجين في كل سنة، وبالمقابل عدم وجود مؤسسات اقتصادية قادرة على استيعاب الجزء الأكبر منهم، سواء من خرجي الجامعات الذين يتمتعون بتكوين نظري يعوزه التكوين التطبيقي، أو خرجي المعاهد ومراكز التكوين الذين زاولوا مسار تكويني مزدوج نظري وتطبيقي، فكلهم مرشحون الى الالتحاق بقائمة المنتظرين في طابور البطالة؛ وهذا كله ليس راجع فقط الى عدم وجود مؤسسات اقتصادية قادرة على استيعابهم وحسب، بل كذلك راجع الى كون هؤلاء الخرجين اما تلقو تكويناً لا يتلاءم وحاجيات المؤسسات الاقتصادية الوطنية بما ينتج عنه بطالة هيكلية، واما تلقو تكويناَ ضعيفاً لا يجعلهم مؤهلين لاقامة مشاريع انتاجية أومقولاتية خاصة بهم، ومن هنا ينتج السخط والتذمر على الجامعة أولاً وعلى سياسة التكوين ثانياً وحتى على الوضع الاقتصادي والسياسي للوطن ثالثاً. وهذا السخط والتذمر هو كذلك دافع أساسي للهروب من الواقع ومواجهته بتحدياته الصعبة والقاسية الى عالم يراه الشاب مليء بالتحفيزات والفرص الاجتماعية والاقتصادية، وعليه يبدأ التفكير بالهجرة بأي طريقة كانت حتى ولو كان ثمنها الموت.
وتأسساً على كل ما سبق يمكن القول أن الأسباب الرئيسية لظاهرة الهجرة غير الشرعية في بلد غني بالموارد الاقتصادية والطاقات البشرية هي عوامل سياسية بالأساس؛ صحيح أن الشاب الذي يغامر بحياته متجاوزاً كل التقاليد والأعراف والقوانين والنواميس البشرية في الحياة ليعيش في عالم يتصوره هو أنه رحب ويتوفر على فرص العيش الكريم يعاني من انهيار قيمي، الا أن هذا الانهيار القيمي يعود بالأساس الى المجال العام الذي رسمه النظام السياسي الحاكم منذ بداية بناء الدولة الوطنية بصفة عامة، والى النخبة السياسية الحاكمة منذ مطلع الألفية الثالثة التي هدرت أمولاً كبيرة دون احداث تغير نوعي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي رغم حجم الاغلفة المالية المخصصة لذلك. فالإحباط الشعبي والسخط الجماهيري ناتج بالأساس عن خيبات الأمل التي شابت السياسات الاقتصادية ومن ثم تبخرت كل آمال الشباب في الاندماج الاجتماعي حتى ولو كانوا متحصلين على شهادات جامعية.
وصفوة القول هو أن الشباب الجزائري اليوم يعيش في واقع يراه عديم الفرص أو على الأقل لا يوجد فيه تكافؤ للفرص، وهذا هو منبت الاحباط والسخط اللذان يؤديان الى اليأس، والذي بدوره يؤدي حسب علماء النفس الى الانتحار. واذا كانت نظرية الحرمان النسبي ترى أن الثورات تقوم في الدول التي يعيش فيها المجتمع المدني فجوة بين ما ينبغي أن يحصل عليه وبين ما تتيحه له البيئة، فإن في الجزائر هذا لا يدفع الى الثورة ضد الظلم والحرمان والاقصاء والتهميش وعدم وجود فرص الاندماج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بل أنشأ ظاهرة فريدة تمثلت في الهجرة غير الشرعية عبر قوارب تؤدي في غالب الحالات الى الموت؛ وإذا كانت هذه الظاهرة اجتماعية لها دوافع سايكولوجية وحضارية واقتصادية وسياسية، فإنها تحتاج وبالضرورة وفي أقرب وقت ممكن الى علاج سياسي من خلال احداث سياسات ذات طابع اقتصادي واجتماعي تحد من هذه الظاهرة السلبية التي تهدر طاقاتنا الشبابية في عرض البحر؛ فالتكوين الديني لحماية النفس من المخاطر مهم ولكن الأكثر أهمية أن يرافق بإصلاح سياسي واقتصادي كذا اصلاح السياسات الاجتماعية بما يخلق وضع عام رحب بالمواطنين لا طارد لهم الى الموت في عرض البحر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات