الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساهمة في-الحوار العربي الكردي غائب أم مغيب

صالح بوزان

2006 / 4 / 16
القضية الكردية


مساهمة
لم يكن هناك في يوم من الأيام حوار عربي كردي على صعيد المثقفين العرب والكرد. وأنطلق في ذلك على صعيد سوريا بالدرجة الأولى. فالمثقف العربي السوري حتى الأمس القريب كان يحمل نفس الشوفينية العربية التي أسسها وزرعها حزب البعث العربي في سوريا. ولم يشذ عن ذلك لا اليساري العربي ولا الإسلامي العربي. لقد اعتبر هؤلاء شعار الأخوة العربية الكردية التي ينادى بها الأكراد منذ الخمسينيات، هو مؤامرة كردية على عروبة سوريا. وحتى الحزب الشيوعي السوري الذي هو حزب أممي كان يرفض أن يرفع هذا الشعار في تجمعاته، ووثائقه خالية من هذا الشعار. بل كان يوجه تهمة التعصب القومي الكردي ضد الأعضاء الأكراد الذين ينادون بهذا الشعار. وكان الإسلاميون يلغون الهوية الكردية تحت شعار المسلمين سواسية، ولا فرق بين العربي والعجمي إلا بالتقوى. وعندما كان الأكراد يطالبون بحقوقهم، يتهمون بالتبعية للخارج، التبعية للدول الغربية الحاقدة على الإسلام، والتي تحرك الأكراد في سبيل تمزيق الإسلام. تماماً كما يستشهد السيد حميد جبر الواسطي بما أوردتم في مقالتكم عن لسان ذلك الكردي الذي قال "بأنه إذا انتهت مشكلة الأكراد التي افتعلها الدول الكبرى في الدولة العربية الإسلامية سيصبح طريق عودة القدس سالكة"، وهو أي الواسطي يعتبر هذا الكلام صحيحاً. لا ادري عن أية دولة عربية إسلامية يتكلم الواسطي. هل يتكلم عن الدولة الأموية أم العباسية أم العثمانية. ألم يقرأ السيد الواسطي تاريخ انتفاضات الأكراد منذ بداية الغزو الإسلامي على المناطق الكردية. هل كل الانتفاضات التي قامت ضد العنصرية الإيرانية والتركية كان وراءها الدول الكبرى؟ يا " لخيانة الأكراد" .
لقد بدأت نغمة جديدة عند بعض المثقفين العرب في السنوات الأخيرة، خصوصاً عندما أصبحت القضية الكردية مطروحة بقوة في الشرق الأوسط. وهي التكلم بايجابية عن الأكراد من خلال صلاح الدين الأيوبي، وعندنا في سوريا، من خلال يوسف العظمة الشهيد السوري الأول وإبراهيم هنانو..وغيرهم. هؤلاء الذين حتى الأمس القريب كانوا في عداد المناضلين العرب، ورموز القومية العربية حسب المنطق القومي العربي في سوريا.
لقد تأسست الدولة السورية الحديثة بعد الاستقلال بالتنكر الكامل لكل النضال الوطني الكردي، وأسست هذه الدولة لمنهج عروبة سوريا أرضاً وشعباً، وحتى بعض الحقوق الثقافية التي حصل عليها الأكراد في عهد الانتداب الفرنسي تم قمعها ومنعها. تخيلوا لو قام صلاح الدين ويوسف العظمة وإبراهيم هنانو من القبر اليوم، ووجدوا إلى أين ذهبت تضحياتهم. إلى حيث يجري اضطهاد الأكراد وتعريبهم بالقوة والمؤامرات، واعتبارهم أجانب، فماذا سيكون موقفهم؟. لقد قرأنا كثيراً في المدارس عن المروءة العربية، هل هذا التعامل مع أحفاد هؤلاء العظماء فيه شيء من المروءة ؟.
إن الكردي ينظر بكل تحفظ إلى الحوار العربي الكردي على صعيد المثقفين(ناهيك على صعيد الساسة)، فكيف يمكن أن يثق الكردي بهذا المثقف العربي، وهو لم يرفع صوته ولو مرة (ولغاية السنوات العشر الأخيرة) ضد كل المظالم الوحشية والمشاريع العنصرية التي مارسها الساسة والمثقفون العرب ضد الكرد في سوريا. لقد جرى في سوريا أكبر مشروع عنصري خطط له رجل الأمن طالب هلال (أصبح عضواً قيادياً في حزب البعث بعد استلامه للسلطة عام 1963) وتم تنفيذ ذلك المشروع خطوة خطوة، بإجراء إحصاء 1962 الذي جرد بموجبه آلاف الكرد من الجنسية السورية واعتبارهم أجانب، وجرى تنفيذ الحزام العربي عام 1975 الذي بموجبه تم الاستيلاء ألقسري على أراضي الأكراد بمحاذاة الحدود السورية العراقية والسورية التركية، وجرى استيطان العرب فيها، من خارج المحافظة نفسها. لقد جرى تغيير أسماء القرى الكردية في مناطق الجزيرة السورية وعفرين وعين العرب، ومنع الأكراد من أن يسموا أبناءهم بالأسماء الكردية. وللفكاهة المريرة أن كاتب هذه الأسطر من منطقة تل أبيض من حيث الولادة والسجل المدني، ولكن لا يحق له أن يشتري أي عقار في هذه المدينة لأن الأجهزة الأمنية لا تقبل بأن تسجل أي عقار على اسمه لكونه كردياً، بينما يستطيع أي مواطن سوري من حوران أن يشتري أي عقار في هذه المدينة ويسجلها على اسمه دون تدخل الأجهزة الأمنية. لقد جرى كل ذلك وغير ذلك على مرأى ومسمع المثقف العربي السوري بيمينه ويساره، بإسلاميه وقوميه وبقي صامتاً صمت الحجر، بل اعتبر العديد منهم أن كل ذلك للضرورة الأمنية، هكذا.. ضرورة أمنية من قبل الدولة ضد شريحة واسعة من مواطنييها السوريين، لا لشيء فقط لأنهم من قومية ثانية.
لقد اختلف المثقف العربي السوري كثيراً مع السلطات المتعاقبة على الحكم في سوريا، وانتقدها بجرأة فائقة (وغالباً كان على حق)، لكنه كان يتفق معها في الموقف تجاه الأكراد، سواء كانت هذه السلطة يمينية أو يسارية، ديكتاتورية أو ديمقراطية. إنها وسمة عار عسى أن يمحوها الزمان.
أنه لشيء مفرح فعلاً ما كتبه الأستاذ خالص مسور من سوريا. فقد بدأ فعلاً في السنوات الأخيرة ترتفع أصوات بعض المثقفين العرب السوريين تضامناً مع الأكراد. ولكن، وللأسف أن بعضهم تدفعهم المعارضة للنظام بالتوجه نحو المجتمع الكردي السوري لكونه القسم الأكثر سياسياً اليوم، والأكثر ديناميكية. وليس نتيجة قناعات كاملة بعدالة القضية الكردية السورية. وفي أحسن الأحوال فإن الكردي يحمل في داخله بعض الشك في موقفهم.
إنه لفخر كبير للأمة العربية في سوريا، أن رجلاً سياسياً مثل النائب السابق رياض سيف، والذي لم يخرج من السجن إلا في الأشهر ألأخيرة يقف مع الأكراد في اعتصامهم أمام مجلس الوزراء السوري مؤخراً مطالباً معهم بحل المشاكل الكردية في سوريا، ورفض إيعاز الأجهزة الأمنية بأن يخرج من بين صفوف المعتصمين لكونه ليس كردياً. نعم.. رفض الخروج من بين صفوف أخوته الكرد حتى اعتقل. لقد اعتقل هذا العربي من أجل الأكراد. وخلق هذا الموقف المشرف تأثيراً كبيراً على الكرد السوريين من مثقفين وساسة وحتى بين رعاة الأغنام. أكرر هنا ما قاله قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد للقنصل الروسي، إن اليد التي تمتد لنا لا نشد عليها فقط بل نقبلها أيضاً. نعم هذا هو النموذج العربي الذي يبحث عنه الأكراد السوريين، ليبنوا معه مصيراً مشتركاً وغداً وطنياً يصبح ملكاً لجميع مواطني سوريا، سوريا التي هي عزيزة على قلب كل عربي وكردي وسرياني وآشوريي وتركماني... وكم كانت في المقابل صورة مقيتة، ظهرت عندما انتفض أكراد سوريا في آذار عام 2004 حيث سرعان ما اتهم الكردي بالعمالة للخارج. هذا الموقف المشين الذي خرج من العرب القوميين اليمينيين واليساريين، وحتى من بين صفوف الماركسيين الذي داسوا على الشعار الأممي. لقد انتفض الأكراد فقط ليقول: كفى هذا الظلم، كفى هذا الاضطهاد. لقد أصبح حتى الاحتجاج الكردي مؤامرة بنظر البعض.
أن الوطن لا يتمزق عندما يجري الاعتراف العادل بالحقوق، بل عند استيلاء بعضهم على حقوق البعض، وإنكار بعضهم للبعض الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة