الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجرائم المعلوماتية المتعلقة بالتزوير المعلوماتي د/ محمود رجب فتح الله

محمود رجب فتح الله

2019 / 1 / 4
دراسات وابحاث قانونية


الجرائم المعلوماتية المتعلقة بالتزوير المعلوماتي
د/ محمود رجب فتح الله
دكتور القانون الجنائي
المحام امام الجنايات

هذا المقال جزء من كتابنا : الوسيط في الجرائم المعلوماتية ، د. محمود رجب فتح الله ، مصر ، الاسكندرية، دار الجامعة الجديدة ، الطبعة الاولي ، سنة 2018، وغير مسموح نهائيا بطبع هذا الكتاب، او جزء منه، او النسخ له او الاقتباس او النقل بالطرق اليدوية او الالكترونية او السلب المعلوماتي علي اي هيئة او اي وسيلة الكترونية اخرى او بالوسائط الممغنطة او الميكانيكية او بطريق الاستنساخ او غيرها الا باذن كتابي من صاحب حق الطبع.

من المقرر ان جريمة التزوير forgery وبشكل عام، يمكن تعريفها على انها "هو تغيير الحقيقة ايا كانت وسيلته وايا كان موضوعه" وهو يتسع للعديد من الجرائم التي نصت عليها قوانين العقوبات.

اما التزوير في المحررات، فهو حسب تعريفه المستقر في الفقهين الفرنسي والمصري "تغيير الحقيقة في محرر باحدى الطرق التي نص عليها القانون، تغييرا من شأنه احداث ضرر مقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما اعد له".

وبالرجوع الى قوانين العقوبات العربية، نجدها في معرض تجريم التزوير عموما، وتزوير المحررات على وجه الخصوص قد نصت على تجريم العديد من الصور، فقد نص قانون العقوبات الاردني، على سبيل المثال، على هذه الجرائم في الباب الثاني من الباب الخامس تحت عنوان الجرائم المخلة بالثقة العامة (وهى المواد 260 – 272)، وساوى في العقوبة بين مرتكب التزوير ومستعمل المحرر المزور.

فقد عرف قانون العقوبات الاردني التزوير بأنه "تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد اثباتها بصك او مخطوط يحتج بهما نجم او يمكن ان ينجم عنه ضرر مادي او اجتماعي" (مادة 260).

وكذلك مشرعنا المصرى، فقد نظم قانون العقوبات المصري جرائم التزوير في الباب السادس عشر من الكتاب الثاني تحت عنوان التزوير (وهى المواد 206 – 227).

ويلاحظ هنا ان المشرع المصري قد قام بتجريم استعمال المحررات المزورة، لكنه نهج نهجا مختلفا عن المشرع الاردني بشأن العقوبات، اذ تتعدد العقوبات فيما بين جرائم تزوير المحررات تبعا لنوع المحرر محل التزوير، وتتنوع وتختلف عن عقوبات جرائم استعمال المحررات كما انها تتباين في الطائفة الاخيرة.

ومن الملاحظ ان هناك تشابه ما بين جرائم التزوير مع جرائم الاحتيال من حيث قيامهما على تغيير الحقيقة، غير انهما تختلفان من زوايا متعددة، اهمها ان جريمة تزوير المحررات لابد ان تقع على محرر، ولا يشترط ذلك في جريمة الاحتيال، وغالبا ما تجتمع جريمتا التزوير والاحتيال، ونكون بذلك امام حالة التعدد المادي للجرائم .

وتقوم جريمة التزوير على ركنين، ركن مادي واخر معنوي، وان كان جانب من الفقه يجعل من بعض عناصر الركن المادي، كالضرر، ركنا مستقلا بذاته .

اما الركن المادي فيقوم على ثلاثة عناصر، هى تغيير الحقيقة، وان يكون التغيير قد تم باحدى الطرق المحددة حصرا في القانون، واخيرا ان يترتب على تغيير الحقيقة ضرر، وهذا العنصر الاخير هو ما ثار بشأنه الخلاف حول موقعه، الا ان السائد في الفقه اعتباره عنصرا من عناصر الركن المادي، وتغيير الحقيقة يمثل السلوك الاجرامي الذي يقوم به التزوير، فاذا انتفي انتفت الجريمة، ولا يشترط ان يكون التغير كليا، أي ابدال كل البيانات بما يخالف الحقيقة، ويكفي ان يكون تغيير الحقيقة جزئيا او نسبيا، والمستقر في الفقه ان المقصود في التزوير، ليس تغيير الحقيقة الواقعية المطلقة، وانما تغيير الحقيقة النسبية .

ويلاحظ ان تغيير الحقيقة وحده، لا يكفي في القانون، وانما يجب ان يجرى باحدى الطرق المحددة حصرا في القانون، والتي تقسم عموما الى طرق مادية تنال من مادة المحرر وشكله، وطرق اخرى معنوية، تنال مضمون المحرر او ظروفه او ملابساته، دون المساس بمادته او شكله، ويكتمل الركن المادي بتحقق الضرر الناتج عن تغيير الحقيقة، والضرر كما يعرفه بعض الفقه هو ”اهدار حق واخلال لمصلحة مشروعة يعترف بها القانون ويكفل لها حمايته” وبانتفاء الضرر ينتفي التزوير، وللضرر انواع متعددة، قد يكون ماديا او معنويا او ضررا احتماليا او ضررا اجتماعيا.

ولا وجود للتزوير اذا لم ينصب على تغيير الحقيقة في محرر، ويعرف المحرر بانه "مجموعة من العلامات والرموز التى تعبر اصطلاحا عن مجموعة مترابطة من الافكار والمعاني الصادرة عن شخص او اشخاص معينين" وهو في جوهره كتابة مركبة من حروف وعلامات تعبر عن معنى او فكرة معينة.

وحسب الاتجاه التشريعي والفقهي الراجح، يفترض امكان ادراك مادة المحرر بالقراءة البصرية وان ينتقل معنى الرموز والعلامات عن طريق المطالعة والنظر، ومن المسائل الهامة المفترض الاشارة اليها، ان الفقه متفق على ان فكرة المحرر، تفترض امكان تفهم دلالة رموز المحرر بالنظر اليها، ولذلك لا يعد من قبيل المحررات، الاسطوانة او شريط التسجيل الذي سجلت عليه عبارات ايا كانت اهميتها القانونية، وكذلك ما يدخل على الصوت الذي يحمله من تشويه.

والعنصر الاخر الهام من عناصر المحرر محل التزوير، اضافة الى اتصاف علاماته ورموزه بثبات نسبي، هو ان فكرة المحرر توجب ان يكشف عن شخصية محرره، وهذا العنصر مما يتصل بالوظيفة الاجتماعية للمحرر، والمستقر فقها ان يكون المحرر معبرا عن فكرة بشرية.
ولعل العناصر التكوينية لمحل جريمة التزوير التقليدية وهو المحرر، هي العامل الحاسم في منع انطباق نصوص جريمة التزوير على تزوير معطيات الحاسب.

أما الركن المعنوي لجريمة التزوير، فيتخذ صورة القصد الجنائي، ولا يكفي فيه القصد العام الذي يقوم على علم المتهم بأركان الجريمة، واتجاه ارادته الى الفعل المكون لها وتحقيق نتيجته، بل تتطلب هذه الجريمة توافر قصد جنائي خاص، يتمثل بنية استعمال المحرر المزور فيما زور من اجله وعلى هذا فان القصد الجنائي في جريمة التزوير يعرف على نحو راجح لدى الفقه والقضاء بانه "تعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييرا من شانه ان يسبب ضررا وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من اجله الحقيقة".

ويثور السؤال، هل يمكن تطبيق نصوص القانون الجنائي على انشطة تزوير معطيات الحاسب؟

بالرغم من ان غالبية الدول حسمت موقفها لجهة عدم انطباق نصوص التزوير على تزوير المعطيات واتخذت تدابير تشريعية لتجريم تزوير المعطيات وتوفير اداة قانونية لمكافحتها الا ان ثمة دول لم تتبنى هذا المنحى، ولا يزال النقاش القديم الجديد بشان مسألة انطباق نصوص تجريم التزوير في المحررات على تزوير البيانات المخزنة في نظام الحاسب قائما، وهذا الجدل يتجاذبه رأيان:

- احدهما، وهو الرأي الراجح لدى قطاع واسع من الفقه، والمؤيد ايضا ببعض باحكام قضائية، وبفعل تبنيه في التشريعات الجنائية الحديثة في القانون المقارن، يقوم على ان التزوير في معطيات الحاسب، لا يدخل تحت نطاق النصوص التقليدية.

- اما الرأي الثاني، فيرى امكان تطبيق النصوص الجنائية المنظمة لجريمة التزوير التقليدية على جرائم تزوير الحاسب.

ونرى بداءة، وبالاستناد الى:

1- انعدام وجود العناصر الرئيسة لمحل جريمة التزوير التقليدية وهو المحرر، في معطيات الحاسب وتحديدا عنصر الكتابة المادية، وعنصر ادراك مضمون المحرر بالنظر، وعنصر التعبير عن الفكرة البشرية وعلاقة الشخص بالمحرر.

2- وسندا الى تاييد غالبية الفقه القانوني من مختلف النظم عدم انطباق نصوص تجريم التزوير التقليدية على تزوير معطيات الحاسب، وتعزز وتأيد هذا الاتجاه باحكام قضائية في فرنسا وامريكا وبريطانيا وغيرها من النظم المقارنة.

3- وسندا لتدخل مشرعي العديد من الدول للنص على هذه الجرائم المستحدثة من جرائم التزوير، اما بنصوص خاصة او بتعديل النصوص التقليدية للتزوير، كما هو الشان في كندا، حيث عدل تعريف الوثيقة document في قانون العقوبات عام 1985 ليشمل بالاضافة الى
الورق أي مادة material يتم عليها تسجيل او حفظ أي شيء يمكن قراءته او فهمه من قبل الانسان او نظام الحاسب او أي جهاز اخر، وكذلك في استراليا حيث اضيفت المادة 276 عام 1983 لقانون العقوبات ونصت صراحة على معاقبة “كل من حرف او زور او محا او اتلف بطريقة غير مشروعة وبقصد الغش، اية مادة لمعالجة البيانات، وكذلك جرمت استخراج او انتاج معلومات غير صحيحة عن طريق المعالجة الالية واستخدامها او التصرف فيها على انها صحيحة اضرارا بالغير او بقصد حمل او اقناع الشخص للقيام بفعل على اساس انها صحيحة” وكذلك في المانيا، حيث تضمن القانون الثاني لمكافحة الجريمة الاقتصادية لعام 1986 نصا في المادة (269) يقضي بتوقيع عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات او الغرامة على كل من يقوم بقصد الخداع في تعامل قانوني، بتخزين او تغيير بيانات اذا ما استنسخت بهذا الشكل انتجت مستندا غير اصلي او مزور، وكذا كل من يستخدم هذه البيانات المخزنة او المحرفة” وكذلك في فرنسا، حيث جرم المشرع الفرنسي في الفقرتين (5،6) من المادة 462 من قانون 1988 المشار اليه، تزوير المستندات المعالجة اليا او استخدام هذه المستندات.

وعلى ذلك، فان نصوص التجريم التقليدية المنظمة لجرائم التزوير، تكون غير قابلة للانطباق على جرائم تزوير معطيات الحاسب بدلالتها الواسعة، مما يستدعي تدخلا تشريعيا في الدول العربية لمواجهة هذه الجرائم، صيانة لاسس ومباديء النظام القانوني وكفالة للحقوق التي تهددها، على نحو جدي وخطر، هذه الانشطة الاجرامية المستجدة( ).

هذا المقال جزء من كتابنا : الوسيط في الجرائم المعلوماتية ، د. محمود رجب فتح الله ، مصر ، الاسكندرية، دار الجامعة الجديدة ، الطبعة الاولي ، سنة 2018، وغير مسموح نهائيا بطبع هذا الكتاب، او جزء منه، او النسخ له او الاقتباس او النقل بالطرق اليدوية او الالكترونية او السلب المعلوماتي علي اي هيئة او اي وسيلة الكترونية اخرى او بالوسائط الممغنطة او الميكانيكية او بطريق الاستنساخ او غيرها الا باذن كتابي من صاحب حق الطبع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر


.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود




.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023


.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | عنف واعتقالات في مظاهرات طلابية في أم