الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة في ستراسبورغ - 4 -

علي دريوسي

2019 / 1 / 6
الادب والفن


في إحدى المرّات سافرت بسيارتي من مدينة فرانكفورت إلى مدينة ستراسبورغ مباشرة، كنت في رحلة عمل ليومين، فقد دعاني البروفيسور الذي أشرف على عملي في الدكتوراه لعقد ورشة عمل مشتركة في معهده، بالمناسبة يسمون المشرف على الدكتوراه في ألمانيا الأستاذ-الأب وإذا كانت امرأة فيسمونها الأستاذة-الأم، كان يوم خميس، لم أُخبر أزيتا بسفرتي، وددت مفاجأتها وإمضاء المساء والليل معها على أن أُكمل عملي في جامعة ستراسبورغ في اليوم التالي، ثم أنتظرها حتى تُنهي عملها لنعود سوية إلى منزلنا في كارلسروه، فعلت ما فعلته لأن عيد زواجنا الثالث صادف يوم الجمعة ولهذا أحببت أن أستيقظ معها في الفراش نفسه، انتهى جدول أعمال الورشة لليوم الأول في الساعة الخامسة والنصف عصراً، جمعت أوراقي، ودّعت الحضور وغادرت، في السوق مررت بأحد المحلات، اشتريت بعض المشروبات والفواكه وعلبة سجائر وانطلقت إلى البيت، فتحت الباب بمفتاحي دون أن أقرع الجرس، وضعت حقيبتي والأشياء خلف الباب، سمعت صوت التلفاز فدخلت إلى غرفة الجلوس على رؤوس الأصابع، وما شاهدته في الغرفة كان بالنسبة لي مفاجأة من العيار الثقيل، كاد يُغمى عليّ من هول ما رأيت.

كان جو الغرفة ضبابياً خانقاً، هناك على الصوفا العريضة خمرية اللون، حيث استلقيت سابقاً مع أزيتا ونحن نتضام ونرتعش، جلس مكاني شاب في الخامسة والعشرين من عمره تقريباً، كان قد أرخى ذراعيه الطويلتين على مسند الصوفا وقد باعد ما بين فخذيه، أسمر البشرة، شعر رأسه أسود كثيف مُجعَّد جذّاب، حليق الذقن والشارب، كان قد نزع عنه قميصه الأبيض ورماه جانباً، بدا من جلسته رياضي البنية، طويل القامة، نحيل الجسد، كانت عيناه غائمتين حالمتين، من عنقه تدّلت سلسة فضية بحلقات سميكة المقطع، على الطربيزة أمامه زجاجة كونياك، كأس مملوءة، علبتي سجائر، منفضة وأسطوانة بنية اللون بطول وقطر الأصبع الصغرى شبيهة بمعجون اللعب للأطفال أو بأصبع الطَبشورة، أوحت لي هيئته وملامح وجهه بأنه مغربي الأصل، ومن رائحة الشقة حدست بأنه قد تعاطى لتوّه سيجارة حشيش.

سألته بالفرنسية على الفور: ما الذي تفعله في بيتي؟
ردّ عليّ باللغة العربية بوقاحة واستهزاء ودون أن يتحرك عن قعدته: وأنت ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ثم تكلم معي بالعربية أفضل لك، فأنا أعرف من تكون، مهما كبرت ستبقى عربياً.
بلعت ريقي وتحاملت على نفسي كي لا أفقد أعصابي وأجبته بالعربية رضوخاً لطلبه: هذه شقتي وأزيتا زوجتي، من تكون حضرتك؟
أجابني باستخفاف: أنا صديقها وأعيش معها هنا أغلب الأوقات، تفضّل بالجلوس.
سألته: أين أزيتا؟ هل عادت من العمل؟
أجاب باقتضاب: على باب العودة.
جلست وكأني ضيفه، كظمت غيظي، تناولت سيجارة، أشعلها لي وهو يقول: دعنا يا رجل نسهر سوية دون مشاكل، دعنا نتعامل كالأوربيين، أما زلت تعاني من عقد الشرق؟ هل لديك شيئاً ضد العلاقات ثلاثية الأطراف؟
كنت خجولاً من هذا الموقف الذي لم أحسب حسابه يوماً، شعرت بالغبن والخيانة، أخذت نفساً من سيجارتي، لعنت آلهتها في سري، لعنت أمها وأبيها، لعنت ليبراليتي معها، كرهتها ، حقدت عليها أكثر، جمجمت: سأقتلك في أقرب فرصة يا بنت العاهرة.

مدّ يده مصافحاً وافترّ عن أسنانه البيضاء ضاحكاً وخاطبني بودّ: هوِّن عليك ولا تُبال بما يحدث.
أجبته: ما الذي تقوله؟ هل أنت مجنون يا زول؟
ردّ عليّ بينما انشغلت يداه بحشو سيجارة حشيش: لست مجنوناً، بالمناسبة اسمي مازيغ وتعني الرجل الحر، وأنت يا بروفيسور قالت أزيتا أن اسمك ياكوب، هل أنت مسيحي؟
أجبته بهدوءٍ لم أتوقعه: ليس كل من اسمه يعقوب هو مسيحي، أنا مسلم مثلك.
قال ضاحكاً: أنا لست مسلماً، ثم أردف: هل سبق لك أن أبرحت بأزيتا ضرباً؟
أجبته بقرفٍ: نحن لا نضرب نساءنا.
ضحك مازيغ بتواتر يشبه قهقهة الضجيج التفاؤلي الذي يصدر حين الإفلاح بتشغيل محرك مازوت مركّب على ساقية وقال كشيخ يحترف الكلام: تقول حكمة منتشرة في ألمانيا وكلّ أوروبا يا أستاذنا المحترم: المرأة كالفرس تحتاج بين الحين والآخر للضرب بالسوط والهمز بالمهماز، أيعقل أنك لم تسمع بذلك؟

فجأة سمعت خشخشة المفاتيح في قفل الباب الخارجي، دخلت أزيتا وهي تصيح بفرح: أين هو حبيبي الدائخ دائماً؟
صمت كلانا، دخلت أزيتا الصالون وما أن رأتني حتى ركضت إلى غرفة النوم وأقفلت الباب خلفها. نهض الرجل الحر ومشى متأرجحاً إلى الغرفة، قرع الباب عليها طالباً منها الخروج، ثم خاطبها بحنان: لا تخافي، حكيت لزوجك ياكوب كل شيء وهو رجل حضاري ومتفهم، دعينا نسهر مع بعض.

لم تخرج أزيتا من غرفة نومنا، نهضتُ، لملمت بقايا روحي المهشَّمة ومشيتُ إلى باب الخروج بتثاقل، حملت حقيبتي اليدوية وغادرت عائداً إلى شقتي في كارلسروه.
***
يتبع في الجزء الخامس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح