الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهدي حلباس وشخوصه المسرحية في - العين والمخرز -

عبدالله المتقي محمد

2019 / 1 / 7
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مهدي حلباس وشخوصه المسرحية
في " العين والمخرز "


عن مقاربات للنشر والصناعات الثقافية ، صدرت مؤخرا للشاعر والمسرحي المغربي مهدي حلباس ، ثلاث مسرحيات للعرض والقراءة اختار لها من العناوين " هم .. الأعور .. أخريات – العين والمخرز – ثم الصرار والنملة التي خصصها للشباب واليافعين "
وللتذكير والأمانة التاريخية ، مهدي حلباس اسم من أسماء المسرح الهاوي ، ورائد من رواد فرقة نادي الهواة والحياة المسرحية بمراكش ، أيام كان هذا المسرح اقتراحا جماليا ونضاليا ، بمعية مجموعة من الأسماء اللامعة الشابة حينها التي قدمت تصورات جديدة لطبيعة العمل المسرحي وآليات إنتاجه ، نذكر منها على سبيل المثال " مولاي عبدا لحق الصقلي ، منير عبدا لقادر ، سعيد أبو خالد ، إبراهيم الهنائي وغيرهم .
وهذا يعني أن الرجل ذاكرة مسرحية استثنائية ، ملتزمة وماطرة في صمت ، ودون جعجعة ولا ماكياج سياسي أو تحويل الفرجة إلى مطية لقضاء مآرب أخرى ، وبضمائر خائبة ، دون حياء ولا خجل .
واحتفاء بهذه الثلاثية ارتأينا الاقتراب من مسرحيته الموسومة ب " العين والمخرز" ، ولتكن بداية الإنصات عنوانها المعلق في سقفها ، باعتبار العنوان سر النص ونيته .
هكذا نجدنا أمام جملة عطفية ، وأمام " العين " عضوا للإبصار ، ثم " المخرز" أداة للثُّقوب الصَّغيرة ، هذه المفارقة التي تستفز القارئ في العتبة الأولى ، تحفزه للسؤال عن هذه العلاقة المعطوفة بين العين والمخرز رغم علاقتها التضادية ، أو بالأحرى بين الإبصار والإطفاء ؟ القاتل والمقتول ؟ الحياة والموت ؟
هو ذا حلباس ينقاد دوما للخرق المسرحي وللمألوف الفرجوي ، واسم يؤمن بالمسرح واجهة صراع ومواجهة فكرية وجمالية عبر النبش في المتناقضات والمفارقات ، لدى رتأى في هذه المسرحية النبش في كواليس المسرح المغربي واقتحام المسكوت عنه ، ورفع الستارة عن نهاية ملتبسة وغامضة لتجربة مسرحية مغربية رائدة ومؤسسة لتجربة مسرح المرحلة التي كان الراحل قد نشر بعضا من أسسها النظرية، على صفحات جريدة «الاتحاد الاشتراكي» ، انه الراحل حوري حسين مؤلفا ومخرجا وشاعرا .
وعليه ، ستكون أنفاس المسرحية رحلة مضنية فاضحة ومستفزة للراكد ، وتساوقا مع هذا البحث الحالك ، لن يكون مصير البطل المحوري سوى الاعتقال وفقء عينيه حتى لا يبصر أكثر ، ومن ثمة إغلاق ملف امتداد مسرح المرحلة ، الذي انتهى تراجيديا بوضع الراحل حوري حسين حدا لحياته منتحرا في شقة كان قد وفرها له صديقه الحسين بكري بمدينة المحمدية. موت " لم يكن سوى شكلا من أشكال المقاومة والاحتجاج.
هكذا تأتي هذه المسرحية للبحث في هذا الموت الانتحار المسرحي مباغت والأكثر تعقيدا وتركيبا ، وهذا ليس من قبيل الافتراء مادام زمن الانتحار المسرحي حدث في مرحلة تاريخية حساسة ملغومة بالمفارقات
وبناء على هذه المعطيات ، تكون مسرحية " العين والمخرز " منحازة للحفر والنبش في المسرح بالمسرح ، إذ تتمركز إشكالية المسرحية حول المسرح ، أي مسرحا يتحدث عن نفسه وموت أحد أبطاله في ظروف ملتبسة وغامضة ، واقترابا من " العين والمخرز " ، لننصت ولو قليلا لعالم مهدي حلباس من خلال هذا النص ، ونلمس بعضا من شخوصه الكادحة والباذخة .
" البطل " ، نادل ، ممثل كادح ومسكون بحوري حسين ، وامتداد له في نفس الآن ، نقرأ في ص 65 " فالحقيقة ما شي أنا لي حيحت عليها .. أيه كان إحساس غريب أ السعدية ، لان الحسين حوري لي ساكن في الأعماق هو لي حيح " ، وهو في واقع الأمر مسكون بتجربة مسرح المرحلة الذي خرج من جبة الزمن المغربي الأحدب ، المكتظ بالتناقضات والالتباسات التي مازالت سارية المفعول ، وما أشبه الليلة بالبارحة .
وهناك علامات وصفات أخرى مميزة لهذا " البطل " ، العناد " الجلاد: عنيد .. عينيه هذه المرة ،عينيه بالمخرز .. عينيه بالمسمار والإبرة " ص40 ، المقاومة :" عيناي .. عيناي .. أواه ... بالعين ... بالعين أقاوم .. العين تقاوم المخرز. العين قد تقهر المسمار الإبرة . عيني سالمين أومازال نشوف .. نشوف بعيد " ص 40
وتعميقا لهذا النزوع ، تتخلق لغة الاحتجاج والفضح ، نقرأ في ص 64 :" البطل : ايه .. ماذا فعلت ، لا أذكر بالضبط ، ولكن حتما شتمت ورفضت فقد مزقت الغلاف والأوراق ، وحيحت عليم مزيان ، وفضحتهم لأني شفتهم وسمعتهم " ، ونقرأ أيضا " البطل : غادي نفضحهم.. أعرف كل ألاعيبهم ، لقد سمعتهم يخططون ويتآمرون يتصرفون كعصابات المافيا ، يقطعون أوصال المدينة ، علق أسود جائع يمتص ويمتص ولا يرتوي " ص66 ، وتساوقا مع هذا الفعل القصدي والشاهد على زمن مغربي معقد ، يتم استدراج البطل للمساومة والتنازل ، والتي يرفضها البطل مادامت مرموزة وخارج المحاسبة والفضح ، المبعوث: نعم نطوي كل هذه الصفحة ، لنبدأ صفحة جديدة ناصعة البياض
البطل : صفحة جديدة ناصعة البياض لنلطخها مرة أخرى بالأنين والدماء ؟ قل لي من سيصالح من ؟ وبأية مقاييس وبأيو ضمانات ، ثم كيف يستقيم أن نطوي الصفحة قبل أن نقرأها أمام الناس وفي العلن .." ص44
2 – السعدية : هو اسم آخر لإحدى شخوص المسرحية ، التي تميط اللثام عن تسميتها بأضدادها، فهي لا علاقة لها بالسعادة والفرح " عاملة بحانة مدام أوكي ، العهارة ، الإدمان على السكر ، ، كما تميط اللثام عن زمن القمل والصئبان الذي استفحل هذه الأيام ، وبشراكة مع كائنات من فجل ، حمراء شعاراتها علنا ، بيد أنها بيضاء في عمق أعماقها .

3- المخرج : يمثل نوع المخرجين الذين خرجوا من غمار المهادنة والفرجة المسرحية الفلكلورية المجانية والفارغة من محتواها ، والحافية من مسؤوليتها التاريخية ، فكل تمسرح ملتزم للبطل ويمس الجرح تقابله عرقلة المخرج " المخرج يقاطعه فاشلة ، مشهد مشحون ومباشر ، اتسمي هذا الهذيان مسرحا ؟" ص
4- مدام أوكي : صورة مصغرة لدهاقنة الاستغلال أنها " إخطبوط له أذرع كثيرة ..مدام أوكي مولات الأوطيل ليست إلا ذراعا صغيرة " ص60
5- با العربي ومي رحمة يشخصان الكدح والفقر والخصاصة والبراءة والسخرية السوداء من تحت الحزام :" رحمة : " أسير الله اعطيك الصحة .. ياهذ المغني السي لحسك الكرعة .
العربي مصححا :" السلاوي .. الحسين السلاوي ارحمة نهاك الله ، ماتديش عليها أولدي راها مريضة مرض السكر قالب ليها المخ " ص 72
6- دهاقنة الاستغلال ، كل من مدير مصلحة الضرائب ورئيس مجلس المدينة ، والخيط الرابط بينهما هو النهب والفساد في الوطن " التسجيل ، التمليك ، عشرين في المائة ، مشروع ضخم ، التحفيظ ، الرخصة ، العقار السمين " مدير الضرائب :دوما تبالغ ، تبالغ كثيرا يا حضرة رئيس مجلس هذه المدينة السمينة ، فماذا تساوي تلك الرخصة اليتيمة أمام مشرع كهذا ضخم " ص68
7 – الجلاد : تشخص العلاقة بين القاهر والمقهور ، وتنطوي على على نوع من المشاعر المتناقضة والقائمة على نفي وإلغاء الآخر وتعنيفه وفنائه ، نقرأ في ص 40 :" الجلاد : عنيد .. عينيه هذه المرة ، عينيه بالمخرز .. عينيه بالمسمار والإبرة ، وكأنهم يفقؤون عينيه ، يظهر وهو على عينيه عصابة عليها دم .. صارخا "
وصفوة القول ، مسرحية " العين والمخرز " لمهدي حلباس الوفي لمبادئه اختياراته ودون أن تسيل لعابه الشاشة الكبيرة ولا الصغيرة ، ولا تكريم مخزني ، هو نموذج للمسرح الذي لا يخون ، والفرجة التي لا " تقلز " من تحت الجلباب .
إنه امتداد لمسرح لمسرح المرحلة والوفاء لرموزه الذين انحازوا إلى فقراء الوطن وكادحيه ، تعري وتفضح باقتحام الكواليس المسكوت عنها عن قصد وسبق إصرار ، وسلاما وليأكل المتمسحون والمبصبصون على أعتاب سادتهم البحر والمحيط ، وكل مسرحية ، و"با" مهدي حلباس أنقى من دمعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا