الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 10

دلور ميقري

2019 / 1 / 8
الادب والفن


لم أمكث سوى قرابة الساعة في شقة " سيمو "، شاركته في خلالها شربَ الشاي المنعنع. كنتُ أعقد الأمل على السهر مع ذكرياته، وأنها ستتأجج بفعل شعلة السيجارة الملغومة، التي راحَ يسحبُ أنفاسها بمتعة. إلا أنّ زميلين للشيف في العمل، قَدِما لمشاركته في الكيف، ما فوّتَ عليّ خطتي. قمت على الأثر، متحججاً بأنّ أفراد العائلة ينتظرونني على العشاء.
" لا تنسَ موعدنا، غداً "، قلت للمضيف قدّام باب الشقة. وإذا به يمد يده إلى كونصول، تعلوه مرآة مذهبة الإطار، ليتناول من على سطحه كيساً بلاستيكياً: " كدتَ، ثانيةً، تنسى دفترك! "، قالها وهوَ يرسم على شدقه ابتسامة ساخرة. فكّرتُ بسرعة، مطمَئناً، فيما أتناول غرضي: " محالٌ أن يكون قد لحقَ قراءة شيءٍ من اليوميات ".
هكذا خضت في الظلام مجدداً، متخذاً الطريق نفسه إلى المسكن، وسط سكون الطبيعة وأشباح مفرداتها. لما أضحيتُ تحت نور مدخل العمارة، قررتُ فجأة أن أتابع المشي إلى الشقة الأخرى. وكان في الوسع الوصول إليها بشكل مختصر، وذلك عن طريق الحديقة الداخلية لمجمع الأبنية، المنبثق من أحواضها أغراسٌ متناعسة للبوكسيا والدفلى والخبيزة وتاج النار، ينعكس على أوراقها وأزاهيرها أضواءُ مصابيح الأرض والسماء. العبق القويّ لأزهار شجر مسك الليل، المهيمنة بظلالها فوق الأحواض، كان يطغى على عطر خمائل الياسمين، المزروعة بإزاء نوافذ الدور الأرضية.
هدأة الليل، المسدلة على ضاحية المدينة البيضاء، كان لا بدّ أن تمنحَ ذهني متسعاً من فرص التفكير بشقيقتها الصاخبة، ( المدينة الحمراء )، التي عادت مصائرُ شخصيات سيرتها تشغلني بقوة في هذا اليوم الحافل، الشاهد على تعرّفي بأحدها. على غرّة، وثبت إلى سطح ذهني صورةُ " سيمو " هذا، وكيفَ حاول خلال تلك الساعة جرّ الحديث بمهارة إلى جهة " أميرة ". ولكنني، آنذاك، كنتُ مشغولَ الفكر بغيرها.. ليس بالعشيقة الجديدة، صاحبة دفتر اليوميات، المبرهن على موهبتها الأدبية الكامنة.. ولا بسلفتها ذات القدرة الفنية البيّنة، المهدورة مع ذلك في حياة الحاجة والتعاسة.. لا، كنتُ زاهداً بهما كلتيهما حتى بعدما فجّرت إحداهما في سمعي قنبلةَ سرّ فحش المحارم ( المتورط بها رجلها مع الأخرى! )، مشغولاً فكري بفحشٍ من نوع آخر لا يقل شناعة: زواج " زين " من ذلك الشيخ الخليجي الثري، الذي ورد ذكره أكثر من مرة فيما مضى من أجزاء السيرة المراكشية وبوصفه شهوانياً ماجناً قبل أيّ صفةٍ أخرى. انتحارُ الشقيق ألأصغر للفتاة، وكان قدّ جدَّ بعيدَ زواجها بحَسَب ناقل الخبر، كان له أيضاً وقعُ القنبلة على سمعي فجعل ذهني مشوشاً تماماً.
" في الغد، وبمعونة من معين النبيذ الفرنسيّ، سأجعلُ لسانَ الشيف ينطلق مثل سهم المفرقعات النارية.. وإنّ غداً لناظره قريبُ! "، كذلك خاطبت نفسي ولو بأقل قدر من اليقين. في أثناء ذلك، كنت قد وصلت إلى المسكن المخصص لبقية أفراد جماعتنا.

***
في مكان آخر من هذه التذكرة، زعمتُ أن تورطي مؤخراً في علاقة سرية وراء الأخرى، مرده شعور الكاتب بالحاجة إلى تجربة شخصية قوية التأثير؛ كما هوَ حال الخيانة الزوجية. فلو كان ذلك سبباً غير مقنع لكثيرين ( سواءً بحُكم العقلية أو القناعة )، فإنه غير وحيد بالطبع: حياتي العائلية، وكانت في مبتدئها حديقة مونقة بأزاهير الحب، ما لبث الصقيع أن زحف إليها رويداً. كنتُ أدرك منذ البدء، ولا شك، التباين في الثقافة بين شريكة حياتي وبيني، علاوة على فارق السن الشاسع نوعاً. مع ذلك، كنتُ أعوّل على حدّ أدنى من التفاهم، معتبراً إياه أفضل حالاً من العيش مع امرأة ذات ثقافة معتبرة، وفي المقابل، متطلّبة ومتكبّرة!
لعلني أيضاً أعوّل هنا على القارئ المتسامح، المتسع صدره لحقيقة الإنسان الخطّاء مذ أن سُجلت حكاية سلفه الأول، ثمة في الفردوس السماويّ تحت شجرة الخير والشر. ولكن، هل يوجد حقاً فردوسٌ أرضيّ؟ كذلك كنتُ أعتقد، على الأقل في أوان استعادة ذكريات طفولتي، ولطالما شكرتُ القدَرَ على حظوة الانتماء للجنة الدمشقية! ومن ثمّ تتابعت محطات الفراديس الوهمية، من موسكو إلى ستوكهولم وإلى مراكش: لم يكن بلا طائل، والحالة تلك، أنني جازفت بالقول في مقدمتي ـ كمحقق للكتاب المراكشيّ ـ أنّ " فرهاد " كان يذكّرني بنفسي. لو تركنا محطات الحياة جانباً، نجد أنّ ما جمعنا، قبل كل شيء، كان الشعرُ؛ ومن ثم النثر، آنَ ضاقت العبارة الشعرية ولم تعُد تتسع لفائض أفكارنا وأحاسيسنا. أيضاً، تقاسمنا الشغفَ بفن الرسم وممارسته. وإذ انسحبتُ مبكراً من ذلك الميدان الأخير، فإنّ " القرين " المفترض كان في وسعه، لو أمتد به العُمر، أن يعيشَ كفنان محترف.
" فرهاد "، مثلما ألمحتُ في مقدمة هذا الجزء المخصص لي في السيرة، يرتبط اسمه بملحمة حب كردية. ولكنه مواطنه الآخر، " ممي آلان "، مَن سيكون عليّ تقمّص أسطورته حينَ كدتُ أن أضبط مع عشيقتي الصغيرة في موقفٍ ملتهبٍ، أقرب إلى هاوية الخزي والعار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع