الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دار الإفتاء ومياه المجارى

طلعت رضوان

2019 / 1 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أعتقد أنّ أخطرما يتعرّض له وطن من الأوطان، تداخل الاختصاصات، خاصة عندما تنتهك هيئة عامة الحق الأصيل لهيئة عامة (من نفس الوطن الواحد) ويكون الانتهاك أشد خطرًا عندما تكون الهيئة التى منحتْ لنفسها (حق الانتهاك) بعيدة تمامًـا عن المجال الذى (حشرتْ) نفسها فيه.
والأمثلة على ذلك كثيرة..وأبرزها ما تقوم به (دارالفتوى المصرية) منذ سنوات، بإصدارالعديد من الفتاوى لها علاقة بالطب (مثل نقل الأعضاء من إنسان لإنسان) ومثل التبرع بالأعضاء بين الأقارب..ومثل تحريم استخدام (السونار) للتأكد من (خلوالرحم من الحمل) فى حالة السيدة التى ترغب فى السفرمع زوجها الجديد بعد (وفاة زوجها أوبعد طلاقها) والأمثلة كثيرة وهى تدل على ثلاثة مظاهرالأول: التعنت فى معاداة قيم وأعراف العصرالحديث، لصالح قيم وأعراف العصرالذى دخل مجاهل ودهاليزمتاحف التاريخ.
المظهرالثانى: إنعدام الرحمة والشفقة بإنسان العصرالحديث (خاصة المرضى) نظرًا لهذا التصلب فى الرأى، والتعصب لما يعتقده أصحاب الفتوى بأنه (هو الصواب المطلق)
المظهرالثالث: أنّ إدارة الفتوى ليستْ (هيئة علمية) ولاعلاقة لها بالعلوم الطبيعة بمعنى أنها غيرمتخصصة فى العلم..وفق معناه العلمى science .
كان المثال الأخيرهوما أصدرته أمانة الفتوى، التابعة لدارالإفتاء المصرية، حيث ورد بها، أنّ مياه الصرف (المقصود مياه صرف المجارى) المعالجة بالليزر (طاهرة- من الطهارة) واستطرد السادة الأفاضل الشيوخ، فكتبوا فى فتواهم- كما لوكانوا من علماء فى الفيزيا أوفى الكيميا- فقالوا إنّ ((تنقية مياه الصرف الصحى، باستخدام الليزر(الذى يـُـمثل أبرزوسائل التنقية الحديثة، فى تطهيرمياه الصرف الصحى من (النجاسة) وتغيرات الطعم واللون والرائحة..ويجعلها تصبح (طاهرة) وبالتالى يصح بها (رفع الحدث) أى التطهرمن الجنابة..وإزالة (النجس) وقضاء المطالب الحياتية..ويأتى ذلك تصديقــًـا لما ((قرّره الفقهاء)) فى قولهم (بالتكثير)!! فالماء كما يتنجس فيتغيرطعمه ولونه أورائحته (من نجاسة) فإنه كذلك يتطهربزوال ما غيـّـره ابتداءً)) (نقلا عن صحيفة الأخبارالمصرية- 10يناير2019- ص3)
000
آعتقد أنّ السؤال الطبيعى الذى يسأله أى (عقل حر) فى وطن تكون فيه القداسة للإنسان هو: بالفرض أنّ الساحرالذى أنتجه علماء الطبيعة، وأطلقوا عليه (ليزر) سوف يتولى تطهيرماء المجارى..ويـُـخلــّـصه من (النجس- وهى الكلمة المذكورة فى فتوى الشيوخ) فهل هذا (التأكيد) أى (طهارة الماء) يملكه علماء الطبيعة؟ أم انتقلتْ تلك الملكية لشيوخ إدارة الفتوى؟ أم أنّ شيوخ مصرتحوّلوا إلى (علماء فى العلوم الطبيعية)؟ أليس العلماء الذين أبدعوا اختراع الليزرهم وحدهم الذين من (حقهم) الادلاء بالرأى النهائى فى مسألة (قدرة الليزر) على عملية تنقية ماء المجارى، حتى تكون صالحة للاستخدام؟ وهل هذا الاستخدام يشمل كافة مناحى الحياة، من رى للمحاصيل الزراعية إلى الاستحمام والتطهرمن الجنابة؟ كما قال السادة الأفاضل الشيوخ؟ وأليس علماء الطبيعة هم وحدهم الذين يـُـحـدّدون (نسبة) التطهرو(نسبة) الصلاحية)؟ وكيف انتقلتْ- بقدرة قادر- اختصاصات علماء الطبيعة للسادة الأفاضل الشيوخ؟
والسؤال الثانى هو: من منح هؤلاء الشيوخ حق التدخل فى أمورليست من اختصاصاتهم؟ كما أنهم لايتدخلون فى الأمورالمُـتعلقة بالعلوم الطبيعية (فقط) وإنما يتدخلون- أيضـًـا- فيما يتعلق بشئون المواطنين، وفى أسلوب ونهج حياتهم الخاصة، وأبرزأمثلة ذلك التدخل فى (سن القوانين) التى تحكم العلاقة بين السلطة التنفيدية وسائرالمواطنين..كما يـُـصرون على ملاحقة كل صاحب رأى، يعتبرونه (خرج) على النصوص القرآنية (وفق تفسيرهم) وكان سلاحهم فى ذلك (دعوى الحسبة) التى رفعوها ضد نصرحامد أبوزيد، فإذا بالقاضى يحكم بفصله عن زوجته.
حدث ذلك بالرغم من أنّ المذكور- فى كل كتبه ومقالاته- كان دائم الدفاع عن الإسلام..وكان يستشهد بالقرآن- بمناسبة ومن غيرمناسبة، حتى كتابه (مفهوم النص) وهوالكتاب الذى كان ضمن (حيثيات) رفع الدعوى ضده، ليس به كلمة واحدة ضد الإسلام..والعكس هوالصحيح، حيث كتب أنّ الأخطارالتى واجهتْ العرب- مع بداية الدعوة الإسلامية- تركــّـزت فى هدفيْن: مُواجهة الصراعات الداخلية والخطر الخارجى المُـتمثــّـل فى أعداء العرب من الفرس والروم..ومن الطبيعى ألاّتــُحقق المسيحية- وهى أيديولوجية مطروحة- أحد هذيْن الهدفيْن، فقد كانت دينـًا غازيًا مُـعتديًا)) (مفهوم النص- هيئة الكتاب المصرية- عام1990ص73) فهل هذا الكلام يستحق صاحبه وصفه ب (التقدمى) و(الليبرالى) إلى آخرتلك الصفات المجانية؟ وهل هو(عدوللإسلا)؟ وإذا كانت المسيحية (دينـًا غازيًا مُعتديًا) فلماذا لاينطبق نفس الوصف على غزوات العرب بحجة نشرالإسلام؟ ومثله مثل أى أصولى إسلامى كتب ((صارتْ معرفة الله هى غاية الغايات وأصبح الوصول إليه هوالهدف الأسمى من الحياة ومن المعرفة والعلم)) (المصدرالسابق- ص284) وبالتالى– بمفهوم المخالفة- فلا حاجة للبشرللعلوم الطبيعية ولا للفلسفة طالما أنّ ((معرفة الله هى غاية الغايات والهف الأسمى من الحياة ومن المعرفة والعلم))
وتوقــّع د.نصرأسئلة المُعارضين لمنهجه فكتب ((كيف يمكن تطبيق منهج تحليل النصوص على نص إلهى؟ إنّ هذا الاعتراض إنْ صدرفإنما عن ذلك النمط من الفكرالمثالى الذى وصفناه ب (الديالكتيك الهابط) إنّ الله سبحانه وتعالى ليس موضوعًا للتحليل أوالدرس..وأنه سبحانه شاء أنْ يكون كلامه إلى البشربلغتهم، فإنّ المتاح الوحيد أمام الدرس (العلمى) هودرس (الكلام الإلهى) من خلال تحليل معطياته فى إطارالنظام الثقافى الذى تجلى من خلاله..ولذلك يكون منهج التحليل اللغوى هوالمنهج الوحيد الإنسانى الممكن لفهم الرسالة ولفهم الإسلام)) (ص30) فى تلك الفقرة يتوقف العقل الحرأمام تعبيره (الدياليكتيك الهابط) فماذا يقصد بهذا التعبير؟ وهل لفظ (هابط) يعنى به الهبوط من أعلى لأسفل؟ أم بمعنى التدنى والاسفاف؟ لم يُـفصح وترك الاجتهاد للقارىء..ولكن باقى الفقرة تــُـساعد العقل الحرعلى معرفة مقصده حيث كلامه عن أنّ ((الله سبحانه وتعالى ليس موضوعًا للتحليل..إلخ)) ويتأكــّـد ذلك عندما كتب ((كان الوحى بالنسة لمحمد حقيقة لاشكّ فيها)) (ص81)
وكتب ((إنّ الحقائق الإمبريقية المعطاة عن النص (القرآنى) أنه نزل مُـنجمًا على بضع وعشرين سنة..وتؤكد أيضًا أنّ كل آية أومجموعة آيات نزلتْ لسبب خاص استوجب إنزالها)) (ص109) وهذا الكلام ليس فيه أى جديد حيث كتبه كثيرون من الإسلاميين.
الشىء الإيجابى الوحيد فى كتاب نصرهونقده لبعض رموزالتراث الإسلامى مثل الإمام الغزالى فى كتابه (إحياء علوم الدين) خاصة ما كتبه الغزالى ((إنّ أقل درجات العلم أنْ يُدرك حقارة الدنيا وخسّـتها وعظم الآخرة ودوامها وصفاء نعيمها)) وما ذكره الزركشى فى كتابه (البرهان فى علوم القرآن- ج2- ص152) حيث كتب ((تأويل الروافض لقوله تعالى (مرج البحريْن يلتقيان) (الرحمن/19) أنهما على وفاطمة. يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (الرحمن/22) يعنى الحسن والحسين..وكذلك قالوا فى قوله تعالى (وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل) (البقرة/ 205) إنه معاوية)) ولكن خلاف ذلك فإنّ كتاب د. نصر(مفهوم النص) هودفاع عن الإسلام وتثبيت لكل ما كتبه الأصوليون الإسلاميون عن (الوحى) وعن صاحب الرسالة (محمد) فإذا كان الأمركذلك فلماذا هاج عليه الكهنوت الدينى وصنعوا منه (أسطورة) تناقلها العروبيون وأغلب الماركسيين وأدعياء الليبرالية؟ هل هناك سبب آخرغيرفساد المنظومة الثقافية التى ترفع من تشاء وتهبط بمن تشاء؟ وقد تأكــّـدتْ الأسطورة عندما سافرد.نصر– بمُساعدة أجهزة الأمن المصرية- للعمل فى إحدى جامعات هولندا لينشرالإسلام (الصحيح من وجهة نظره) وتأكــّـدتْ الأسطورة– ثانية- عندما هاجم الروائية البنجلاديشية (تسليمة نسرين) لأنها انتقدتْ الجماعات الإسلامية فى رواياتها، ووصفها بألفاظ يُعاقب عليها القانون..وتأكــّـدتْ الأسطورة– للمرة الثالثة- عندما أرسل برقية من هولندا– نشرتها صحيفة الأهالى- قال فيها ((أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله)) فلماذا هذه الشهادة التى لم يطلبها أحد منه بعد أنْ غادر مصر؟ وأصبح بعيدًا عن المُـتعصبين الإسلاميين المصريين؟ أم أنه كان يخشى من أتباعهم فى هولندا..ولذلك تملــّـقهم بالهجوم على المُبدعة تسليمة نسرين؟ وإذا كان ليبراليًا كما وصفته الثقافة السائدة، فكيف رضى على نفسه أنْ يكون من (العبيد) عندما وصف نفسه بأنه ((رجل من غمارالموالى)) (صحيفة الأهالى 1/12/93)؟ وإذا كان د.نصر مُـدافعًا عن الإسلام فلماذا كفــّـره الإسلاميون؟ هل لمجرد أنه انتقد بعض الجماعات الإسلامية وأطلق عليهم (مُـتطرفين)؟ وانتقد شركات توظيف الأموال (نهب الأموال) التى دافع عنها الإسلاميون أمثال الشيخ الشعراوى؟ أسئلة مسكوت عنها فى الثقافة المصرية السائدة..وأعتقد أنّ تأمل هذه الأسئلة يُـؤكد (الواقع / العبثى/ الكابوسى) الذى يعيشه شعبنا، وهو واقع يحتاج لمُـبدع له موهبة كافاكا أو يوجين يونسكوأوكامى أوآرتوآداموف ليـُـبدع عملا خالدًا حول أسطورة نصرأبوزيد، تلك الأسطورة التى مازالتْ مُـعشـّـشة فى أدمغة المُـنخدعين بالثقافة المصرية السائدة. وبالرغم من كل ذلك- نتيجة (حشر) الشيوخ أنفسهم فى شئون التشريعات القانونية، تـمّ فصله عن زوجته..كما حشروا أنفسهم فى فتوى تطهيرمياه المجارى بالليزر.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المصالــح . هى بيت القصيد
حازم (عاشق للحرية) ( 2019 / 1 / 14 - 19:53 )
سيد طلعت هذا هو بيت القصيد,اقتبس ما اقصده من مقالك((فلماذا كفــّـره الإسلاميون؟ هل لمجرد أنه انتقد بعض الجماعات الإسلامية وأطلق عليهم (مُـتطرفين)؟ وانتقد شركات توظيف الأموال (نهب الأموال) التى دافع عنها الإسلاميون أمثال الشيخ الشعراوى؟أسئلة مسكوت عنها))
انا لم اقرأ بعد الكثير عن نصر حامد ابو زيد و كل ما اسمعه عنه هو موقف الحكم بفصله عن زوجته باعتباره اصبح كافر...الخ الخ, لكن ايا كان توجهه فالقصة هى كما قلت: لانه اقترب من مصالح ولاة الامر الذين يلوكون لبانة (الحرام و الحلال و النهى عن المنكر و الهوية الاسلامية و عدم السماح بالفسق و الفجور و الاباحية, و طبعا لجانهم الإلكترونية التى ترتع فى فيسبوك و تويتر و يوتيوب و القسم العربى من اشهر مواقع الاخبار على النت) كلها مجرد ستار يخفون وراءه مصالحهم و حنفيّات الفلوس اللى بتخرّ عليهم بسم الله و الرسول و الدين و الشريعة

اما عن دار الافتاء عندنا فى مصر فليس غريب على بلدنا و هى شبه دينية -لسنا دولة دينية ثيوقراطية تماما ولسنا دولة علمانية عالمانية (كلا اللفظين مشتقين من العالم)
نحن فى امس الحاجة لدولة علمانية فيها الدين امر شخصى و ليس رقابة جبرية


2 - ملحوظة إضافية
حازم (عاشق للحرية) ( 2019 / 1 / 14 - 20:07 )
فقط للإيضاح حول شئ ورد بتعليقى الماضى,و عذرا الـ الف حرف المتاحين نفذوا من تعليقى

اللجان الالكترونية -الجيش الالكترونى الذي يمطر معظم مواقع الانترنت العربى حاليا بتعليقات دينية و سب و شتم و تسفيه- لم تكن موجودة بعد هى و الإنترنت فى وقت حادثة نصر حامد ابو زيد.. لكنها الآن اصبحت جزء اساسى من بروباجندا و مصالح المحتسبين الجدد و ولاة الامر الناهين عن المنكر و حراس الهوية الإسلامية و لها -حسب تصوراتهم- دور فى الترويج لافكارهم بالاكراه و حماية مصالحهم و إخافة كل من يعارضهم ...
و اعتذر لو كنت شطحت قليلا خارج صلب الموضوع .

اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال