الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل فعلاً مجتمعاتنا العربية غير جاهزة للديموقراطية؟

فارس إيغو

2019 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


علينا أولاً، أن ننطلق من درس تاريخي وتجربة تاريخية طويلة مع الأنظمة الدكتاتورية تقول: إن هذه الأنظمة تقوم على ركيزتين أساسيتين هما: الدولة البوليسية القمعية من جهة والفساد ونهب المال العام من جهة أخرى؛ قد تُستثنى بعض التجارب التاريخية النادرة والتي تدخل تحت عنوان أن لكل قاعدة بعض الشواذ، فيما سمي في أدبيات الفلسفة السياسية بالاستبداد المستنير أو السلطوية الراشدة. ويمكننا ذكر المثالين الشهيرين في منطقتنا الجغرافية والحضارية، أي التجربة الأتاتوركية في تركيا والتجربة البورقيبية في تونس، والتجربتان بنيتا على الشخصية الكاريزمية والتاريخية التي اتسمت بها الزعامة القيادية لمصطفى كمال في تركيا والحبيب بورقيبة في تونس؛ وبالرغم من التقييم الإيجابي للتجربتين التحديثيتين، إلا أنهما وقعتا في الدكتاتورية الخالصة مع وفاة الزعيمين. ففي تركيا أدى الإنقلاب العسكري عام 1960 القائم على العقيدة الأتاتوركية الى جريمة إعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس، مما شكل رمزاً كبيراً استندت اليه كل الحركات الإسلامية الإحيائية في تركيا لضرب الأسس العلمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية عام 1923 ـ 1924، وجاء استيلاء زين العابدين بن علي عام 1989 على الحكم في تونس ليكرس السلطة الأمنية المباشرة على البلد.
يستند المعارضين لقيام النظام الديموقراطي في العالم العربي على حجج متعددة تختلف تبعاً للتيارات الأيديولوجية، فالتيار السلطوي وخطابه الرسمي المنتشر على وسائل الإعلام الموجهة من قبل النظام والذي يعمل على نشر نظريات المؤامرة البائسة التي يكتبها المفكرين التشبيحيين الذين هم عالة على الفكر والتفكير؛ ومن هذه الأقوال الرائجة في الإعلام السلطوي أن مجتمعاتنا هي في مرحلة ما دون وقبل الحياة الديموقراطية، وبالتالي، علينا الانتظار لكي يتطور المجتمع، والناس تتمدن لكي نطلق عملية انتخابات حرة؛ هذا الفهم للديموقراطية هو فهم ميتافيزيقي، فالديموقراطية هي تجربة، وتجربة تعلم وتدرب على قبول الآخر، والاستماع الى الآخر، والاحتكام الى صناديق الاقتراع لإنتاج السلطة، وليس الى التوريث أو الانقلابات العسكرية والمؤامرات والدسائس وما الى ذلك للوصول الى السلطة. لاحظوا الكوريتين، لقد بدأتا مشوارهما التحديثي في نفس المستوى، ووصلا الى نقطتين مختلفتين تماماً؛ فكوريا الجنوبية الرأسمالية أصبحت ديموقراطية ومن أقوى الاقتصادات في العالم، ومستوى دخل الفرد من أعلى الدخول في العالم، من دون أن يكون لدى كوريا الجنوبية، لا ذهب أسود ولا ذهب أصفر ولا ذهب أحمر، كما هي الحال في دول الخليج العربي؛ أما كوريا الشمالية الديموقراطية، فإنها جمهورية شمولية فردية وتوريثية وفقيرة الى درجة المجاعة، لكنها نظيفة الشوارع ويسودها النظام كما يقول معجبيها الغربيين الهاربين اليها من مجتمعات ما بعد الحداثة التي تحولت فيها حقوق الإنسان من شرعة الى شريعة، ومن وثيقة عامة الى أيديولوجية قامعة، ومن مبادئ موجهة الى ديانة تعبد وتقام لها الطقوس وتقدم لها القرابين؛ لكن، كوريا الديموقراطية ليست فقط نظيفة الشوارع والميادين كما يقول هؤلاء الهاربون من جنة مجتمعات المسلكية السياسية المضبوطة واللائقة، بل نظيفة من كل الأفكار المبدعة التي يعتبرها النظام الحاكم من الجد القائد التاريخي الممجد كيم إيل ـ سونغ، الى الأب كيم جونغ ـ إيل، الى الحفيد الدون جوان والقبضاي والزعيم الأكبر كيم جون ـ أون، أفكار هدامة ومخربة، ويستحق صاحبها الإعدام الفوري.
كوريا الجنوبية لم تصل حالاً الى الديموقراطية، بل مرت بأشكال متعددة من الاستبداد، وأشكال متعددة من خرق الديموقراطية حتى وصلت الى حالة مقبولة من تثبيت الحالة والثقافة الديموقراطية في المجتمع؛ إذن، في النظام الديموقراطي، العبرة هي في التجربة المستمرة لتثبيت مكاسب هذا النظام وترسيخ أسس ومبادئ الثقافة الديموقراطية.
ومن المقولات الشائعة لتأجيل الانخراط في التجربة الديموقراطية، المقولة التي تردد بأن واقعنا غير واقع الغرب، والقيم الراسخة هناك غير القيم التي تسود عندنا؛ ثم ما معنى أن واقعنا غير واقع الغرب، وهل فكرة العدالة فكرة غربية حصراً، أو أن الحرية لا يستطيع التمتع بها سوى الغربي، هذا منطق غريب وعشوائي ومتعسف بحق الشعوب العربية.
أو من يقول بأن الديموقراطية لا يمكن أن تتأسس إلا ضمن نظام يعطي مساحة واسعة للحريات الفردية بما يتناقض مع القيم الدينية التي تسود عندنا، ويأتونك فوراً بمثال التشريعات السماحية ذات الصبغة الإباحية التي بدأت تسود في الغرب منذ مدة نهاية الستينيات مع الثورة الثقافية الطلابية في آيار 1968، أي تشريع الإجهاض ومسابح العراة والأفلام الإباحية، ثم في مرحلة أخرى تشريع زواج المثليين والمخدرات والموت الرحيم ومنتزهات العراة في بعض البلدان الأوروبية الغربية، وصولاً الى بعض المطالبات الفانتيزية مثل تشريع حقوق للحيوانات أسوة بالإنسان، وهي مظاهر ما زالت مقتصرة الى يومنا هذا على بعض بلدان أوروبا الغربية.
كل هذه المقولات والحجج النظرية التي تساق لرفض أو لتأجيل الانخراط في التجربة الديموقراطية، هي من نوع المبررات الأيديولوجية الزائفة لرفض فكرة الحرية، وبالتالي، دوام الاستبداد والاستعباد والعبودية، باسم الدين والأخلاق مرة، وباسم النظام وعدم الانزلاق في الفوضى مرة أخرى، وباسم الخصوصية مرات ومرات، وكل هذه التبريرات لا تقف إلا على حجج لا تنطلي سوى على المغفلين.
وستبقى مجتمعاتنا غير جاهزة طالما تسيطر عليها هذه السلطات الأمنية القمعية التي ليس لديها من مشروع، سوى مشروع بقاءها في السلطة، وتأبيد سلطتها باللجوء الى بدعة سياسية هي التوريث في أنظمة جمهورية، وبالتالي، تحويل سلطة الدولة الى دولة السلطة القمعية والفاسدة.
لكن، يبقى السؤال العويص الذي يراود الكثيرين من العرب عن حق وهو، كيف نواجه بشجاعة التجربة الديموقراطية دون الإنزلاق في مستنقع المحاصصات الطائفية كما حصل في العراق؟ هذه مسألة مهمة جداً وتحتاج معالجتها كموضوع مستقل نظراً لأهميتها وعلاقتها الوطيدة بمفاهيم الوطنية والعلمانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس