الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[55]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 22
الادب والفن


صبري يوسف

55. انطلاقاً من تجربتك بشأن المواطنة والجنسيّة المكتسبة، كيف يمكنك أن تقيّمي المشهد الإيطالي في هذا المجال؟

د. أسماء غريب

يقودني هذا السُّؤال إلى الأديب والفيلسوف الفرنسي مونتسكيو وبالضّبط إلى رسائله الفارسيّة (Lettres persanes) الّتي انتقدَ فيها وهو في الثّلاثينيّات من عمره المجتمعَ الفرنسي من خلال أوزبك وريكا، فقدّمَ المجتمعَ الفرنسيّ كما هُو وبدون رتوشات، متحدّثاً بحرفِ النّقد عن مظاهر عدّة من حياة النُّخبة، السِّياسيّة منها والثّقافيّة، والدِّينيّة والاقتصاديّة، وكذا التَّعليميّة والاجتماعيّة. وأجدني وأنا هنا بصدد الحديث عن التَّجربة الإيطاليّة بالنّسبة لقضيّة المواطنة وما يدور في فلكها من قضايا الهجرة والأجانب المقيمين على التّراب الإيطاليّ، في موقفِ السّيد الفارسيّ أوزبك، الَّذي يرى بعيْنِ الآخر ويسجّلُ ملاحظاته التّاريخيّة عن فترة قضاها من عمره في بلد غير بلده الأمّ، وبالتّالي فهو يحكي عن أشياء وتجارب عاينَها وعاشَها بشكل مباشر، وعليهِ وبالمثلِ أرى أنّهُ إذا كانت الدّولةُ الإيطاليّةُ تمنحُ بموجب القانون الجنسيّةَ الإيطاليّةَ للأجانب الّذين ترى فيهم الأهليّة لذلك، فإنّ العديدَ من عامّة الشّعبِ لا يعنيهُم في شيء أن تكونَ إيطاليّاً مثلهم من حيث الحقوق والواجبات وما إلى ذلك، لأنّ معظم النّاس سيظلّون ينظرون إليكَ ويتعاملون معك على أنّك أجنبيّ وغريب عنهم لا أقلّ ولا أكثر، وإنْ قضيتَ معهُم عمرك كلّه، وهذا يحدثُ لأنّهم يرونكَ من الخارج فقط؛ يرون شكل الملامح، ولون البشرة، وطريقة الكلام، واللِّباس والأكل، وما إلى ذلك من خصوصيّات انتمائك وجذورك الأولى، ويحاولون قدر الإمكان أن يتظاهرون بالقبول والتَّقبّل متى استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وأرى أيضاً أنَّ الأمر يزدادُ حدّةً لأنّ الانتماء الوطنيّ في إيطاليا هو بحدّ ذاته "مشكلة" بسبب تعدّد المناطق والجهات الّتي مازالت ترنو لليوم بشكل أو بآخر إلى الاستقلال عن الحكم المركزيّ بما في ذلك جزيرتَي صقليّة وسردينيا. هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى فإنّي أعتقدُ أنّهُ مهما حاولتِ الجهاتُ العليا الحاكمة بما فيها السّلطات الدّينيّة وعلى رأسها قداسة البابا فرنسيس برغوليو التّخفيفَ من حدّة هذه النّظرة "العنصريّة" نوعاً ما لدى بعض النّاس عبر العديد من النّصوص والخطابات الدّينيّة الملقاة في كلِّ عظات قدّاسات الآحاد وما إليها من المناسبات الدّينيّة، فإنّ هذا لمْ يؤتِ أكله وثماره بعد، اللَّهمّ على المستويات النّخبويّة فقط وتأثيرها لدى أهلها يبقى ضعيفاً، بالمقارنة مع عامّة الشَّعب الَّتي تظلُّ بعيدة كلّ البعد عن التَّأثُّر بما يجري ويحدثُ في الأوساط الدِّينيّة والثّقافيّة والسِّياسيّة العليا من تغيير. وهذا أمرٌ فيه نوع من الشِّيزوفرينيا الفكريّة والّتي أعني بها تشظّي المواطن الإيطاليّ بينَ ما تنتجُه السّلطة الدِّينيّة والسِّياسيّة من فكر، وبين ما يعيشه ويراه في حياته اليوميّة، إذ مثلاً كيف يمكن تفسير ازدواجيّة الخطاب السِّياسيّ بين نداءات السَّلام والحوار والمثاقفة والسَّعي نحو استقبال الآخر واحتضانه، وبين ما تبثُّه القنوات الإعلاميّة المرئيّة والسّمعيّة من برامج تُرسِّخُ فكرة التَّرهيب والتَّخويف من الآخر "الأجنبي" في ظلّ ما يسمّى اليوم بسياسة محاربة الإرهاب؟! صعبٌ جدّا فهم هذه المعادلة من الدّاخل، لأنّها تدخل في إطار ما يسمّى بسياسة الكيل بمكيالين!
وفي الوقت الّذي تستمرُّ أفواج المهاجرين في التَّدفّق من كلِّ صوب وحدب على التُّراب الإيطالي، نجدُ البابا فرنسيس يعاني ويعاتبُ بشدّة الشّعبَ الإيطاليّ على ما يبديه من تبلّدٍ في المشاعر والأحاسيس تجاه هذه المآسي الإنسانيّة الَّتي تفاقمت مع ما حدثَ من تغيير في خريطة الشَّرق الأوسط وتفتيت لشعوبه، وقد عبّر عن ألمه الشَّديد في أكثر من رسالة من رسائله الَّتي يقدّمها سنويّاً بمناسبة اليوم العالمي للمهاجر، لا سيَّما في رسالة العام المنصرم (2017) التي تطرّق فيها إلى مأساة الأطفال المهاجرين، طالباً من الجميع الاعتناء بهم لأنّهم لا حول لهم ولا قوّة، ولأنّهم ولأسباب عديدة، يُجْبَرون على العيش بعيدين عن أرضهم ومحرومين من الحبّ والدّفء والحنان الأسَريّ.
المواطنُ الإيطاليّ يجدُ نفسه ليس جاهلاً فقط بثقافة الآخر، وكينونته وفكره وموروثه الرّوحيّ والدّيني والسِّياسيّ، وإنّما يجدُ نفسه أيضاً أمام أناسَ آخرين يرى فيهم المُنافِسَ الجديد له في سوق العمل كما على مقاعد الدّراسة، إضافةً إلى هذا فإنّه لا يستوعبُ اهتمامَ الدّولة بهم في حين كان الأولى بها (دائما من وجهة نظره) أن تهتمَّ بالطَّبقات الكادحة مِنَ الشّعب الإيطاليّ نفسه، وإذا نزلتَ إلى الشّارع وحاولتَ أن تفهم نفسيّة هذه الطَّبقة المسحوقة من النّاس، فإنّك ستجدُ من يقول لكَ: ((لقد تعبتُ ويئستُ من حياتي، إنّني أفكّرُ في أنْ أصبغَ بشرتي باللَّون الأسودِ علّ الدَّولة ترأف بحالي، وتعطيني ما تعطيه للمهاجرين من امتيازات، وإعانات اجتماعيّة))!
وفي الوقت الّذي يتفوّه به مواطن بسيط بهذه الكلمات تجده ينسى أنّ علاقةَ المهاجرِ الكادحِ بالعمل والعطاء مختلفة تماماً عن علاقتهِ هو بالكدح في الحياة؛ ثمّة من المهاجرين وأعني بهم الطَّبقة العاملة، من يعملونَ في الحقول والمصانع والبيوت وما إلى ذلك، وهي أعمال يرفضُها تماماً الشَّابُّ الإيطاليّ لأنّه ينظر إليها نظرة استعلائيّة، ولأنّها ليست من مستواه لا الفكريّ ولا الاجتماعيّ، في حين تجدُ عنده الاستعداد الكامل للهجرة هو أيضاً إلى الدُّول الأكثر تقدُّماً وبمجرّد أن يصل هناك يبدأ في القيام بالأعمال الَّتي كان يرفضُ ممارستَها وهو في بلده.
هناك فقر حادٌّ وجهلٌ وعدمُ وعيٍ ليس في ثيّمة الهجرة وما إليها من قضايا، وإنّما في أخلاقيّات الحياة بشكل عامّ: العديد من المواطنين الإيطاليِّين وغيرهم من الأوروبِّيِّين يعانون من نقصٍ كبير في الوعي الأخلاقيّ الإنسانيّ لظاهرة الإنسان نفسه، ولا أعتقدُ أنَّ مشكلةً مثل التَّمييز العنصري أو العرقي هي السَّبب، بل الجهل ثمَّ الجهل ثمَّ الجهل هو أساس المصائب كلّها. وهو نفسه هذا الجهل الّذي يمنع العديدَ من النّاس هنا مِنْ أن يفقهوا مثلاً، أنَّ المهاجرين هُمْ ضرورة حيويّة اقتصاديّة وسياسيّة كبيرة على قدر عالٍ من الأهمّيّة بالنّسبة للمجتمع الإيطالي، لأنّ هذا يعني: تحريك سوق اليد العاملة، تجديد الكثافة السُّكّانيّة وإنعاشها، ضخّ المجتمع بدماء جديدة وسواعد قويّة تساعده على ضمان التَّقاعد الاجتماعيّ للساكنة الإيطالية العجوز وعلى مدى سنوات عديدة، ثمّ تنويع النَّسيج الفكري الثّقافي الإيطاليّ، وكذا السِّياسي. ولمَ لا يصبح المجمتع الإيطاليّ كالفرنسيّ الّذي قطع شوطاً كبيراً في هذا المجال وأصبح رجالُ الدَّولة فيه من أصول أجنبيّة، ورجالُ الأمن والشّرطة من المغاربة مثلاً ومن الأفارقة السُّود وغيرهم؟!
مازالت إيطاليا في حاجةٍ إلى العديد من عشرات السّنوات لتصل إلى مستوى التَّجربة الفرنسيّة وقد تفوقها أيضاً، ونعوّل كثيراً في هذا الأمر على دَوْر الجامعات أيضاً والّتي تسير بخطوات ثابثة في طريق المثاقفة والانفتاح على الآخر عبر مؤسّسات تهتمُّ بالثّقافات الفارسيّة والعربيّة والصِّينيّة والهنديّة وما إليها من ثقافات الأمم والشُّعوب، على أمل التَّغيير والتَّخفيف من طابع الاستشراق القديم، والدَّعوات التَّبشيريّة وما إليها، ما دامت المجتمعات العالميّة وحاجاتها نفسها قد تغيَّرت في ظلِّ عالم تحكمه المعلومة والمعلوماتيّة. لا أنسى أيضاً أن أشير إلى دور وسائل الإعلام والسِّينما ودُور النَّشر وما إليها الّتي بإمكانها أن تقدّم للمواطن الإيطاليّ المزيد من النّتاجات الثّقافيّة الّتي تساعده على إنضاج تجربته في تعايشه وانفتاحه على الآخر قلباً وفكراً!
وفي الختام أرجو ألّا ينسى إخوتُنا في الغرب كافّةً أنّ سيّد المهاجرين كان يسوع الطّفل وأمّه سيّدة العالمين مريم (عليها السّلام) وكفيله القدّيس يوسف البارّ، وياحبّذا لو نتذكّر كيف عانت هذه العائلة المقدّسة من أجل حياة كريمة يسودها الأمن والأمان والسَّلام، وليكنْ عِندَنا النَّزيلُ المُقيمُ فيما بيننا كابنِ بَلَدِنا، نُحِبُّهُ كحبّنا لأنفسنا أو أكثر، وإِذا حَصَدنا حَصيدَ أَرضِنَا، فلنترك منه للمسكين واللّاجئ وابن السَّبيل الَّذي قد يطرق أبوابنا، ولنحمد الرّبَّ أنَّ مازال في الوجود شيء اسمه المهاجرون، لأنّهُم يدُ الله الممدودة إلينا، فإذا شاء رفعَها، وجفّفَ البحار وأغلقَ الطّرقات وأمسكَ كلّاً في بلده، وحرمنا جميعاً من هبة العطاء والرّفق والمحبّة والشّفقة على إخواننا في الإنسانيّة، إذ ما اللَّاجئ أو المهاجر يا أحبّائي سوى صورةٍ من صُورِ تجلّي الخالق الّذي يطرقُ أبوابكُمُ بلباس ووجهٍ آخر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث