الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مآزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا

محمد بقوح

2019 / 1 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ينطلق سبينوزا في طرحه وتحديده ومناقشته لمفهوم التفلسف الحرّ من منطلق موقعه كفيلسوف مخترق وليس مهادن، حرّ في فكره، واقعي وعقلاني في منظوره للحياة، لأنه عميق ومنظم، وله هدف قيمي وسامي في الوجود، يصل به ماضيه بحاضر ومستقبل الإنسان، في علاقته الجدلية الوطيدة مع أصله ومصيره الطبيعيين، وليس فقط كشخص عادي، تابع يعيش تفاصيل زمنه اليومي بما تيسّر ويُملى عليه من أفكار وعوائد مجتمعية سائدة بسيطة وتافهة في أغلب الأحيان. يقول : ( لو استطاع الناس تنظيم شئون حياتهم وفقا لخطة مرسومة، أو كان الحظ مواتيا لهم على الدوام، لما وقعوا فريسة للخرافة )1.
1 - مأزق الخرافة
هكذا يفهم من كلام سبينوزا أن التفكير الخرافي السائد في المجتمع، سواء عند العامة المحكومة، أو لدى الطرف الحاكم الذي يوظف الدين والخرافة لصالح استمراره في فرض وجوده ككيان سياسي واجتماعي، هو نتيجة طبيعية وحتمية لعدم استعمال هؤلاء الناس لقوة العقل الخالص والمجرد الذي يعتمد على طريقة التخطيط المؤسس للقيمة والمعنى، والتنظيم البناء والجيد لبلوغ الأهداف المرسومة. بمعنى، أن سبينوزا هنا ينتقد بشدة الأداة الفكرية الدينية التقليدية الغارقة في فوضى الخرافة الفاسدة والسائدة في عصره ( ق 17 )، تلك التي أنتجها خوف البشر، واعتمدها الرهبان، وانتهجها سادة رجال الدين المتحكمون في أمور و أقدار الناس بجهل الدين، وبفرض سياسة دولة الكنيسة. إن سبينوزا هنا يحاكم انحراف الشريعة بحكمة الفلسفة.
2 – مأزق الخوف والرجاء
إن الخوف من النهاية الحتمية التي هي مصير كل الكائنات الطبيعية، والرجاء في ضمان الاستمرارية والخلود الذاتي اللانهائي في الحياة البشرية هو الهمّ الأساس الذي كان يشغل، وما يزال يشغل، الذين يفكرون بطريقة خرافية مغلفة بالطابع الديني، وليس دينية حسب سبينوزا، كتحصيل صكوك الغفران في لحظة الرجاء وقوة النفس البشرية، وتقديم القرابين في لحظة الخوف وضعف هذه النفس. لهذا، يقضي رجل الدين حياته كذات مُنفعلة، متشبثا بنعم الحياة الزائلة، ضاربا عرض الحائط قيمة الحياة الموضوعية، أي الطبيعية، لأنه يقاوم إحساسه الداخلي بنهايته التي لا شك فيها. لهذا، بقدر ما يخاف من مصيره الدرامي الذي ينتظره ويتوقعه في كل لحظة، بقدر ما يرجو خلاصه خلاصا سعيدا ورديا لحياته الأرضية. هكذا يبتعد رجل الدين، من منظور تفلسف سبينوزا، عن جوهر الدين الحقيقي، باعتباره يغلب فيه المصلحة الذاتية الخاصة والمُنفعلة ( النعم – المال )، أي يستجيب لغريزة الشر، على المصلحة الموضوعية والطبيعية الخيرة العامة الفاعلة ( التقوى - الروح ) التي تشكل عصب حقيقة الغاية من الوجود ككل. يقول سبينوزا : ( هكذا نرى إلى أي حد من البله يدفع الخوف البشر ! فالخوف إذن هو السبب في وجود الخرافة وفي الإبقاء عليها وتقويتها )2 .

_______________________________________________

1 - رسالة في اللاهوت والسياسة – باروخ سبينوزا (632 – 677)- الترجمة : د. حسن حنفي – الناشر : مكتبة النافذة – 2005 – ط 3 - ص 111
2 – نفسه - ص 112 –












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ