الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نحن في دولة أم حظيرة فتاوى! !

حبيب محمد

2019 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لقد حذرناكم مليون مرة من مغبة التساهل مع دعاة الوهم ومشاريع الموت ، لأن وجودهم في حد ذاته تهديد لهيبة الدولة ويؤدي لإندثار المكتسبات الإنسانية التي تؤمن بأحقية الإنسان في الحياة واختيار خطه بكل اريحية دون الولوج إلى شيخ أو مفتي يرسم له خيال من الأفكار الخرافية التي تعارض أبسط معايير الجودة الحياتية ولاتعبر عن سوى عن منطق ارتجالي غامق إلى حد الضبابية
ان تدخل شيوخ الدجل في كل أنماط الحياة هو وجه آخر من اوجه العبودية وهو دليل ساطع على البعد الكلي عن مفهوم الدولة الحديثة لأن هؤلاء الناس مجانين وتصدر منهم مواقف لايمكن وصفها إلا بأنها نتيجة مرض نفسي كيف لشخص عاقل أن يعارض تعليم فتاة!

هذا ماتم الإعلان عنه اليوم في إحدى القرى الداخلية التي تقع في إحدى المدن الموريتانية حيث صدرت فتوى بتحريم التعليم على الفتيات وطردهن من المدارس والمعاهد، وكل هذا في وضح النهار وبمباركة من الأهل بل اعتبروا ذلك خطوة مهمة لصون شرف الفتاة وجعلها جوهرة مخفية عن الأنظار ، هذا للأسف موقف يوضح لكم كمية العقم الفكري والثقافي في بلادنا، بل العكس تجد من هم محسوبين على الثقافة يشجعون هذه التصرفات الخارجة عن القانون وحتى الأعراف الإنسانية
ان السبب الرئيسي في انتشار هذه الخزعبلات هو تصدر الأغبياء للمشهد سواء على المستوى السياسي " الوجهاء واعوانهم من دعاة الوعظ التقليدي " ، أو على المستوى الإداري "دعاة الزبونية" ، أو المستوى الاجتماعي "المنهج الذكوري ودعاته" ، كل هذه الجهات شريكة بشكل أو بآخر في تشرييع الجهل ووضع خطط له ، ان التمادي مع الفكر الظلامي زاد من تكاثر نسله وهو ماينذر بوقوع كوارث لاتحمد عقباها

ان تنقية المجتمع من الشوائب الفكرية لاتتم إلا بعملية ترشيح دقيقة جدا ، حيث يتم عزل المواد النافعة ورمي الفضلات في القمامة، لهذا القانون يفرض أن التعليم حق الجميع وليس لأي كائن مهما كان تصوره أن يمنع انسان آخر من ممارسة حقه ، والتمتع بتلك الميزة وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
المشكلة التي تحول دون الوصول لكثير من الأمراض في مجتمعاتنا هي أن مسبباتها "عوامل ملتحية" سواء كانت طفيليات أو بكتيريا أو فيروسات انها للأسف محصنة بالوهم المقدس وحتى الدولة التي تمتلك صلاحيات كافية لضربها بالعلاج الفعال يبدو أنها اكتسبت مقاومة ضدها نتيجة عدم احترام المدة والجرعة ، وهذه هي الفوضوية بعينها والنتيجة غالبا في هذه الحالة تغلب العوامل الممرضة على الجهاز المناعي وهكذا يفقد الجسم دفاعاته ، والنتيجة الموت المحتوم

لهذا مجتمعاتنا شبه ميتية مادام يحكمها الأموات وأصحاب الطرق الجهلانية، وهذه ليست المرة الأولى التي نسمع فيها فتوى خارجة عن إطار الزمكان، فهناك الكثير من النماذج القروسطية التي تبين لكم حجم التخلف العقلي والعطب النفسي الذي أصاب هذه الشعوب المتناقضة التي ترى في هذا التخبط خلاصا لها بل مجدا تنافس به الأمم المتقدمة التي تخطت المجال الأرضي ووسعت نطاق تجاربها لتصل عوالم بعيدة جدا

ومن المضحك جدا أن تجد الانشغال بهوامش تافهة وسطحية كتحريم "ساعة المكالمات" التي يجد بعض الشباب راحتهم فيها عن طريق التسلية مع الطرف الآخر، أو فتوى تحريم أكل الدجاج الذي لايأتي من تركيا "اعلان مدفوع الثمن " ، لكنه مغلف بطلاء الشرعية النفعية التي لاتفارق عمائم النفاق "إضافة لفتاوى الجهاد والتحريض ضد الدولة التي راح ضحيتها عدد من جنود الجيش الموريتاني، حيث يعتبر من نفذوا الهجمات الإرهابية ضد الأمن أن الدولة الموريتانية كافرة ويجب قتالها حتى تحقق ما يطلب منها حسب ماتنص هذه الفتوى الرجعية" ، هذه البالونات الفارغة التي لاتتقن سوى نشر الحقد والكراهية والترويج للمقاومة الوهمية ضد الغرب الذي يستوردون منه كل شيئ حتى السجادة التي "يصلون عليها" مابالك بأشياء أخرى

ان احتقار المرأة ليس جديد في ثقافة الفكر البدوي الجامد لأنه مليئ بالشكلانية تجاه المرأة وهو خط متذبذب ولايجب أن يرى النور ، لأن تجهييل الشعب وتغييبه يتطلب حذف المرأة كمكون فعال في المجتمع وبهذا يسهل اختراق المجال البنيوي لأي مجتمع، وهذا ماحدث على مر السنوات الماضية
والنتيجة تراجع تمدرس الفتيات في موريتانيا وزيادة مؤشر الإغتصاب والجرائم ضد الطرف النسوي

لذا يجب الضغط بصفة واقعية وملحة من أجل وقف هذا التلاعب لأنه يهدد وجود كيان الدولة، فعلى سبيل المثال المفتي يعتبر عند العامة أعلى سلطة من رئيس الجمهورية وهذا يعني أن الدولة غير موجودة
لذا يجب وقف هذا العبث المتجذر في جمجمة شيوخ الجزء السفلي والذي تمت زراعته في عقول البسطاء، عن طريق التهديد والوعيد والتخوييف من العناصر الكهروفضائية ، وأن الجميع يتآمر على الشعب الموريتاني بما فيهم الحكومة الموريتانية وان هذا كله حرب ضد الدين وضد تقاليدنا الأبية التي بها سنهزم الغرب "الكافر" الذي فعلا يرصد بعين لامعة كلما يدور في هذه الأرض من تجاذبات بدائية، تسعى جاهدة لخلق صرح من الوهم بدعوى توحيد الأمة ، أن المفردات المتطايرة والوجوه الشاحبة والتنظير للماورائيات لاينتج السلوك الصحيح، بل يجب الاحتكام لنظام مؤسساتي عقلاني يرى في الإنسان ركيزة التنمية البشرية وتطوير الذات، ولهذا ستكون المرأة حاضرة في هذا المنتجع الفكري الجديد الذي عنوانه المساواة، والتعايش والإنفتاح والتقدم

لذالك نحن نعيش في وهم الدولة، مادامت الكلمة لمن يريدون عودة عصر الجواري والقتل والذبح وتحويل بلداننا إلى مجازر وانهار من الدماء عبر تصرفاتهم القبيحة ومنطقهم الداعشي
على الحكومة الموريتانية أن تراجع سبب فشلها في عدم التدخل لحل مشاكل عالقة تهدد مستقبل الوطن ، لأن هذا المرض فكري وليس عضوي أو ميداني لذلك يجب وضع استراتيجية جادة من أجل أبعاد هؤلاء المرضى عن الشؤون العامة ، والغريب أن هؤلاء الدجالين يتدخلون في كل شيئ، رغم أنهم غالبا لامستوى لهم مجرد كائنات مقلدة تحفظ أشياء مكررة لا أكثر ، وبفضل تلك الهالة الصلبة التي صنعها المجتمع لهم أصبحوا يديرون حياة الناس بكل سهولة وحتى انهم يتكلمون في الطب والفيزياء وعلوم الأرض لم يبقى أي مجال إلا وهم يحشرون أنفسهم فيه ،حتى كيف تعامل زوجتك هم من سيقدمون لك ذلك الدرس وعليك أن تلتزم به والا ستذهب إلى النار وهذا مايجعل خطورتهم تهدد كل نواحي الحياة
لقد جعلوا أنفسهم ممثلين عن السماء وهذه طريقة مختصرة للنهب وتحصيل الأموال وبناء النفس على حساب هلاك الأجيال الأخرى واغراقها في مستنقعات القرون الوسطى

ان التعلم من الأخطاء صفة ملازمة للمجتمعات التي تحترم نفسها لهذا الغربيون نجحوا في التغلب على مشاكلهم رغم صعوبة الطقس وهيمنة الخلايا السرطانية على المشهد انذاك ، إلا أن العلم هو من انقذهم وبهذا أعلنوا نهاية عصر التراجع الفكري ، وبداية عصر العلم والصناعة والكتابة والفن والرقي، لهذا وضعوا قوانين وجعلوها دستور حر ، وعلى الجميع أن يكون كما ينص القانون والا سيتم عقابه، لقد كانت ملحمة صعبة دفعت أوروبا ثمنها كما دفعته امريكا واليابان وأي دولة أخرى تتجه نحو خطا التحرر الفكري و التميز الاقتصادي والإزدهار المجتمعي، وكان كل ذلك في فحواه يعبر عن تواجد للمرأة في مقامها المفترض حيث التعليم والانتاج والسياسية والاقتصاد...الخ ، ولهذا ألمانيا وابريطانيا واستراليا واوكرانيا والبرازيل ...الخ قادتهم نساء وحققن أعلى مؤشر للرفاه والتطور ، أن الدول المتخلفة لن تستطيع أن تقفز دون أن تحترم حقوق المرأة وتفهم أنها ليست عورة، بل العورة حقا هو وجود مجموعات بشرية نسائها عاطلات عن الحياة، ولن يتم إغلاق تلك الفجوة إلا بوجود دولة مدنية ديمقراطية تساوي الرجل والمرأة أمام القانون ، عندها ستبدأ القطيعة مع منهاج التعفن والانتكاسة ويبدأ عصر النهوض الحضاري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني


.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح




.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل