الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا.. إلى أين؟!

بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)

2019 / 1 / 27
القضية الكردية


تركيا لا شك دولة إقليمية مهمة حيث تعتبر تاريخياً امتداد للدولة العثمانية التي حكمت نصف العالم لمدة تقارب نصف قرن وهي اليوم تشكل قطباً أساسياً، إن لم نقل الأهم بالنسبة لدول الشرق الأدنى والأوسط وحتى للقرم وأواسط آسيا، بل لها تأثيرها على سياسات عدد من الدول في القارة الأوربية وذلك بحكم عدد من الملفات، أهمها إنها منطقة ترانزيت لهم إن كان بالنسبة لإيصال الطاقة عبر أراضيها من حقول روسيا أو جعلها سداً أمام الهجرة الغير شرعية من آسيا لأوربا وغيرها من الملفات الأمنية والاقتصادية ولذلك نجد؛ بأن تركيا حظيت دائماً بنوع من "الدلال" في السياسيات الأوربية الأمريكية -بعد انهيار الخلافة العثمانية- وخاصةً عندما أضيف لما سبق، دورها الأساسي في التوازن بين سياسات المعسكرين الشرقي والغربي ونقصد معسكري الرأسمالية والاشتراكية أيام الحرب الباردة وامتداداً ليومنا مع سياسات كل من روسيا وأمريكا في الملف السوري.

وهكذا فإن تركيا ووفقاً لما سبق تعتبر دولة مهمة يمكن لها أن تلعب دوراً استراتيحياً لو أتبعت سياسات حكيمة بالمنطقة وهي فعلت ولعبت دوراً مشابهاً في عدد من المراحل التاريخية، لكن مشكلة تركيا مع حكومتها الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية وخاصةً في نصفها الثاني من الحكم هي إنها تعاني من أزمتين؛ الأولى تتعلق بطبيعة الذهنية الإسلامية وشخصية رئيسها أردوغان حيث الحلم بإعادة أمجاد الماضي للسلطنة والخلافة العثمانية وتحقيق مشروعه السياسي مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين –وهذا ما لا توافق عليه الغرب، بشرقها الروسي وغربها الأمريكي- وكذلك فإن زعيمها وفي زمن سقوط الديكتاتوريات يحاول أن يبني له مجداً شخصياً يحاكي زمن السلاطين العثمانيين أو بما يمكن أن يوصف ويقال عنه؛ "رايح ع الحج والناس راجعة" حيث العالم تشهد صراعات لإنهاء حقبة الأنظمة الديكتاتورية العسكريتارية، بينما أردوغان يحاول بناء ديكتاتوريته في تركيا!!

أما النقطة أو القضية الإشكالية الأخرى والتي لا تقل أهميةً عن الأولى وربما تفوقها تأثيراً وخاصةً على الصعيدين الداخلي والإقليمي، فهي المسالة الكردية والتي يمكن اعتبارها "مشكلة تركية" المتأزمة والتي عانت وتعاني منها كل الأنظمة السياسية التي شهدتها المرحلة المعاصرة لتشكيل الجمهورية التركية، بالتأكيد هي تعود بجذورها للحقبة العثمانية، لكن ليست بهذه الحدية وذلك لأكثر من سبب؛ أولاً لم يكن هناك الفكر القومي والدولة القومية من جهة ومن الجهة الأخرى كانت الخلافة تضم أقوام وشعوب وملل ونحل مختلفة متعايشة في شبه كونفدرالية سياسية بحيث أن الممالك والأقاليم وأمرائها كانوا يتمتعون بسلطات وصلاحيات واسعة تشبه صلاحية دولة في الاتحاد الأوربي تقريباً -بمقاييس تلك الحقبة التاريخية- وهكذا فلم نجد إشكالية في تلك المرحلة بين تلك القوميات والمكونات مع مركز الخلافة بالأستانة (استانبول) وإن وجدت فكانت بدافع زيادة نفوذ القادة والأمراء أو صراعهم مع أمراء آخرين ولم نجد النزاعات العرقية إلا مع وصول الفكر الغربي ومفهوم الدولة القومية وذلك في الفترة الأخيرة من الخلافة العثمانية والتي كانت من إحدى أسباب انهيارها ووقوف شعوب السلطنة إلى جانب القوى والجيوش الاستعمارية الغربية؛ الفرنسية والإنكليزية والإيطالية الإسبانية.

لكن قضية الأقليات القومية مع ولادة الدولة التركية على يد مؤسسها كمال أتاتورك تحولت إلى نوع من الفوبيا في السياسات التركية وخاصة بعدما فقدت الخلافة كل "أراضيها" التي كانت تحكمها كإحدى أكبر الإمبراطوريات الدينية التي عرفها التاريخ، مما شكل لديها ما يمكن اعتبارها صدمة وعي أو الصدمة الحضارية وكانت سبباً في تكوين ما يمن اعتباره نوع من عقدة الفوبيا التركية تجاه غيرها من المكونات؛ كونها –أي تلك الشعوب والأقوام- أشعرت العنصر التركي الذي كان يعتبر نفسه مركز الخلافة والدولة العثمانية بأنه عنصر غير مرغوب بل ومكروه منهم وذلك نتيجة سياسات السلاطين طبعاً، لكن العنصر التركي أعتبر انقلاب الآخرين والذي كان يفترض بهم كأخوة –بحسب المفهوم التركي- أن يقفوا إلى جانبه في معركته مع القوى الغازية الاستعمارية الغربية ولذلك وانطلاقاً من تلك القراءة المشوشة للواقع، فإن العنصر التركي "القوموإسلامي" شعر بنوع من "خيانة الأخوة"، مما شكل لديه دافعاً نفسياً إضافةً للعوامل والمحركات الاقتصادية والسياسية، بأن ينتقم ممن تبقى تحت السيطرة في الدولة الحديثة وذلك على يد أتاتورك حيث كانت وللأسف المجازر المروعة بحق كل من الأرمن والكرد والتي في جزء منها تعود لعوامل سايكولوجية نفسية كما أشرنا، إضافةً للعوامل الأخرى التي تتعلق بالسياسات الاستعمارية.

وهكذا يمكننا القول؛ بأن تركيا ومع الذهنية التركية القوموية الكمالية -وبعدها التيار القوموإسلامي من جماعة العدالة والتنمية- تعيش حالة فوبيا من القضايا القومية لباقي مكونات تركيا الحديثة وبالأخص مع القضية الكردية وذلك بعد القضاء شبه الكامل على الوجود الأرمني في تركيا وقد استفحل الأمر مؤخراً مع الحكومة التركية الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية وذلك لأسباب عدة، منها؛ بروز دور كردي إقليمي وبالأخص مع الأزمة السورية وبروز دور أكثر فصيل سياسي كردي تعاديه تركيا، ألا وهو دور حزب العمال الكردستاني، لأسباب تتعلق بالصراع الداخلي التركي أكثر ما تكون في قضية إدعاءاتها بتهديد أمنها القومي من الجانب السوري، قاصداً الإدارة الذاتية والتي تخشى تركيا بأن تكون بداية ولاية كيان سياسي مشابه بإقليم كردستان (العراق)، مما دعا برئيسها أردوغان لأن يعلن ولأكثر من مرة؛ بأنهم لن يسمحوا بتشكيل "مستنقع جديد على غرار شمال العراق".

وأخيراً نود التأكيد على أن المسألة الكردية ستكون منطلقاً لأحد مسارين يُحدّد من خلالهما مآلات تركيا في المستقبل المنظور وهو يتوقف على الحكومة الحالية أو القادمة وذلك في رسم واتخاذ أحد المسارين حيث سيتوقف على اختيارها لأحد المسارين مستقبل الدولة التركية وعلاقة الشعبين الكردي والتركي، فإما العلاقة التكافؤية والشراكة الحقيقية في دولة اتحادية فيدرالية ديمقراطية تحقق المساواة والحرية والكرامة لكل مواطنيها وتكون دولة مواطنة حقيقية تفتخر بكل مكوناتها وشعوبها وثقافاتهم ولغاتهم وليس كما أسسها أتاتورك؛ "دولة العلم واللغة والشعب الواحد" وهو الشعب التركي أو سوف تنفجر الأوضاع أكثر وتعيش تركيا حالة شبيهة بما تمر بها المنطقة العربية وقبلها دول المنظومة الاشتراكية، لتكون نهاية الدولة التركية الحالية وولادة كيانين مستقلين أحدهما للكرد والآخر للأتراك، كما حصل مع الخلافة العثمانية قبل قرن وولادة عدة كيانات ودول أخرى جديدة منها مجموع الدول العربية وبالتالي فإن سياسات أنقرة المرحلية والمستقبلية ستكون المفصل في تحديد أحد المسارين وبحسب قراءتنا للمشهد السياسي التركي ومع ذهنية رئيسها أردوغان وعموم سياسات حزب العدالة والتنمية، فإن تركيا ذاهبة إلى صراع داخلي قد ينفجر في وجه الجميع ولو عن طريق الاقتصاد وليس عسكرة المجتمع والحرب الأهلية، إلا أن حصلت متغيرات إقليمية وداخلية تعيد مسار الحوار بين الحكومة التركية والعمال الكردستاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: أميركا عليها أن تقول لإس


.. الشارع الدبلوماسي | مقابلة خاصة مع الأمين العام للأمم المتحد




.. اعتقال متضامنين وفض مخيم داعم لفلسطين أمام البرلمان الألماني


.. الحكم بإعدام مغني إيراني بتهمة «الإفساد في الأرض»




.. Students in the USA are protesting in support of Palestinia