الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[83]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 28
الادب والفن


صبري يوسف

83. تحدّثَ العديدُ من أهل الحكمة والأدب والفلسفة عن الصّبر وفوائده الجمّة، كيف تنظرُ أسماء غريب وتقيّمُ الصّبرَ في حياتها؟

د. أسماء غريب

الصّبرُ زينةُ العقلاء، ولا يمكنُ لإنسان أن تتحقّقَ سعادتُه إلّا به. وهو براق العرفاء لبلوغ الكمالاتِ وأرفعِ الدّرجات. وكل ما في الدُّنيا اليوم من خراب هو بسبب عدم تحلّي النّاس جميعاً بالصّبر، وذلك لجهلهم بمعناه وقيمته ومدى أهمِّيته، بل منهم من يعتقدهُ ذريعةَ الضُّعفاء، وحجّة الأغبياء في تبرير ما قد يُحْسَبُ خنوعاً أو خضوعاً أو استسلاماً. لذا، فالصّابر سيّد النَّاس، والصّبور سيّد الأتقياء. ولا بدّ للصّبر من التَّواضع، ولا بدّ له من الحِلم والتَّسامح والتَّسلّح بالصّمت ليكتملَ. وهو صفة من صفات الله عزّ وجلّ، ولهذا وجبَ التَّحلّي بها، والوقوفِ على أسرارها ومعانيها. وما قام الخَلقُ والخليقة إلّا بالصّبر: الصّبر في الصَّنعة، الصّبر في الزّرع، الصّبر في النُّموّ، الصّبر في التَّطوّر، الصّبرُ في العشق، والصّبرُ في كلّ مظهر من مظاهر الحياة.

ولا بدّ لكلٍّ إنسان أن يعرف كيف يزرعُ بذرةَ الصّبر في جسده، هذا الجسد الَّذي عادةً ما أسمّيه بأرض زحل البعيدة في الكثير من الأحيان عن شمس الرُّوح، والمفعمة بالرّصاص الّذي من المُستحبّ أن تحوّلَه أيُّها القارئ العزيز إلى ذهبٍ خالص، هو حجر الفلاسفة، وشمسُ العرفاء المتوهّجة. ولكي يحدثَ كلّ هذا عليك بالدُّخول إلى زُحَلِكَ والسَّفر فيه بحثاً عن النَّار والنُّور، والمسابك والمطارق الَّتي بها سيتمُّ العملُ على القلبِ من أجل صقل مرآته، إلى أن تظهرَ لكَ الرُّوح، وتتعرّفَ على نفسك ومقامكَ بين النَّاس، وهذا لايتمُّ إلَّا عبر تجاربِ الحياة الطَّويلة العريضة، ولا يهمُّ كم من السَّنوات سيتطلّبُ الأمر، إنَّما الأهمّ هو التَّحلّي بفضائل أهل المناجم، وبراعتهم في النّزول إلى الأقبية المظلمة، والسّفر في الأنفاق الموحشة، والعوالم السُّفليّة. ولا بدّ لكَ أيُّها الإنسان أن تعثُرَ في البداية على غُرابكَ وتصاحبَه بالمحبّة والمودّة والحِلم، لأنّه هو الَّذي سيدلّكَ على حمامتك الَّتي ستعلّمكَ كيف تصبحُ أنتَ أيضاً طائراً بريشٍ وأجنحة علّ هذا يمكّنُكَ في يوم من الأيَّام من الطَّيران في عوالم البهاء والكشف والسّناء.
ولا يمكنُ الخوضُ في الصّبر دون الحديث عن النبيّ أيوب (ع)، لكن قبل ذلك، دعني أتساءل وإيّاك أيُّها القارئ العزيز قائلةً: هل كان صبر هذا النَّبيّ خُنوعاً واستسلاماً لأنّه لم يجد أمامه سوى هذا الحلّ، أم أنّه كان صبرَ الأذكياء والعقلاء؟!
أيوب كان من الأنبياء الَّذين كوّنوا ثروة هائلة في حياتهم، وأصبح من كبار أثرياء بلده، وله الكلمة والوجاهة بين التّجار والنُّبلاء، وكان الكلّ في أفراد قبيلته وعشيرته يكنُّ له الاحترام والتَّقدير لما بلغه من علو شأن ومركز، لكن حدث أن أفلس فانفضّ عنه الجميع، وأصابه الكرب والبلاء والجذام وبقي وحيداً بدون مال، ولا أهل ولا عشيرة، ولا صحة ولا عافية، أيْ أنّه بعد عزٍّ، صار إلى إفلاسٍ مدقع، فكان أن واجه كلّ هذا بالصّبر وحدثَ أن استعاد كلّ شيء، وأصبح أكثر ثراءً وعافيةً وشباباً ممّا مضى. ومن هنا ينبع سؤال آخر: هل يمكن أن نعتبر ما حدث لأيُّوب نوعاً من أنواع المعجزات الإلهيّة؟ نعم، لكنّها من تلك المعجزات الَّتي يمكنُ لكلّ إنسان أن يُحقّقها بنفسه متى ما أراد ذلك بكلّ صدق وإخلاص. لأنّ قصّة أيوب إنَّما أتت لاستقاء العبرة ولإرشاد الإنسانِ إلى منجم الصَّبر بغية العثور على شمس الرُّوح فيه. كيف ذلك؟

أيّوب (ع) هو رمزٌ لذاكَ القلبِ الذي بعدَ أنْ تتوثّقَ علاقتُه الإيمانية والروحية بخالقه، ويتذوّقَ كلّ الفيوضات الرّبّانيّة بما فيها من علوم وكنوز ولآلئ الحكمة والمعرفة والعرفان، يتجلّى لهُ إبليس بكلِّ الصُّور والتَّمثُّلات، فيبدأ معه رحلة النّكوص والَّتي عادة ما يحدُثُ بها الاكتفاء بما حقّقته النَّفس من ثروات، فتبدأ في الاستغناء عن الله، وهو الامتحان الَّذي يشبه نوعاً ما، ما حدث لعيسى (ع) حينما ظهر له إبليس وبدأ يختبره في لعبة تحدٍّ سافر في فترة صيامه الأربعينيّ قائلاً له: "قل لهذه الحجارة أن تتحوّلَ إلى خبز"، فكان أن ردّ المسيح بكلِّ ذكاءٍ وشجاعةٍ: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، لكن بكلمة من الله"، وذلك لأنّه انتبه إلى أن إبليس بكلماته تلك كان يفكّر في طريقة مثلى يُغيِّر بها إرادة الله، لا سيَّما وأنّه يعرفُ جيداً أن لعيسى القدرة الكاملة على تحويل الحجر إلى خبز. لقد كان يريده أن يستقلّ عن خالقه ويعتمدَ على نفسه ويحدّد بقوّتِه حياتَهُ كاملةً، فلا يحرمُ نفسَهُ من حقّ الابتهاج بالحصول على الطّعام عندما يكون جائعاً، إنّه كان يريد من عيسى حسداً منه أن يبتعدَ عن مكانِ الطَّاعة الكاملة، أيْ أن ينزل من الارتفاع الشّاهق إلى الوحل الملطّخ بالخزي والمذلّة.

أيُّوب خلافا لعيسى، تردّدَ كثيراً في مسألة المساومة هذه، وهذا التَّردّد تمّ الرّمز إليه بالدِّيدان الَّتي كانت تأكل أرض بدنه، والَّتي حينما اشتدّ نهشها له استفاق من غفلته، فصاح بلسان الاضطرار والافتقار: ((أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ))، وما الضرّ هنا سوى كناية عن إبليس الَّذي هو على خلاف ما يتخيّله العديد من النَّاس، يوجد بداخلنا وليس بخارجنا، ولا فكاك لنا منه، بل لا بدّ لنا منه ونحن في طريقنا نحو الشَّمس، فهو الحدّاد الَّذي ينفخُ في أكيارنا ويسبك ويصهرُ معادننا.

حينما انتبه أيُّوب إلى الهاوية الَّتي زجّ بنفسه فيها وطلب المعونة من الله من باب الرَّحمة عاد إلى قلبِه ولسانه، أيْ إلى فطرة الإيمان الَّتي جُبِلَ عليها وبها تمكَّن من الاستماع إلى أمر الله وهو يقول له: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ، هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)، أيْ عُد إلى عقلك الحيّ، لتتفجّر فيه عينان من الحكمة العمليّة والنَّظريّة، تغتسلُ بهما وتشربُ من علومهما لتتطهّرَ روحك من أدرانها وتعودَ لك عافيتك.

والجميل في صبر أيوب أنّه كان صبر الأذكياء بامتياز، لأنّه لم يكتفِ بطلب الجزاء عن الصّبر على المحن في الدّار الأخرى، وإنّما طلبَهُ في الدَّار الدُّنيا، فوقع أن تحقَّقت له العافيةُ وعادت له حياة العزّ والوجاهة ليكون رسالةً يعتبرُ بها أولو الألباب في الدُّنيا قبل الآخرة.

مشكلة الإنسانيّة اليوم تكمن في استغناء الإنسان عن خالقه، واكتفائه بما حقَّقهُ من انجازات على كافّة المستويات، فحدث أن أصبح جسد الإنسانيّة جمعاء جسداً ترتع فيه الدِّيدان والأمراض والهوام: ديدان الفكر المؤدلَج، وأمراض الرُّوح، وهوام الإلحاد بشتَّى أنواعه وأصنافه، ولأنَّ لا أحد ينتبه إلى الأمر، ولا أحد له الصّبر على تحمّل هذه المحن والتَّوجه إلى الله ليفكّ عنه العذاب، طال المكوث في كهوف الظّلمات، وساد الظَّلام وابتعد النَّاس عن مركز النُّور، وأصبح منطق الحرب هو السَّائد، وغاب السَّلام من قواميس الحياة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??