الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكروية السياسية

جودت محمود جودت

2019 / 1 / 28
عالم الرياضة


الانتماء الكروى، هذا الانتماء الذى نجده شائعا لدى شرائح إجتماعية واسعة جد متنوعة وجد متباينة أكان على صعيد المستوى التعليمى أم الثقافى أم الطبقى وهو الانتماء الذى لايقتصر بدوره على فئة عمرية بعينها أو طائفة مهنية دون أخرى بل هو يشمل الجميع من مختلف الأعمار والمهن والطبقات الإجتماعية على نحو يحتم علينا، إزاء وضع ملفت إلى هذا الحد كهذا، التطرق إلى دراسة هذه الظاهرة من مختلف جوانبها ونواحيها وذلك بهدف تقديم رؤية نقدية حولها لتبيان أثرها على العقل الجمعى من ناحية ولمعرفة إلى أى مدى تؤثر على رؤى الفرد وتصوراته بل وعلى كامل مسلكه فى تقييم مايحدث من حوله من شأن عام يخص المجتمع بأسره من ناحية أخرى .

لنطرح أولا على أنفسنا، وعلى سبيل البدء فى خوض غمار هذا الموضوع، السؤال التالى : على أى أساس يرتكز الانتماء الكروى ؟
من الجلى لنا وللوهلة الأولى أن نتبين واقع وحقيقة كون النادى الرياضى لايعبر عن ولايخوض معاركه فى وجه منافسيه من النوادى الأخرى فى سبيل نصرة دين معين مثلا يحمل تصورات محددة حول مسائل من قبيل الإلوهية ومنشأ الإنسان وصيرورة الحياة على الأرض . ولا هو حزب سياسى لديه قناعات فكرية تتعلق بقضايا الحكم والإقتصاد من حيث شكل الأول وتسيير وإدارة الثانى . ولاهو جمعية علمية تدافع عن تصورات خاصة بها تتعلق بكيفية ظهور الحياة على الأرض أو وجود مخلوقات ذكية من عدمه تقبع فى ركن ما من أركان هذا الكون الشاسع المترامى الأطراف. فى الواقع لاتمثل الأندية الرياضية لا هذا ولا ذاك وهو مايعنى بالضرورة أن الانتماء الكروى لايمكن له بحال أن يكون مبنيا على أساس عقلانى، بمعنى أن يحدد الفرد انتمائه لهذا النادى أو ذاك من بعد إجراء محاورة عقلانية يأخذ فيها بالأسباب الموضوعية ليصل فى النهاية إلى قراره. فى الواقع ليست الأندية الرياضية، من حيث طبيعتها ووظيفتها، مؤهلة أصلا لإجراء محاورة من هكذا نوع فهى لاتعبر عن أفكار ولا تصورات كى نعقد المقارنات بينها ونقيس أى من هذه الأفكار أصلح من غيرها على ضوء معايير موضوعية محايدة بل هى فى الأصل منشآت شيدت بغرض التريض والترويح عن النفس لا أكثر ولا أقل وهذا التعريف لايقصد به الحط من شأنها أوالتقليل من أهميتها على أصعدة عدة منها المساهمة فى بناء أجيال تتمتع بعافية وصحة جيدة وأبدان لائقة معافة مؤهلة لتحمل مستويات عالية من الضغط البدنى والنفسى . لا ليس هذا هو القصد من وراء التعريف الذى وضعته بل المقصود هو وضع الأمور فى سياقها الصحيح والحؤول دون حدوث تجاوزات على مستوى الأدوار الوظيفية تؤدى إلى حدوث فوضى يتبعها الكثير من سوء الفهم وسوء التقدير .

حسنا، لقد أثبتنا معا أن الانتماء الكروى لايمكن له أن يرتكز على أساس عقلانى وذلك على النحو السابق عرضه فالأندية ليست نظريات ولا أطروحات كى يكون العقل هو الفيصل فى تحديد الانتماء إلى أى منها وهنا نطرح على أنفسنا تساؤل أخر : طالما لايمكن تأسيس الانتماء الكروى على أساس عقلانى فعلى أى أساس إذا يرتكز ؟
يبدو لنا أن التعصب القبلى هو الأساس الوحيد المنطقى والمقبول لتفسير الانتماء الكروى، على الأقل كقاعدة عامة مهيمنة مع عدم اغفال هذه الحالة أو تلك التى يقرر فيها فتى مراهق الانتماء لهذا النادى بدافع من محبة لاعب منتمى إليه وذلك لأخلاقياته أو مهاراته أو موقف صدر عنه يراه الفتى مشرفا مع التأكيد على رخاوة وعدم ثبات هذا الاعتبار من الاعتبارات المحددة للانتماء الكروى نظرا لكثرة تنقل اللاعبين من ناد إلى أخر عند الحصول على عروض أفضل فضلا عن بروز انتماء أخر من نوع جديد وهو الانتماء للاعب لا لنادى وهو مبحث أخر قد نتطرق له فى مناسبة أخرى ولكنه لايخرج أيضا عن موضوعة الانتماء الكروى .
فى أغلب الأحيان يتم توارث الانتماء الكروى كما تتوارث الجنسية واللغة وحتى الوضع الإجتماعى الذى أنت عليه وذلك من دون ان يكون للعقل دور فى تحديد أى من هذه الأمور . العصبية القبلية أيضا أساسها التوارث وهى التى تلزم الفرد المنتمى لقبيلة معينة بالدفاع الأعمى عن كامل موروثها من العادات والتقاليد من دون النظر إلى مدى توافق هذه العادات والتقاليد مع العقل والمنطق فقط الانتصار للقبيلة هو مايعنى الفرد المنتمى إليها على صواب كانت هى أم على خطأ .

بهذا الشكل نكون قد وضعنا يدنا على أخطر مافى الانتماء الكروى من سلبيات فهو يرسخ مسلك اللاعقلانية عند اتخاذ قرار بالانتماء لكيان، وليكن حزب سياسى مثلا مع مايمثله من رؤى وأفكار، أو عند تفضيل شخصية عامة سياسية دون غيرها . فما الذى يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا الشخص المواظب على تشجيع هذا النادى بدافع من العصبية القبلية المتوارثة وحدها، حتى من دون أن يحمل بطاقة عضوية هذا النادى ومع تواجد النادى فى نطاق محافظة أخرى غير محافظته، ما الذى يدفعنا إلى الاعتقاد بأن مثل هذا الشخص لن يسلك نفس مسلك العصبية القبلية المتوارثة فى مسائل أخرى غير كروية هذه المرة وذلك حين يذهب لأختيار رئيس أو التصويت بنعم أو لا فى استفتاء مثلا ؟! ما الذى يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه سيأخذ بالأسباب الموضوعية هذه المرة حين يقرر ويختار ؟ لماذا لن يذهب للتصويت لهذا المرشح أو ذاك بدافع من عاطفة مجردة غير مكترثة بالوقائع أو بدافع من تأثير محيطه فى القرية أو الحى او ماشابه من دون إمعان العقل فى حياراته وتفضيلاته ؟ من جانبنا لانرى مانع أبدا فى حدوث ذلك ولو بنسب أقل بعض الشئ وعلى نحو متفاوت من حالة إلى أخرى ولكن المبدأ موجود ويأتى بنتائجه بالفعل لاسيما وأن أغلب مشجعى كرة القدم هم بوجه عام أصحاب ثقافة سياسية ضعيفة ورديئة واهتمامهم بالشأن العام متواضع إلى أبعد حد ولايخفى على أحد أى دور تعول عليه الحكومات من خلال مباريات كرة القدم لإلهاء شعوبها وتمرير سياساتها وتخفيف حدة الاحتقان العام ضدها عن طريق اختلاق صراعات وهمية بين النوادى تشغل قطاع عريض من الجماهير عن متابعة ومراقبة ماتقوم به وتفعله وهذا بالضبط مضمون النقطة السلبية الثانية للانتماء الكروى

الانتماء الكروى كانتماء بديل
يميل الإنسان بطبعه إلى تبنى مواقف معينة والانحياز لقضايا والدفاع عنها والتعريف بها وهذا طبع أصيل فى الإنسان الذى يتميز عن سائر المخلوقات الأخرى بالعقل والقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب والسئ والحسن والقبيح والجميل . وهو مع خاصية تميزه بالعقل والقدرة على التمييز لن يتوقف عند حدود التمييز فقط بل سيتعداها إلى اتخاذ أفعال على الأرض للانتصار لخياراته وتفضيلاته وسيقوده ذلك بالضرورة نحو الانخراط فى تيارات تتبنى مواقف وتصورات متباينة، على ضوء مصالح متعارضة فيما بينها أو تقديرات مبنية على درجات متفاوتة من الوعى، وهو ماسيؤدى بدوره إلى نشوء انتماءات وتحيزات عدة لكل منها مناصريه ومريديه..
هذا طبع أصيل فى الإنسان وحاجة غريزية فى النفس البشرية لابد من اشباعها على أى حال . ولكن كثيرا مايتحقق للمرء هذا الاشباع على نحو مشوه ومزيف كما هو الحال مع الانتماء الكروى فكيف يتم ذلك ؟
تعى النخب الحاكمة والحكومات التى تمثلها أن لسياساتها ردود أفعال شعبية رافضة لها وهو ماقد يؤدى بالعناصر الفاعلة من السكان إلى الانخراط فى تيارات كتلك تكون مناوئة لهذه السياسات ومن ثم نشوء انتماءات حزبية وفكرية يشبع من خلالها الأفراد حاجتهم للانتماء لقضية والدفاع عنها وتبنى وجهات نظر والترويج لها فكيف تتصرف النخب الحكامة حيال وضع كهذا ؟
على الفور تعمل هذه النخب على استحداث انتماءات جديدة، انتماءات مزيفة جوفاء لاتعنى أى شئ ولاتقدم لصاحبها أى منفعة حقيقة، انتماء كروى أحمق يجر صاحبه والمجتمع بأسره نحو اهدار طاقته فى صراعات عبثية لاجدوى ولاطائل من ورائها ويشغله فى نفس الوقت عن نقد واقعه وتطويره ويفرغ كل مشاعر سلبية ترسبت بداخله بفعل سياسات قوامها القهر والاذلال فى مشاحنات مع أنصار الفريق الأخر وتلاسنات هنا وهناك ونصر مزيف يحرزه ناديه يحرر قدر من الشعور بالهزيمة الرابض بداخله . هذا هو ماعنيناه بالانتماء البديل

بالطبع سيحتج الكثيرون على النقاط الواردة بهذا المقال، كلها أو بعضها، وسيردد البعض منهم أن كاتب المقال يميل إلى تهويل الأمور والسير بها بعيدا إلى حيث يريد هو أن يصل . ولكن نظرة واحدة شاخصة، محايدة وموضوعية، ترينا ان الوضع ربما يكون أسوأ مما ورد بهذا المقال وأن ظاهرة الانتماء الكروى، الانتماء الاعقلانى البديل الذى لامعنى له، لابد من مواجهتها بحزم والبحث بجدية عن سبل مجابهتها وايقافها عند حدها وهى المهمة التى ليست يسيرة بطبيعة الحال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى عسل: الأهلي هيكسب مازيمبي ولو مكنتش في البطولة كان زما


.. نور الشربيني: سعيدة بالتأهل لنهائي الجونة.. وضغط المباريات ص




.. مصطفى عسل بعد تأهله لنهائي الجونة: مواعيد مبارياتى دائما مع


.. نور الشربينى: سعيدة بالوصول إلى نهائى بطولة الجونة للاسكواش




.. تحدي الأبطال | بطولة العالم للرياضات الإلكترونية و جوائز قيم