الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشل تكتيك الاضراب العام في الثوره المصريه ؟

ابراهيم فوزي

2019 / 1 / 30
الحركة العمالية والنقابية


كواحد من الماركسين المصريين المؤمنيين بالدور التاريخي للطبقة العاملة في التحرر الإقتصادي والسياسي من منظومة رأس المال والممارسات السياسية والأعباء اليومية التي تلقيها منظومة الفساد الإقتصادي على عاتق الطبقة العاملة والطبقات المهمشة بشكل عام وأمل الخلاص من الحكم العسكري القمعي المستبد في مصر بشكل خاص. يجب أن أطرح سؤالاً مهماً يستحق البحث: لماذا فشل تكتيك الإضراب العام في مصر في سنوات الانتفاضة والثورة وأحداث الغضب الجمعي؟

للإجابة علي هذا السؤال يجب أن نتناول بشكل تحليلي مختصر مجموعة من العوامل.

الطبقة العاملة المصرية
هنا أحاول أن أصف وعي الطبقة العاملة وأكذب الإفتراءات حول وضعها السياسي والإقتصادي.

إن الإدعاءات التي تنشرها الدولة وللأسف ترددها قطاعات واسعة من المعارضة والثوار المصريين حول تكاسل واتكالية العمال المصريين في دورهم الإنتاجي وضعف الوعي السياسي والإقتصادي لدي تلك الطبقات يعكس بشكل واضح مدى تردي الوعي الثوري لدى قطاعات واسعة من الانتلجنسيا المصرية. لأن الثورة المصرية التي حدثت في الماضي القريب تدحض بشكل قاطع كل هذه الإفتراءات، فالطبقة العاملة المصرية تعاني من أعباء في العمل قد تصل لمهزلة العبودية في المجتمعات القديمة من زيادة مستمرة في ساعات العمل التي تصل في بعض الأحيان لأثني عشر أو أربعة عشر ساعة عمل يومياً، بالإضافة إلي نقص التأمينات الإجتماعية والصحية والتعرض الدائم للفصل التعسفي، وتقليل عدد العمال بما يعرف بنهج سياسة المعاش المبكر، ناهيك عن المرتبات الهزيلة ودائمة التأخير في موعدها والتي تفقد أصلاً قيمتها بشكل مستمر نتيجة التضخم والزيادة المطردة في الأسعار. إن النظر للحال الاقتصادي اليومي لعمال مصر يرد بشكل واضح على إدعاءات الدولة التي يكررها دائماً الديكتاتور عبدالفتاح السيسي أن العمال المصريين لا يقومون بدروهم في العمل بشكل كامل ودائماً ما يطالبهم ببذل أكبر قدر من العمل وتأجيل المطالبة بحقوقهم حتى الإنتهاء مما يسميه ببناء الدولة.

وعلي الجانب الآخر فإن تحليل قوة ونشاط الحركة العمالية في سنوات الثورة يدحض ادعاءات المعارضة المصرية حول دور الطبقة العاملة في الثورة المصرية. إن إتساع الحركة العمالية في سنوات الثورة من يناير 2011 حتي نهايات 2015 يجعلنا نقول بكل أريحية بإنه لا توجد هيئة أو شركة أو مصنع في مصر لم ينظم العاملون به مظاهرات أو إضرابات أو إعتصامات مطالبين بتحسين ظروفهم الاقتصادية وتحسين سياسة العمل، بل امتدت الإضرابات لتشمل مطالب سياسية، وعلي سبيل المثال لا الحصر إضراب عمال مصنع رامي لكح، إضرابات عمال قطاع الغزل والنسيج، إضراب أطباء مصر، إضراب عمال مصنع أسمنت بورتلاند.

إن سرد بطولات وتضحيات العمال المصريين في أحداث الثورة المصرية من أول مشاركتهم في ميدان التحرير في الثمانية عشر يوماً والأحداث المتتالية لا يسعه أبداً هذا المقال، ولكنه كافي لدحض الافتراءات الكاذبة التي ترددها الدولة على لسان قائدها الديكتاتور ليلاً نهاراً، وتبين مدى حقارة بعض إدعاءات الليبراليين المصريين حول دور الطبقة العاملة.

ممارسات الثور المضادة لقمع الحركة العمالية

إن حكومة رجال الأعمال الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة تدرك خطورة الطبقة العاملة على مصالحها الاقتصادية والسياسية وخاصة في أيام الإنتفاضة والثورة، فحقاً طبقة الرأسماليين أكثر وعياً بمصالحها. ولذلك فالحكومات المصرية المتتالية بعد انتفاضة يناير حرصت على تسديد الضربات الواحدة تلو الآخرى من أجل إضعاف الطبقة العاملة والحركة العمالية، فكان قانون تجريم الاضرابات والاعتصامات الذي صدر في يونيو 2011 أولي خطوات المجلس العسكري في التنكيل بالطبقة العاملة المصرية. وأمتدت سياسة التنكيل لتشمل فض الإعتصامات بالقوة والسماح لرجال الأعمال بممارسة البلطجة في فض الإضرابات في مواقع عديدة وممارسة الفصل التعسفي بشكل مستمر وامتد دور الدولة ليشمل الاعتقالات في عشرات المرات للعمال المضربين داخل المصانع، ناهيك عن ضعف قانون العمل والمحكمة العمالية إتجاه حقوق العمال.

ضعف التنظيم الذاتي للطبقة العاملة

أحاول هنا أن أحلل طبيعة التنظيم النقابي للطبقة العاملة المصرية، إن مراقبة الحركة العمالية المصرية الكبيرة والمتسعة لا تبرز أبداً دوراً واضحاً للحركة النقابية في دفع نضالات العمال إلى الأمام، بل على العكس وللأسف فإن الحركة العمالية المصرية وقعت بين أنياب نقابات الدولة (إتحاد عمال مصر) من جهة والنقابات المستقلة (التشتيت والباحثة دائماً عن التمويل) من جهة آخرى.

إن إتحاد عمال مصر أو كما يسميه طلائع الحركة العمالية إتحاد الدولة يضم مجموعة من فئة كاسري الإضرابات، فهو يملك في كل هيئة أو شركة مجموعة من الموالين للدولة والأمن لا لمصالح العمال والطبقة، يعمل هؤلاء بشكل علني ومستمر على كسر أي حركة عمالية.

وعلي الجانب الآخر النقابات المستقلة التي كانت تمثل الأمل للعمال في التخلص من هزلية وتبعية نقابات الدولة، فمع كثرة عدد النقابات المستقلة التي بدأ إنشائها في عام 2008 بعد معركة طويلة والذي وصل عددها في أواخر عام 2013 لأكثر من 1200 نقابة مستقلة في مصر، إلا أن البرجماتية التي تغلب على طابع قيادتها وسعي تلك القيادة الدائم وراء التمويل الأجنبي لا الدفاع عن حقوق العمال أدى لفشلها في مهمتها، فتشتت الطبقة العاملة بين إتحاد عمال مصر للنقابات المستقلة وإتحاد عمال مصر الديمقراطي، وحربهم المستمرة لجذب التمويل وبالضرورة جذب أكبر عدد من النقابات، عدد ليس إلا. لم يسعوا أبداً بالشكل المرجو لتوسيع مفهوم التضامن العمالي والدفاع عن حقوق العمال. إن هذا الوضع المهترئ للتنظيم الذاتي داخل الطبقة العاملة المصرية في أغلب القطاعات يوضح مدى مأساة وعفن النقابات.

القوى الرجعية

هنا أتحدث بالأخص عن تنظيمات الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين والسلفيين) والكنيسه، ليس لكونهم القوي الوحيدة المعادية للحركة العمالية، بل لأنهم القوي اليمينيه الوحيدة المنخرطة بشكل منظم داخل الطبقات الفقيرة والمهمشة، والتي كانت لا تدخر أي جهد في سنوات الثورة لكسر الحركة العمالية والإضرابات بشكل خاص والحركة السياسية بشكل عام بتحالفهم السابق مع الحكم العسكري ورجال الأعمال الليبراليين، فلم يتوانوا أبداً عن شرح مدى التأثير السئ -من وجهة نظر مصالحهم الطبقية- للإضربات، بل وصل بهم الحال في كثير من الأحيان لتحريم الإضرابات.

فبعد ما أصابوا الطبقة العاملة بالضعف وكسروا قوتها وأضعفوا حركتها في عز أيام الإنتفاضة تخرج علينا صيحاتهم التي تزايد على نضال العمال، فليتذكر هؤلاء مواقفهم المخزية إتجاه مساندة الحركة العمالية والحركة السياسية في مصر.

ضعف التنظيمات السياسية للطبقة العاملة

إن ضعف التنظيمات السياسية للطبقة العاملة قد وصل إلى ذروته، فلا يوجد حزب سياسي مصري قادر على التأثير في الطبقة العاملة لا من حيث العدد أو القدرة السياسية على التأثير في حراك الطبقة العاملة، فلا يستطيع أي حزب سياسي مصري الإدعاء بأنه يستطيع التأثير في المزاج العام للطبقة العاملة.

إن وعي الطبقة العاملة المصرية وعياً متراكماً ومستمداً من الضغوطات الإقتصادية من جهة والحالة العامة للشعب من جهة أخرى. ففي أوقات الثورة كان العمال هم المدفعية الثقيلة في الحركة السياسية التي شهدت أوجها في إطلاق عدد كبير من الإضرابات في الأيام الأخيرة من حكم مبارك قبل التنحي، واستمر نشاط الحركة العمالية متلازماً مع نشاط الحركة السياسية طوال سنوات الانتفاضة والثورة. ومع تراجع سقف الحريات في الحياة السياسية المصرية بعد انقلاب يوليو 2013 انخفض صوت وحدة المطالبات العمالية لكنها لم تختفي.

إن الأحزاب اليسارية لم تنغمس في أوساط العمال، فلم تستطيع في خضم المعارك للثورة والطبقة العاملة أن تطور برنامجاً سياسياً يبرز دوراً وتكتيكاً للطبقة العاملة للإنتصار، بل ما هو أسوأ من ذلك فلم يبثوا حتى وعي داخل العمال كطبقة مستقلة يجب أن تحارب من أجل مصالحها الطبقية وتقود الطبقات المهمشة للإنتصار علي طبقة رجال الأعمال وحلفائهم العسكريين، فقد خلت الثورة المصرية من خطابات سياسية طبقية حقيقية تعكس حقيقة ما يجب أن يكون عليه نضال الحركة العمالية في مجتمع يثور ضد طبقة رأس المال. أن الأحزاب اليسارية تضامنت مع الحركة العمالية تحت مطالب العمال الإقتصادية ولم تطور أي خطاباً عمالياً ولم تنشر أبداً أوراقاً سياسية طبقية في أوساط العمال بل إكتفوا بنشر آرائهم حول دور الطبقة العاملة شفاهة في لقاءاتهم مع أشباههم في أوساط مقاهي وسط البلد.

فأغلب القول أن هذه الأحزاب لم تكن أبداً تمتلك الإستعداد أو الشجاعة الكفاية لقيادة الطبقة العاملة ضد حكومة رجال الأعمال، أو حتى أن تؤجج الصراع بوصفه صراع طبقي. وعلى العكس من ذلك وبدون أي جهد وبدون نشر أي وعي داخل الطبقة العاملة كانوا يستخدمون مصطلح الإضراب العام والدعوة له في الأوقات السياسية العصيبة بدون الترويج له داخل أوساط العمال (إضراب عام بلا عمال)، وعلي سبيل المثال الدعوة للإضراب العام في 11 فبراير 2012.
أن سرد واقع الطبقة العاملة وحقيقة كفاحيتها والقمع الذي يحيط بها وضعف تنظيماتها السياسية والذاتية وضعف الوعي المجتمعي بتغلغل الجماعات الرجعية اليمينة يوضح لنا الإجابة عن سؤال لماذا فشل تكتيك الإضراب العام في مصر، ويضعنا أمام تحدياً حقيقياً في الدعوة لأي إضراب عام قادم. علينا نحن الماركسيين أن نقدم ونطور برنامجاً سياسياً للطبقة العاملة يدفعها للإستيلاء على مقدراتها، يخاطبها كطبقة ويزيل التشويش الصادر من فيلات وقصور رجال الأعمال وخادميهم من الإعلاميين والسياسيين، فقد تكفي الأزمة السياسية الإقتصادية المختمرة للإنفجار ولكنها أبداً لا تكفي لتحقيق النصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: طلاب يغلقون مداخل جامعة سيانس بو بباريس دعما للفلسطين


.. فرنسا: طلاب يغلقون مداخل جامعة سيانس بو في باريس دعما للفلسط




.. 8 شهداء من العاملين ضمن فرق تأمين المساعدات إثر غارة إسرائيل


.. الطلاب المؤيدون للفلسطينيين يواصلون اعتصامهم في جامعة كولومب




.. عضو المجلس القومي للأجور: شكلنا لجنة لدراسة موقف القطاع الخا