الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (149) مديات النفوذ الاستخباري

بشير الوندي

2019 / 1 / 30
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (149)

مديات النفوذ الاستخباري

بشير الوندي
-------------
مدخل
-------------
الاجهزة الاستخبارية هي أجهزة حكومية تعتمد عليها الدولة في مجالات المعلومات والنفوذ والتحليل وتقدير المخاطر , ومن ثم فان اي جهاز استخباري يتمدد وفق عوامل عدة تحدد مديات تمددها وانكماشها , ووفقاً لذلك نرى ان هنالك اجهزة استخبارية تنتشر في عشرات الدول بقارات العالم المختلفة , فيما نرى ان هنالك اجهزة تعمل وفق نطاق جغرافي او عقائدي او فكري محدد بعدة دول , ونرى نوع ثالث منكفيء في داخل بلاده مع بعض النشاطات في بلد العدو التقليدي للبلاد سواء كانت دولة او منظمة سرية , وسنتناول في مبحثنا الاشكال الثلاثة لمديات النفوذ الاستخباري لتلك الاجهزة .
-----------------------------------
متلازمة القوة والاستخبار
-----------------------------------
مما لاشك فيه , ان من المسلمات التي يدركها العاملون في الاجهزة الاستخبارية , ان هنالك متلازمة بين النفوذ السياسي او العسكري من جهة وبين النفوذ الاستخباري من جهة اخرى , اي ان هنالك متلازمة بين القوة والنفوذ الاستخباري , حتى يكاد التلازم بين الاثنين يشبه احجية الدجاجة من البيضة ام البيضة من الدجاجة .
فكما ان سيطرة القوة السيا-عسكرية تولد لها اوجهاً من النفوذ والنفاذ الاستخباري , فإن النفوذ والهيمنة والسيطرة الاستخبارية تفتح هي الاخرى ابواب السيطرة السياسية والاقتصادية , ويكاد الامر يشبه ماكنة (الحفارة ) , فيصح القول ان نقول ان الحفارة لاقيمة لها بدون الذراع (الكماشة) التي تنبت اسنانها في التراب , وتستطيع ان تقول ان الكماشة لاقيمة لها لولا وجود الماكنة المسرفة الضخمة التي تقف خلفها.
ووفق تلازم المعيارين السابقين نرى تفاوت نفوذ الاجهزة الاستخبارية جغرافياً , فهنالك اجهزة استخبارية مقرها في لندن لكنك ترى اثارها بشكل عنكبوتي في سريلانكا وبوركينا فاسو وسلطنة عمان مثلما تراها في باريس وموسكو وسويسرا , بينما ترى ان هنالك اجهزة استخبارية تعمل وفق اطر خارجية محورية ضمن دول محدودة بعدد الاصابع , بينما نرى ان هنالك اجهزة استخبارية منكفئة داخل حدودها الجغرافية مع بعض النشاطات المحدودة في الدولة المعادية لها فقط , وهو مايدعو الى تصنيف الاجهزة الاستخبارية الى اجهزة دولية نطاقها العالم واخرى اقليمية نطاقها بعدها الجغرافي او الفكري العقائدي ونوع ثالث يتمثل باجهزة استخبارية محلية .
كما ان مانود ان ننوه عنه هنا ان مانقصده بالتمدد والنفوذ الاستخباري لايعني مجرد وجود عملاء للجهاز الاستخباري في بلدان العالم , وإلا فان كل دول العالم لها في كل سفاراتها في دول العالم موظف تابع للاستخبارات , لذا فإن مقصدنا هو وجود نفوذ استخباري وسياسي يجعل الاجهزة الاستخبارية في البلد المستهدف متحكمة فيه بل انها قد تشكل حكومات وتسقط اخرى , كما فعلت الCIAفي تشيلي وبنما وغيرها.
-------------------------------
معطيات تصنيف النفوذ
-------------------------------
ان وجود تصنيف للاجهزة الاستخبارية وفق مدياتها وامتداداتها الجغرافية يعتمد على معطيات ومقدمات عدة يتم وفقها تطور نفوذ اي جهاز استخباري جغرافياً , وهي معطيات لامناص منها وهي قابلة للتغيير وفق التطورات السياسية والاقتصادية لبلدان العالم , فالامبراطورية البريطانية على سبيل المثال كانت قبل الحرب العالمية الثانية شيء وبعد تلك الحرب شيء آخر, وهو امر ادى الى انحسار نفوذ القوة لديها في الشرق الاوسط وتبعه انحسار النفوذ الاستخباري تبعاً لذلك .
ان المعطيات التي تتيح لأي جهاز مديات النفوذ الجغرافي هي :
1- الامكانات المالية : ان النفوذ الاستخباري لاي جهاز يحتاج الى موازنات مالية ضخمة لاقِبَلَ لأية دولة بها , بل ان موازنات استخبارية تعادل ميزانيات دول كاملة , ومن هنا لا يستطيع اي جهاز استخباري اي يتمدد وفق مايريد مالم يتمكن من توفير الغطاء المالي لعملياته الاستخبارية وموازناته الضخمة .
وهنا لابد ان نذكر القاريء الكريم بأننا فصلنا في المبحث السابق في الحديث عما تفعله الاجهزة الاستخبارية الدولية من اجل توفير الكثير من الاموال من خلال العمليات غير الشرعية وغير الاخلاقية في البلد المستهدف ذاته كالإبتزاز وغسيل الاموال والمخدرات وغيرها , الا ان الامر لايخلو من ان الموازنات الاصلية للاجهزة الاستخبارية ذات النفوذ العالمي هي بحد ذاتها كبيرة لايتمكن اي جهاز او دولة من ان يتحمله مما يجعل الكثير من الاجهزة الاستخبارية تخفض – مجبورة- من سقف طموحاتها وتطلعاتها بالتمدد الجغرافي للنفوذ.
2- الجانب الفكري والعقائدي : ان الجغرافيا هي التي تصنع التاريخ , وان هنالك بلدان ترى ان من المهم ان تمد نفوذها تبعاً لعوامل فكرية او عقائدية او جغرافية , وفي حال كان الاتجاه الاستراتيجي للدول محكوم بعقيدة ما , فان الامر ينعكس على طبيعة المهمات الموكلة للاجهزة الاستخبارية , مما يدفع بالاجهزة الاستخبارية الى تبني خطط من شأنها النفاذ في دول اخرى لضمان تحقيق النفوذ فيها , فالاتجاهات الناصرية لمصر عبد الناصر فرضت على اجهزته الاستخبارية التحرك على الدول العربية لزرع او تنمية الاتجاه القومي الناصري , فترى اصابعها في حركة الشواف في الموصل وفي اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم وفي اليمن وسوريا وليبيا ولبنان وغيرها , كما ان الانتماء الافريقي لمصر وريادتها جعل اجهزتها تتحرك باتجاه افريقيا كأثيوبيا والسودان ودول حوض النيل , وهو امر انحسر مع انحسار الناصرية في مصر , وكذا الامر فان الاستخبارات الاسرائيلية ملزمة لاسباب امنية وجغرافية كونها تعيش محاطة بشعوب معادية لها , مما جعل الموساد يسعى الى النفاذ في كافة الدول العربية .
3- استراتيجية الهيمنة : هنالك بلدان لها هيمنة اقتصادية وعسكرية وسياسية في العالم وهي التي نسميها بالدول الكبرى , ومثل هذه الدول ترى العالم رقعة شطرنج تتصارع فيه مع دول كبرى اخرى , سواء عسكرياً كما في الحروب العالمية ومايتبعها من تقاسم غنائم الحروب وهي غنائم على شكل نفوذ شبه دائم على مقدرات شعوب ودول , واحياناً يكون الصراع على النفوذ وفق مبدأ توازن الرعب كما في الصراعات النووية والصراع على الاسبقية في الفضاء الخارجي وصراع الهيمنة الاقتصادية , وفي جميع الاحوال فان تلك البلدان في حالة صراع دائم في كل بقاع الارض مع جهتين , صراع فيما بينها على النفوذ في البلدان الاخرى , وصراع مع حركات التحرر في البلدان التي تسعى شعوبها للخروج من تلك الهيمنات التاريخية , ويؤدي كل ذلك الى ان تتولى الاجهزة الاستخبارية لتلك الدول الى ان تكون اية بقعة في العالم هي مركز صراع على النفوذ والسيطرة .
ان ماذكرناه من معطيات هو مايحدد للاجهزة الاستخبارية خارطة طريقها وهويتها لأن تصبح اجهزة استخبارات دولية او اجهزة اقليمية , علما ان تلك المعطيات هي مناسيب غير ثابتة وتخضع لعوامل التاريخ وارادات الامم وماينتج من افول قوة وبروز اخرى .
كما ان تلك المعطيات هي التي تحدد حجم وقدرة تحرك ونفوذ الاجهزة الاستخبارية عالمياً او اقليمياً , وهي معطيات لاتغامر معها الاجهزة الاستخبارية لان تلعب دوراً اكبر من حجمها , وان لعبت فانها تقع في ورطة كبيرة وهذا ماحصل مع الاجهزة الاستخبارية العراقية ابان حكم الطاغية صدام حين حاول ان يلعب دوراً كشرطي الخليج بعد سقوط الشاه , وكذلك الامر في بعض الاجهزة الاستخبارية الخليجية التي تسعى الى لعب ادوار اقليمية بأدوات خطرة كما حصل في ليبيا وسوريا وغيرها.
-----------------------------
الاستخبارات المحلية
-----------------------------
كما ذكرنا في الفقرات السابقة , فان الاجهزة الاستخبارية تحتاج الى مجموعة عوامل لتحدد مسارها وحدودها الجغرافية , وفي كل الاحوال فان كلتا الاستخبارات الدولية منها او الاقليمية فانها داخلة في دوامة الصراعات على النفوذ , وان الساحة التي يتم الصراع عليها هي ساحة الدول التي تكون في الغالب منقوصة السيادة وضعيفة التأثير وغارقة في الفساد ولها اهمية في مجال او عدة مجالات سواء من حيث الموقع الجغرافي او الثروات او كممر تجاري لتجارة شرعية او غير شرعية او كمصد تحتمي به دولة ما او انه مفتاح للسيطرة على دول اخرى او ان فيه مشتركات اثنية وعقائدية او ان هذا البلد لابد ان يبقى ضعيفاً لإبعاده عن المنافسة..وغيرها من العوامل ذات البعد الاقليمي او الدولي .
ان مثل تلك الدول تكون محور للصراعات على مستويات اربع :
الاول : صراع بين استخبارات الدول الكبرى للسيطرة على الثروات والموقع الاستراتيجي .
الثاني : صراع بين الاستخبارات الدولية للدول الكبرى والاستخبارات الاقليمية لدول الجوار القوية من اجل النفوذ .
الثالث : صراع بين الدول الاقليمية فيما بينها استخبارياً لاسيما اذا كان البلد من البلدان متعددة الطوائف والمذاهب والاديان.
الرابع : ان هذا البلد غالباً مايكون في صراع مع العصابات الدولية والتنظيمات الارهابية والتحررية والانفصالية التي تسعى لإتخاذه مرتعاً لها .
ان البلدان التي من هذا النوع تكون امكاناتها الاستخبارية منهكة بحكم التدخلات والاختراقات والفساد , لذا فانها لاتستطيع التأثير اقليمياً ولادولياً , فتنكفيء اجهزتها الاستخبارية لتكون استخبارات من نوع ثالث هي الاستخبارات المحلية .
ان الاستخبارات المحلية تكون في الغالب واقعة تحت تأثير صراعات الاستخبارات الدولية والاقليمية , وتنحى الاستخبارات المحلية الى الاهتمام بالمهام الداخلية وصد التدخلات في شؤونها وتعمل ضمن اقليم الدولة في حفظ الامن وتبتلي بالصراع اما مع بلد عدو جار او مع تنظيمات ارهابية , وللاسف . فان الصراعات التي ذكرناها بانواعها الاربع تنطبق على بلدنا العراق بشكل بارز للغاية .
كما تمتاز الاستخبارات المحلية ان هاجسها الاول هو الهاجس الامني فلا تهتم بالشان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الا من خلال المنظار الامني وتعمل على اسبقيه المعلومه الامنية وتسعى الاستخبارات المحلية لفرض التمكين الاستخباري على اقليم الدولة.
-------------
خلاصة
-------------
نستنتج من ذلك ان الاستخبارات الدولية هي الموثرة وصاحبة البصمة في الجهد الاستخباري العالمي وتعمل على اساس الفعل وليس رد الفعل , اما الاستخبارات الاقليمية فانها تعمل بمحورين هما الفعل ورد الفعل , اما الاستخبارات المحلية فانها تعمل على اساس رد الفعل غالباً , وفي معظم الاحيان تنظم الاستخبارات المحلية تحت رعاية استخبارات دولية ما من اجل ضمان شكل من اشكال السيادة للبلاد وهو امر يحتاج الى جهد استثنائي من اجل ان تعمل الاستخبارات المحلية في البلدان التي لها ارادة حكومية وشعبية فعالة بأن تنآى قدر الامكان عن بؤر الصراعات الاقليمية والدولية وان لاتكون (ماشة نار) بيد القوى الاقليمية والدولية والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا