الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يُخفي الشُّيُوعيُّون أنفسهم؟

لينا صلاح الدين
كاتبة

(Lena Saladin)

2019 / 2 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لماذا يُخفي الشُّيُوعيُّون أنفسهم؟

قبل أن أباشر في طَرْح هذا المقال الذي قد أبدو فيه كمدافعة عن الشُّيُوعية توجب أن أوضح شيئاً هاماً في مطلعه، وهو أنني لست شُّيُوعية ولم أكُ يوماً كذلك. فرغم اعتناقي المذهب الإمبريقي الذي يتشابه مع المادية الجَدَليّة في كثير من النقاط، ومع أننا نتشارك عدواً واحداً وهو الميتافيزيقا، لكن هناك سببان يمنعانني من تبني الشيوعية. السبب الأول: أن الفكر الشيوعي يرى أن الاقتصاد هو الذي يحدد حضارة الشعوب وهو الذي يحكم سياستها بشكل (مُطْلَق) رغم أن ذلك ليس صحيحاً؛ فالفجوة بين طبقة البروليتاريا والطبقة البرجوازية هي دليل على عِلَّة في النظام الاقتصادي للدولة ولكن هذا لا يعني أن الرَأْسُمَاليَّة في مقدورها أن تسيطر على تطور الدولة ولا على سياستها، والدليل على ذلك هو اختلاف الأحزاب التي حكمت بعض الدول الرَأسُمالية من حزب ديمقراطي إلى حزب جمهوري يميني (بغيض) إلى حزب ليبرالي. فالرَأْسُمَالية بالنسبة لي مجرد نظام اقتصادي لكنها ليست إلهاً يتحكم في مَصائِر الشعوب. وأن وجودها في دولة ما، لا يعطي الحق بأن يتم نقد (كِيَانُ) هذه الدولة من حيث الحضارة والسياسة. وما يجعل من بعض أفكار الماركسيين أفكاراً غير نَجِيعة هو التطور التكنولوجي والعلمي الذي شهدته الدول الرَأْسُمالية مؤخراً عقب ظهور الماركسية بعقود، والذي أثبت أن تطور الدول لا يتأثر إطلاقاً بنظامها الإقتصادي بقدر تأثره بثورة العقل. والسبب الثاني: أن الماركسية قد تعارضت مع مبادئها حين احْتَسَبت نفسها الحل "المُطْلَق" لأزمة المجتمع، رغم أن كلمة "مُطْلَق" هنا تبدو في غير مَوْضِعِهَا وسط مذهب قائم على النقد وعلى قانون نفي النفي.
رغم ما سلف ذكره فإنني عند تحكيمي للمنطق والحيادية أجد نفسي مجبرة على أن أُقر للماركسية بجملة من المُتَمايزات، فلا أجد فيها ما يدعو لكل هذا الشَجْب والاستفظاع الذي يحاول أتباعها أن يتحاشوه من قبل معارضيهم. ما يثير إعجابي في الماركسيين أنهم لا يتعاملون بالفكرانيات، ولا يأخذون بالمُسَلَّمات، ولا يعتبرون التقديس ترياقاً، بل إن كل شيء بالنسبة لهم لا بد وأن يتعرض للنقد. تلك الدعوة للنقد هي ما يميز هذا الفكر، والتي -بطريقة ما- تجعل من عملية إنتقادك للماركسية في حد ذاتها ممارسة لها. لذلك وجب على أتباعها الكف عن الإعتقاد بأن فلسفتهم مثل الجريمة التي يجب إخفاؤها! فما زال (اليمين) قائماً إذاً فكل الأحزاب الأخرى لا غبار عليها. وإن كان هناك فئة يجب أن تتخفى في المجتمع ولا تلقى فيه أمناً فهم اليمينيون بكل ما يدعو له فكرهم من عنصرية وتطرف وتمسك ضرير وأهوج بتقاليد فارغة.
صحيح أن الشُّيُوعية لا يمكنها أن تتماشى مع متطلبات عصرنا الحاضر بأي شكل من الأشكال، فنحن حتماً في حاجة للاستعاضة عنها ببديل أقوى استناداً على قانون نفي النفي نفسه، لكن في ذات الوقت فمن الضروري أن نتذكر أهمية الماركسية التي تجلت في زمن الثَوْرَة البلشفية، وكان لوجودها أثر بالغ آنذاك. وصحيح أن ما حققته الشيوعية منذ قيامها يعد قليلاً مقارنة بما كانت تطمَحُ إليه من عدالة إجتماعية، لكن هناك تفسير لتلك المفارقة بين الفكرة والتطبيق، فأجد نفسي مجبرة على تقسيم الماركسية إلى نوعين: 1) ماركسية ماركس: وهي التي وضعت على يد ماركس. 2) وماركسية روسيا: أو كما وصفها ستالين بالماركسية اللينينية، وهي تلك التي تم وما زال يتم ممارستها على أيدي أنظمة القمع الروسية. فالإتحاد السوفيتي في الماضي لم يشهد قط شيوعية صحيحة بل بيروقراطية تم تغليفها بغلاف ماركسي، ولو كان ماركس حاضراً بيننا لعبر عن سخطه على كل الدول الشيوعية التي قامت على تحريف نهجه لمصلحتها الخاصة حتى شوهته في نظر العامة بهذا الشكل الذَميم. ورغم أنني لست شيوعية لكنني كنت سأهلل إذا ما تم تطبيق الماركسية "الصحيحة" في الشرق الأوسط، حيث كنت سأضمن وقتها تمكين حرية الفكر والمعتقد. لكن للأسف أنه حتى إذا ما تم تطبيقها هنا فإنها لن تكون كتلك التي وضعها ماركس، فالتبلد والتقهقر والإنكفاء الفكري الذي شهدته وما زالت تشهده روسيا هو نفسه الذي في الشرق الأوسط، مما سيصنع منها نسخة جديدة عن الشيوعية الروسية "المُختَلَقة".
إن واحدة من الركائز التي تستند عليها ماركسية ماركس هي التأكيد على كرامة الإنسان من خلال رفض إذلاله على يد فكر أو سلطة أو معتقد. لكن ماركسية روسيا لم تعمل على تَنْحِية فكرة التقديس، بل كل ما فعلته أنها "استبدلت" قداسة رجل الدين بقداسة الحاكم. ورغم أن ماركسية ماركس قد ساندت الطبقة العاملة، لكن من أوائل الذين احْتَفَوا بسقوط الإتحاد السوفيتي وانهيار الشيوعية هم طبقة العمال أنفسهم. فتلك الشيوعية "المُختَلَقة" لم تقم سوى على إذلالهم وتَطويعهم من أجل مصلحة الطبقة الحاكمة، ولم تقم سوى على شعارات زائفة وقول لا يتبعه فعل.
إن أغلب الأحزاب الشُّيُوعية في الشرق الأوسط تزحف في منهجيتها خلف الشُّيُوعية الروسية، وإذا سَنَحَتِ الفُرْصَةُ لها بالحكم فإنها ستكون نسخة طبق الأصل عن الشُّيُوعية البيروقراطية التي نشهدها الآن في كل من روسيا والصين وكوريا. لكن هذا ليس عذراً لأن يتم التعامل مع كل شيوعي من هذا المنطلق. فالشيوعية تمثل جزءاً من الماركسية، والماركسية بشكل عام توجه شخصي قبل أن تكون توجهاً إقتصادياً أو سياسياً. فيجب على المجتمع الشرقي الكف عن مُنازَعَة الشيوعية وأتباعها من غير دراسة مستفيضة لها لفهم ماهيتها، فإن كان المجتمع مؤيداً للفكر الماركسي أم ساخطاً عليه، فإنه في كلا الحالتين يبقى للماركسية رَجَاحَتها وأَثِيلها كفكرٍ وفلسفةٍ وأسلوب حياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظات
عبد الحسين سلمان ( 2019 / 2 / 6 - 10:45 )
تحية للكاتبة.
1. تقول الكاتبة:
فرغم اعتناقي المذهب الإمبريقي الذي يتشابه مع المادية الجَدَليّة في كثير من النقاط....

أكد ماركس في المخطوطات الفلسفية والاقتصادية 1844 ما يلي:
من الضروري أن أؤكد للقارئ الذي يعرف الاقتصاد السياسي أنني وصلت إلى نتائجي عن طريق تحليل تجريبي.... Analysis Empirical ....تمامًا يقوم على دراسة نقدية (Critical Study) دؤوبة للاقتصاد السياسي..

http://libcom.org/library/1844-manu-script-s-karl-marx

2. وتقول الكاتبة :
السبب الأول: أن الفكر الشيوعي يرى أن الاقتصاد هو الذي يحدد حضارة الشعوب.....الخ

علق إنجلز على هذه الفقرة بالقول:
كتب إنجلز رسالة الى جوزيف بلوك... J. Bloch في 21—28 – أيلول 1890 يقول فيها: .....إن العامل المحدد حسب التصور المادي للتاريخ هو في آخر التحليل إنتاج الحياة الواقعية وتجديد إنتاجها. ولم يقل ماركس أبداً ولا أنا, أكثر من ذلك. فإن شوه أحدهم هذا الرأي بأن جعله يدل على أن العامل الاقتصادي هو المحدد الوحيد , فقد حوله الى كلام أجوف , ومجرد , وغير معقول.
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1890/letters/90_09_21.htm


2 - ردا على الأستاذ عبد الحسين سلمان
لينا صلاح الدين ( 2019 / 2 / 6 - 13:59 )
يحدث خلط لكثير من الناس بين المذهب الطبيعي والتجريبي والمادي والفيزيائي، ويبدو أنك قد وقعت في هذا الخلط. لا بأس في أن يقول ماركس بأنه قد اعتمد تحليلا تجريبيا، فالمنهج التجريبي في نهاية الأمر هو -طريقة- أو -ممارسة-، كما أن الفكر المادي والتجريبي -يتشاركان- في نقطة ما وهي معارضة كل ما هو فوق الطبيعة، وهذا ما كنت أشير إليه في المقال. لكن الفرق بين المادية والتجريبية يبقى فرقا كبيرا، فالمادية تحاول أن تثبت الطبيعة المادية لكل ما هو موجود، في حين أن المذهب التجريبي يتسائل عن -كيفية- حصولنا على المعرفة، فهو بذلك توجه أبستومولوجي في الأساس. لذلك فمهمة كل مذهب تختلف عن مهمة المذهب الآخر تماما.
بالنسبة للمقولة الثانية فالشيوعية تقوم في الأساس على الدعوة إلى -الملكية المشتركة- لتقف في مواجهة الثورة الصناعية التي قادتها الأنظمة الرأسمالية، وبسبب التأثر بالفكر الشيوعي قامت الثورة البلشفية التي قادتها الطبقة البروليتارية بعد ضيق المعيشة وانخفاض الرواتب، فإذا لم يكن ذلك اقتصادا فماذا يمكن أن نسميه؟ وعن جزئيته التي قالها -تجديد إنتاج الحياة- فسؤالي لك هنا: ما هي وسيلة هذا الإنتاج في الفكر الشيوعي؟


3 - سيدتي الكريمة
فؤاد النمري ( 2019 / 2 / 6 - 20:40 )
ليس لديك التصور الكامل للثورة الاشتراكية العالمي
حالما رجل ستالين كان هناك انقلاب على الإشتراكية وفي حزيران 57 حدث انقلاب عسكري على الحزب الشيوعي وتم طرد أعضاء المكتب الساسي
قبل رحيل ستالين لم يكن هناك أدنى صورة للبيروقراطية
العمال في المصانع ومؤسسات الانتاج المختلفة هم الذين يقررون الخطة الخمسية للتنمية ووظيفة الحزب هي تنفيذ هذه الخطة دون مواربة
لم يكن بمقدور ستالين أن يتخذ قرارا لوحده دون مشاركة المكتب السياسي المنتخب من قبل مندوبي الحزب وليس أدل على ذلك من أن ستالين طالب مندوبي الحزب في مؤتمره العام عدم انتخاب أي من أعضاء القيادة آنذاك غير أن المؤتمر خذل ستالين وانتخب جميع أعضاء القيادة بالكامل
حتى القرارات الحربية التي كان من مسؤولية ستالين اتخاذها منفردا كونه القائد العام للقوات المسلحة كان يشارك المكتب السياسي في اتخاذها
الاتحاد السوفياتي بعد إلغاء الخطة الخمسية الخامسة في ايلول 53 لم يعد اشتراكيا بل كان يسوس البلاد والعالم ضد الإشتراكية
أما الاقتصاد فله حكاية أخرى

تحياتي لنفسك التقدمي

اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام