الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتياد الهامش يشل القدرة على الفعل

أماني فؤاد

2019 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية



لماذا تتجسد أعلى درجات العشوائية والقبح في المجتمع المصري في الشوارع والأماكن العامة، وإلى أي شيء نُرجع الانتهازية في طريقة استخدام المرافق وعدم الحرص عليها؟ وكيف نفسر رغبة الكثيرين في الهجرة لبلد آخر رغم الصعوبات؟ هل لأن المصري يشعر بعدم انتمائه للوطن الذي يعيش على أرضه؟ وكيف نفسر أزمة الانتماء تلك؟
تتلاشى قدرة الإنسان على الاهتمام بالمحيط الذي يعيش فيه، والحرص عليه وتجميله، وتنمية ذاته وسلوكه وتطوير ذائقته حين يشعر بالتهميش، كأنه تحصيل حاصل، وجوده أو عدمه لا معنى له. يسوقونه طوعًا أو كرهًا في اتجاه محدد من خلال أبواق تمولها منظومة تسعى للهيمنة الكاملة والاحتكار. وحين تتطلع روح الإنسان الحرة للمقاومة، ويعلو وعيه معبرًا عن رأيه، يُواجه بألوان من التضييق قد تصل إلى الإبعاد عن المشهد العام. هذه الممارسات تضرب الحريات في مقتل، وتجعل الأغلبية تنصرف عن المشهد كلية، وبمرور الوقت يتحول الفرد إلى كاره للحياة ومنسحب منها، يهمل بيئته التي يعيش فيها ومظهره وإقباله على الحياة ومافيها، تُظلم منطقة ما بداخلنا وتُصبح كبقعة فراغ تنتشر وتتمدد حين تُقيد الحريات، ومع استمرار التضييق على البشر تزداد هذه المناطق المظلمة اتساعًا فنفقد المبالاة بالحياة إلا في المستوى الأول منها، مجرد العيش، كما يتجه بعض الأفراد بسهولة إلى ألوان مختلفة من العنف والرغبة في تكفير الدولة ومواطنيها. وأحسب أنه بقدر الحريات السياسية الممنوحة للأفراد، ونضج الحياة الحزبية، وتداول الأفكار بالمجتمع، وتعدد الرؤى والقوى المدنية تنتعش طاقات الإنسان، ويزداد تفاعله الإيجابي مع كل مناحي الحياة من حوله. إن الانغلاق والقبح والغبار الذي يعلو وجه الحياة أحد تجليات الحكم المطلق (ثقافة الحكم المطلق التي تهيمن على كل مؤسسات المجتمع بداية من الأسرة حتى مافوقها من مؤسسات)، فمجتمعاتنا لم تعتد المشاركة الإيجابية، وثقافة العمل في فريق لإنجاز هدف مشترك حتى وإن تمثل في تجميل وتطوير المحيط المكاني الذي تعيش فيه مجموعة إنسانية.
لا يعرف المنسحقون إلا الخوف، لذا يسود التوجس والكراهية والانسحاب فهم الأبناء الشرعيون للتهميش، فلقد عانت مصر كثيرًا من نتائج الحكم المطلق على مرِّ تاريخها، حيث احتكاره لإدارة شئون المجتمعات، وحرمان القوى الأخرى من المشاركة في الإدارة، وحرمان الأفراد من التفاعل الحقيقي مع قضايا المجتمع، فالفرد هو وقود الابتكار والإبداع في المجالات كافة، كما أن تعطيل التعدد في جوهره تعطيل للتحديث، ولذا يتحرك شخوص المشهد العام كلٌّ في أماكنه دون فعل حقيقي؛ فالجميع كأنهم يفعلون وهم لا يضيفون منتجا حقيقيا يدفع بالحياة. وتكوّن أية سلطة حولها بطانة من المنتفعين ممن يغيبون عقولهم و يستفيدون ماديًّا بشكل مباشر، ومن ثم تُدهس المصلحة العامة لصالح فئة بعينها، كما توظف وسائل الميديا المختلفة لتسويغ وجودهم ومن ثم تنطلي مقولاتهم المسكنة والخادعة على الأغلبية. فعلى سبيل المثال ليس هناك ما يسمى بالمستبد العادل؛ حيث تُمثل هذه المقولة أحد أشكال تزييف الحقائق على الشعوب وتمرير الظلم، فهي مقولة متناقضة في جوهرها العميق ولا تحقق الديمقراطية التي تحلم بها الشعوب.
أحسب أيضا أن تغيير منظومة القيم الأخلاقية واهتزازها بعد السياسات الاقتصادية الرأسمالية منذ سبعينيات القرن العشرين وماسُمي بالانفتاح الاقتصادي كانت ذات تأثير قوي على وأد مجموعة من القيم، حيث أضفت الأهمية على ما يملك الإنسان ماديا وليس مايتحلى به من قيم، وأوجدت ظواهر مثل: الفهلوة ونسج المؤمرات والفساد، والرغبة في الاستحواذ، فحين تنزوي قيم دعم الحياة مثل: العدل والحق والحب والمساواة يستفحل القبح، ويعلو غبار الفساد والزيف والادعاء فيغطي الموجودات كافة.
إن انهيار المنظومة الأخلاقية والسلوكية يبدأ من انهيار منظومة العدل وغياب القانون أو عدم تطبيقه، شعور الفرد أن هناك مرجعية وحيدة يحاسب وفقها الجميع مهما كانت الطبقة أو الوظيفة أو المنصب، قانون يلتزم أمامه الجميع ويصبحون سواء يضبط السلوك البشري وينظمه.
لو أن المواطن شعر بهذه القيمة تتحقق لأعاد ترتيب عقله وأفكاره، وفارقته تلك العشوائيات وسلوك الفهلوة والعنف والتحرش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات