الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الشعر وانزياحاته اللغوية

كريم ناصر
(Karim Nasser)

2019 / 2 / 9
الادب والفن


"وحدي ولم يكن معي سوى قلبي" لعلي حنون العقابي



الشاعر في قلب الصورة:

لقد ثبت بالدلالة القاطعة على أنّ الشعر قضية كبرى إذا ما صحّ التعبير، والغاية التي يسعى إليها الشاعر الجوهري من شأنها أن تمحق قوى الشر، وهنا يمكن أن نعدّ الشاعر علي حنون العقابي أنموذجاً يمثّل هذه الحالة، إذ إنّنا نعلم يقيناً أنّ قاموساً شعرياً كهذا لا ينفصل بتاتاً عن المبادئ الوطنية، غير أنّ هذا المعجم الوطني يبدأ غالباً بالموقف التاريخي الذي يقتضيه ويضمن معياره..
نستطيع أن نؤكّد قطعاً أن الشعر ليس وليد العقل دائماً في المفهوم الشعري ـ مع وجود بعض التحفظات ـ ولكن بالطبع لن تبقى الحمولة الشعرية مجرّد استجابة لحاجة داخلية تحقّق الرغبة في موضوع ذاتي بل يمكن أن تحتفظ ما أمكن ذلك بالقيم المثلى التي تفرضها خاصية جوهرية تبدو وكأنها انزياح يولّد النزف ويقتل الشاعر:

"دعنا نخرج من الرهط لطفولتنا الأولى
لرائحة البلاد التي تسيل مثل الزعفران" ص 57
"لا فرق عندي طالما شردتني الحروب
واستوقفتني المنافي حينما طويت أغصان البلد" ص129

المفهوم الذهني مدلول الصورة:

في الحديث عن موضوع الشعر فلا بدّ من الاشارة إذاً إلى ما يسمى بالأسلوب الشعري الذي نرى فيه من منظور خاص على أنه نوع من الطرائق الذي يسمح بالتعبير عن ظواهر عامة، ومع ذلك فلن يبقى الشعر في ذاته نهباً للأسلوب السائد كما نرى، بل يمكن له أن يتمرّد في أيّة لحظة ممكنة على الأشكال الواقعية الدالة على المباشرة (البديهيات النمطية) ما دامت الوحدات المكوّنة له قابلة حينئذ للتطوّر، وقد يكون الانزياح نفسه سبباً لتحوّل ذهني بنيوي وهذا ما يمكن بالفعل أن يتفرّد به الشعر بالتحديد في سياقه التركيبي الأسلوبي انطلاقاً من كيماء اللغة:

" فهذا هو القلب حين يهفو
هذا شأننا عندما نكون على مرمى الضفاف" ص91

والحقيقة ليست كلّ قصائد الشاعر منظّمة كي يجري ضبط طبيعتها ويجب أن نفهم أن منظوراً بهذا المعنى يمكن أن يفرض تأويلاً ضمن سياقه خاصةً من مبدأ استحضار الصورة الشعرية بوصفها معياراً لبنية ذهنية يقتضي بدءاً أن ندرسها انطلاقاً من وعي اللغة وبالتحديد من شعريتها المتسامية على النمط كقيمة نادرة نلتمس صفاتها الذهنية من كينونتها اللسانية:

"لا أريد أن أبحث عنك في ضياعي
أريدك في الرؤى عسى أن أدفع عنك السهام" ص6

وإذا كان الشعراء من مريدي المدرسة الواقعية ينسجون حول أنفسهم عساليج لبناء مملكة فاضلة كما تحاك خيوط العنكبوت لبناء شبكة، فإنّ العقابي يدفع للضرورة هذه الطُغراء كدلالة على اختلاف نهجه الشعري أو لنقل على تحرّر أسلوبه من رؤية ميتافيزيقية بتحديد أكثر، وغالباً ما يقوم هذا المعُطى
على تكثيف عنصر اللغة إذ تكفيه عملية البحث عن صيغة مبتكرة لمقاومة الخطاب الواقعي ـ المباشر ـ بدلالة عدم تجانسه وذلك نظراً إلى محتواه، وهذا ما يبطل في نظر اللغة ميكانزمات الشكل التعبيري الشعري، ولكن هناك من يجادل فوق ذلك في أحقيّة هذا الشكل واعترافه به كقيمة رفيعة، والحال هذه فإنّ الشعر حقاً يمكن أن يكون حقل ألغام في وعي اللغة، ومع ذلك فالشاعر غير ملزم إذاك بالإمتثال لقوانين اللغة كليّة بل يمكن أن يذهب مذهباً مختلفاً في اتجاه صوغ العبارة ولكن مع التشديد أن العزوف عن الواقعية ضمن بنيتها المضبّبة فكرة سهلة الادراك:

"أُسمّي الأجناس عند اصطفاف الخطى
وأتعقب النجم الذي انجلى عن غباري" ص7

إختزال المعنى:

وإذا اقتنعنا أنّ اختزال الصورة الشعرية يستدعي الاختزال نفسه في المعنى فيمكن أن نفترض جدلاً أن صوغ عبارة ما تجد ذاتها في شعرية الصورة من الجائز أن تستدعي اختزالاً في شعرية المعنى، هذا إذا كنا نرى صراحة في هذه التجربة أو بواسطتها بغيتنا حيث إنّ الشعر قد يخضع غالباً لتأويل لا ندرك كنهه إلّا بعد أن تفسّر الصور الشعرية نفسها كقيمة مطلقة ضمن سلسلة من المعاني الدلالية تضبط طبيعتها لغةٌ تمثّل أرقى حالات الاختزال تكاد تكون في جوهرها متحرّرة من قيود بلاغية ممكنة قد تدخل في نطاق تراكيبها الصفات والنعوت والإضافات التي نسمّيها حشواً، ونحن نعرف جيداً أنّ الصفة زائدة وان النعت زائد ولذلك فإن الحشو يكاد يكون في أنضج استعمالاته إسهاباً لغوياً طبيعته لا تنفع إلّا لتحقيق المتعة الجمالية، ولكن هذا المثال في الحقيقة ليس خللاً تركيبياً ما دامت للصور خاصية بلاغية معبّرة أي على رغم من كثافة استعمال المضاف والمضاف إليه بطريقة ملحوظة والتي قد تعرقل أيّة صيغة أصلية، فالصور الباهتة لا تؤدي وظيفتها التعبيرية بتمامها مقابل الصورة الدلالية العميقة الجذور.

الصيرورة الشعرية: الإنتماء إلى الزمن:

لا يمكن أن ندرج أدباً لا نرى فيه فلسفة جدلية تجعل الزمن معياراً إلّا إذا أرجعناه إلى حضن اللغة أي إلى رؤية موصولة بسياق حسّي لا يخرج عن بنيته لغاية حيث لا يقتضيها، إذاً فاللغة في العمق موطن الشاعر، ولكن من الواضح أنّ كلّ شعر جوهري إنّما هو استعارة دلالية من الزمن بالمعنى الذي يدلّ عليه فحواه:

"ماذا أقول عن الذي صيّرني من شجنٍ
وظلّ يجلدني بسوط الحنين" ص54

والملاحظ أنّ الشعر في كلّيّته خليط من الانزياحات والاستعارات والمجازات وهذا سبب منطقي من شأنه أن يقود إلى مثل هذا الواقع لإدراكنا في أن ما من واقعة ذات دلالة إن لم يكن لها أثر جمالي و/أو أسلوبي يشير إلى الزمن تبدو اللغة فيه صارخة.
يكفي أن نعلم أن صورة الماضي ليست إلّا إستعارة لواقع سيكولوجي ملموس، لأن الشعر في هذه الحالة يمكن أن يستثير استجابة عاطفية بدرجات مختلفة، وهذا ما يوضّح أن الصورة الشعرية قيمة دلالية لها امتداد داخل التراكيب اللغوية إلّا أن مثل هذا التوصيف ليس كاملاً دائماً فلا توجد قوانين تحكمه، إذ ليس كلّ شعر بنيوي هو خلاصة لأفكار بنيوية ولا يمكن أن نؤوّل الشعر من هذا المنظور على أنّه تراكيب بلاغية بل بوصفه حالة إنسانية في زمن يستلزم تغيير رؤاه، ومع ذلك فالنتيجة واحدة لأنَّ الوحدات الشعرية خاصة لا تحتفظ بجوهرها الدلالي دون أن يشملها تأويل نلتمسه في المحتوى الفكري، وعلى كلّ فجحيم الماضي صار ظاهرة معمّمة، ولهذا لا يمكن أن يحدث اختبار عميق في سياقها إلّا من أجل الحفاظ على هذه الخاصية وحدها كيفما كانت صورها الدلالية لإثبات أن ما هو شعري إنّما يحاكي الروح داخل غربتها الفيزيقية انطلاقاً من بنية تعبيرية تفرضها وقائع تحتفظ من الماضي بشيء من تاريخه، أو من العالم المشهود بابتذاله كما برهنت لنا الأحداث:

"فسوف أبتكر العلامة
وألملم خلاصة الوجع القديم" ص8
"ليتك ترشق الماضي بجمرات اللغة
لتبصر ما تشاء من السحر" ص10

فالواقع أنّ للصورة الشعرية مزية ترجع إلى شعرية اللغة، والشاعر هنا يحتفظ بولائه لتلك الحمولة الشعرية التي يضعها ضمن سياقها التركيبي الذهني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع