الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاجر موغادور: الفصل الخامس 4

دلور ميقري

2019 / 2 / 11
الادب والفن


لقد وضعه البربريّ أمام شرط صعب، وعليه كان أن يحاول التملص منه. سأله، وهوَ غير قادر على إخفاء سخطه: " أنتَ كنت في منزل الرابي، فلِمَ لم تنتزع منه الفتاة آنئذٍ؟ ". وعبسَ المضيف فيما يجيب: " لأنني لستُ بقاطع طريق! "
" بالتأكيد أنت لست كذلك، ولم أقصده بحال "، قال التاجرُ مقاطعاً وكان ما ينفكّ مشتت الفكر والعاطفة على السواء. ما طمأنه، في آخر المطاف، أنّ الرجل يصر على تطهير سمعته من أيّ شائبة ممكن أن تكون قد علقت بها. فاستغل ذلك، ليمضي بالقول: " الرابي، مثلما سبقَ وأخبرتك في أوان حلولك بمنزله، اضطر أن يؤوي الفتاة بعد إلحاح من ربيبها. وكان هذا عازماً، بحسب زعمه، على بيعها في سوق الجواري ما لم يقبل صاحبه أن يؤويها في منزله كخادمة "
" كأني بك تشك في دافع ربيبها ذاك، وأن له غاية معينة في وضع الفتاة تحت جناح اليهوديّ؟ "، استفهم البربريّ وقد لاح الاهتمام على ملامحه. تلك، كانت فكرة مُلهمة جاءت التاجر على غير انتظار. فلم يكن منه إلا التأخر في الرد، متيحاً لمضيفه فرصةَ التبحّر في الهواجس. أجاب أخيراً تحت وطأة النظرات الفظة، كاسياً لهجته بمظهر قلة الاكتراث: " ليس في وسعي، بالطبع، إعطاء رأي قاطع بخفايا الأمر طالما أنني حديث العهد في دياركم. ولكن صديقي الرابي، وفق ما فهمته، كان يشك بأن كفيل الفتاة قد وضع نفسه رهن المدعو كره كوز؛ وهوَ منافسه الدنيويّ على زعامة طائفتهم في موغادور، وذلك بوصفه من أبرز تجار السلطان "
" آه، فهمت عليك الآنَ: لقد وضع الخبيثُ ربيبته لدى الرابي، بغية استخدامها كعين لسيّده "، أوقفَ البربريّ كلامَ محدثه دونَ أن يملك صبراً على سماع بقيته. ودونما حاجةٍ أيضاً لانتظار الإجابة، ألقى بجسمه إلى الوسائد خلفه ثم استغرق مجدداً في التفكير.
" سيأخذك حارسي إلى حيث مكان احتجاز تلك النصرانية، فتنطلقان سويةً إلى المدينة برفقة بعض الرجال "، خاطبَ ضيفه في نزق بعدما سبقَ وانتصب على قدميه. إلا أنه عاد وأسرع لامساك كتف الضيف عند مدخل الخيمة، قائلاً في نبرة أخرى معبّرة عن تطييب الخاطر وربما أيضاً الامتنان: " لن تكون هذه زيارتك الأخيرة، أليسَ كذلك؟ وإذ أتمنى أن نلتقي ثانيةً في ظروف أفضل، أؤكد لك على دوام صداقتي "
" وأنا أتمنى ذلك، معتمداً أيضاً على صداقتك "، ردّ التاجرُ وهوَ يشدّ على يد الرجل. ثم استدرك قبل أن يخرج: " آه، لقد سلوتُ عن أمر آخر: ثمة صيّاد محجوز لديكم، وكان هوَ من تعهد نقلي بقاربه إلى المعسكر ". فلما سمع البربريّ ذلك، فإنه تمتم مضيقاً عينيه: " حسناً، سآمر بتسيير الصياد معكم ". ثم تكلم مع الحارس بلغتهما، يوصيه على الأرجح بتنفيذ الأمر. حقيقة شخصية " بوعزة "، بقيت إذاً مجهولة سواءً للقائد البربريّ أو لشقيقه هذا. ولقد أحسن " جانكو " صنعاً، حينَ تكتم على شخصية الرجل؛ وإلا لكان من الممكن أن يخضع للاستجواب وربما يتسبب بمشكلة ما، تعيق مغادرتهما المعسكر مع الرهينة الفرنسية.
وهيَ ذي " رومي " تفاجئه بظهورها من وراء أجمة، حالما تناهى إلى مكان خيمتها. بدا من صوت مياه جارية، آتٍ من تلك الناحية، أن النصرانية كانت تغتسل في معين نبعٍ أو جدول. دُهشت من ناحيتها أيضاً، فبقيت واقفة تحدق فيه من مسافة بضع خطوات وكأنها تسعى للتيقن مما تراه بعينيها: " مسيو جانكو؛ معقول أنه أنت؟ "، هتفت على الأثر بصوتها الرخيم في غبطة واضحة. تقدم منها ليحييها، ثم أوضح بإيجاز سببَ وجوده في المعسكر. واختتم كلامه، يوصيها بصوت منخفض: " لا تخاطبي بوعزة باسمه، لحين مغادرتنا المكان ". كان الربان قد أطلق سراحه، وقد وقف بجانب خيمة المرأة الرهينة يتطلع إلى الخيول في حيرة. دمدم باستياء، موجهاً كلامه للتاجر: " وماذا عن القارب؟ هل نتركه لهؤلاء اللصوص؟ ". فأجابه الآخر موبخاً: " دعك الآنَ من القارب، فإنك ستعود وتأخذه حالما يخلون مكان المعسكر ".
وبالفعل، كانت الحركة حولهم تدل على قرب جلاء رجال " الحاج " وعودتهم إلى مواطن قبيلتهم. بدَورهم، ما عتمَ الأسرى الثلاثة أن غادروا المعسكرَ بحراسة عدد من المسلحين. في خلال الطريق، لامست " رومي " بركبتها جانبَ جسد التاجر؛ مَن أضحت ستعتبره، منذئذٍ، بمثابة منقذها. أسوار المدينة، كانت قد بانت عن بعد لعينيها كأنها إحدى ألعاب طفولتها السعيدة، التي كان والدها يجلبها لها من سفراته لموطنه الأول أو للدول الأوروبية الأخرى. لما بثت فكرتها لرفيق الرحلة، عقّبَ هوَ بالقول: " ظننتُ قبلاً، أن أسرتك قد قطعت كل صلة بفرنسا من زمن جدك "
" لا، لم يكن الأمر هكذا. حتى إعلان مؤسس أسرتنا المغربية إسلامه، كان لا يعدو عن قناعة تخصه لوحده "، فاجأته بجوابها تقوله ببساطة. فقال متسائلاً باستغراب: " كيفَ تبقى الأسرة على دينها الأول، إذا سبق للجد أن تحول إلى الإسلام؟ "
" الحقيقة، أنا أتكلم عن قناعتي الشخصية. هذا، وعلى الرغم من أنني أدين بفكري المتحرر لوالدي الراحل. أما والدتي، وكانت قد توفيت بعده بزمن يسير، فإنها استمرت على عقيدتها الكاثوليكية دونما حاجةٍ لإخفائها. في هذه البلاد، وخصوصاً هنا في موغادور، يُنظر إلى وضع المرء الاجتماعيّ بأهمية تفوق مسألة عقيدته. لدرجة أن اليهود هم العنصر الأكثر تأثيراً في المدينة، بل وتكاد أن تكون سلطنة داخل السلطنة ". المعلومة الأخيرة، كان " جانكو " قد بدأ يستوعبها مذ اليوم الثاني لحلوله في هذا البلد. إلا أنّ فضوله ذهبَ إلى موضوع الأفكار، فتساءل وهوَ يغمر رفيقته بظله: " أن يكون المرء جمهورياً، معناه بالضرورة أنه قد تحرر من الإيمان بالله؟ "
" هكذا هو المبدأ الجمهوريّ، أساساً "، ردت وعلى وجهها الجميل ابتسامة مضيئة. ثم استطردت موضحةً: " إلا أن الزعماء الأولين ( وأعني على زمن الثورة الفرنسية )، سرعان ما تنازلوا عن مبدأهم إكراماً لمشاعر العامة. وكان ذلك بداية تنازلهم في مواضيع أخرى، ومن ثم انحدارهم إلى مواضع الملكية البائدة والتي كانوا قد ثاروا عليها. هكذا عادت الملكية مجدداً، بعدما مهد لها نابليون بإعلان ذاته إمبراطوراً، وذلك تتويجاً لمغامراته الحربية والمنتهية باندحاره ونفيه ". على الأثر فكّرَ رفيقُ السفر، في غير قليل من القلق والضيق: " إنها ملحدة، إذاً..؟ آه، ليتَ أنها كانت مثل والدتها، على الأقل! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث