الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى انتفاضة العشرين من فبراير

وديع السرغيني

2019 / 2 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في ذكرى انتفاضة العشرين من فبراير
تحل الذكرى الثامنة لانتفاضة العشرين من فبراير، والتي تستحق التمجيد، وأن تكون عبرة، وأن يتخذها المناضلون المتشبـّثون بمشروع الثورة والتغيير، درسا ومرجعا يؤخذ به في لحظات التقييم وتقويم الممارسة النضالية..
تأتي ذكرى هذا الحدث العظيم، وكل نشطاء الحركة الاحتجاجية من التقدميين والديمقراطيين على استعداد تام، وفي حالة تأهب قصوى، لإعادة إحياءها وتجديد دمائها ومطالبها وشعاراتها، بعد التقييم اللازم طبعا لأسباب تراجعها وإخفاقها.. فهي الانتفاضة التي تستحق فعلا وصفها بالشعبية، بالنظر لانخراط الجماهير الشعبية المعنية بالتغيير في حراكها بكثافة غير مسبوقة في التاريخ النضالي والاحتجاجي للشعب المغربي.. هذه المشاركة التي لم تكن نتيجة للعفوية، بل تحققت بتصميم وحماس وتعبئة وتراكمات نضالية سابقة عن الانتفاضة العشرينية.. إذ لم تكن في واقع الأمر سوى تعبيرا حيّا عن درجة الاستياء والمعاناة من لدن الجماهير الشعبية الكادحة والمحرومة، بعد أن ضاقت ذرعا من المشهد السياسي القائم، والذي لم يكن يلزمها في شيء، خاصة بعد أن فقد كل مصداقيته، وبعد أن انفضحت عورته للعموم ولسائر الكادحين والمحرومين، بسبب من التبرير المقيت للهرولة، والانصياع المطلق للمشروع اللبرالي المدمّر، والبعيد كل البعد عن ماكينة الإنتاج وصناعة فرص الشغل، بالنظر لطفيلية نموذجه في المغرب، واعتماده بشكل أساسي عن الريع والسمسرة والوساطة والامتثال الدنيء، والمخزي، لتوجيهات ومصالح الامبريالية، وخدمة شركاتها المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات.
لقد أفلست في هذا السياق المدرسة العمومية بشكل متعمد، واندحر التعليم العمومي ليحقق للدولة جيل "الضباع" الذي حذر منه ومن تداعيات خلقه الباحثون التقدميون، ليتم الإجهاز على الحق في التعليم وعلى المدرسة العمومية والمجانية، لملايين الأطفال في البوادي وفي حواشي المدن، والذي لم يعد يراعى فيه مدخول آبائهم وحالتهم المعيشية البئيسة.. وأفلس كذلك المستشفى العمومي، ولم يعد بالتالي، أهلا لاستقبال المرضى المعوزين واستشفائهم، لتتبدد كل الأحلام وتنفضح كل الوعود عن التغطية الصحية وبطاقة "راميد" ومجانيتها المزعومة.
كانت مجرد أحلام وانسياق مرغم وراء سراب الأكاذيب والافتراءات والصناديق المخزنية العجيبة، التي باعت ومازالت تبيع الأوهام للمعوزين المحرومين وتتصدق عليهم بقفة رمضان وبخروف العيد وببطانية خلال مواسم الثلج والحصار.. حيث تفاقمت الأوضاع وبلغ البؤس أوجه، بعد أن انفضحت كل الشعارات والوعود "بتنمية بشرية" و"بالنهوض بالعالم القروي" و"بتثمين الرأسمال اللامادي"..الخ من الخرافات التي لم تعد تنطلي على عاقل من المحرومين والفقراء والمهمشين، سواء بسواء.
لهذا السبب ما زال هناك أمل لاستئناف هذا الاحتجاج ومواصلته وتطويره وتقويته وكذلك تجديد دمائه، تقديرا لهذه الانتفاضة الاستثنائية التي نحتها الشارع المغربي المعارض، وأطـّرتها قواه التقدمية والراديكالية..
فمن حيث واجب المحاسبة والتقييم، ماذا يمكننا أن نستخلص؟ فهل تغيرت الأوضاع للأحسن أو للأسوأ، فيما يخص الأوضاع الاجتماعية لغالبية المواطنين علاقة بفرص الشغل والأجور والأسعار والفواتير ولوازم التمدرس والتطبيب والسكن..الخ؟ أم أن الاستبداد تكرس واقعيا وميدانيا ليثبت القمع والمنع والهجوم على الحريات وشطب جميع المكتسبات التي تمت مراكمتها في مجال الحريات الديمقراطية، لتعبأ السجون بالمناضلين، وبنشطاء وقادة الاحتجاجات، تحت قوانين طبقية وقمعية مجحفة، أعادت الاعتبار لزمن الرصاص من جديد.. بعد هذه الهبة ـ العشرينية العظيمة ـ.
فالجواب على هذا السؤال وعلى الأسئلة الأخرى المتفرعة والوجيهة، يحتاج منا قسطا من الموضوعية وعدم الاقتصار على جوانب دون غيرها، والحال أننا نتوجه بخطابنا هذا لعموم القوى الديمقراطية والتقدمية، التي ساندت الانتفاضة والتي كان لها دور ملموس في صنع هذا الحدث التاريخي العظيم.
وأول الإشارات، تلزمنا بتناول الانتفاضة في سياقها، والذي لم يكن سوى تتويجا للعديد من النضالات الاحتجاجية النقابية والاجتماعية، التي قادتها أساسا الحركة المناهضة للغلاء، وحركة المعطلين المطالبين بالشغل، ثم العديد من الحركات المطالبة برفع التهميش عن العديد من القرى والمناطق المنسية.. فالحركة الاحتجاجية المطلبية في بلدنا المغرب عميقة ومتنوعة، تشمل المدن والقرى وقطاعات اجتماعية مختلفة، كذلك شملت الحركة وأقحمت العديد من الفئات في هذا الحراك الاجتماعي والسياسي.. فمطالب التغيير كانت محسومة لدى الجماهير المنتفضة ولم يعد هناك من مبرر للانتظار أو التسويف.. حيث بات من الواضح واللازم، الانخراط في ثورة اجتماعية ملموسة وحازمة تقف في وجه الوصفات اللبرالية، وتصدها وتقوضها دفاعا عن حقوق المواطنين وعن كرامتهم، وعن قوتهم وخيراتهم المشتركة، والمهددة بالسطو والنهب من طرف العديد من الجهات، محلية وأجنبية..
لقد شارك، في هذه الانتفاضة المجيدة بحماس جميع ساكنة المدن الكبيرة بدون استثناء، وهي المواقع نفسها التي سبق وأن حظيت بالمساهمة في الحركة المناهضة للغلاء والخوصصة، والتي تشكلت حينها وانتظمت في إطار تنسيقيات تقدمية، جمعوية ونقابية وحزبية، خلال سنة 2006، سهرت على تنظيم وتأطير العديد من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات الوطنية بكل من البيضاء والرباط، رفضا ومناهضة لسياسة الغلاء والزيادة في أسعار المواد الغذائية وفواتير الماء والكهرباء، بالإضافة لهزالة الخدمات المقدمة من طرف المدرسة العمومية والمستشفيات ومختلف الإدارات والمصالح العمومية..الخ حيث تصاعدت الوتيرة والمّد، لتتأهب مختلف القوى الديمقراطية والتقدمية لهذا الفعل النضالي، عبر احتضانها لهذا الحراك وعبر الدفاع عن مطالبه المادية والاجتماعية والديمقراطية،- رغم كل المعيقات والمثبطات والتشويش، والمنع لعدد كبير من الخطوات الاحتجاجية في شكل وقفات وتظاهرات ومسيرات.. استمرت توهجاتها لغاية الساعة الصفر، يعني ليلة هذه الانتفاضة النوعية، التي لن نتردد في وصفها بالاستثنائية، بالنظر لحجم المشاركة الجماهيرية، وعدد المدن المغربية المنخرطة في حراكها.. جلـّها إن لم نقل جميعها، الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، احترمت الموعد وكان لها شرف المشاركة والدعم والتأييد، بحيث حظيت هذه الانتفاضة بمشاركة سكان المدن والبوادي، عن بكرة أبيهم، بمساهمة قوية ووازنة لشبيبات المدارس والجامعات والأحياء الشعبية.. بالإضافة كذلك لمشاركة "من هرموا" وانتظروا بعناء وصمود هذه اللحظة التاريخية، يعني عموم أنصار الحركة الاحتجاجية ذات الطابع الاجتماعي والديمقراطي، المبدئيين والصادقين.
لقد كان الأمل ومعقودا على هاته الجماهير المنتفضة من أجل تحقيق التغيير الاجتماعي المنشود، والمؤهل لرفع الاستبداد والمهانة عن شعبنا، الذي ظل يقاسي ويعاني من البطش والاضطهاد والاستغلال لفترة طويلة في ظل هذا النمط من الاقتصاد، الذي لا يعمل سوى على المزيد من تفقير الفقير وإغناء الغني، عبر تعميق الاستغلال وتقنينه وضمان حريته في إطار من التفقير الممنهج والعضال.. النمط الذي راكم الأرباح حتى التخمة، وحقق الرفاهية لمصلحة طبقة اجتماعية برجوازية طفيلية، تتقن السمسرة والنهب وتهريب العملة والتهافت على العمولات والزحف على الأراضي والعقارات..الخ
وفي الحصيلة، وبالرغم من أهمية الانتفاضة ومن دورها في التأثير على مجرى الأحداث السياسية وعلى المشهد السياسي في حد ذاته.. فلا بد من الاعتراف بفشل الانتفاضة، وبتعثرها، وعجزها عن بلوغ طموحاتها المنشودة، التي يمكن تلخيصها في مهمة القضاء النهائي على الاستبداد، وبالإعلان عن عصر جديد يرفع راية الحرية والانعتاق والديمقراطية.. وبالمقابل لا بد من تسجيل نجاحها، إلى حدّ ما، في أمور أخرى، دشنت بها تجاوزها الملموس للعفوية، ملتمسة درب التنظيم والمشاركة الواعية والمنظمة، أمام إصرار وعزم المعارضة السياسية واتخاذها لقرارات وخطوات نضالية مهمة، ساعدت الانتفاضة على الصمود والاستمرار والتمدد والتي لم تعد مكتفية بالهبّة الواحدة والخاطفة بل أشرفت وساهمت في وضع برنامج نضالي أسبوعي يتواعد من أجله الشباب، ويتوافق حول مطالبه وشعاراته ولافتاته داخل فضاءات حزبية ونقابية وجمعوية محسوبة على اليسار المعارض، غمرتها النقاشات والصراعات الفكرية والسياسية، بين الاتجاهات الإصلاحية ـ أنصار الملكية البرلمانية ـ وبين الاتجاهات الجذرية المطالبة بالثورة والجمهورية..
لقد نجحت فعلا الانتفاضة ولأول مرة في التاريخ الحديث، وتاريخ الصراع الطبقي بالمغرب، في تنظيم نفسها، عبر الانتقال لوضع جديد ومتميز ارتقى بها لمستوى أعلى، بعد أن حوّلها من انتفاضة إلى حركة سياسية وإلى ائتلاف سياسي كاد أن ينجح في عجن المعارضة السياسية في ماعون واحد، والسير بها لأقصى طموحاتها لولا الارتباك والعياء وقصر النفس، والتهافت على القيادة وتأطير المسيرات.. ثم التكالب المقيت والمفضوح، وكذا الممارسات الدنيئة التي حاولت استثمار الانتفاضة لصالحها ولمصلحة حلفائها الرجعيين والظلاميين وجميع المتربصين من المنبهرين بالرأسمالية، وبنظامها وأرباحها..
فكيفما كانت الأحوال والنتائج، فالانتفاضة أصبحت حيّة في ذاكرة الجماهير المعنية بالتغيير، وستظل بمثابة ذاك الدرس المهم، وتلك المنارة المشعة التي نجحت في تسليط الضوء على نواقص حركة النضال من أجل التغيير في بلادنا، إذ لا سبيل لشبابنا الثائر سوى الاستمرار في النضال والصمود حتى النصر، بالرغم من كل المعيقات الذاتية والموضوعية التي لا يمكن القفز عليها، أو إهمال نقاشها، بل يجب استحضارها في كل لحظة، حتى نساهم جميعا في تحرير جميع المعذبين على الأرض المغربية، أي جميع المحرومين من حقوقهم الاقتصادية والسياسية والديمقراطية.
لقد افتقدت الحركة ذاك "الدينامو" المؤهل لمواصلة الحركة والنضال، والذهاب بعيدا في المعركة لحد نيل الحرية وتجسيدها وصيانتها بشكل ملموس.. وهذا اعتراف وإقرار لن يدفع بنا، وبجميع نشطاء وقادة الحراك، لليأس أو الجهر بالعياء تحت أية مبررات.. بل يجب أن تحفز هذه الحقيقة جميع المناضلين الواعين والمؤمنين بأهمية التغيير، وتدفع بهم للبحث في هذه الإشكالية، حتى لا تصبح مبررا لليأس أو التراخي، أو تصبح مشجبا صدءا نعلق عليه عجزنا وجميع إخفاقاتنا.
فالحاجة باتت ملحة خلال هذه المرحلة بالذات، لتنظيم الحركة الجذرية الواعية، في تنظيم سياسي حقيقي، بعمق طبقي، قادر على تعبئة الجماهير الشعبية المعنية بالتغيير، ومؤهل لقيادتها وتوجيه نضالاتها في مثل هذه اللحظات التاريخية الحاسمة.. هذا الجسم وهذه الأداة التنظيمية تسمى في القاموس النضالي بالحزب، والذي لا يشبه في شيء الأحزاب المعروفة والمشكـّلة، والتي أضحت مجرد دكاكين انتخابية لا غير.. فالحزب المنشود والمفقود في هذه اللحظة، حزب له هويته الطبقية، حزب مرتبط أشد الارتباط بالطبقة العاملة، ومعبّر بصدق عن مصالحها، وكذا مصالح جميع الفقراء والمحرومين والمهمشين، في المدن والبوادي.. حزب له مرجعيته الفكرية الواضحة، وخطـّه السياسي المتميز، وبرنامجه النضالي الذي لا غبار عليه وعلى أفقه التحرري الاشتراكي، وعلى معارضته للسياسات اللبرالية التي ينهجها النظام القائم في ارتباط تام بمصالح الطبقة البرجوازية وحلفائها المحليين والأجانب، عملاء الاستعمار الجديد وخدّامه الأوفياء، الساهرون على مصالحه والملتزمون بتطبيق تعليماته وتعليمات صناديقه المالية، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي..الخ
فشروط الحراك الاجتماعي ما زالت إذن قائمة ومستمرة في الزمان والمكان، ومؤهلة بقوة للتصاعد والتوسع والتطور باضطراد، ولا ينقصها من أجل بلوغها لأهدافها المرحلية والإستراتيجية سوى ما تحدثنا عنه وأشرنا عليه، من مستوى عال من الوعي الفكري والسياسي، وكذا التنظيمي باعتباره شرط لا بد منه، لحشد الصفوف وبناء الأداة الثورية، وصياغة برنامج العمل بجميع مستوياته، وهي مهام ليست بسيطة لكنها ليست بالمستحيلة، مهام إذا تم إهمالها أو تبخيسها ستصبح ، لا محالة، إعاقة لحركة التغيير، ولن تساعدها بتاتا على التطور والتقدم في المعركة الشاملة من أجل تحرر شعبنا المقهور.
وسنكتفي بهذا القدر من الملاحظات التي حاولت قدر الإمكان استفزاز مجموع البؤر الثورية المغربية الجادة، التي لها حرقة صادقة على مستقبل الحراك الشعبي الجماهيري، وعلى جدوته التي لا بد أن تبقى مشتعلة، صامدة في وجه النظام الرأسمالي التبعي، القائم بالمغرب، إلى حين إسقاطه ثم تغييره جذريا، عبر القضاء النهائي على الاستبداد والاستغلال والطبقية، ليبقى الأمل حاضرا.
فقبل العشرين من فبراير كانت 23 مارس 65، ثم جاءت العشرين من يونيو 81 ويناير 84 ودجنبر 90 وانتفاضات أخرى هنا وهناك، بإملشيان وسيدي إفني وصفرو وبعدها الريف وزاكورة وجرادة.. ولن تتوقف قافلة الاحتجاج عن السير، ولن توقفها بالتالي جميع إجراءات المنع والقمع والاعتقال.. لسبب بسيط يرتبط بمشروعيتها وبعدالة مطالبها..
فألف تحية لجميع مناصري الحركة الاحتجاجية بجميع أنواعها وأشكالها، ولجميع المشاركين والمؤيدين لمبادراتها.. وآلاف التحايا لجميع مناضلي الحركة الاشتراكية المؤمنين نظريا وعمليا، بمشروع التغيير، والمصرّين على تجسيده على الأرض دون تنازل أو انحراف عن الجوهر الاشتراكي للمشروع.

وديع السرغيني
فبراير 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام