الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الاصطفاف -مجهول الهوية- !

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2019 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية




امام الازمة المستعصية الحالية للمعارضة المصرية، وخاصة المعارضة الاصلاحية الدينية اليمينية، لا تجد هذه المعارضة عند كل منعطف امامها سوى الدعوة الفارغة والمضللة للاصطفاف "مجهول الهوية"، ليعلو الصراخ، "ليغطى على صوت العقل، كعادتها"، هيا اصطفوا، مصر تضيع، هيا اصطفوا، .. يحدث هذا الان، مع احدث منعطف تشهده مصر حالياً، فى احدث خطوات نظام يوليو لتصفية الحساب ولـ"ازالة اثار العدوان" الذى وقع على سلطة يوليو من توابع زلزال يناير 2011، المنعطف المسمى اعلامياً "تعديل الدستور".


فى دعوة الاصطفاف "مجهول الهوية"، ليس مهمً، من يصطف مع من؟! وليس مهمً، على ماذا يتم الاصطفاف؟!، المهم نصطف وخلاص، انه اصطفاف "مجهول الهوية"، انها دعوة مبهمة غامضة، نفس ذلك الغموض الذى تلجأ اليه الانظمة عندما تريد تمرير اجراءات غير شعبية، الغموض مثله مثل الالهاء والخداع والتضليل، هى اسلحة تستخدمها الانظمة عندما تكون الاهداف غير مشروعة، غير عادلة، كذا، تستخدم بعض القوى السياسية، فى سلوك انتهازى، نفس هذه الاسلحة لتحقيق اهدافها السياسية.


ان الدعوة للاصطفاف "مجهول الهوية"، هى بمثابة معادل موضوعى لاستفتاء 19 مارس 2011، الذى وضع بدهاء من قبل المجلس العسكرى امام زلزال يناير 2011؛ كان الاستفتاء يجرى على ما اذا كان هل يتم وضع الدستور اولاً، ام اجراء انتخاب مجلس الشعب اولا، وبالرغم من بديهية ومبدئية انه يجب ان يتم وضع مخطط للبناء قبل اى شروع فى البناء!، اى الدستور اولا، الا ان الاخوان "بلعوا الطعم" بكل شراهة، كما توقع المجلس العسكرى الخابر لانتهازية الاخوان السياسية، وبالفعل، قاتل الاخوان، ومعهم باقى قوى الاسلام السياسى، من اجل "الانتخابات اولا"، بدون دستور تجرى على اساسه الانتخابات!، لان الانتخابات بالنسبة للاخوان هى التى ستثبت بالارقام والنسب، انهم الاكبر عدداً والاكثر تنظيماً من بين كل فصائل المعارضة المصرية، ليس هذا وحسب، وانما ايضاً ستوضح نتائج الانتخابات المسافة الشاسعة بينهم وبين الفصيل التالى لهم فى الترتيب، من فصائل المعارضة المصرية، وهى حقيقة لا يمكن انكارها يعلمها الجميع، وليس ادل على ذلك من ترشح اعضاء من الفصيل التالى، "الناصريون"، على قوائم الاخوان، الخصم التاريخى لنظام يوليو!.


اذاً والحال كذلك، وحيث يعترف الجميع علانية بحقيقة ان فصيل الاخوان هو اكبر فصائل المعارضة عدداً واكثرها تنظيماً، اذاً لماذا هذا الاصرار من قبل الاخوان على تأكيد هذه الحقيقة، من خلال انتخابات بدون وقبل الدستور، "العقد الاجتماعى"، مخطط البناء؟!.


ان اصرار الاخوان على ان تجرى "الانتخابات اولاً"، سيسمح لهم بعد اعلان النتائج، ببدء مرحلة "التمكين"، وبفرض الحد الاقصى "الممكن" من برنامجهم وخططهم، فى كل الاستحقاقات التالية، بما فيها استحقاق وضع الدستور نفسه. انه بالضبط نفس تكتيك نظرية الاصطفاف "مجهول الهوية"، حيث ان الاصطفاف بدون وضوح فى المواقف التى سيتم الاصطفاف ورائها، او ما هى القوى التى ستصطف، يسمح للاخوان، باعتبارهم الاكبر عدداً والاكثر تنظيماً، ان يحققوا الحد الاقصى "الممكن" من برنامجهم وخططهم، فى كل الاستحقاقات التالية، بعد ان يكون الاصطفاف قد حقق هدفه، الشئ الوحيد المحدد والمعلن، الا وهو اسقاط الحكم الحالى، واذا ما اضفنا "ملحمة" الشرعية عند الاخوان، تتأكد بكل وضوح النتيجة الوحيدة التى يرجوها الاخوان من وراء الاصطفاف "مجهول الهوية"، الا وهى الوصول مرة اخرى لنقطة ما بعد استفتاء 19 مارس 2011، "التمكين" القائم على قاعدة، نحن الاكبر عدداً والاكثر تنظيما.


من النادر ان تجد اى تصريح معلن للاخوان يعلنون فيه التزامهم بمبدأ "التداول السلمى للسلطة"، دعنا نفترض انه تم ايجاد تصريحات معلنة متعددة بذلك، - طبعاً، لا يمكن مقارنتها بشلال اعلاناتهم عن الشرعية -، عندها يتبقى ان نتسائل عن ضمانات مدى التزام الاخوان بهذا المبدأ حال استلامهم السلطة بعد ان استطاع الاصطفاف، "مجهول الهوية"، ان يسقط نظام الحكم الحالى، فى ضوء الخبرات السابقة بعدم التزام الاخوان بالتزامتهم التى يعلونها، وليس ببعيد تعهدهم بعد 25 يناير 2011، وقبل استفتاء 19 مارس انهم لن ينافسوا سوى على ثلث مقاعد مجلس الشعب فقط، فى سياق طمأنة الفصائل المدنية قبل الاستفتاء، وهو الالتزام الذى نقضوه بعد ان كانت نتيجة الاستفتاء لصالح اجراء انتخابات مجلس الشعب اولا، كما تعهدوا ايضاً قبل انتخابات مجلس الشعب بأنهم لن ينافسوا على الرئاسة، ايضاً، فى سياق طمأنة الفصائل المدنية قبل انتخابات مجلس الشعب، وهو الالتزام الذى نقضوه، ايضاً، بعد حصولهم على الاغلبية النسبية فى مجلس الشعب، ورشحوا للرئاسة مرشحين، احدهم اساسى والآخر احتياطى!، (شر البلية ما يضحك، امام هذه الاغلبية النسبية التى حصل عليها الاخوان فى مجلس الشعب، اشتعلت نقاشات "النخبة المصرية"، ماهى الصفة التى يطلقوها على الاغلبية النسبية التى حصل عليها الاخوان، وبعد نقاش معمق وطويل "وعصف ذهنى" شديد وعميق، توصل عباقرة وفلاسفة النخبة المصرية، الى ان يطلق عليها صفة "الاكثرية" تميزاً لها عن صفة الاغلبية!!، وكأن اينشتاين لم يولد بعد، وكأن النسبية، بعد اكثر من ربعمائة عام، لم تكتشف بعد!.).


لا شك لدى، ان هناك "الاكثرية" من "حسنى النية" يسيرون بأخلاص فى طريق الدعوة للاصطفاف "مجهول الهوية"، الا ان الطريق الى "الفشل" ملئ بالنوايا الحسنة، وعلى الجانب الآخر، ماذا تفعل القوى المدنية لضمان التزام قوى الاسلام السياسى وفى مقدمتهم جماعة الاخوان، خاصة على ضوء الخبرات السابقة بعدم الالتزام، ماذا تفعل القوى المدنية لضمان التزامهم بمبدأ "التداول السلمى للسلطة"؟!.


فى البدء لابد من الاعتراف بان الالتزام بمبدأ "التداول السلمى للسلطة" هو من اكثر الامور صعوبة على الاطلاق، وانه لا يحتاج الى "ضمان" من قوى الاسلام السياسى والاخوان فقط، بل من كل القوى السياسية، القومية والليبرالية واليسارية .. الخ، ان "شهوة" السلطة تتجاوز اى شهوة اخرى، على مدى التاريخ، وفى الشرق كما فى الغرب، فى المجتمعات المتقدمة كما المتأخرة، ليس هناك من هو فى السلطة وعلى استعداد للتنازل عنها سلمياً، لـ"مجرد" العمل بمبدأ "التداول السلمى للسلطة". على سبيل المثال، هل يمكن لاياً من الانظمة الرأسمالية فى الدول "الغارقة" فى الديمقراطية، ان تتبادل سلمياً السلطة مع قوى اشتراكية؟!، او حتى ان تسمح لها بمجرد العمل وفقاً للمرجعية الماركسية؟!، والعكس صحيح ايضاً، بل حتى السلطات الاقل تطوراً مدنياً، والتى تعتمد سلطتها على طبيعة اثنية، هل يمكن لها ان تتنازل عن السلطة لاثنية اخرى، سلمياً، لـ"مجرد" العمل بمبدأ "التداول السلمى للسلطة"؟!. ويمكن القياس على ذلك كل طبيعة للسلطات الاخرى، الاعلى والادنى، وصولاً الى العشائر والقبائل .. الخ؟!.


من حق فصائل الاسلام السياسى العمل السياسى السلمى العام، فكل فصيل سياسى يعتقد ان مرجعيته هى الافضل للبشرية، ينطبق ذلك على المرجعيات اللامادية، الدينية والعقائدية، وكذا على المرجعيات المادية، اليسارية منها كما اليمينية .. الخ، وفى كل الاحوال كل المرجعيات لابد لها وان تؤطر ضمن اطار عام يتشكل وفقاً لميزان القوى فى كل مجتمع ودرجة تطوره، لذا فان المشكلة ليست فى حق فصائل الاسلام السياسى فى العمل السياسى ام لا، المشكلة تكمن لدى الفصائل المدنية التى ترفض الاعتراف بهذا الحق، ليس لشئ سوى للأدراكها لضعفها هى، وبالتالى خوفها المرتبط بضعفها، من فوز وسيطرة فصائل الاسلام السياسى على السلطة، اذا ما سمح لها بالمشاركة فى العمل السياسى العام، تلك المشكلة التى لا تعنى سوى اعتراف القوى المدنية بضعفها، والتى لا حل مبدئى لها سوى ان تعالج الفصائل المدنية نقاط ضعفها لتصبح قوية وقادرة على الفوز والسيطرة على السلطة، وليس الحل فى محاولة حرمان الفصيل الاخر من العمل السياسى العام السلمى، والتى لا يستفيد من حالة الصراع هذه سوى "طرف ثالث". ان لم تتمكن الفصائل المدنية من حل هذه المعضلة، لن يتبقى امامها سوى الاستعانة بالقوة العسكرية للدولة لحرمان هذا الفصيل من العمل السياسى، ومن ثم تعود لتبكى وتصرخ ضد الحكم العسكرى.

سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
[email protected]
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم