الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين محاولات التنصل و الإحباطات و الأماني: ثوراتنا و ما بعد

أمنية حامد

2019 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


تأتي الثورات كردة فعل لتفاقم التأزم في الأوضاع و تعبيراً عن إخفاق المحاولات البديلة للتغيير أو لإنعدام آليات التغيير. فالثورات بذلك آلية استثنائية، ويكون استثنائها لشدة حدتها من جانب و لندره حدوثها من جانب آخر.

فإذا ما عدنا لبلداننا و بعد مرور أعوام علي ثورات ربيعنا العربي، نجد عدد من ردود الفعل المتنوعة: ما بين محاولات للتنصل من ذكري تلك الثورات و كأنها خطأ عارض، بينما يقف البعض الآخر إيذاء ذكراها مفعم بخيبة الأمل لما يُنظر له بفشل تلك الثورات في تحقيق آمالها، كما نجد نشطاء ينادون (أو يتمنون) نهوض شعوبنا بثورة آخري، أو “بتكمله الثورة”.

تعكس تلك التوجهات ثلاثة أركان رئيسية للثورات، وهي منطلق الثورة و مقصد الثورة و إطار الثورة.

- بداية، فإذا ما كانت الثورات ردة فعل، فمنطلقها هو الواقع.
منطلق أي ثورة هو تأزم الواقع و الانفصال الحاد لهذا الواقع عما يرغب به الشعب. فلا يمكننا تناول ثورات ربيعنا منفصله عن الواقع المتردي لمواطننا وشعوبنا، اقتصادياً و سياسياً و اجتماعياً. و في نفس الوقت لا نستطيع تناول ثوراتنا بدون تناول هشاشة أو انعدام الآليات الأخري للتغيير في أوطاننا بما يضمن تحقيق إرادة الشعب..

- ثانياً، وإذا كان الواقع هو منطلق الثورات، فمقصد أي ثورة هو رفض هذا الواقع و تطلع لواقع بديل (رؤية مجردة).
لم تأتي الثورات للعلاج. بل تجيئ الثورات للرفض أولاً مع طرح مطالبها “كرؤية” او فكرة مجردة. فلا يمكننا تحميل أى ثورة أكثر من حركية الدفع و مبادئ الثورة. تعمل الثورات كآلية حادة لدفع باب التغيير الموصد علي مصرعيه، وما لذلك من تهيئةً لفرصة مواتية لنهوض موازي لقوي سياسية مشاركة في روح الثورة لترجمة مطالبها و تنظيم استراتيجيات لتفعيل تلك المطالب.
وعليه فخبو الثورات (المباشر) في تحقيق تطلعاتها، ليس فشل لشعب أو مواطن و انما هو عرض لضعف القوي السياسية في مجتمعاتنا من ناحية، و لتخاذل النخبة من ناحية آخري في استيعاب تلك الفرصة الاستثنائية التي دفع ثمنها مواطني بلداننا.
هذا - وللتأكيد- لا ينتقص من قيمة ودلالة ثوراتنا باعتبارها لحظة نهض فيها مواطننا كإرادة و قدرة و نضال.

و هنا نأتي لنداءات البعض أو تمنيهم بنهضة ثانية للشعوب “لتكملة” الثورة، أو النهوض بثورة جديدة. و هو ما يمثل في رأينا خطأ عظيم، ليس لإستحالة الثورة أو لإمكانيتها، ولكن لانه لا ينبغي و لا يمكن لنا التعويل علي الثورات كإستراتيجية للتغيير وتحقيق الاهداف. ذلك لان الثورات بطبيعتها ظاهرة استثنائية لا تُخلق بشكل عمدي (و هو ما يعرف بمشكلة تكوين “الكتلة الحرجة” خاصة في شعوب يكون فيها مجرد التظاهر فعل يعاقب عليه القانون)، كما ان الثورات عادة ما يصعب تُطوعيها في إتجاة بعينه ما ان نشبت.

السؤال إذا هو كيف المضي قدماً، وهو ما يستوجب تناول الثورة في إطارها الأوسع و الأشمل.
الثورة ليست فقط مواطن وشعب نهض رفضا لواقعه، ولكنها - في إطارها الأوسع - محاولة لتغيير هيئة/ توجة/ مسار منظومة.
و عليه فالمضي قدما يستوجب فهم لطبيعة هذه المنظومة و الذي يعتمد علي فهم للحدود الزمانية و المكانية لتلك المنظومة، و لعناصرها (أو أجزاءها) الفاعلة.

ففي إطار الحدود الزمانية و المكانية فكما ان الثورة انطلقت من الواقع و كانت امتدادا له، فلقد شكلت انعطافة عنه.
فحتي ان عاد مواطننا لما يضنه البعض بالثبات، فقد تغيرت الأرض من تحت أقدامه، والواقع أمام عينيه. انقشعت هالات القداسة عن العديد من الافراد و الجماعات، و تجلي لشعوبنا تخاذل البعض الآخر، كما انصرف العديد من مواطنينا عن بث الاعلام الرسمي و لزج حدثه. علي الجانب الآخر انتهزت بعض التيارات السياسية قوة دفع الثورة مع غياب قوي سياسية منظمة، لفرض تغييرات جذرية في مجتمعاتنا و هو ما يراه الكثيرون كإرتداد عن مبادئ الثورة بل وعكس لسهم التقدم (من تملك فردي لزمام السلطة، التخلص من المعارضين السياسيين، تضييق لمساحات الحرية..).

كذلك فان المضي قدما رهن بطبيعة العناصر المكونة لتلك المنظومة. و هو ما لا يقتصر علي تناول المواطن (جزء فاعل في المنظومة الكبري) وقدرته علي النهوض، و لكن يتعين تناول العناصر الأخري من المنظومة، بدايةً من رأس المنظومة المتمثلة في السلطات الحاكمة و مؤسسات المنتصف (مثل مؤسسات المجتمع المدني و الأهلي) و طبيعة العلاقات و التفاعلات ما بين العناصر المختلفة.

وهنا لا يغيب عن الكثير منا التغييرات المكثفة و الموجهة - فيما بعد الثورة- لتبديل طبيعة المنظومة و مكوناتها، في سياق تشديد قبضة السلطات الحاكمة علي زمام الأمور. و هو المشاهد من اضعاف مؤسسات المنتصف، وإحكام قبضة السلطة التنفيذية علي السلطة التشريعية و القضائية، و توغل الجانب العسكري في كافة سياقات الدولة، و تدمير لحرية الإعلام سواء بالاستحواذ علي منصته أو بتحطيم تلك المنصة.

المضي قدما ليس امتداداً لما هو قبل الثورة، و لكنه امتدادا للواقع الحالي الذي يشمل ما قبل الثورة، والثورة، و ما بعدها. أي ان المضي قدماً يشترط فهم لطبيعة المنظومة الحالية، و التفاعل مع معطياتها وقيودها المستجدة.

ولنا هنا ملاحظتين،
اولهما ان احتمالية وفاعلية وحدة قوي التغيير تعتمد علي بعد المسافة ما بين محرك المنظومة، و منابع تيارات التغيير. فإن اُختصرت فاعية المنظومة بأكملها في الفرد الرئيس، سار رأس المنظومة هو المحرك الأوحد. وإن انعدم الإطار المؤسسي للدولة، لصارت المنظومة مشكلةً من رأس و مواطنين (كهَرم، جُوف منتصفه). ولصار المواطن هو المنبع الوحيد لقوي التغيير. تمثل تلك الحالة المسافة القصوي ما بين منابع التغيير و محرك المنظومة، و بينما تقل في مثل تلك الحالة احتمالية و فاعلية التغيير تحقيقا لرغبة الشعب، إلا اننا نجد تعاظم لحدة التغيير ما ان نشب (حالة الثورات).

ثانيهما ان التغيير بطبيعته هو في إطار تفاعل المنظومة مع المكون المحيط و المكون الداخلي بما يتضمن ذلك من تقدما جدليا ضد العقبات الناتجة و الناجمة عن النظام نفسه. فالتقدم الطبيعي (والسلس) هو عبر مرونة السلطة في التفاعل مع معطيات الواقع وتطلعات المستقبل ، إضافة لقدرتها علي احتواء عناصر الرفض أو التأزم و هو رهن بوجود آليات مؤسسية. وعليه ففي حالات انعدام الآليات المؤسسية، و ضعف مرونة السلطة علي التفاعل مع عناصر الرفض، نجد حالات التغيير أو التقدم باستفحال الازمات. مثله في ذلك مثل الثورات، أو التحلل والضمور الذاتي للسلطة نتيجة اخطاء في الأداء أو التركيبة مثل الانقلابات العسكرية، خاصة في دول يتوغل وينمو فيها الجانب العسكري علي حساب باقي قوي الدولة.

ما بين هذا وذاك، لا يمكننا انتظار استفحال تأزم الوضع الراهن كالسبيل الوحيد للتغيير، أو التعويل علي المواطن بالنهوض بثورة ثانية، بل يتعين علي قوي مجتمعنا و نخبنا التفاعل مع الوضع الراهن سعيا لسبل تغييره و تعديله في سياق منظومي و رؤية شموليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو