الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا - جدلية القوة والضعف - 2

محمد بقوح

2019 / 2 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مأزق تكريس الضعف لتغليب سلطان الدين
اجعله يخاف من القوة الغيبية حتى يتحقق لك خوفه منك بالضرورة، بنشر الخرافة، وتكريس الرهبة، وأخلاق التسول المقنع، والصبر والشفقة على ما جرى ويجري من وقائع وأمور الدنيا قبل الآخرة. هذا هو المنطق السياسي الذي تعمل به سلطة السياسة، استثمارا لحاجة النفس البشرية الملحة، وليس لرغبتها واختيارها، إلى ضوء الأمل في التحرر والانعتاق من حياة النقص والهوان التي تلاحظ في محيط البشر. يقول سبينوزا: (إن الخرافة هي أكثر الوسائل فاعلية لحكم العامة)1. لهذا، لم تجد سلطة الدولة التي تعتبر هنا قمّة من يمثل الفعل الخبيث للسياسة، سوى الحسّ الديني في العمق الوجداني الشعبي، فتحسن تدبيره وتوظيفه التأثيرين لصالح التوظيف السياسي، المتعلق بإعادة إنتاج ماهية الفرد الفكرية والسلوكية، بترويضه وتدجينه وإفراغه من محتواه كإنسان حر ومختلف، يفكر بعقله الخالص، وليس بعقل سلطة الإرث الاجتماعي والسياسي والثقافي المهيمن، في زمني الماضي والحاضر، تأسيسا للمستقبل. (لذلك كان من السهل باسم الدين دفع العامة تارة إلى عبادة الملوك كأنهم آلهة، ودفعهم تارة أخرى إلى كراهيتهم ومعاملتهم وكأنهم طامة كبرى على الجنس البشري)2 .

مأزق تكريس الترهيب لنسف قوة العقل المحق
هكذا، يتحول الفرد، حسب سبينوزا، من كائن فاعل، إنساني، وطبيعي، تكمن قوته أساسا في كونه فرد يفكر بطريقة حرة وقد تكون مختلفة عن تفكير جماعته، لا يقبل أية مساومة مهما كان نوعها، في حق ترابط مبادئه وسمو قيمه الشخصية والإنسانية، إلى كائن منفعل، مُصطنع، أجوف المحتوى، شبيه بأحد الأفراد المنتمين إلى عهود العبودية الغابرة. غير أن لقيمة الخوف المصطنعة والمكرسة هنا، تلك التي يعمل سلطان السياسي على حسن تدبيرها، وتكريسها وتعميق أثرها، بالاستعمال المزين المختار والمراد للدين والتديّن الشعبي وليس النخبوي، دوره الجوهري الأساسي في تحقيق استسلام وضعف الفرد البشري لقدره المخطط له، من حيث ريبته في قدرته على صنع قراره، وعجزه الواهم عن المواجهة والصمود في وجه طغيان السياسة وصناع أصنام وصكوك تجار الدين جميعهما.
إن آلية التخويف والترهيب بالنسبة لسلطان السياسة، حسب سبينوزا، هي بمثابة دعامة رئيسية في فرض أنظمة الواقع الثابت القائم، وضمان استمراريتها الممكنة في الزمن القادم، حتى وإن اقتضى الحال باستعمال العنف وقوة أجهزة الدولة، أو تقديم تنازلات مغرية لفائدة القوى الخائنة والمتواطئة الممثلة شكليا للساكنة. لهذا، يعمل السياسي الحاكم، بمعية كل تجلياته الظاهرة والخفية، وقواته المادية (جنود- عسكر- درك.. إلخ) ومساعديه الاقتصاديين والاجتماعيين الرمزيين (البورجوازيين - الفقهاء- الأحزاب المحافظة- الزوايا- الأولياء .. إلخ) على فعل كل ما بوسعه لإعادة إنتاج الإنسان الفارغ، الخنوع، والضعيف السهل التجاوز..، لكسب رهان استمرار وتجذر عامل الخوف في أعماق نفسية الأفراد العاديين وحتى المؤطرين ( الخوف حتى من ظلال الزعماء)، مع الحرص، كل الحرص، على أن يعيشوا حياة "سعيدة"، بمعناها المستلب الميتافيزيقي، ضمن ذلك التشابك المفارق للخوف أو التخويف المسيطر على ضمائرهم ونفوسهم ودواخلهم، والذي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتهم ومعيشهم اليومي .. هكذا، يتم إعداد تربة المقدس وضده المدنس بعناية فائقة .
______________________________
1 – 2 : سبينوزا- ريالة في اللاهوت والسياسة- ترجمة حسن حنفي- مراجعة فؤاد زكريا- مكتبة نافذة- ط 3 – 2005- ص 113








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م