الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوارث مصر الحزينة: ليست سوء ادارة، ولا خلل فى الاولويات!

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2019 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


انقسمت اراء النخبة المصرية اثر الفاجعة البشعة لقطار رمسيس الى نمطين من النقد، الاول، ركز على ان سبب تكرار هذه الكوارث هو سوء ادارة ويجب محاسبة المسؤولين عن هذه الكوارث المتكررة، ويأتى فى سياق هذا المنطق استقالة وزير النقل وقبول استقالته، اما النقد الثانى، ركز على ان الخلل فى تحديد الاولويات، هو الذى ادى الى اهمال هذا المرفق الهام، وجرى الصرف على مشروعات هامة ولكنها لا تحظى بالاولوية، مثل العاصمة الادارية الجديدة، واستشهد البعض بتصريح الرئيس السيسى بان الـ10 مليار جنيه اللازمة لميكنة وكهربة السكك الحديدية، اذا ما وضعهم فى البنك سيحصل على فائدة مليار جنيه، والبعض الاخر تسائل عن مصير حصيلة الزيادة فى اسعار تذاكر القطارات والتى قيل انها من اجل تطوير هذا المرفق، مستشهدين بقول الرئيس "لما نيجى نزود التذكره يقول ما عيش، وانا كمان ما عيش (يقصد الدولة)".

حقيقة الامر، لا المسألة سوء ادارة، ولا هى خلل فى تحديد الاولويات. مجدداً، النسبية، هناك مصالح متناقضة داخل المجتمع الواحد، اذا ما نظرت للامر من زاوية مصالح جهة معينة، ستجد ان ما يتخذ من اجراءات وقوانيين هى سيئة للغاية من وجهة نظر هذه الجهة، واذا ما نظرت الى نفس هذه الاجراءات والقوانيين من زاوية الجهة الاخرى، صاحبة المصالح المتناقضة مع الجهة الاولى، ستجدها جيدة للغاية.

لذا .. ان فتح سوق النقل الوطنى، المملوك للدولة، كما الطاقة، على رأس اولويات جدول شروط انخراط السوق المصرى، "استهلاكاً وتملكاً"، فى السوق الحرة العالمية، العولمة، وهو شرط رضى حكام عالم اليوم عن النظام المصرى، لذا فهى على رأس شروط صندوق النقد الدولى، المتحدث والمراقب الرسمى للشركات العملاقة متعددة الجنسيات، حكام عالم اليوم، شروط فرضت على النظام المصرى، السابق والحالى، الا ان ازمة النظام الحالى التى تشكلت وتفاقمت خلال التطورات التى شهدتها مصر من بعد يناير 2011، وخاصة بعد يوليو 2013، قد "فرضت" على النظام المصرى الحالى، القبول بالمعدل المتسارع لـ"تحرير" السوق المصرى امام الاستثمار العولمى، فتفاقم ازمة النظام يسمح بقبول ما لا يمكن مقبولاً من قبل، فتم القبول بهذا المعدل المتسارع الذى طالما ما ماطلت فى سرعة معدلات تنفيذه، السلطات السابقة بدءاً من حكم السادات وصولاً لفترة حكم مبارك.

يأتى رفع اسعار الطاقة والنقل، ليس من اجل تحسين الخدمة، وليس من اجل ان تحصل الدولة على بعض الاموال فحسب، بل هو بالاساس، شرط واجب التنفيذ حتى تصل اسعار الطاقة والنقل الى السعر العالمى، شرط يجب تحقيقه طالما تم الاذعان بقبول دخول مصر فى السوق الحرة العالمية، بالمعدلات التى تحددها عولمة اليوم، حتى تأتى الشركات الاجنبية المستثمرة المتعددة الجنسيات، والاسعار فى مصر تماثل نظيراتها العالمية، عندها تحقق وتنزح الشركات الربح المأمول، بغض النظر عن ان الاجور المحلية لا تناظر مثيلاتها العالمية. (وهو ما يتم ايضاً مع العملة المحلية فى مقابلتها مع العملة العالمية، الدولار، بغض النظر عن ما يحدث من تضخم يكوى الناس).

السكك الحديدية والطرق السريعة والكبارى والجسور، كما الموانئ والجمارك، هى لخدمة المستثمر، لكنها تمول جميعها بقروض على الدولة، المواطن، لتدخل الدولة فى قفص التبعية، ودائرة القروض الدوارة الشريرة.

مثلاً، تمول مشاريع تطوير السكك الحديدية بواسطة مصيدة القروض، تلك المشاريع التطويرية التى تهدف الى توسيع السوق المصرى، استهلاكاً وموارد، امام الشركات العالمية القادمة، بما يسمح بوصول البشر والبضائع الى كل مكان. لا تشيد خطوط السكك الحديدية من اجل ربط المناطق الداخلية الواحدة بالاخرى فقط، وانما ايضاً، من اجل ربط مراكز الانتاج بمناطق التصدير والاستيراد، الموانئ والجمارك، لتتحول رسوم النقل عن طريق السكك الحديدية، والتى تحددها الشركات المستثمرة، الى لعنة على مناطق الانتاج وعلى البشر.

تحصل الشركات المستثمرة فى السكك الحديدية، على امتيازات فى الاراضى الواقعة على احد جانبى طريق السكك الحديدية، بالاضافة للطريق نفسه، وحق بناء خطوط فرعية جديدة، وهذه الاراضى تمثل ثروة استثمارية اضافية، وهو ما يؤدى فى الغالب الى طرد الاسر التى تسكن فى هذه الاراضى من قبل الشركات المستثمرة، على ان يقوم المجلس التشريعى بتشريع القوانيين "المشجعة للاستثمار" والتى تمثل السند القانونى لعملية طرد السكان، وتقوم قوات انفاذ القانون بتنفيذ عملية الطرد ذاتها، والجهتان، التشريعى وانفاذ القانون ميزانيتهما من ميزانية الدولة، المواطن.

فى مصر، خضعت سلطة يوليو بعد هزيمة يونيو 67 لمتتطلبات التقسيم الدولى للعمل، وفقاً لاحتياجات كنز الثروات وفقاً للشروط التى تحددها الشركات العملاقة المتحكمة فى السوق الرأسمالى العالمى. فمنذ هزيمة "التجربة الناصرية" القصيرة فى 67، توقفت مصر عن زراعة ما تحتاجه واصبحت تنتج ما لا تحتاجه من مكملات استهلاكية، ففى مجال الزراعة انخفض انتاج القمح مثلاً لتصل مصر بعد ستة عقود الى ان تصبح الدولة رقم واحد فى استيراد القمح على مستوى العالم، وكذا تم القضاء على انتاج القطن المصرى طويل التيلة، صاحب الشهرة العالمية، والاسواق العالمية ايضاً، كما حدث انكماش حاد فى الصناعات الاساسية والمغذية، وتم الاكتفاء ببعض السلع الاستهلاكية والكمالية، والتى تختص معظمها بمجرد عملية تجميع فقط، لاجزاء قادمة من الشركات الام العملاقة.

ومع الارتفاع المستمر للقيمة السوقية لكل السلع والخدمات التى يتم استيراد جلها من الخارج، انخفضت بالمقابل القيمة "السوقية" للانسان المصرى، بطالة، وتدنى حاد فى مستوى المعيشة والخدمات الاساسية، صحة وتعليم .. الخ، وهوما يذكرنا بمقولة ديكتاتور السلفادور "مارتينيث" الذى أكد ان "قتل نمله جريمة اكبر من قتل رجل، لان الرجل يبعث من جديد بعد موته، بينما تموت النملة بشكل نهائى."! ..

لم تكن هزيمة 67 هزيمة عسكرية بقدر ما كانت هزيمة لمشروع "استقلال وطنى" تصدت لانجازه قوى وظيفية لم تكن تمتلك المؤهلات الطبقية او الفكرية الايدلوجية لانجازه، ومع الانجرار فى خدمة السوق العالمى، ازدادت مظاهر عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى والامنى، ومعه ازدادت الاجراءات القمعية، وازدادت الميزانيات الهائلة المخصصة للامن مما يفاقم، فى دائرة شريرة، من العجز المخزى الحادث فعلاً فى ميزانية الدولة المخصصة لما تبقى من الزراعة والصناعة والخدمات الاساسية من تعليم وصحة .. الخ، بسبب من التمييز الطبقى والاجتماعى والوظيفى فى الميزانية، وزاد من تفاقم الوضع، الوقوع فى مصيدة القروض، كما فى مثال قروض تطوير سكك حديد مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - آلهة يذبحون بلا رحمة
حازم (عاشق للحرية) ( 2019 / 3 / 1 - 10:06 )
هى الشروط المجحفة المفروضة علينا من الآلهة المالتي ناشونال و صندوق النقد الدولي, و اولياء أمورنا هنا ينفذون بلا رحمة -ان كانت تلك حياة الفراخ و حيوانات المزارع فانا مشفق عليهم فعلا-
و الغريب انهم ليسوا خائفين من غضب شعبى او احتجاجات او حتى عصيان مدنى -يجعلك تضع عدة علامات استفهام حول سبب هذه الطمئنينة! هل حصلوا على دعم كامل من الدول الغربية انهم لن يتركوا كراسيهم قريبا؟ هل يعرفون جيدا كيف يحكموننا لاننا شعب بيقول (انا مالي, لن اركب الموجة الا اذا بدأها الآخرين و لن ابدأها انا)؟ يعنى ببساطة اى احتجاجات جماهيرية عريضة كان وراءها احد ما,لذلك اسيادنا الحكام عارفين البير و غطاه؟؟

من ناحية اخرى نحن مبتلين بنخب سياسية لا يهمها غير الوصول للحكم -ديمقراطية تداول السلطة اهم عندهم من (العلمانية و الحقوق الشخصية و) التفاوض لتحقيقهم مع من يحكمنا الآن الذين وقفنا وراهم لخلع حلاليف شرع الله فى 2013, واضحة كالشمس هم يريدون ان يصلوا للحكم-و بعضهم يده مرتعشة ان جاءته الفرصة فلن يكون قدر المسؤولية

والشعب معظمه تافه همجي يرمى قمامة و متحرّش و سليط اللسان يتستر وراء الحرام و الحلال

ماذا يخفى لنا الغد ؟


2 - شكرا و...
حازم (عاشق للحرية) ( 2019 / 3 / 1 - 18:49 )
شكرا على الرد يا استاذ سعيد, اعذرنى انا ارد من هنا فى الحوار لانى ليس عندى حساب فيسبوك لكن تعليقك اراه من هنا ايضا:
بخصوص ردك على الملحوظة الاولى, اعرف ان ما انا ذكرته قد يكون صعب تمريره ببساطة بالنسبة لاحوال مصر منذ 2011 حتى اليوم. امثلة اخرى تاريخية حول العالم هى متوفرة من كل الانواع اى نعم (ثورات لم يكن وراءها مؤامرة, و ايضا احتجاجات وراءها مساندات او تحريض)

عن الملحوظة الثانية: لم افهم قصدك هل تعنى ان تلك الظواهر ليست موجودة ام انه لا يجب ان نلوم مجتمعنا على اننا وصلنا الى هذا الحال مرغمين؟ طيب على الاقل لنواجه تلك المشاكل بشجاعة و نحن نستحق ان نخفض هذه المشاكل الى اقل معدل ممكن, و نتكلم عنها بصراحة فيما بيننا افضل من ان نسمع شعوب اخرى اجنبية يعايروننا بها

تعرف يا استاذ سعيد ما الذى شدنى فى مقالك هنا؟ انك ركزت على مسألة النيوليبرالية و هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات و تبعات دخولنا نـفق ديون صندوق النقد الدولى -بعيد عن الضجة بتاعت النخب السياسية و مؤيديهم على السوشيال كما ذكرت انت مقتطفات من ضجتهم تلك-
لكن الى متى سنظل نكتوي بنار دخولنا هذا النـفق؟ لعقود من الزمن؟

اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي