الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في تطورات الموقف الدولي والإقليمي

سمير زين العابدين
(Sameer Zain-elabideen)

2019 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة:

يشهد الموقف الدولي حاليا، العديد من التغيّرات, قد تبدو صغيرة في تفاصيلها، ولكنها تغيّرات حادة في مجملها، بالنظر لتاريخ العلاقات الدولية خلال ستة أو سبعة عقود ماضية.
يتحدد الموقف الدولي طبقا لمواقف الدول الفاعلة علي المسرح العالمي، وتتأثر تبعا لذلك مواقف الدول الأقل فاعلية.
كما تتغير الدول الفاعلة ذاتها تبعا لتغيّر موازين القوي الشاملة لهذه الدول، والتي تتحدد بناءا علي مجموعة من القوي العسكرية والإقتصادية والبشرية والثقافية وكل المقومات المادية والمعنوية وما يوفره التطور التقني لأي دولة, والتي يمكن توظيفها في اطار استراتيجيتها لتحقيق أهداف الدولة ومصالحها والتأثير علي مواقف الدول الأخري.
للولوج الي الموقف الدولي والإقليمي الحالي علينا أن نلقي نظرة سريعة علي تطورات القوي الدولية الفاعلة من منتصف القرن العشرين، وعقب ثلاثة قرون من السيطرة الأوروبية علي الأوضاع الدولية، تخللتها حربان عالميتان أنهكتا قوى القارة الأوربية العجوز.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية تغيّر الموقف الدولي بظهور معسكرين كبيرين، يقود أحدهما الإتحاد السوفيتي السابق كمعسكر شرقي, في مواجهة معسكر غربي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في تحالف مع القوي الليبرالية في اوروبا وعلي رأسهم بريطانيا.
اتسمت هذه الفترة بما سمي بالحرب الباردة بين قطبي القوي العظمي, وهو مصطلح يصف حالة الصراع والتوتر والتنافس والاستقطاب التي سادت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهما من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات, مال الميزان آنذاك ناحية الولايات المتحدة نظرها لتفوقها العسكري والإقتصادي, وتحالفاتها الأقوي.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة في العام 1991 تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية المشهد باعتبارها القطب العالمي الأكبر والأوحد والمسيطر، وقد تصوّر الكثيرون بأن نظاما عالميا جديدا سوف يتشكل تحت قيادة أمريكية، الا أن الأمور لم تمض علي هذا النحو.

الحقبة الأمريكية:

تربعت الولايات المتحدة مع بداية التسعينيات على رأس النظام العالمي، ولكن دون أن يكون لها نفس التأثير الذي كانت تتمتع به منذ منتصف القرن العشرين.
لقد حازت الولايات المتحدة علي مكانتها العالمية نتيجة عوامل عدة، يأتي في مقدمتها الاقتصاد الأمريكي الذي قارب نصف الناتج العالمي في 1945 مع أكبر قاعدة صناعية وحجم تجاري، ومن ثم امتلاكها لأكبر قوة بحرية وجوية، وأكبر عدد من القواعد العسكرية المنتشرة في العديد من الدول، إضافة للقوة النووية الوحيدة في العالم، ناهيك عن وضعها الجيوسياسي على المستوى العالمي, وهو ما أهلها لخلق وقيادة نظام اقتصادي و سياسي وأمنى فى مختلف بقاع العالم، في مواجهة المعسكر الشرقي الذي لا يتمتع بنفس الكفاءة الإقتصادية، ولا قوة جيشه تقارب قوة الجيش الأمريكي.
كما كان للولايات المتحدة دورا أساسيا في إنشاء وإدارة العديد من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة, والبنك الدولي, والاتفاقية العامة للجمارك والتعريفات الجمركية.
إضافة الي جهودها في مجال تعزيز ثقافة حقوق الإنسان, وتقليل مخاطر أسلحة الدمار الشامل.
وكما كان كل ماسبق هو عناصر القوة التي تتوج السيطرة الأمريكية, كان تزعزع هذه العناصر منذ البداية هو مؤشر الفقد التدريجي للهيمنة الأمريكية العالمية.
فقد امتلك الاتحاد السوفيتي الأسلحة النووية وتلاه دول أخري، وحدث تحول جوهري في الخريطة الجيوسياسية العالمية لمصلحة السوفيت.
لم تستطع الولايات المتحدة أن تمتلك السيطرة الكاملة, وقدرة التأثير على الأحداث في أنحاء مختلفة من العالم، فهي علي سبيل المثال لم تستطيع منع الثورة في كوبا عام 1959، أو إيران عام 1979، أو منع فرنسا من مغادرة حلف الناتو في عام 1966، كما لم تستطيع منع إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية من الحصول على أسلحة نووية.
وبعد تلقي الهزيمة في الهند الصينية والخسارة في فيتنام، وحدوث مشاكل خطيرة في الاقتصاد الأمريكي، وضح أن العملاق الأمريكي يفقد أنيابه، وأصبح بقاء الولايات المتحدة على عرش العالم مسألة وقت يشك في استمراره طويلا.
ورغم إنهيار الإتحاد السوفيتي وتفككه، ونهاية الحرب الباردة في بداية التسعينييات وتصور خلو المجال، الّا أن التحولات والاتجاهات والمخاطر التي عاصرت تلك الحقبة أفقدت الولايات المتحدة مكانها علي رأس العالم، وعجلت بنهاية هذه الحقبة, وتمثلت أهم هذه التحولات في الآتي:-
التورط في مستنقع أفغانستان، ما ساعد على تقويض الهيمنة الأمريكية، وعلى الرغم من تصوير القادة الأمريكيين ما يحدث في أفغانستان على أنه نوع من أنواع الانتصار، خاصة بعد مقتل بن لادن، الّا أن كل المحاولات الشاقة والمكلفة للقضاء على حركة طالبان وجعل أفغانستان دولة ديمقراطية على الطراز الغربي قد باءت بالفشل، وأصبح السؤال هو متى سترحل القوات الأمريكية من كابول.
غزو العراق بتكلفة وصلت إلى 3 تريليون دولار، والنتيجة النهائية هي خلق ديمقراطية منقوصة تستعدى إسرائيل، وتتحالف مع إيران بشكل ما.
التدخل الأمريكي في آسيا الوسطى أضعف العلاقات مع حليفتها باكستان، وزاد من العداء للولايات المتحدة.
عدم توقع واشنطن لثورات الربيع العربي، كما كان رد فعلها تجاهها يشير إلى تضاؤل الدور الأمريكي في رسم الأحداث كما يشاء.
فمثلا، بعد عدد من المحاولات الفاشلة لدعم مبارك، قامت الإدارة الأمريكية بتغيير موقفها، وقامت بدعم القوى المؤيدة للتغيير، وألقى الرئيس أوباما خطابا للتأييد، ولكن أحدا لم يلتفت إليه.
ويلاحظ هنا أن نفوذ الولايات المتحدة في عملية التغيير في المنطقة برمتها كان متواضعا باستثناء تدخل جزئي في ليبيا.
كما لم يكن اوباما قادرا على وقف المملكة العربية السعودية من إرسال قوات إلى البحرين حيث ساعدت الرياض في قمع مطالب الإصلاح فى البحرين.
فشل الولايات المتحدة في إيجاد حل عادل للصراع العربي- الإسرائيلي، أو أن تكون وسيطا كفئا لحل الأزمة، وذلك على الرغم من مرور أكثر من عقدين على توقيع اتفاقية أوسلو في سبتمبر 1993، وبالرغم من الأمل الذي تجدد بعد إعلان أوباما في القاهرة عن ضرورة قيام دولتين، فإنه سرعان ما تبدد، نتيجة للضغط الإسرائيلي.
بشكل عام كان تبني الولايات المتحدة لسياسات خاطئة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر أثره المباشر في فقدانها لتأثيرها الدولي إضافة الي عدد من التحديات الإقليمية والعالمية التي تنامت خلال هذه الفترة وأهمها:-
ظهور قوي عالمية وإقليمية جديدة, وتعتبر الصين أبرز هذه القوي بما حققته من نمو إقتصادي مزهل ينافس مكانة الاقتصاد الأمريكي ويؤهلها لنزع المكانة الأولي بحلول 2025, هذا بالإضافة لتزايد الإنفاق العسكري الصيني بشكل مضطرد, مما يؤثر بشكل مباشر علي العلاقات الأمريكية الأسيوية.
الدور المتنامي الذي تلعبه روسيا باعتبارها الوريث الشرعي للإتحاد السوفيتي السابق والتي فرضت نفسها على الوضع الدولي، وأصبح ذلك واضحاً في قضية سوريا وبعض الموضوعات الأخرى
كذلك صعود قوى إقليمية جديدة، علي رأسها الهند وتركيا والبرازيل اثر النمو الاقتصادي المدهش خلال العقدين الأخيرين، وصار لكل دولة مسارها الخاص المستقل عن رغبات واشنطن ما يعزز نفوذها في محيط منطقتها.
يولي قادة القوي الإقليمية الجديدة اهتماما بالمسار الديمقراطي ينعكس علي التأثير المباشر للرأي العام ونتائج استطلاعات الرأي داخل دولهم, ما يقلل اعتماد الولايات المتحدة علي العلاقات الحميمية المباشرة مع الأنظمة والنخب الحاكمة والمؤسسات العسكرية لهذه الدول.
انحسار الدور والتأثير للمؤسسات الدولية التي انشئت بعد الحرب العالمية الثانية في ظل ظهور مؤسسات جديدة مثل مجموعة الثمانية وتوسعها لتصبح مجموعة العشرين.
الصعوبات التي يعانيها الإقتصاد الأمريكي والأزمات المالية تقيّد من قدرتها علي مواجهة التزاماتها الخارجية والقيام بأدوارها على المستوى الدولي.
يشكل ما سبق بعض من التحديات التي تواجه النسر الأمريكي والتي تشير الي انتهاء مرحلة القطب الواحد, ومدى قدرة الولايات المتحدة على أن يبقى لها ذات التأثير على العالم، حتي لو أتفق علي أن الولايات المتحدة لم تنته بعد كقوة عظمى فلا يزال لديها الكثير: أقوى اقتصاد، أكبر جيش، أكبر ميزانية تنفق على التعليم والبحث العلمي, ... الخ.

كيف تبدو الصورة الآن :

يشهد العالم كله الآن شكلا من أشكال الفترات الانتقالية، من القطب الواحد إلى الأقطاب المتعددة، وهو وضع يتسم بالفوضى والارتباك الاستراتيجي والسياسي بالنسبة إلى أغلب الدول، ولا سيّما أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط.
أمريكا أصبحت أضعف بسقوط الاتحاد السوفييتي وليست أقوى؛ لأنها ذهبت منفردة لإقامة نظام عالمي تحت سيطرتها المطلقة, وهذا يتناقض مع استراتيجيات ومصالح حتى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، ناهيك عن العالم كله.
تعاظمت مكانة كل من روسيا والصين كأقطاب دولية لها أوزان ثقيلة، كما تعززت مكانة تركيا وإيران، كأقطاب إقليمية.
عادت كل من روسيا وأمريكا للدخول في سباق تسلح يشابه سباق التسلح في الحرب الباردة، مع مواجهات حادة في أوكرانيا وسوريا.
تتسم السياسة الأمريكية في الوقت الراهن وخاصة مع قدوم دونالد ترامب بالفوضي والإرتباك, حيث تفاقمت التناقضات الأمريكية الروسية، والأمريكية الصينية، واشتد الخلاف الأمريكي الإيراني، والإيراني الإسرائيلي، وارتبكت العلاقات الأمريكية التركية من جهة، والعلاقات التركية الإسرائيلية من جهة أخري، كما نشبت الحروب التجارية والخلافات المتعددة بين أمريكا وكل من أوروبا وكندا واليابان والمكسيك, وتشهد علي ذلك تناقضات قضايا المناخ والتجارة الدولية، والعديد من القضايا السياسية.

علي المستوي الإقليمي:

ليس هناك خلاف علي أن الواقع العربي الحالي يشهد حالة مريرة تتسم بالحروب الأهلية، والانقسامات الطائفية والمذهبية والإثنية، تصاعد فيها التدخّل الأجنبي، مما أدي الي انهيار أوطان ومجتمعات, في ظل واقع اقتصادي واجتماعي وثقافي متدني اجمالا.
هذا الواقع المرير للمنطقة هو نتاج مائة عام مرت منذ انهيار الدولة العثمانية واتفاقية سايكس بيكو, ورغم أنها شهدت تحررا من الاستعمار الأجنبي التقليدي، الّا أنها شهدت أيضا فشلا ذريعا في بناء المجتمعات المدنية الحديثة، وفي تحصين الداخل الوطني من مشاريع ومؤامرات الخارج.
يبدأ الأمر في نظري من لحظة فشل التوافق على مسألتين، هما بمثابة مسلّمات ومنطلقات في المجتمعات الحديثة الناجحة، وهما الهُويّة ودور الدين.
فالعروبة كقومية والدين الإسلامي متلازمتان ملتصقتان في المنطقة العربية، رغم أنها مختلفة عن باقي القوميات في العالم الإسلامي.
كما أن العروبية في حد ذاتها مسألة تحتاج للنظر كقومية موحدة في ظل التباين الواضح بين المجتمعات العربية.
وكذلك فإن حالة الإنقسام والتشرزم الدائمة، وفشل كل محاولات التوحد في المنطقة العربية، علي مدار مائة عام توشي بفشل الفكرة، حتي لو كان ذلك بفعل أجنبي.
قد يكون لدي السعودية والكويت وقطر والبحرين مشتركات تاريخية وعرقية عميقة توحد هويتها تحت أي مسمي, ولكنها عند التلاقي مع التاريخ والأعراق المصرية أو الليبية أو الجزائرية تظهر تباينا شديدا يستحيل التوحد معها واعتبارها قومية واحدة.
والخلط بين الهوية والدين يقودنا لدراسة المثال التركي، فالقومية التركية ذات الأغلبية المسلمة لم تمنع قيام نظام علماني علي يد أتاتورك استطاع فيه فصل الدين عن الدولة.
كما أن اختلاف القوميات الأوروبية والمسيحية في أغلبها مع اختلاف أيدولوجياتها, لم يمنع الاتّحاد والتكامل مع الآخرين الأوروبيين (الاتّحاد الأوروبي)، لتحقيق التقدّم والبناء الاقتصادي والاجتماعي.
وعلي الجانب الآخر لم يستطع الدين أن يمنع الاقتتال العربي العربي سواء بفعل الأنظمة الحاكمة، أو علي يد جماعات الاسلام السياسي وتنظيماتها المسلحة التي لا تعترف بالقومية وتختزل كل الهويات في الهوية الإسلامية.
لم تكن أزمة الهوية وحدها هي المسببة لحالة التصدع والإنهيار, ولكن صاحبتها أنظمة حكم متتالية كرست النزعة التسلطية، والفساد، وغياب المساءلة، فاقت التحديات الجيوسياسية، وتمثلت في النزاعات الإقليمية، والمنافسات الطائفية، والتدخلات الأجنبية, كحصيلة لسلسلة طويلة من الإخفاقات الجوهرية في مجال الحوكمة الرشيدة, قادتنا الي الموقف الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا