الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَيَلانُ الحافّة!

يعقوب زامل الربيعي

2019 / 3 / 3
الادب والفن



قصة قصيرة
.........

شيئاً فشيئا، كانتِ الاصواتُ أقربُ بصَخَبِها، لنُباحِ الكلاب. وكان عليه أن يُصغي بانتباهٍ شديد، لعلَّهُ يأتَمِنُ لصوتٍ يعرفه. وكان بحاجةٍ لأن يثِقَ داخلَ هذا الذعر، ليُكمِلَ سيرَه.
في القفصِ المُظلمِ، وداخلَ حرارةِ النهار المزبّدِ بالغيظ، يفكر "بأيِّ عينين ينبغي أن يرى نفسَه". وكانت امرأةٌ مُغتاظةٌ تفكرُ بصوتٍ أقربُ لظلٍ في موضعِ طيب، حين يأتي من جهةٍ غير واضحة " ما جدوى هذا كلُّه " فكر بأنه قد يكونُ سمعَ من قبل صوتَها. وكان ثمةَ طيفٌ رآهُ لطفلٍ صغيرٍ يحمِلُ في يدهِ اليمنى صحيفةً، وفي اليسرى يتأبَّط رزمةً من الصُحَف، يُنادي بصوتٍ مبحوح:
ــ من أجلنا، احتفظوا برباطةِ جأشِكم.
وكان اليومُ هو أولُ أيامِ العطلةِ الصيفية للطلاب. وكما فَكرَ بالمرأة، فكر أنه ربما يعرف هذا الطفل من صوتِه، لذا قال: " أتراهُ سيهبِطُ، ليلحقَ بعربةِ النجاة "؟.
قبلَ لحظات، شاهدَ امرأةً في سنِّ الأمومة، تشقُّ طريقَها بصعوبة، قد انقبضَ سرورُها فجأة، مُصِرَّةً أن تدُسَّ نفسَها داخلَ العربة، وقت كانت تتشبَّثُ بعُروةِ سلةٍ صغيرة من الخوص، فيها تفاحٌ وحلوى. فكر قد تكونُ في طريقِها لزيارةِ أحدِهم في مستشفى، أو لشخصٍ قد يكونُ زوجُها أو أبنٌ لها، سجيناً في مكانٍ ليس ببعيد. وحين وجدَتْ لها مكاناً تجلِسُ عليه فكرتْ وهي تحدِّقُ بداخلِ السلةِ " سأكونُ في وضعٍ أفضل، عندما يُتعقَّلُ هؤلاء الناسِ ويهدَئوا لتستقِّرَ العربةُ وتتوقفُ عنِ المَيلان
[ ]وكان يفكرُ بما يجعلُ الأمرَ واقعياً. وكان قد ظلَّ هناكَ وقتاً غيرَ قليل، ويداه في جيبيّ بِنطالِه. لكأنما كانت له عينان تعرِفان ما تريد.
قبلَ أسبوعٍ من الآن، أخبرَ زوجتَه أنه كتبَ بعضَ كلماتٍ في حلمه. واحياناً كان يحصل أن يكتبَ أو يُنشِدَ كلمات، لكنه على العُموم، غالباً ما كان ينسى الذي قالَهُ في الحلم.
طلبتُ منه أن يتذكرَ ما قالَه. وبرُغمِ أنه تعثَّرَ أثناءَ التذكُّر، إلا أنه كان على درايةٍ مما قاله في الحلم:
" لا تبارِزْ. وحدُك الآن أنت والسيف. أنت والنهارُ الاستوائي في حالةٍ واحدة "
حاولَ أن يعصُرَ فِكرَه ليتذكرَ شيئاً آخرَ عدا كلمات كانت غيرَ مترابِطةٍ لذا فضَّلَ أن يترُكَها للنِسيان.
وكان يحسُّ بالضيق، وخيبةٍ غامضة. ومن أجلِ أن يستوعبَ نفسَه بصورةٍ أفضل، كان يرجلَ شعرَ رأسِه برِفق. كما كان يرتِّبُ ما عليه من ملابس حين يدعَكُها البعضُ بعفوية. وكان هناك بِضعةُ ألوف، خارجَ الحشدِ، ينتظرون، وفي عيونهِمُ القلقُ، عمّا سيفعلهُ المحتشدون. أولئك الذين يُشبهونَ اليمامات.
وكان يفكرُ بضغينة، عن الذين يُشبهون اليمامات في غبائِها. فهم لا يعملون شيئاً يغيِّرُ المسارَ، لكنهم ينتظرون الغيرَ أن يقومَ بدلاً عنهم، بتحقيقِ المَهمَّة. لذا تراهم يرتكِبون ذاتَ غلطةِ اليمامةِ عندما تُحاوِلُ الهرَبَ من حافِلاتٍ مسرعة، لتقَعَ في مسارِها تماماً. عندها تموتُ مُهشَّمةً على زجاجِ مقدمةِ تلك الحافلات.
ولأجلِ ان يكونوا مُنصِفينَ أحياناً، يُجيبونَك : " أنتم على حق. لم تكن أمامنا، فُرصةٌ مُشابهة، لنفعلَ ما هو مُناسب، كما تفعلون الآن" شيءٌ من هذا القبيل. حتى لو كان غيرُ مُقنِعٍ تماما.
وكانت زوجتُه حين يصرِّحُ لها، عمّا يفكرُ فيه عن تلك اليمامات، تقول: " أنت لا تُطيقُ أولئكَ مرضى الحروب، وممن لفَظَتْهُم حياةُ الفظاظة، وقَسوةُ الأنظمة، مع عاهاتٍ مُستديمة. لا يمكن أن تُلقي باللَّومِ وحدِه عليهم. أو أن تطلبَ منهم أن يمشوا باستقامة، خارجَ ضيقهِمُ المألوف ".
وعندما يبتسمُ أمامها، عُرفاناً لما أشارَتْ فيه، تُذكِّرُه بالكلمات التي بَقيَتْ من قصيدةِ الحلم " أنت والنهارُ الإستوائي، في حالةٍ واحدة ". عند ذاك يقول مُعترفاً: " نعم عليَّ أن أحبَّهُم، من غيرِ تمييز. ينبغي أن يتمَّ الأمرُ هكذا ".
الذين كانوا ينتظرون، قبلَ ساعةٍ ، أخذوا ينسَحِبون شيئاً فشيئا. وكانتِ الأوامرُ تأتيهِم من خلالِ أثيرٍ غيرَ دقيق، وغيرَ واضح، وغيرَ حقيقي. وكانت امرأةٌ ترتدي بلوزةً حمراء، بشعرِها المَجدولِ للوراء، تصيحُ بالمُنسَحبين :
ــ لا تنسحبوا. ماذا حققتُمْ من مطالبِكم، حتى تُغادروا؟.
وكان ثلةٌ من الرجالِ، يرتدونَ النظارات الشمسيةَ السوداء، يراقِبونَ المشهد، كما كانوا يُتابعون بالنظر، المرأةَ ذاتَ البلوزةِ الحمراء. وكانوا يتهامَسونَ بشَزَرٍ فيما بينهم. ومن جديدٍ صاحتْ :
ــ لا تنسحبوا.
وكانت تدقُّ على صدرِها، فيتطايرُ الغُبارُ. لكنها كانت تَبقى مُنتصِبةً غيرَ آبِهةٍ بما يخرجُ من بلوزتها الحمراء.
ــ أنها ليستِ النهاية!
وكان أجزاءٌ من النسيجِ الأحمرِ يتطايرُ أيضا. لم تكنْ مذعورةً، إنما مستاءَةً وعاقلة. وكان هو ينظرُ إليها باهتمام، كما كان يُتابعَ نظرَ ذَوي النظاراتِ السودِ الشمسية، ويقرأ ما يخرجُ من بين شِفاهِهِم حين يهمسونَ لبعضِهِمُ البعض بغضب، وبحقدٍ وتوعُّد.
وكان العددُ الكبيرُ من المُتَجمهرين يتطايرونَ كالذُباب، بنفاذِ صبر. وكان بعضُ الذينَ ما يزالون يلوِّحونَ للبقيةِ الباقية، بالخروجِ سريعاً. يرتدون الأسودَ الفاقعَ، عُنواناً لهم.
المرأةُ الغاضبة، التي لم يُصغِ لصياحِها أحدٌ، كانت قد نزَعَتْ ثيابَ حدادِها صباحَ هذا اليوم. وكانت قد ارتَدَتْ خلالَ عامٍ كاملٍ هذا السوادَ العميق، لأن أباها قُتلَ غدراً. وكانت تسألُ كلَّ واحدٍ في طريقها:
وكان الناسُ يتقدَّمونَ بلا وُجهةٍ معينة واحدة، وهم يسترِقونَ الخُطى بعضُهم خلفَ بعض.يُحْدثون حركةً جماعية، تندفعُ بحذَر، ليتجنَّبوا الاصطدامَ ببعضِهم، بعضُهم يضغطُ بقوةٍ وهو يعتذر، وآخرون يتجاوَزونَ طريقَهم بخطى صغيرة، وهم يَبدون رِخاصَ العود. وقتَ كان هناك جمعٌ متشرذِمٌ يستخدمُ قوةَ لحمِ جسدِه وصلابةَ عظامِه ليفتحَ له مساراً بين الجَمع.
داخلَ هذا الحشد، كانت ثمةُ نِسوةً متضايقات، يهبِطنَ بتدبيرٍ شيِّق، وكأنَّهُن يخشَينَ أن يُحطِّمن، أثناءَ مرورِهن، شيئاً ما، ثميناً، فكن يطلُبنَ المعذرةَ بصوتٍ منخفض، ليتجنَّبنَ الصدمة، يحرَّكنَ ألياتهن الصغيرات، دونَ قصد، ليفسحَ لهن بعضُهم طريقاً، وكان هذا البعضُ، يدغدغُ أعناقَهم سرورٌ ملتمع. وكان هناك آخرون تأخذُهمُ الرغبةُ أن يضحكوا، وربما لأن يغضبوا أيضا.
وكانت به حاجةٌ لينظرَ بوداعةٍ إلى الرصيف والعيونِ والطريق. وأحياناً كان يلصقُ فكرَه من فوق الرؤوسِ، ليرى شيئاً طريفاً، حين ودَّعَ زوجتَه باشّاً ودوداً، قبل ساعة، لتبدو له من جديد، في نشوتِها وعلى أصابعها قُبلةً صغيرة، جعلَتْها دافئةً كما تفعلُ دائماً، وقت تتوقفُ عند بابِ البيت، تراقبُ سرورَه بائناً على ظهره.
كلُّ من في الحشد، كان يشعرُ بأنه داخلَ قداسٍ جمعي، لأن الحياةَ لابدَّ أن تستمرَ إلى ما لانهاية، كما بدَأت. لذا كانوا، وهم متباينون في هيأتهم، يحاولون الاسترخاءَ ليتيقَّنوا، من أنَّ الحربَ انتهت. أو أنها على وشكِ النهايةِ كما أكدَ لهم الاعلامُ، وجمعٌ ممن ما زالوا، كما كانوا من قبل، يشعرون بلهبِ الشمسِ، على رؤوسهم، وهم يحفرون الخنادق. عندما عادوا بملابسِ القتال، ما زالوا يحتفظون بأسلحتِهم. أما الذين كانوا بلا أسلحة فأنهم كانوا ينتظرون نهايةً لبؤسِهم.
تلك صورةٌ مستمدةٌ من واقعِ انتظارِ ايِّ خبر. وربما لا يجيءُ الا بصورةٍ كارثية. ها هو محلُ الدعوةِ لعودةِ الغائب.
وكان لبعضٍ ممن تجمعوا حول الطفلِ بائعِ الجرائد، هيأةٌ حزينة. ليس لأنهم حزانا الآن فقط، بل لأن الحزنَ قائمٌ منذ ولادتهم. وجوهٌ لشيوخٍ ذوي وجوه متهدِّمة، والذين لم يكونوا يطلبون أكثرَ سوى أن تتوقفَ حياتَهم عند هذه اللحظات، من غيرِ ان تستمر، لتنتهي بحربٍ أخرى. وقتَ انحنى وهو يحسُّ بالتعبِ والانحطاط، من أن لابد من تسويةٍ شاملة لنزاعِ الناسِ من أجل قضية، سوف لن تتحققَ لا بالاتفاقِ المنكسر، ولا بالحظِّ الطيب الذي يشبه حلماً عليه أن يجيء، لكنه لن يجيءَ بسهولة، الا أن يعضَّ الناسُ على نواجذِهم لتحقيقه. وأن يشعروا دائماً، وهم يشدون على قبضاتهم، أنهم على غيرِ ما يرام. وأنهم على استعداد، لرفضِ أي تنازلٍ لتحقيقِه.
ــ باللهِ عليك، لماذا تنسحِبْ؟
ولأنهم كانوا ضالعينَ بالانسِحاب، لم يكونوا يُلقونَ لتوسُّلاتِها بالاً.
سوى ذلك الفتى الصغيرُ بائعُ الصحف، والمرأةُ التي تحملُ سلةَ الخوص، التي نزِلتْ من العربة، ويبدو أنها وزَّعَتْ ما في سلتِها من التفاح والحلويات على من كانوا معها في العربة. وثمة بعضُ الرجالِ الذين صُدموا بالانسحابِ المفاجئ، وحين ألتقَتْ عينا تلك التي ترتدي بلوزتِها الحمراء بعيني الرجلِ الذي كفَّ من رصدِ الرجال المشبوهين الذين يرتدون النظارات السوداء، في أعلى البناية. وحين اشارَ أحدُهم لبقيةِ من معه:
ــ دعْهُم، فهم يرمون السماءَ، بالسهامِ، ليس إلا.
إكتفت بالنظرِ لمن هو الآن، معها. ابتسمتْ بوجهِه .
ثمة من الامتنان، وشيءٌ من الاحتجاجِ المُنحني، المصابِ بالغضبِ الصامت. هو لم يسألها شيئاً. وهي لم تسأله أيضا. فقط كان في داخلِ كلٍّ منهما صوتٌ بطيءُ الحركة، وكأنه يُعيدُ ما قاله قبل أسبوع من كلماتٍ شعرية في نومه، ويبدو أنه تذكرَ ما نسيَهُ أخيراً:
" لا أحداً يضاهي من لا ينزعُ سيفَه،
ولا أحداً يشبهُ نصلَك أنت.
حتى هذا النهار الاستوائي
الذي لم يعُدْ
في حالةٍ واحدة،
سوى من يدركُ
ميلان الحافة " !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف


.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??




.. عيني اه يا عيني علي اه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو




.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد