الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيع وتغيير طبيعة الصراع واطرافه

إبراهيم ابراش

2019 / 3 / 8
القضية الفلسطينية


ما بين الفَينَة والأخرى تُثار مسألة التطبيع ،والأمر لا يتعلق فقط بالحديث المُبالغ فيه لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ووسائل الإعلام الصهيونية حيث يتم إظهار وكأن غالبية الدول العربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل ،بل تعدى الأمر ذلك إلى أصوات تتعالى من داخل البيت العربي تدعو صراحة إلى التطبيع مع إسرائيل مصحوبة بزيارات متكررة ومتعددة وعلى المكشوف بين مسئولين إسرائيليين وعرب دون كثير من ردود الفعل كما كان الأمر في العقود السابقة من الصراع ،حيث كان من يُطبِع أو مجرد يتواصل مع الإسرائيليين يعرض نفسه لتهمة الخيانة والقتل أحيانا .
مع أن الحديث عن رفض التطبيع مع إسرائيل ليس بالأمر الجديد حيث يعود لبدايات الصراع الذي كان يسمى (الصراع العربي الإسرائيلي) حيث تأسس عام 1951 وداخل جامعة الدول العربية مكتب (مقاطعة إسرائيل) ،إلا أن مسار التطبيع وحجمه اليوم تجاوز مرحلة العمل السري أو السلوك الفردي لبعض الأشخاص من مثقفين ورجال أعمال ليندرج في سياق تحولات كبرى تشهدها المنطقة وتقودها الولايات المتحدة الامريكية ترمي لتوظيف مخرجات فوضى ما يسمى الربيع لتغيير طبيعة الصراع ليتحول من صراع وجودي بين العرب والإسرائيليين ،كما كانت تقول الأدبيات الأولى للحركة القومية العربية ،إلى صراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ،وبهذا يتم تفكيك أطراف الصراع بل سحب بعض العرب ليصطف إلى جانب الإسرائيليين والأمريكيين على حساب الحق الفلسطيني .
بالرغم من المبالغة أحيانا في الحديث عما أنجزته إسرائيل من تطبيع مع العرب ،وإسرائيل وخصوصا نتنياهو معني في تضخيم الأمر لاعتبارات سياسية إسرائيلية داخلية وكنوع من سياسة كي وعي الفلسطينيين وإحباطهم ،إلا أن تحولات وتداعيات استراتيجية خطيرة تجري أو قادمة ستترتب على توسيع نطاق التطبيع وسيكون الفلسطينيون الأكثر تضررا بل يمكن القول بأن الهدف الرئيس لإسرائيل من وراء التطبيع مع العرب هو قطع العلاقة ما بين الفلسطينيين والعرب مما يترك المجال لإسرائيل لتتفرد بالفلسطينيين في ظل موازين قوى مائلة لصالح إسرائيل .
لأن الحديث عن التطبيع يطول وله أبعاد كثيرة ،سياسية وإستراتيجية واقتصادية وأمنية ،وما هو خفي قد يكون أكثر خطورة مما هو مُعلن ، فسنقتصر على إبداء بعض الملاحظات السريعة تُضاف لما سبق أن كتبناه حول الموضوع : -
1- نلاحظ أن التطبيع تهمة توجه لأية جهة عربية رسمية أو غير رسمية تعترف بإسرائيل ولكنها ليست كذلك للدول الإسلامية حيث تُقيم إسرائيل علاقات مع غالبية الدول الإسلامية دون ضجيج ودون أن يتهم أحد هذه الدول بالتطبيع مع إسرائيل ،وهذا يعني أن الصراع ليس إسرائيليا إسلاميا ولم يكن كذلك ،وهذا يفسر الموقف السلبي للجماعات الإسلاموية من القضية الفلسطينية بل تآمرها عليها .
2- تسارع وتيرة التطبيع نتاج لانهيار المنظومات الكبرى الجامعة التي كانت تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية لها من منطلق قومي أو أممي .
3- الدمار الذي ترتب على فوضى ما يسمى الربيع العربي ،والذي تحالفت فيه واشنطن وبعض دول الخليج والإسلاموية السياسية ،غيَّر من أولويات الشعوب العربية مؤقتا ولم تعد فلسطين بالنسبة لهم القضية المركزية ،حيث إشكالات إعادة بناء دولتهم الوطنية ومواجهة الإرهاب وإعادة الإعمار بات شغلهم الشاغل ، والمسؤولية لا تقع على عاتق الشعوب العربية بل على من صنع الفتنة ومولها .
4- اصطنعت واشنطن للعرب عدوا – إيران - أوهمتهم أنه يمثل عليهم خطرا أكبر من خطر إسرائيل وأنه لا يمكنهم مواجهة إيران إلا بالتعاون مع واشنطن وإسرائيل .
5- كلما تزايدت وتيرة التطبيع فقدت ما تسمى (المبادرة العربية للسلام) معناها ،لأن الأساس الذي بُنيت عليه المبادرة أن اعتراف العرب بإسرائيل والتطبيع معها مرهون أو مشروط بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وقيام الدولة الفلسطينية .
6- في السابق كان الاقتصاد مدخلا للتطبيع حيث كانت إسرائيل تروج بأن التطبيع يحقق مصالح اقتصادية وتنمية شاملة للعرب والإسرائيليين معا وهذا ما عبر عنه الزعيم الصهيوني شمعون بيرس في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) والذي تم نشره عام 1993 ، أما التطبيع اليوم فمدخله أمني وسياسي والاقتصاد يأتي في الدرجة الثانية .
7- في السابق تواجدت حالة فلسطينية ثورية نضالية تردع كل من يجرؤ على التطبيع ،إلا أن توقف المقاومة والصدام العنيف مع إسرائيل وحالة الانقسام وما يصاحبها من اتهامات وشكوك متبادلة ،كل ذلك وضع بيد دعاة التطبيع ورقة لشيطنة الفلسطينيين وتبرير تطبيعهم مع إسرائيل .
8- غياب اقتصاد فلسطيني مستقل ومحدودية الموارد الفلسطينية سمح للمال السياسي العربي مقايضة الموقف العربي المبدأي من فلسطين بمساعدات مالية وسكوت ذوي الأمر سواء في قطاع غزة أو الضفة عن ما يجري من تطبيع أو انتقادها بخجل .
9- بالرغم من خطورة التطبيع ودون تجاهل ما يجري بشأنه إلا أنه يجب عدم المبالغة والتهويل والحذر من سياسة كي الوعي التي تعمل عليها إسرائيل وبعض النوابت والسُقط من العرب ،فالشعوب العربية وإن كانت تمر بمرحلة صعبة إلا أنها حالة لن تدوم كما أن هذه الشعوب لم تفقد ثقتها بعدالة القضية الفلسطينية .
10- التطبيع العربي المتدرج يأتي في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات وتتكاثف الجهود وخصوصا في أوروبا وحتى أمريكا لدعم حملة bds لمقاطعة إسرائيل ،وفي الوقت الذي تواجه القضية الفلسطينية مؤامرة لتصفيتها سواء من خلال السلوك الإسرائيلي على الأرض المتمثل بالاستيطان والتهويد والحصار ،أو النهج الأمريكي المتمثل في صفقة القرن ومحاصرة السلطة ماليا .
وخلاصة القول ومع افتراض نجاح تل أبيب وواشنطن في التطبيع مع كل الأنظمة العربية فهذا لن ينهي القضية الفلسطينية ،قد ينتهي الصراع الإسرائيلي العربي الرسمي ولكن سيبقى الأصل وجوهر الصراع وهو الإسرائيلي الفلسطيني ،وسيستمر الفلسطينيون الرقم الصعب الذي لا يستطيع أحد تجاوزه ،والرقم الصعب يتمثل في عنصرين : شعب فلسطيني تعدداه أكثر من 12 مليون نصفه متجذر في أرضه ونصفه الآخر في الشتات معتز بهويته ومتمسك بحق العودة لوطنه ،والعنصر الآخر قيادة لم ولن تتخلى عن الثوابت والحقوق السياسية الوطنية محل التوافق الوطني ، فماذا سيفعل المطبعون وإسرائيل ومن يواليها بهذا الرقم الصعب ؟!!!!.
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حالة مرضية
ابراهيم الثلجي ( 2019 / 3 / 8 - 22:43 )
التطبيع من الملاحظ انه مرفوض شعبيا ومقبول لدى السياسي والسمسار العربي
لنعد الى اصل الكلمة فهي تطبيع من طبيعي
فلا يختلف اثنان انه من غير الطبيعي ان تكون على صداقة ووئام مع قاتل اخيك او طارد ابيك من بيته
وهي تشبه الى حد ما علاقة الزوج مع عشيق زوجته صداقة ووئام فعندما يختفي الخجل يمكن للإنسان ان يهبط وينحط لدرجات غير معقولة وهذا ما يحدث عند الفلسطيني
لو توقف الموضوع على علاقات سياسية ممكن ان نتفهمها ولكن تصل لان تشتري من إسرائيل منتج من خام فلسطيني مسروق كاتفاقات شراء الغاز وما شابه ذلك
او المشاركة في تزوير التاريخ خدمة وتسويقا للرواية الاستعمارية في ذهنية تلاميذ مدارس المدارس العربية
فالتطبيع يمكن ان يكون مترافقا مع حالات طبيعية مفهومة ام ان يكون تطبيعا لحالات غير طبيعية فهذا علاوة على انه طعنة في الظهر فانه يسمى شذوذا سلوكيا يعكس شخصيات مجرمة ومهزوزة وهنا تكمن نواة المشكلة فالمهزوزين يمكن ان يتصرفوا بشكل مازوم وخطير وضار وهذا اخطر ما ستواجهه قضية فلسطين من المازومين
الذين تجدهم في كل موقف فنانون في الالتفاف على الحق والمطلب الفلسطيني وبخطورة الاحتلال لانعدام الشرف والخجل لديهم

اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل