الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر على مفترق طرق.. نحو برنامج إنقاذ وطني يستجيب لمطالب الجماهير المنتفضة

عليان عليان

2019 / 3 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



لدى متابعة مايدور في الجزائر منذ أكثر من شهر ، من حراك احتجاجي على قرار حزب جبهة التحرير، بترشيح الرئيس الجزائري مجدداً لعهدة خامسة ، تقفز بنا الذاكرة إلى سبعينات القرن الماضي ، عندما كان ذلك الشاب الوسيم الممتلئ بالحيوية "عبد العزيز بوتفليقة" يشغل موقع وزير خارجية الجزائر في عهد الرئيس الراحل الكبير بومدين...وفي الذاكرة المختزنة لمن عايش تلك المرحلة ، الدور الذي اضطلع به بو تفليقة في رسم وتنفيذ سياسة خارجية قومية وتقدمية ، قائمة على دعم القضايا العربية ، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية ، وعلى تعميق التحالفات مع كوبا ومع مع دول المنظومة الاشتراكية .
وفي الذاكرة كيف لعب بوتفليقة، دور الدينامو لدعم الحشد والتأييد لخطاب أبو عمار في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 ، وقبل ذلك الدور الذي لعبه إلى جانب بومدين في دعم مصر وسورية عسكرياً وسياساً، عشية وغدا ة حرب تشرين 1973...وفي الذاكرة أيضاً الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت في الجزائر عبر السير على نهج الاشتراكية ،وكذلك خطاب بوتفليقة التأبيني للراحل الكبير بومدين، أثناء تشييعه لمثواه الأخير، عندما قطع وعداً بمواصلة السير على نهجه القومي والتقدمي الاشتراكي.
لقد أردت سوق هذه المقدمة الطويلة، للرد على ما يثيره البعض في أن جبهة التحرير امتلكت برنامجاً للتحرير، ولم تمتلك برنامجاً اقتصادياً وقومياً وتحالفياً ، ليصل إلى نتيجة مغرضة، بأن الأزمة الراهنة في الجزائر تعود إلى وضعية الجزائر وجبهة التحرير في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
فالاحتجاجات التي عمت ولا تزال تعم الجزائر ، منذ إعلان حزب جبهة التحرير الجزائرية عن ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في العاشر من فبراير- شباط الماضي ، لولاية رئاسية خامسة، والتي بلغت ذروتها في الثامن من شهر آذار الجاري بخروج حوالي مليون جزائري في 48 محافظة جزائرية، في تظاهرات "جمعة الكرامة" السلمية الرافضة للعهدة الخامسة وللتدخل الأجنبي ، هي مظاهرات غير مسبوقة في ضخامتها ، وفي شموليتها مختلف الفئات الاجتماعية من عمال وفلاحين وبرجوازية صغيرة، ومن مختلف الفئات العمرية ، ومختلف الأحزاب السياسية المعارضة ،وكذلك كوادر وأعضاء في حزب جبهة التحرير الجزائرية نفسها.
وهذه الحركة الاحتجاجية السلمية تعبر عن احتقان كبير ومختزن في عقول وصدور الجماهير الشعبية، منذ عقدين من الزمن، منذ مرض الرئيس بوتفليقة عام2005 وإصابته لاحقا ً بجلطة دماغية أثرت بشكل كبير على أدائه السياسي وقدرته على إدارة الدولة ، حين أصبح الحكم عمليا بيد المتنفذين في مؤسستي الجيش والأمن، اللتان احتكرتا السلطة والثروة، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن السنوات الأولى من حكم بوتفليقة (1999-2005) ، اتسمت بالاستقرار من خلال وضع حد للعنف الإسلاموي التكفيري ، ونجاحه في دمج الحركات الاسلامية في الحياة السياسية للبلاد، واتسمت بدرجة من الرخاء الاقتصادي الناجم عن عائدات النفط المرتفعة، التي كان لها مردودها الايجابي على المستويات المعيشية للشعب الجزائري وعلى تطوير البنية التحتية.
ما يجب الإشارة إليه أن حزب جبهة التحرير ، الذي اضطلع بحكم الجزائر تنازعه بعد عام 2005 تياران ، تيار متنفذ عسكريا وليبرالياً ، سعى إلى ربط الجزائر بالنهج الاقتصادي النيوليبرالي ، وما يكتنف هذا النهج من فساد ومحسوبية، وتيار وطني عروبي- أقل نفوذاَ- مشدود لنهج اقتصادي مغاير ، وإن كانت الغلبة للتيار الأول على الصعيد الاقتصادي ، مع الإشارة هنا إلى أن التيار العروبي نجح نسبياً ، وبدعم من الرأي العام الشعبي الجزائري ، في الحفاظ على النهج القومي للجزائر ، الذي تبدى في دعمه للقضية الفلسطينية وفي دعم سورية في مواجهة المؤامرة الصهيو أمريكية الرجعية عليها منذعام2011 .
الجزائر حتى اللحظة ، لم تعش حالة من التبعية السياسية لدول المركز الامبريالي ، لكن تغول النهج الاقتصادي النيوليبرالي الفاسد ، بات ينذر بتحول البلاد إلى حالة من التبعية السياسية في حال استمرار الظروف الاقتصادية والنخب المهيمنة على مقاليد الحكم في البلاد.
مبررات الحراك الاحتجاجي
الاحتقان الكبير الذي عبر عن نفسه بهبات جماهيرية في مراحل سابقة، ووصل ذروته في هذه المرحلة ،لا يستهدف فقط منع ترشيح الرئيس بوتفليقة من الترشح لولاية خامسة ، بل يستهدف أيضاً، إجراء تغيير جذري في سياسات الدولة الاقتصادية ، يضمن التوزيع العادل للثروة والسلطة.

وهذا الحراك غير المسبوق، يعود لعدة اعتبارات أبرزها :
1-رغم الثروات النفطية الهائلة، إلا أن حصة الجماهير الشعبية من هذه الثروة كانت في الحضيض، ما يعني وجود خلل هائل ومزمن في توزيع الثروة ، ما أدى إلى حصول انقسام طبقي عميق وغير مسبوق في تاريخ الجزائر، إذ أصبح النظام منذ عقدين من الزمن يعكس تحالف رجال الأعمال وكبار القيادات العسكرية، الذين استحوذوا على السلطة والثروة، حيث تشير الإحصاءات ، إلى أن دخل الجزائر من النفط في الفترة بين2002 و2013 بلغ تريليون دولار ، وهذا الدخل لم ينعكس على تنمية الإنتاج الزراعي والصناعي وعلى الخدمات الأساسية للمواطنين.
لقد بلغت عائدات النفط عام2007، 74 مليار دولار ، وانخفضت عام 2017إلى 24 مليار دولار ، لكن ارتفاع العائدات لم ينعكس على الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لسواد الشعب ، وانخفاض العائدات، ضرب في الصميم الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها التي تقدمها الدولة للشعب الجزائري
2-تراجع دور القطاع العام إلى حد كبير ، واللجوء إلى سياسات الخصخصة ، في إطار توجهات نيوليبرالية للنخبة الحاكمة وتحالفها الطبقي ،الذين استحوذ في إطار منظومة كبيرة من الفساد ، على امتيازات الثروة، وقام بتأسيس الشركات، وبنى علاقات وثيقة مع الشركات متعدية الجنسية الأوروبية والأمريكية ،حيث بات نفوذ " الكومبرادور" صفة ملازمة للنظام في الجزائر .
3- ارتفاع هائل في نسبة البطالة ، جراء عدم تطوير الانتاج الزراعي والصناعي، والتركيز على السياق الخدمي، وزيادة حدة الفقر الناجم عن تطبيقات النهج النيوليبرالي وحصر الثروة في يد نخب التحالف الطبقي الحاكم.
وحسب الإحصاءات الرسمية فقد بلغت نسبة البطالة في الجزائر 11,1 بالمائة في ابريل 2018, مقابل 11,7 بالمائة في سبتمبر 2017 ، ما يمثل تراجعا ب 0,6 نقطة بين الفترتين, حسب الديوان الوطني للإحصائيات...وبلغ عدد العاطلين عن العمل فقد بلغ 1,378 مليون شخص (مقابل 1,440 مليون شخص في سبتمبر 2017 و 1,508 مليون شخص في ابريل 2017).
وحول نسبة الفقر ، - وحسب إحصاءات الرّابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (غير حكومية)- لعام2015 فقد بلغ عدد الفقراء في الجزائر 14 مليون فقير، ما يمثل نسبة 35 بالمئة من عدد سكان البلاد البالغ 40 مليون نسمة ، وأن35 بالمائة من الجزائريين يعيشون تحت خط الفقر .
وفي ضوء ما تقدم بات الاقتصاديون يتخوفون من اختفاء الطبقة الوسطى نهائياً مع تدهور القدرة الشرائية، وتراجع قيمة الدينار ،رغم أن الجزائر هي رابع مصدر للغاز الطبيعي في العالم ، بعد روسيا وقطر وإيران ، وأحد أكبر منتجي النفط في القارة الإفريقية .
الخشية من اختراقات رجعية وإمبريالية:
هذا الحراك السلمي غير المسبوق ، الذي لا يمكن التشكيك به وبأهدافه ،بات يخشى من تحقيق اختراقات رجعية وامبريالية" أمريكية وفرنسية "فيه، بهدف حرفه عن مساره وتحويله إلى خريف عربي ،على نحو ما حصل في مصر وليبيا وغيرهمابعدعام2011 .
ولعل ما أشارت إليه لويزا حنون القيادية المخضرمة والأمين العام لحزب العمال الجزائري -التي تدرك الخلل متعدد الأوجه في السياسات الداخلية لنظام بوتفليقة - في أن "هناك خلايا في خلايا في دول عربية وغربية، تعمل على إثارة الفوضى العارمة في الجزائر، لتفتح الباب امام التدخل الخارجي ،محذرةً من أن دولاً غربية وعربية تسعى لحرف المسيرات عن مطالبها وأهدافها المشروعة" يجب أن يؤخذ بالحسبان، في إدارة دفة الأزمة .
ولعل الدعوات المشبوهة للقيام بعصيان مدني ، وما تخلل المسيرات من شعارات ولافتات أخوانية ترفع صورة أردوغان ، تؤكد ما حذرت منه لويزا حنون ،فهذه الشعارات والدعوات تستهدف تدمير الدولة، وإغراقها في فتن داخلية ، كما حصل في سورية بدعم إمبريالي ورجعي.
وبات الحديث عن مخرج ، هو مطلب الحريصين على الدولة لإنقاذها من مافيات الليبرالية الداخلية ، ومن مؤامرات الخارج ، ما يستدعي اجتراح الحلول ، كأن يصدر المجلس الدستوري أو الرئيس -بموجب صلاحياته- تأجيل الانتخابات لفترة لمنح الفرصة لجبهة التحرير للتراجع عن قرار ترشيح الرئيس ،واستبدال ترشيحه بمرشح آخر من نفس الجبهة ،بعد أن رفضت الحركة الاحتجاجية رسالة الرئيس القائلة بأنه في حال فوزه فإنه لن يمكث في الحكم سوى سنة واحدة ، وخلال هذه السنة يتعهد في إطار ندوة وطنية شاملة بتغيير الدستور وإجراء إصلاحات جذرية...ألخ.
وعلى القوى الوطنية والتقدمية في الجزائر ، أن تجترح الحلول الملائمة للأزمة ، بحيث لا يكون البديل للنظام الحالي نظاماً أكثر سوءاً، كما يتوجب على الكوادر الوطنية في جبهة التحرير أن لا تختار الطريق الأسهل ،بالانسحاب من الجبهة ، بل عليها أن تستثمر الأزمة باتجاه إعادة الاعتبار لحزب جبهة التحرير، عبر التخلص من المافيات النيوليبرالية التي تسيطر على مقاليد الأمور فيه.
انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟