الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع تجنيس الأجانب في العراق ... لمصلحة من ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تناقلت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن الحكومة العراقية قد أحالت إلى مجلس النواب مشروعا لتعديل قانون يسمح بمنح الجنسية العراقية للأجانب المقيمين في العراق لمدة سنة واحدة, وهو أمر أثار إستغراب الكثيرين ودهشتهم , ذلك أن العراق بلد غير آمن وغير مستقرأساسا , ويعاني شعبه من الجوع والمرض والحرمان وتردي الخدمات , وينخر الفساد جميع مؤسساته حيث إحتل العراق المرتبة ( 166) في مؤشر الفساد الدولي من بين ( 176) دولة تضمنها المؤشر. والعراق بوضعه الحالي بيئة غير مناسبة للعيش الكريم لكائن من يكون ,فبحسب تقرير ميرسر لعام 2018 جاءت بغداد في المرتبة الأخيرة بتسلسل 231 . وميرسر شركة عالمية تجري استطلاعا دوليا كل عام عن جودة الحياة في مدن العالم المختلفة ,بهدف تزويد الشركات الكبرى والحكومات الأجنبية بمعلومات دقيقة تساعدها في اتخاذ القرارات بشأن بيئة التشغيل ومدى قدرة تلك المناطق على جذب الاستثمارات والمهارات الرئيسية.وتستند ميرسر في تقييمها على معايير عدة من بينها البنى التحتية للمدن كاحتياجات الصحة، والمرافق والبيئة الطبيعية، وكلفة المعيشة وإيجار السكن , وغيرها من العوامل مثل السلامة ومعدلات النمو والاضطرابات السياسية والاجتماعية، والشفافية الاقتصادية. أما كان الأجدر بالحكومة معالجة مشكلة عدم تمكن العراقيين الراغبين بالسفر إلى الدول الأخرى حتى المرضى منهم ,من حصول سمات دخول في البلدان الأخرى حتى المرضى منهم إلاّ بشق الأنفس , ناهيك من حصول أذونات بالإقامة فيها أو التجنس , ذلك أن جواز السفر العراقي بات يصنف اليوم في المرتبة الثالثة في قائمة أسوء جوازات سفر في العالم .
فهل يعقل أن يكون العراق والحالة هذه بلدا جاذبا لمهاجرين من ذوي الخبرة والكفاءة الذين بمقدورهم الأسهام بتطويره ورقيه وتقدمه ؟ , أم أنه سيكون بلدا جاذبا لعتاة المجرمين لينظموا إلى عصابات الجريمة المنظمة التي تعبث اليوم بأمن العراق جهارا نهارا , و تجار المخدرات والرذيلة التي بات العراق سوقا رائجا لها اليوم , أو إستقدام البعض بهدف العبث بالتركيبة السكانية لتحقيق مصالح سياسية لهذه الجهة أو تلك , وتأجيج الصراعات الطائفية والأثنية المستعرة أساسا لهذا السبب أو ذاك ؟.
وهذه هي ليست المرة الأولى التي تتلاعب فيها الحكومات بقانون منح الجنسية العراقية , وإن لم يكن بهذه الصورة البشعة المقترحة الآن, فقد سمحت المادة " أولا " من قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975بمنح العربي بإستثناء الفلسطيني الجنسية العراقية بشرط أن يكون بالغ الرشد , ومولود من أبوين عربيين بالولادة , ومستمرا في العيش في الوطن العربي. الغيت المادة "أولا " من القانون بموجب المادة "1" من قانون رقم(12) لسنة 1997 وحل محلها :
"يجوز لوزير الداخلية منح الجنسية العراقية لكل عربي يطلبها، اذا كان قد بلغ سن الرشد، دون التقيد بشروط التجنس الواردة في الفقرة (1) من المادة الثامنة من قانون الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963 المعدل، ويستثنى من ذلك الفلسطينيون ما لم يصدر قانون او قرار تشريعي خاص بخلاف ذلك".
ولعل من سخرية القدر أن نشير هنا إلى قيام الحكومة العراقية نفسها في عقد السبعينيات , بتجريد آلاف العراقيين الذين ولدوا وعاشوا في العراق سنيين طويلة وأسهموا بنهضته وتقدمه ونمائه , من جنسيتهم العراقية ومصادرة كل ممتلكاتهم , ورميهم وعوائلهم خارج الحدود دون رحمة أو وازع من ضمير , سوى الإدعاء بتبعيتهم الإيرانية. ويذكر أن قانون الجنسية العراقية النافذ حينذاك قد نص على : "يعتبر عراقي الجنسية كل من حصل على الجنسية العراقية بموجب أحكام قانون الجنسية العراقية رقم ( 42 ) لسنة 1924 الملغى و قانون الجنسية العراقية رقم ( 43 ) لسنة 1963 و قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم ( 5 ) لسنة 1975 وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل ( الخاصة بمنح الجنسية العراقية)". وهؤلاء المهجرين جميعا يحملون الجنسية العراقية بالولادة.
والنسبة للأجانب الراغبين بالتجنس فقد نصت المادة "1" من قرار مجلس قيادة الثورة المنحل بجلسته المنعقدة بتاريخ 3-2-1980 على : لوزير الداخلية، ان يقبل تجنس الاجنبي البالغ سن الرشد، بالشروط التالية :
أ . ان يكون ساكناً في العراق قبل ثورة الرابع عشر من تموز عام1958، ومستمراً على السكن، حتى تاريخ نفاذ هذا القرار .
ب . ان يكون احد اقاربه من الدرجة الاولى او الثانية، قد حصل على الجنسية العراقية .
جـ . ان لا يكون في وجوده في العراق ضرر على امن وسلامة الجمهورية العراقية .
د . ان يقدم طلب التجنس خلال مدة نفاذ هذا القرار .
كما نصت المادة "7" من القرار المذكورعلى :
"كل اجنبي مضى على سكناه في العراق مدة لا تقل عن (عشر سنوات) متتاليات سابقة على نفاذ هذا القرار، وكان احد اصوله او فروعه مكتسباً الجنسية العراقية، عليه خلال مدة نفاذ هذا القرار، ان يعلن عن رغبته في التجنس بالجنسية العراقية، او مغادرته العراق . "
قدمت الحكومة العراقية الحالية مشروعا لتعديل قانون منح الجنسية العراقية إلى مجلس النواب, تضمن إضافة فقرة أخرى متعلقة بتجنيس الأجانب وهي أن تكون مدة الإقامة سنة واحدة لمن تم تهجيره من بلاده قسرا . ولحسن الحظ رفض مجلس النواب هذه التعديلات , نظرا لما يمكن أن يلحق ضرراً ببنية المجتمع العراقي وهويته الوطنية، فضلاً عن إمكان حدوث تغيير ديموغرافي يعود بالضرر على اللحمة الوطنية.
وهذه حالة إنفرد بها العراق من بين جميع الدول العربية ودول الجوار, إذ لم تجنس أية دولة عربية العراقيين بما فيهم العراقيين المتعاونين مع حكومات تلك الدول والدائرين في فلكها السياسي, على الرغم من قبول بعضهم كلاجئين سياسين هاربين من بلدانهم بسبب تعاونهم مع حكومات تلك البلدان , وكذا الحال بالنسبة لدول الجوار فيما بعد , إذ لم تجنس إيران العراقيين المهجرين إليها بسبب دعوى الحكومة العراقية يومذاك بتبعيتهم الإيرانية.
ويذكر أن هذه الحالة هي ليست الحالة الأولى التي تحاول فيها بعض الحكومات العبث بالتركيبة السكانية في العراق ,فقد جرت قبلها محاولات فاشلة لتوطين آلاف الفلاحين المصريين والمغاربة في بعض مناطق العراق في عقد السبعينيات من القرن المنصرم , وبخاصة في محافظة كركوك , فضلا عن تشجيع بعض سكان محافظات الوسط والجنوب وتقديم بعض الحوافز والتسهيات لهم للسكن في كركوك بهدف العبث بتركيبتها السكانية. وبعد غزو العراق وإحتلاله عام 2003 قامت السلطة الكردية المتنفذة في كركوك بإجتثاث المواطنين العرب القادمين من المحافظات الأخرى, وإعادتهم إلى مدنهم الأصلية كرها أو طواعية, وبالمقابل شجعت نزوح الأكراد من المناطق الأخرى للعيش في كركوك بهدف تغيير التركيبة السكانية لصالح الأكراد , لتسيل ضمها إلى إقليم كردستان لاحقا.
وهنا نتساءل لمصلحة من العبث بقانون الجنسية ؟ والعراق اليوم يعيش صراعات دامية وازمة ثقة حادة بين مكوناته الأثنية والدينية والطائفية , عمقها نظامه السياسي القائم على المحاصة الطائفية والأثنية الذي أعتمدته الإدارة الأمريكية عند غزوها وإحتلالها العراق عام 2003 , وتوافق عليه الفرقاء السياسيين الذين سلمتهم زمام السلطة, ورأت فيه دول الجوار فرصة لا تعوض للتدخل بشؤون العراقية تحت هذه الذريعة أو تلك , بدعوى حماية هذا الطرف أو ذاك . ومنذ ذلك الحين والعراق يعيش في دوامة أزمات لا تنهي , ما أن تخمد نار فتنة هنا , لتبدأ نار فتن هناك ألعن من سابقتها , الأمر الذي وفر بيئة مناسبة حاضنة للإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة ونهب المال العام دون رقيب أو حسيب ,ليتحول العراق إلى دولة فاشلة بكل المقاييس بصرف النظر عن الدعاوى الفارغة التي ترددها بعض وسائل الإعلام عن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ونبذ الإستبداد والتسلط .
تشير إحصاءات منظمة حقوق الإنسان إلى أن حصاد العراق عن الأربعة عشر عام المنصرمة كانت كالآتي :
-(3,400,000) مهجر موزعين على (64) بلدا .
-(4,100,000) نازح داخل العراق.
-(1,700,000) يعيشون في مخيمات.
-(5,600,000) يتيم ( أعمارهم بين شهر – 17 عام ).
-(2) مليون أرملة ( أعمارهن بين 15 – 52 ) سنة.
-(6) ملايين مواطن لا يجيد القراءة والكتابة , تتصدرها محافظات البصرة وبغداد والنجف وواسط والأنبار.
-(31%) نسبة البطالة تتصدرها محافظات الأنباروالمثنى وديالى , تليها بغداد وكربلاء ونينوى .
-(35%) من السكان تحت خط الفقر ( أقل من خمسة دولارات ).
-(6%) تعاطي المخدرات و بغداد والبصرة والنجف وديالى وبابل وواسط في الصدارة.
-(9%) نسبة عمالة ألأطفال دون (15) عام .
-(39) مرض ووباء ابرزها الكوليرا وشلل الأطفال والكبد الفايروسي والسرطان والتشوهات الخلقية منتشرة في انحاء العراق المختلفة .
-(13,328) معملا ومصنعا متوقفا عن الإنتاج.
-تراجع مساحة ألأراضي المزروعة من ( 48 ) مليون دونم إلى ( 12 ) مليون دونم.
-إستيراد ( 75% ) من حاجات العراق الغذائية و( 91% ) من المواد ألأخرى .
- (9) آلاف مدرسة متضررة و (800 ) مدرسة طينية.
-( 124) مليار دولار ديون العراق من ( 29 ) دولة .
-(1000) مليار دولار مبيعات النفط للفترة من 2003 – 2016.
والعراق بوضعه المأساوي هذا يشرع قوانين للسماح للأجانب ممن لا تربطهم أية صلة بالعراق والعراقيين بالإقامة والتجنس كي يتمتعوا بكامل حقوق المواطنة المحروم منها معظم العراقيين . وهذه حالة لم تشهدها أكثر الدول لبرالية وحرصا على حقوق الإنسان , وهي بلدان آمنة ومستقرة وذات قدرات إقتصادية هائلة , إذ لا تسمح هذه الدول عادة بتجنيس الأجانب, إلاّ عبر سلسلة إجراءات معينة تستغرق وقتا ليس بالقصير للتأكد من أهليتهم وعدم المساس بأمنها الوطني , حيث تدرس ملفاتهم حالة بحالة ,إما كطالبي لجوء سياسي أو إنساني لتوفير ملاذات آمنة لهم هربا من بطش حكوماتهم , أو كمهاجرين من ذوي الكفاءات والمهن التي تحتاجها بلدانهم من الفئات العمرية الشابة , لاسيما في البلدان التي تعاني من إرتفاع نسب الشيخوخة لديها وإنخفاض معدلات الخصوبة, الأمر الذي أدى إلى إنخفاض نسب النمو السكاني , وبذلك دعت الحاجة إلى إستقدام قوى عاملة أجنبية والسعي فيما بعد لتوطينها وتجنيسها بعد إندماجهم بمجتمعاتها المحلية . ولا نرى أيا من هذه الحالات يمكن أن تنطبق على الحالة العراقية إطلاقا, لذا فأنه أجدر بالحكومة العراقية الإنصراف لمعالجة قضايا الشعب الأساسية المتمثلة بتوفير الأمن والأمان والإستقرار وفرص العمل والعيش الكريم والصحة والتعليم والخدمات الأساسية للشعب العراقي الذي بات يعاني الأمرين في ظل غياب سلطة الدولة وضعف إجراءاتها وتفشي الفساد في معظم مفاصلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص