الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 3

دلور ميقري

2019 / 3 / 24
الادب والفن


تريثتُ هذه المرة في التعقيب على كلام البائع، مُتصنّعاً التشاغل بالإنصات لصوت المطر وكان قد بدأ يهطل بغزارة. قبل دخولي المكتبة الأنيقة، كانت السحبُ في السماء الربيعية تنفحُ الغيثَ كالرذاذ. في واقع الحال، أنني خشيتُ من إضاعة الوقت في الاستماع لصاحب المكتبة وهوَ يمدني بمعلومات لم تكن جديدة عليّ كل الجدّة. إذ تسنى لي، سواءً من قراءة المخطوطة أو بعض المصادر التاريخية، الإلمامَ بالوضع في موغادور والمغرب عموماً خلال القرنين الأخيرين. من ناحيته، شعرَ الرجلُ أنه أرهقَ رأسي بحديثه المتدفق. التفتَ أيضاً برأسه إلى جهة مدخل المحل، قائلاً باقتضاب: " الشتاء.. ". ثم استدرك مبتسماً: " هذا تعبيرنا المحليّ عن المطر! "
" بلى، في خلال عامين من تعرّفي على المغرب صرتُ متمكّناً من فهم لهجة ساكنيه "، قلتها وما لبثت أن أردفت متحيناً فرصة تغيير الحديث: " واليهود هنا لديهم لهجة خاصة، كما أعتقد؟ أو هكذا وصل لعلمي عن طريق قراءة مذكرات يوسف بن عمران ". رفع ذقنه الحليقة نحوي، مضيّقاً عينيه وكأنه يستوعب جملتي الأخيرة. عندئذٍ مضيتُ موضّحاً: " أعني، مخطوطة وضعها الحزّان ولقد وهبني إياها قريبه ذاك، السائح ". ثم حكيتُ له باختصار واقعة لقائي بالسائح، دون التطرق لمضمون أوراق المخطوطة.
خاطبني الرجلُ على الأثر، وكانت نبرته طبيعية غير عاطفية: " جميلٌ حقاً أن يبلغ الثقة بقريب الحزان، درجة منحه إياك هكذا أثر ثمين يمت لتاريخ أسرته. ولكن يتوجب عليّ تنبيهك لنقطة مهمة، وهيَ أنّ المذكرات ربما لا تعطي المأمول منها؛ إن كان عن سيرة حياة كاتبها أو مَن يمتون إليه بصلة. أقول ذلك، لأنني على الأرجح أمام كاتب يسعى للبحث عن الحقيقة عبرَ قراءة التاريخ "
" نعم، أفهمُ حرصك هذا وأشكرك عليه. إلا أنّ مخطوطة الحزّان ليست سيرة ذاتية محضة. إنها تفصّل جانباً من حياة تاجر دمشقيّ في موغادور، وكانا قد تصادقا أثناء رحلة في أول باخرة تصل المدينة. أظن أنك توقفتَ مرةً أمام أحد منازل القصبة، الموضوع على ناحية من مدخله لوحة سُجّل عليها ‘ دار الكردي ‘ مع تاريخ قديم يعود لأواسط القرن التاسع عشر؟ "
" آه، هوَ ذلك التاجر الدمشقيّ إذن؟ وبدَوري، عليّ واجب شكرك لأنك أنعشتَ ذاكرتي "، قالها وما عتمَ أن أتى بحركة من يده على جبينه وكما لو أراد استحضارَ شيءٍ آخر من ذاكرته. تمتم فيما كان يتنقل بين رفوف إحدى خزائن الكتب: " أملك كتاباً فيه معلومات عن حارة مراكشية، خصصها أحد السلاطين لسكنى حامية عثمانية.. نعم، هذا هوَ الكتاب ولعله يفيد أبحاثك ". تناولت منه مجلداً، كان تحت عنوان " تاريخ سلاطين السلالة العلوية "، ويبدو أنه رسالة لنيل الدكتوراه. في الأثناء، كان أحد الزبائن قد انتهى من التجول في أرجاء المكتبة ووقف أمام سدّة البيع في انتظار دوره. فلما مددت عند ذلك يدي إلى جيبي لأخرج محفظة النقود، فإنّ البائع بادرَ قائلاً: " إنه هدية مني. وأرجو أن تحظى مكتبتي، يوماً ما، بإحدى ثمار جهودك في مضمار التاريخ! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث