الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة سفاح نيوزيلند إلى العلمانيين والمتزمتين (1)

عادل صوما

2019 / 3 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اتخذ بعض المسلمين من دول الغرب وطناً ثانياً لهم بسبب الاضطهاد السياسي، أو بسبب الطموح والبحث عن ظروف أفضل في دولهم التي لا تريد التطور، وتصّر على أن أفضل عصورها كانت في الماضي. ثم أُضيف على هؤلاء في الخمسين سنة الاخيرة المستفيدين من الاسلام سياسياً، وهم أخطر الفئات على المسلمين أنفسهم وعلى دول الغرب.
صحيح أن نظرة التعالي من مواطني دول الغرب كانت تزعج المسلمين في أوطانهم الجديدة، لكن هذا الامر طبيعي ويعرفه الناس الذين عاشوا في بلد ثانٍ لفترة طويلة، وانا شخصياً كان الناس أحياناً يسألوني في لبنان : إنتو عندكن في مصر شو رأي الناس بحسني مبارك؟ وكان سبب السؤال الذي يعتبرني السائل فيه مصريا هو إنني عشت في مصر لسنوات. والامر يعكس تعالٍ واضح سواء في نبرة السؤال أو في نكران جنسيتي اللبنانية، لأن السائلين قالوا لي دائما "عندكم في مصر".
تعرض المسلمون للتعالي لكنهم عاشوا حياة أفضل ولذلك لم يعودوا إلى أوطانهم، ونبغ منهم من نبغ علميا وأصبح عدد كبير منهم مليونيرات وأعضاء برلمان وأستاذة جامعات وعلماء وما إلى هنالك، ولم تُسجل حادثة إرهابية واحدة ضدهم، ولم تعترض أو تماطل دولة غربية في تصديق إجراءات إقامة مسجد لهم، مثلما يحدث في الدول العربية والاسلامية كافة، بالنسبة لبناء كنيسة.
الجنسية والدين
عاش المسلمون في الغرب بدون أية مضايقات دينية، مثلهم مثل الهندوس والسيخ والبوذيين وباقي أديان الدنيا، لأن الغرب ببساطة أصبح علماني الهوية، وصارت المواطنة والقانون والحقوق المساوية والدستور هي أساسات الدول، وانحصر الدين داخل دور العبادة. ثم بدأت النعرة الطائفية الاسلامية تظهر بين الجاليات الاسلامية بعد ارتفاع أسعار البترول وتعاظم المال النفطي بين أيادي المتشددين، وتغاضت حكومات الغرب عن هذه النعرة بسبب الاموال والمشاريع والنفط من جهة، وبسبب القانون الذي يتيح لأي مواطن تأسيس أي جمعية أو مؤسسة ولا يفرق بتاتاً بينهم من جهة أخرى.
وبعد ذلك ظهرت حالة أخرى بين الجاليات المسلمة بسبب تزايد النعرة الطائفية التي زرعها المتشددون، هي ظهور مشاعر عدم الاندماج التي غذتها منابرهم، وتجاهلت الحكومات الغربية تماماً بدء الانفصال عن الجنسية وتعاظم الاندماج في الجاليات الدينية التي تعتري المسلمين في الغرب، والاستفادة من المواطنة فقط بما يناسبهم.
معظم المسلمين في الغرب أصيبوا بهذه الحالة، لدرجة أن زارعيها أخذوا في التلوّن في الفترة الاخيرة والظهور بمظر المعتدلين وكارهي التعصب ومؤيدي العلمانية ومُديني الارهاب وأصدقاء المثليين بل وأصبح بعض قيادييهم أعضاء في محافل ماسونية، لأن المجتمعات بدأت تتململ بسبب حالة ترهل حكومات الغرب النخبوية التي أنكرت حتى وجود مجتمعات متشددة مغلقة لا تستطيع جيوشها أو شرطتها دخولها، لضبط حالات الجريمة والاتجار بالمخدارت والبشر والسلاح غير الشرعي. فاقت خطورة هذه المجتمعات في أوروبا على سبيل المثال مجتمعات النوّر والغجر على تخوم المدن، لأن هذه المجتمعات لا تمارس الإرهاب بل الجُنَح والجرائم العادية والعيش بدون هوية.
الانفصال والاندماج
لم تفلح تقارير وزارات الداخلية أو الدراسات الرصينة أو الشارع المتململ حث حكومات الغرب على فعل شيء قانوني أو تثقيفي لمعالجة تفاقم ظاهرة "الانفصال عن الدولة والاندماج في الدين"، وواجه الغرب كل الحوادث الارهابية الواضحة ضد علمانيته بالتعاطف مع الضحايا وباقات الزهور التي وضعت في اماكن جرائم الكراهية، إلى أن ظهر سفاح نيوزيلند وهو شخص فعلا بحاجة إلى وقفة متأنية والاستماع إلى دوافعه من لجنة من الدارسين وليس من هيئة المحكمة فقط، ولماذا اختار بلدة "كنيسة المسيح" مسرحا لجريمته في نيوزيلند، رغم إنه قومي فاشي مُلحد كما ورد في وثيقته، كذلك لماذا لم يختر أي مدينة في وطنه استراليا، لأن الرجل قانوناً مدان بالقتل، ولا مفاجأة إذا كان قصاصه السجن لمدة أربعمائة عام، وأي محاكمة لا يسير بالتوازي معها حوار لجنة من الدارسين المهتمين بظهور اليمين المتطرف المسيحي مرة ثانية والحالة المتأسلمة وأذرعها الميليشياوية في كل انحاء العالم، ستشبه مصير محاكمة قتلة الصحافيين في مجلة "شارل إيبدو".
يجب الاصغاء جيدا لما قاله سفاح نيوزيلند، حتى اليوم وماذا سيقول في المحكمة لأنه قارىء جيد بعكس قتلة فرج فودة أو نجيب محفوظ، ليعرف الغرب ماذا يريد المواطن من حكومته، فالسفاح في النهاية مواطن، ولماذا يجب معالجة ظاهرة الهجرة التي أضيفت إلى الظواهر الخطيرة التي تهدد المجتمعات مثل ثقافة التفاهة ومذهب الادمان على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها مجانية عن سابق صوّر وتصميم.
وحسب تقديري الشخصي كان وراء الهجرة وثقافة التفاهة ونشر مذهب الادمان على وسائل التواصل الاجتماعي إرادة دولية غايتها المنفعة المالية، بدون تقدير أي عواقب لنشر هذه الظواهر.
كان وأصبح
قالت مديرة السفاح السابقة في العمل عنه لوسائل إعلام محلية، "إنه لم يُبدِ أبدا أي وجهات نظر متطرفة، كما لم يظهر أي سلوك جنوني"، لكن الواضح إنه إنقلب من يميني متطرف وقارىء تاريخ وصاحب اعتداد بحضارته إلى سفاح نفّذ جريمته بسلاح حربي.
في وثيقة مطولة كتبها سفاح نيوزيلند قال إنه بدأ في التخطيط لهجومه بعد زيارة قام بها سنة 2017 إلى أوروبا حيث أغضبته الأحوال هناك. والمرجّح أن هذه الأحوال هي المدن والمجتمعات المغلقة التي أنكر وجودها في بريطانيا ديفيد كاميرون، ووصف الصحافي الذي كتب التقرير عنها بأنه أحمق، ولا يعترف الرئيس ماكرون من الاساس بوجودها في فرنسا، ولا تعرف الحكومات كيف تتصرف مع مدينة مولنبيك في بلجيكا ومالمو في السويد وبرشلونة التي تحولت إلى معاقل خطير للمنظمات الارهابية في أوروبا، بشهادة تحقيقات جريدة "الشرق الاوسط-ملفات الارهاب" الممولة من السعودية.
أشار سفاح نيوزيلند تارانت في اعترافاته إلى هجوم شاحنة نفذّه متعاطفٌ مع تنظيم الدولة الإسلامية في السويد، كما أشار إلى قرار فرنسا انتخاب إيمانويل ماكرون صاحب الآراء المعتدلة رئيسا، وكذلك إلى التنوع العرقي في فرنسا، على أنها من بين الأشياء التي أغضبته في تلك الزيارة. والمرجّح أن ما أغضبه ليس اعتدال الرئيس الفرنسي بل ترهله وعدم اعترافه بوجود مشكلة كارثية في بلده، بدأ الاعلام والندوات تتحدث عنها لدرجة أن تلفزيون "فرنسا 24" خصص عدة حلقات عن الاسلام والجمهورية الفرنسية وأسلمة فرنسا والشحن الطائفي في المساجد وكيف تتحدث المنابر عن "التمكين" في التعليم والمؤسسات العامة، وحالات الغضب في الشوارع حيث رأينا نساء يقلن: "هذه باريس وليست كابول"، فما بالك بما يقال وراء الكواليس وبعيدا عن الكاميرات.
وربما أغضبه أيضا الهجرة العكسية، خصوصا في ألمانيا حيث بدأ بعض الألمان في الهجرة إلى أستراليا، بسبب الرؤية المستقبلية لبعض الناس، وعدم وجود من يدافع عن المواطن في دول علمانية لا دين لها، والاكتفاء بباقات الزهور في مكان الجريمة، وإدانة العنف بالكلمات واستقبال المزيد من المهاجرين.
أصر السفاح على أنه لم يكن مدفوعا بالسعي للحصول على الشهرة، بعكس ما قالت رئيسة وزراء نيوزيلند تماما، كما أقرّ برغبته في البقاء بعد الهجوم على المسجديّن، وإنه يأمل في أن تنشر فعلته الرعب، وهي تحديدا رسالة موجهة إلى المتشددين.
المتخرجون والجامعات
المتشددون الذين لا يجدون من يردعهم. المتشددون الذين يتحدثون علانية عن قتل غير المسلم، والمسلم الذي لا يؤمن بأفكارهم، وهي عادة يمارسها المسلم المتشدد مع المسلمين، ففي الصراع الدامي في غزة كان العنصر المسلم من "حماس" يقول لزميله المسلم الذي يهم بالقاء عنصر مسلم من السلطة من فوق السطح: لا تفعل ذلك ودعني أدخل به الجنة! وهناك "حرب المساجد" في العراق التي تبادل فيها المتشددون السُنة تفجير مزارت ومساجد الشيعة، والعكس بالعكس وكانت النتيجة عشرات القتلى وتدمير مساجد تاريخية.
هذه اللامعقولية مارسها تنظيم الدول الاسلامية الذي بتر يد طفل مسلم عمره 12 سنة سرق بطارية سيارة مستعملة لأنه يريد أن يبيعها ويشتري بقروشها شيئا يخفف آلام جوعه، في الوقت نفسه الذي سرق المتشددون فيه بنوكاً ومحلات ومصانع وسيارت وباعوا نساءً وجعلوا إيزيديات جوائز مسابقات رمضانية، وباعوا أثار سورية وعراقية وبيضوا أموالا.
الكل يتحدث عن مقاومة الارهاب، لكن الحرب حتى اليوم على المتخرجين وليس ضد جامعاته المفتوحة على مصراعيها بدواعي الديموقراطية والتعددية والحرية والمساواة و(حقوق الانسان!).
أوضح سفاح نيوزيلند أنه اختار مسجد النور هدفا لهجومه قبل ثلاثة أشهر، بحسب وثيقته المشار إليها، وربما كان السبب هو رسالة إلى أي مسجد يدعو إلى الكراهية، وهذا الامر ليس إفتئاتاً، بل هو معروف ومنشور على مواقعهم، ومن المحظور على الاعلاميين الذين يعملون تحقيقات تلفزيونية نقل أي جزء من خطب الجمعة. حدث هذا امام الكاميرات ولا مجال هنا لذكر عشرات المواقف، ومن أشهرها ما حدث مع تلفزيون "فرنسا 24" والمفكر العلماني حامد عبد الصمد.

للموضع صلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حاذثة ارهابية بجدارة
محمد البدري ( 2019 / 3 / 25 - 09:15 )
حادثة سفاح نيوزيلندا ارهابية بجدارة معبأة بالكثير والكثير جدا من سياق تطور وتاريخية ثقافات عاشت متوازية ومتجاورة ومتصارعة مع بعضها. سانتظر باقي حلقات هذه المقالة حتي يتسني لي التعرف علي وجه نظر جديدة للكاتب تضاف الي الرصيد التاريخي لصراعات تاريخية لم تنته منها البشرية بعد.

اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن