الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الخيار العقلاني في العلوم السياسية

ندى أسامة ملكاني

2019 / 4 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


نظرية الخيار العقلاني في العلوم السياسية
نظرية الخيار العقلانية هي إحدى أهم النظريات التي امتدت من مجال الاقتصاد إلى بقية العلوم الاجتماعية وميدان العلاقات الدولية، لتغدو في بدايات القرن الحادي والعشرين طريقة نموذجية لدراسة السلوك السياسي والاقتصادي، وقد شكلت هذه النظرية بافتراضاتها ووحدة تحليلها وتطبيقاتها مثار جدل واسع ، فما هي هذه النظرية، ماهي فرضياتها، وكيف حددت وحدة تحليلها ،و ماهي بعض تطبيقاتها في العلوم السياسية، ولماذا أثارت جدلا واسعا؟
إذا كان معظم الباحثين في العلوم الاجتماعية قد أكدوا على أن العقلانية هي أهم مايميز أفعال البشر ، فهم ذهبوا للتأكيد على أن هناك مكونات غير عقلانية أيضا في السلوك البشري، فسلوك الإنسان تحدده، بالنسبة لعلماء الاجتماع ومنهم عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1926)، موجهات قيمية وعاطفية) (، وهنا تأتي نظرية الخيار العقلاني لتؤكد على أن السلوك الإنساني تفسره القرارات المبنية على الاختيارات العقلانية الرشيدة فقط مع استبعاد المكونات غير العقلانية في السلوك البشري، إذ تقوم هذه النظرية بمحتواها الفلسفي والاقتصادي والسوسيولوجي على افتراضات مفادها أن البشر عقلانيون راشدون، يحسبون خيارات الربح والخسارة لأي فعل أو قرار قبل القيام به أو اتخاذه، أي أنهم يقومون بحسابات عقلانية للمفاضلة مابين الخيارات المتاحة أمامهم، ولأنهم عقلانيون يقارنون بين البدائل لاختيار أحدها بحيث يحقق القرار المتخذ أمرين متلازمين: الربح والمصلحة الذاتية، وعند ذلك يكون الفعل أخلاقيا، أي أن المحتوى القيمي للفعل يتحدد بكونه مبنيا على حسابات عقلانية ويصب في المصلحة الشخصية للفرد. بناء على هذه الفكرة، يمكن تحديد المرجعية الفلسفية الأولى لهذه النظرية إلى الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز في كتابه اللوفياثان "التنين" (1651)، حين يربط فلسفته عن الطبيعة البشرية بفلسفته السياسية فيما يخص الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني أو السياسي، فهو يرى أن الأفراد العقلانيين ذوي المصالح الذاتية انصموا إلى العقد الاجتماعي بدافع مصالحهم إذ إن البديل المنطقي الوحيد في حال لم يتم هذا الانتقال هو الفوضى التي لا تنسجم مع مصالح الأفراد، فالحياة بموجبها تتسم بالفقر والوحشية والانعزال. وبفضل العقد ومايترتب عليه من إلزام سياسي، يولد الفعل الأخلاقي لديهم. فالأخلاقية هي نتاج العقلانية وفقا لهذه الرؤية.
وفي المجال الاقتصادي، أصبحت نظرية الخيار العقلاني جزءا مهما في الفكر الغربي منذ استبدل نظام السوق اقتصاد القرون الوسطى، إذ فسر هذا التحول على أنه صعود للإنسان الاقتصادي الذي يندفع بموجب الحسابات الاقتصادية لمصالحه الخاصة أكثر مما تحركه في سلوكه منظومة قيمية، وهذا الإنسان "الفرد" أصبح وحدة تحليل نظرية الخيار العقلاني. بل إن كل صيغ نظرية الخيار العقلاني تفترض أن الظواهر الاجتماعية المعقدة يمكن أن تحلل ابتداء بالفرد وخياراته وقرارته والتي من مجموعها تتشكل الظواهر الاجتماعية.
وفي العلوم السياسية، اتخذت المدرسة السلوكية الأمريكية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين في تحليلها التجريبي للسلوك السياسي من هذه النظرية أسلوبا لنمذجة الظاهرة السياسية، و يعد عالم الاقتصاد الأمريكي أنطوني داونز (Anthony Downs) (1957) أول من طبق نظرية الخيار العقلاني لدراسة السلوك الانتخابي والتنافس الحزبي) . (
ويمكن تحديد أشهر النماذج (paradigms) التي طبقت فيها نظرية الخيار العقلاني في العلوم الساسية بالتالي:
أولا: نموذج الألعاب: وهو نموذج يعتمد على حسابات رياضية بغية توضيح التنافس القائم بين مجموعة محدودة من اللاعبين، والذين يتوجب عليهم أن يتنافسوا بالشكل الذي تحسم به النتيجة لصالح كل فرد في الفريق، وللوصول لهذه النتيجة، يفترض أن يكون كل لاعب عقلانيا يسعى لمصلحته قبل مصلحة الفريق الذي ينتمي إليه.
ثانيا: السياسة الحزبية: تطبيق افتراضات نظرية الخيار العقلاني في إطار السياسة الحزبية يكون بالتأكيد على أن كل حزب سياسي يسعى في نشاطاتاته إلى إدراك مصالحه "وربما" جنبا إلى جنب مع السعي إلى تحقيق الديمقراطية في الحكم.
ثالثا: التشريع: وفقا لنظرية الخيار العقلاني يسعى أعضاء المجالس البرلمانية أولا إلى تحقيق مصالحهم الشخصية، وتتبعها "ربما" المصالح العامة.
رابعا: تشكيل الاثتلافات: قد يفسر تشكيل الاثتلافات وفقا لنظرية الخيار العقلانية ليس فقط بالأسباب المعلنة أو المعروفة لأغلب الأفراد المنضمين للائتلاف، بل أيضا قد تكون وسائل مستخدمة من قبل بعض الأفراد فيه لتحقيق مصالحهم "الراشدة، العقلانية".( )
إن تطبيق نظرية الخيار العقلاني في السياسة يقترب من الواقع، لأن فكرة "المصلحة العامة" مفهوم غير واضح وقد يختلط بالصالح الخاص لممارسي السياسة، ولكن النقد المعياري "الأخلاقي" لنظرية الخيار العقلاني يقوم على نقطة ارتكازها في التحليل على الفرد وأن الفعل يكون أخلاقيا حينما يكون عقلانيا قائم على الحسابات والمفاضلات بين المكاسب والخسائر، والانتقاد الثالث هو أن مكونات الفعل البشري ليست فقط العقلانية بل - كما ذهب الكثير من الفلاسفة والعلماء- في أن الفرد هو مزيج من العقلانية واللاعقلانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل