الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تثريب عليكم

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2019 / 4 / 12
حقوق الانسان


كنت استمع مؤخرا الى سورة يوسف والتي ذكر فيها قصة هذا النبي الكريم الذي تعرض لأذى شديد من اخوته بسبب حب ابيه الشديد له ما أوغر صدورهم عليه وجعلهم يقررون التخلص منه برميه في البئر.
وعلى الرغم من انني استمعت الى السورة عشرات المرات من قبل الا أن هذه المرة لفت نظري بشكل كبير رد فعل نبي الله يوسف على ما فعله به اخوته بعد ان اصبح عزيز مصر وبيده الحكم والأمر والقدرة على الانتقام، الا أنه ضرب مثلا رائعا في المغفرة والعفو عند المقدرة حين قال لهم " لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" .
ان هذا الموقف الرائع نجده ايضا في عفو نبي الله محمد عن اهل مكة بعد الفتح حين قال لهم " اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ" .
ان مثل هذه القدرة على الترفع عن الضغائن والرحمة والمغفرة والعفو لا نجده الا في اصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية والأخلاق الراقية وهو أمر نفتقده كثيرا في ايامنا هذه حيث غابت تماما قيم الرحمة والعفو.
واصبح من بيده السلطة والقدرة يعتقد أن ممارسة سلطاته لا تكون الا عبر احداث اكبر قدر من الأذى بمن يخالفه أو لا ينصاع لرغباته انصياعا تاما.
ويكون الأمر شديد البشاعة في بلدان لا تعترف بقانون ولا تحق حقا ولا تبطل باطلا تصحو وتنام على التدليس والتغييب والاكاذيب.
تكاد تختفي فيها صور الشهامة والنخوة والهمة والقيم النبيلة كافة، ولا يعلو الا صوت التهليل والتمجيد لكل صاحب سلطان مهما ضعف ومهما ارتكب من جرائم فادحة.
فلم يكن يخطر على بالي ولا في اسوأ كوابيسي أن يتم التنكيل بأشخاص لمجرد أنهم مارسوا حقهم الطبيعي القانوني المشروع في التعبير عن اراءهم بسلمية تامة حتى لتستباح حياتهم واجسادهم وسمعتهم لمجرد شهادة حق او رفض باطل.
ان ما يتعرض له المعارض في بلادي من مهانة لا تكفيه كتب ولا تحصيه منظمات حقوقية، وان كانت المنظمات الحقوقية تهتم بالمشاهير من المعارضين فإنها تغفل الاف من المجهولين الذين يمارس عليهم جرائم بشعة دون أن يجدوا عون من أحد أو يشعر بهم أحد بل يبقوا تحت يد من لا يرحم ولا ينصاع لقوانين ولا يؤمن باخرة ولا حساب، بل أنه يتقمص صورة الاله الذي لا يجوز الاعتراض على حكمه، والذي يجوز له أن يفعل بك ما يشاء والذي يتحكم في ملايين من الناس بكلمة ويخضعهم لارادتهم بشكل كامل حتى يكونوا على استعداد تام لارتكاب اي جرم بدون الشعور بتأنيب الضمير طالما أن ذلك سيرضيه وسيحقق لهم مكاسب مما يفيض به عليهم سيدهم أو ربهم الأعلى.
ان العفو من شيم الكرام، اما التعذيب والتنكيل على ابسط الأفعال المشروعة فلا يصدر الا من صغار النفوس الذين يعانون من امراض وعقد نفسية لا شفاء منها، ومن يعلمون بأنهم في مناصبهم بغير استحقاق ما يثير في نفوسهم الرعب من كل من يشير الى قصورهم أو مخالفتهم للقواعد والقوانين، فيكون رد فعلهم شديد وعنيف ولا يشفي غليلهم اي قدر من الأذي يمكن أن يحدثوه بخصومهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط


.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق




.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا