الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غورباتشوفان: ترامب ومحمد بن سلمان/1

عبدالامير الركابي

2019 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


مع فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية، تردد في الصحافة الامريكية، راي يقول ان الولايات المتحدة غادرت قيم الجمهورية، او ان هذه الأخيرة هي التي غادرتها، وجرى التذكير وقتها بما كما كان حدث في مع الامبراطورية الرومانية، والمقارنات هنا كما مستوى ردة الفعل على حدث من هذا القبيل، تستمر محكومة لحالة التفارق المستمرالمهيمن على العالم في العقود الاخيرة، بين المجريات الواقعية، ودلالتها الفعلية الغائبة حتى الان، والضروري تناميها، بمقابل استمرار حضور العدة المفهومية ومنهجيات النظر والتحليل المعتادة والموروثة، وهو ماكان عليه الحال مع انهيار الاتحاد السوفياتي ومااعقبه من القول ب "نهاية التاريخ"، وهو ماتراجع عنه مطلقه فوكوياما بعد فترة ليست قصيرة، معتذرا، بينما الولايات المتحدة تتخبط في عز اللحظة التي اعتبرت في حينه الأنسب لممارسة السيادة المطلقة على الكوكب، حتى حلت بعد اقل من عقدين ساعة تستوجب الإعلان عن"الفرصة الضائعة" على حد تعبير اذكى الاستراتيجيين الأمريكيين، برجنسكي.
هنالك مايمكن ان يطلق عليه اليوم لحظة اللعب خارج التاريخ، فهذا الأخير لم يعد ينطوي على وحدة العملية المجتمعية وديناميتها وممكنات ديمومتها، بينما الممارسات تستمر مواصلة العمل على هذا الأساس، واول ظاهرة بارزة دالة على دخول العالم لحظة مابعد التاريخ، هي تلك عرفتها روسيا مع غورباتشوف، الظاهرة الانتقالية الكارثية غير المفسرة لنفس الأسباب المستمرة بتقييد العقل، فالرجل الذي بدا وقتها وكانه هيأ أسباب تفكيك الاتحاد السوفياتي، لم يكن بالأحرى سوى لاعب كتب عليه تدشين لحظة غير مسبوقة، قد يصح ان يطلق علها اسم اللعب خارج التاريخ،بالضبط كما هو حال ترامب اليوم، وكما هو حال محمد بن سلمان السعودي، على صغروتفاهة شانه.
تلك هي الغورباتشوفية، كظاهرة عالمية جوهرها التلميح لبدايات انتهاء المجتمعية على مستوى الكوكب، مع انبثاق وسيلة الإنتاج المتعدية للانتاجوية المجتمعية،، كان مشروع الغرب الحديث وقتها قد خلق أسباب نهايته وزواله المادي، مع تمخضه عن وسيلة التكنولوجيا الانتاجيةالمتجاوزه لبنيته، وماحدث بداية مع اخر عقد من القرن العشرين مع الاتحاد السوفياتي، كان المؤشر العملي الضخم الأول ـ بغض النظر عن التحليلات الانتاجوية المجتمعية التابيدية ـ على تفكك المشروع الغربي كبنية شاملة وبمظهريه الأعلى، الأول "الاشتراكي" الأكثر تكلسا وتصادما في الجوهر مع وسيلة الإنتاج المستجدة منذ الستينات، قبل شمول المتغيرات الانقلابيه الكوكبية المشروع الراسمالي الحديث برمته، مع بدء هيمنة ظاهرة السباحة خارج ممكنات التحكم المعتادة، والمتعارضة معها، المتميزة بالقصور عن التناغم مع مقتضياتها الضرورية، بحكم كونها من نوع وزمن مختلفين طبيعة.
من هنا يصير ملزما القول بان الغوباتشوفية هي ظاهرة تآكل الحداثة الغربية، لا مجرد نهاية الاتحاد السوفياتي والتجربة الاشتراكية، وهي أي الظاهرة المذكورة ظلت وماتزال سارية تفعل فعلها، شاملة الغرب برمته، واصقاع من العالم عديدة، والولايات المتحدة بالذات، وصولا لحالة التفارق الشبيهة في الجوهر بالغورباتشوفية، كما هي ماثلة الان في الترامبية، مع مايمكن ان يلحظ من اشكال الاختلافات في التفاصيل والشروط، خصوصا بعد الموجه الثانية من محاولة التجديد الايهامي للمشروع الغربي الحديث واعتباره نهائيا وابديا، كما تمثلت بمحاولة اظهار سقوط الاتحاد السوفياتي وكانه نصر مطلق للغرب ونموذجه، قبل ان يصل الان الى البلطجة، وسياسات الماخور الابتزازية المبنية على محاولة اطلاق ابتزازات فارغة، تغطية لمسار تراجعي ينذر باقتراب الهزيمة، المتعدية من حيث المحركات لازادة الفاعلين كما كان الحال مع غورباتشوف، مع موت الاليات الحيوية المجتمعية، والإصرار المقابل غير الواعي على معالجتها بنكرانها مع استخدام اكثر الوسائل الموروثة ابتذالا، وصولا لما يقرب من التهريج.
وقد يكون مما يجدر التنويه به من بين كل ماينبغي تغييره كليا لاجل مقاربة اللحظة الفاصلة الكبرى الحالية، ان نتذكر أصلا بان الولايات المتحدة الامريكية ليست كيانا راسماليا، وانها قد خضعت بعد اكتشافها، وفي مجرى استيطانها من قبل الاوربين، لعملية اصطناع نظام من عدة عناصر، أهمها بنية المكان التي تنتج "مجتمع لادولة"، كان هو القائم فيها، وجرت تصفيته، وراسمال اوربي محموم، اصر على ادخال اليات راسمالية في مكان يجعل من هذه خاضعه للتفقيس خارج رحم التاريخ، فالراسمالية هنا ليست نتاجا طبيعيا، ولاتاريخيا، تولد عن تمخضات المراحل التاريخية، والعبور من الاقطاع الى مايليه، وفقا للمخطط الأوربي، مايجعل من مثل هذه المرحلة المفترضة هنا مزروعة في مكان جرت تصفية مايطابقه حضاريا ومجتمعيا، وتلك واحدة من ظواهر الفبركة الغربية الحديثة للدول والنظم خارج اوربا، مع ان المعضلة في أمريكا استثنائية، وتلقي على العقل تحديات ثبت ان العقل الأحادي غير مؤهل للتعامل معها الى الان، والغريب في الحالة المنوه عنها، ان الولايات المتحدة لم تعرف الى اليوم ظاهرة البحث عن الذات، أواية مراجعه ضمن سياقات البحث عن الاليات الوطنية الخاصة، الفريدة في نوعها، حتى ولو بالانطلاق من، او البناء على ماقد راه في القرن التاسع عشر، الفرنسي توكفيل في "الديمقراطية الامريكية" من خصوصيات ميل الى المساواتية، دون ان يخطر على البال احالتها كنوع مستجد من الديمقراطية، لنوع مختلف من الخلفية المجتمعية اقرب ل لاشتراطات "اللادولة الأحادية" المزالة، والمقصية بالقوة والاستيطان الأوربي.
ولايمكن بالطبع التغاضي عن كون المجتمع الأمريكي من اكثر المجتمعات تدينا، وانه يفتقر لمفعول الطبقية، وكل هذا أدى على سبيل الملاحظة، الى ضعف الحركة الشيوعية الماركسية هنا الى ابعد حد، مقابل حالة اوربا مكان نشاة االماركسية وتاسيسها بحكم النمو الطبقي الطبيعي الاوربي. كل هذا يمكن ان ينطوي على مداخل من شانها وضع المجتمع الأمريكي اما م احتمالية مختلفة، تنتمي لمابعد اوربية، وتكون اقرب للتفاعل مع مقتضيات الانتقال الى التكنولوجية والمعرفية الإنتاجية، بعد مغادرة المجتمعية والاحادية التي تتسبب حتى الان، باستلاب يمنع الاقتراب من الكينونة والبنية الامريكيتين، قبل تشكل الرؤية الانتقالية المطابقة للحظة. ولابد ان يرى الامريكيون بان ماهم عليه قد قام بالاصل على قتل الذات المفترضة المسيقة، بتصفية بنية مجتمعية، وقتل مايقرب من 70 مليون من السكان الأصليين،بدوافع اوربية موروثة ليست أمريكية، هم حمل تاريخي سيظل يثقل الضمير المغيب حتى الان، مع كل غنى الشعب المباد وارثه، ونوع حياته كمجتمع لادولة احادي، في مجرى محاولة نقل وتوطين متوحشة لمنجز الغرب في غير ارضه، ماقد خلق حالة ازدواج مجتمعية متاخرة، يختلط فيها حضور الإرث والاصل المقتول، بالمشروع المنقول خارج ارضه، تحت فعل الديناميات المتولدة عن مثل هذا الازدواج، والتي تنبع منه، وتمنحه خصوصيته المضمرة، الموصلة للمنجز التكنولوجي.
هكذا تصير الترامبية نوعا اكثر اثارة وتعقيدا من اشكال اللعب خارج التاريخ، بانتظار الفصل الحاسم مع تبلور الرؤية الانتقالية المطابقة، وبدء عملية "فك الازدواج" في قلب الاميراطورية المفقسه خارج رحم التاريخ، وهو ماسيتوقف غالبا على ظهور بدايات تبلور عملية "فك الازدواج" في ارض البدء الأول في ارض الرافدين، والمتوقع له ان يترافق مع انقلاب تصوري هائل، يشمل العالم، قالبا المعاني والدلالات راسا على عقب، ومخلصا اياها من الخضوع الطويل لاحكام ومنظومة تصورية تعود لزمن اخر، انتهى.
لن يأخذ ترامب على الأرجح الولايات المتحدة نحو ماقد اخذ غورباتشوف روسيا اليه عند أواخر القرن العشرين، والسياقات المتوقعه هنا ان تعرف الولايات المتحدة ملامح الانتقال الى الزمن مابعد المجتمعي، قبل اوربا، الا ان الأكيد ان الولايات المتحدة لن تكون بعد ترامب هي نفسها التي كانت قائمة قبله، فهي مرشحة اليوم لان تصبح محورا من محاور الانتقال الى الزمن الجديد، بعد ان تكون الترامبيه قد انهكت، وجعلت الولايات المتحدة مكشوفة بمواجهة الاضمحلال تحت وطاة التناقض الناجم عن انتهاء الظاهرة المجتمعية وفقدها إمكانية الاستمرار موضوعيا، وبين الإصرار على نكران مثل هذا العامل الحاسم، والتوسل بالمعتاد والمفتعل من المواقف والرؤى، واسقاطها على السياسات الخارجة عن أي منطق، والمؤدية الى افول الإمبراطورية، كما سبق وتوقع كتاب امريكيون، منهم بريجنسكي، مع ان ذلك لايجب ان يغري بالقول بان زمنا من حلول الامبراطوريات الشرقية، محل الغربية بموقع السيادة العالمية،قد ان اوانه، فسياقات تطور العالم والنظم اليوم، لاتسير وفق متوالية الوراثة الإمبراطورية المعتادة، وكل محطة من محطات التفكك والتراجع في موضع رئيسي، تورث أسبابا إضافية، تقوي فعل الاليات الانتقالية الى اللامجتمعية، وعالمها، الى ان يغدو هو المعاش البشري، محل ماقد عرفه الانسايوان خلال زمن الأحادية المجتمعية وطغيانها الطويل.
فهل لهذه الظاهرة مايمكن اعتباره نموذجها الكاريكاتيري، من نوع ذلك الذي قد يوحي به محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية؟
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا