الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطاع النقل البحري للنفط في العراق وأبعاده الاقتصادية

حسين حيدر محمد الجزائري
باحث اقتصادي

(Hussein.algazaeree)

2019 / 5 / 31
الادارة و الاقتصاد


قطاع النقل البحري للنفط في العراق وأبعاده الاقتصادية

1- المقدمة:

يعد كل من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة والغاز الأهم والأبرز من حيث القيمة والكمية في النقل البحري ,إذ يتم نقل أنواع متعددة من النفط الخام والمنتجات البترولية والكيمياوية على ظهر الناقلات التي صممت خصيصاً لهذا الغرض, وقد شهدت أسواق الناقلات تطورات عدة في هذا المجال ,لذلك أصبح لزاماً على الدول المنتجة والمصدرة للنفط مواكبتها لتتمكن من النفاذ والثبات في الاسواق العالمية لنقل النفط ,فقد استطاعت بعض دول الأوبك مثل الكويت والسعودية مواكبة  التطورات الحاصلة في النقل البحري للنفط إذ قامتا بتنويع ناقلاتها وزيادة أعدادها بهدف تكامل الصناعة النفطية لديها كونها تعد من البلدان المنتجة والمصدرة للنفط ذات الأهمية الكبيرة في اسواق النفط العالمية.

2 - أسواق الناقلات:

أن سوق ناقلات النفط والذي يعني نقل النفط بحراً من دول الإنتاج في منطقة الخليج العربي وغرب افريقيا الى الدول المستهلكة في اَسيا وأوروبا والولايات المتحدة الامريكية والتي يفصلها بحار ومحيطات عن الدول المنتجة.

    يتأثر هذا السوق شأنه شأن بقية الأسواق في عوامل العرض والطلب فارتفاع الطلب على النفط الخام يعد المحرك الأساسي لزيادة الطلب على تأجير الناقلات ومن ثم يؤدي إلى ارتفاع أجور النقل (Rates Freight) إلى مستويات عالية نسبياً بسبب عجز قدرة النقل على تلبية الطلب مما يؤدي الى إنعاش سوق نقل النفط ورفع أداء الشركات البحرية وزيادة أرباحها وهذه الأرباح تشجع ملاك الناقلات على الاستثمار في بناء ناقلات جديدة. ولكن يجب أخذ بنظر الاعتبار أن سوق النقل محفوف بمخاطر منها أن السوق معرض لتقلبات حادة والتي تعزى لأسباب عدة منها الازمات الاقتصادية والسياسية الدولية غير المتوقعة,  واختلال التوازن بين جانبي الطلب والعرض على الناقلات والتي تؤدي الى فائض العرض والطلب على معدلات أجور النقل مما يلزم الشركات البحرية أن تتبني استراتيجية متينة لاجتياز الازمات وركود السوق واتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة التي تجنبها من الانهيار والإفلاس والتي تساعدها على الصمود في سوق النقل الدولية التي تتسم بالمنافسة الشديدة بين الشركات البحرية العالمية الأخرى.

3- العوامل المؤثرة على سوق الناقلات:

- تكاليف التشغيل: تشمل هذه التكاليف (رواتب طاقم الناقلة، التصليحات والصيانة، التموين والمواد الاحتياطية، تكاليف التأمين على الناقلة، أجور الموانئ ورسوم العبور، فضلاً عن كلفة وقود الناقلة وتمثل نسبة كبيرة من تكلفة التشغيل الكلية للرحلة وتزداد هذه النسبة مع زيادة عدد أيام الأبحار وارتفاع أسعار الوقود).

- تكلفة النقل: تتحدد تكلفة النقل بموجب عوامل عدة وكالاَتي: -

* المسافة بين ميناء التحميل وميناء التفريغ: إذ كلما ازدادت المسافة البحرية بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة له ارتفعت معها تكاليف النقل والتأمين.

*  طريقة التأجير: ومنها (التأجير لرحلة واحدة) أو (التأجير الزمني)، ويكون التأجير لرحلة واحدة أكثر تعرضاً لتذبذب أسعار التأجير في ظل الأسواق المتقلبة، عكس التأجير الزمني الذي يتميز بالثبات في ظل عقود تمتد ما بين 6 أشهر إلى 5 سنوات مما يضمن أسعار تأجير أكثر استقرارا تحقق إيراداً مؤكداً لمالك الناقلة خلال مدة العقد، فضلاً عن تخفيض فترات توقف الناقلة بانتظار فرص التأجير.  

* نوعية الشحنة التي تنقلها الناقلة: كأن تكون شحنة غاز سائل أو مواد كيميائية أو نفط خام فترتفع أجور النقل والتأمين مع ارتفاع قيمة وخطورة الشحنة.

* عمر الناقلة: أن تقادم عمر الناقلة يفقدها الكثير من فرص التأجير بسبب عزوف المستأجرين عن تأجير الناقلات القديمة، لعدم ضمان سلامة وصول شحناتهم، فضلا على أن معظم الموانئ العالمية ترفض دخول تلك الناقلات إلى موانئها لكونها غير مستوفية لمتطلبات القوانين البحرية الدولية، لذلك فأن سعر تأجير تلك الناقلات يكون منخفضا قياسا بالناقلات الحديثة.

* نوعية الناقلات ومواصفاتها: تختلف أسعار تأجير الناقلات حسب أنواعها وأحجامها، فالناقلة ذات الحجم المتوسط تختلف أسعار تأجيرها عن الناقلة ذات الحجم الكبير، كما أن الناقلات الحديثة التي تنطبق مواصفاتها الفنية مع التشريعات والمتطلبات الصادرة من المنظمات البحرية العالمية تكون أسعار تأجيرها أعلى من الناقلات التقليدية غير المستوفية للشروط المطلوبة. وعليه فأن هذه العوامل تؤثر بشكل كبير في تجارة الخدمات التي تقدم في سوق ناقلات النفط وتنعكس بشكل مباشر في تطور أو تدهور قطاع الخدمات والأنشطة الاقتصادية المرتبطة به، لذلك وبهدف تجنب أزمات سوق التأجير وتحقيق إيرادات جراء عملية نقل النفط المصدر فأن بعض شركات ناقلات النفط التابعة للدول العربية وغيرها من الدول المجاورة للعراق المنتجة للنفط تفضل التنوع في امتلاك أحجام متعددة من الناقلات وكذلك تنويع عقود التأجير أن تطلب ذلك.

4- أتفاقات الشحن الدولي:

- النقل بطريقة F.O.B (Free On Board):

     وهو شرط تسعير يشير الى ان السعر يشمل ثمن الشحنة محملة على ظهر الناقلة في ميناء التحميل المتفق عليه ولا يعد البائع مسؤولاً عن الشحنة حال شحنها على ظهر الناقلة وبذلك يتم انتقال ملكية الشحنة وتحمل مسؤولية المخاطرة من البائع الى المشتري ويتحمل الأخير جميع النفقات بضمنها أجور النقل والتامين والاخطار التي قد تلحق بالشحنة من اجتيازها حاجز السفينة (VESSEL’S rail).

- النقل بطريقة سيف C.I.F )) Cost, Insurance & Freight

       وهو شرط تسعير يشير الى ان السعر يشمل كلفة الشحنة والتأمين وتكاليف النقل، وأن ملكية الشحنة تنتقل من البائع الى المشتري من وقت الشحنة، وبموجب العقد يلتزم البائع بشحن الشحنة على ظهر الناقلة إضافة إلى التزامه بأبرام عقد نقل الشحنة ودفع الأجرة عنه والتأمين عليها ويأخذ على عاتقه المسؤولية حتى تصل الشحنة إلى ميناء الوجه المختارة من قبل المشتري (Port Destination).

       لذا فأن البيع بموجب (FOB) يتفق مع البيع بطريقة CIF)) في أن نقل ملكية الشحن إلى المشتري يتم في ميناء الشحن، أما الفرق الحاسم بينهما هو نقطة تحديد المسؤولية ونقل المسؤولية من البائع الى المشتري فموجب (FOB) يتم الاتفاق على نقل الشحنة إلى ميناء التحميل والمشتري هو من يختار الناقلة التي تنقل شحنته. أما أتفاق CIF)) فأن البائع هو من يختار الناقلة التي تنقل الشحنة ويتحمل التكاليف ويأخذ على عاتقه المسؤولية حتى تصل الشحنة إلى ميناء الوصول التي يختاره المشتري مقابل التزام الأخير بدفع المبلغ المتفق عليه والذي يشمل ثمن الشحنة وأجرة النقل والتأمين.

5- مزايا النقل بطريقة CIF:

يمكن تحقيق مزايا عدة بطريقة CIF ومنها:

- أن الشحن على أساس ((CIF يوفر فرصة عمل من خلال تأجير الناقلات المملوكة أو المستأجرة التي تدار من قبل الشركات البحرية الوطنية لنقل جزء من كميات النفط المصدر مما يؤدي إلى تحقيق إيراد لتلك الشركات والتي لها انعكاس إيجابي على ميزانية تلك الشركات بشكل خاص وعلى الميزانية العامة للدولة عموماً.

- أن العقود المبرمة بموجب النظام (CIF) سيؤدي إلى الاستخدام الأمثل للناقلات من خلال الحد من الوقت الضائع الناجم من توقف تلك الناقلات بانتظار فرصة تأجير في ظل سوق متقلب وغير مستقر.

- أن الشحن (CIF) يتيح للشركة الناقلة للشحنات فرصة الدخول إلى الأسواق العالمية كمؤجر وكذلك بناء سمعة جيدة مع الزبائن في سوق النقل الدولي.

- أن البيع بموجب النظام (CIF) يتيح للبائع البيع مباشرة للمشتري من غير الحاجة إلى التجار والوسطاء وهذا الأمر سيوفر للبائع تكاليف العمولات والتي تعد مبالغ صافية تضاف إلى الإيرادات المتحققة من هذا النشاط.

- يتيح البيع وفق النظام (CIF) ابرام عقود سنوية او نصف سنوية مع معدل ثابت للسعر لتجنب وحماية البائع والمشتري من الطفرات الهائلة بالارتفاع والانخفاض سواء لسعر برميل النفط المصدر أو أسعار الشحن.

- أن البيع بطريقة النظام (CIF) يحتم وقوع مسؤولية جدولة الناقلات في موانئ التحميل وأن توفير الجدولة يمكن تجنب التعرض لمشاكل التأخير في تسليم الشحنة في الوقت المطلوب.

- كما يمكن القول إن من أهم الأسباب الرئيسية لقيام اسطول وطني بحري في دولة ما والنقل بطريقة (CIF) هو مقدار تحقيق هذا الأسطول لفائض في ميزان المدفوعات لهذه الدولة بالمقارنة مع تكاليف الاعتماد على الاساطيل الأجنبية ودفع العملة الأجنبية لنقل نفس الكميات من الحمولات.  

     ونظراً للمزايا التي يحققها نقل النفط على أساس النظام (CIF) لذا بات من الضروري دعم شركة ناقلات النفط العراقية بمنحها فرصة في نقل جزء من النفط الخام العراقي المصدر بهدف الارتقاء بالشركة وتمكينها من ممارسة النشاط الأساسي الذي أسست من أجله وهو نقل النفط الخام وتعزيز مكانتها في أسواق نقل النفط العالمية إذ ليس من المعقول أن نجد الدول المجاورة والدول الخليجية والعربية المنتجة والمصدرة للنفط تتسارع بتنمية اساطيلها البحرية ودعم شركاتها الوطنية ومنحها الأولوية لنقل نفوطها ويبقى العراق متخلفاً في هذا المجال بعدما كان في مقدمة دول المنطقة. إذ ما علمنا أن الدولة المنتجة للنفط إذا ما تملكت عدداً من ناقلات النفط لاستخدامها في نقل نفطها الخام من موانئ الشحن والتصدير إلى أسواق البيع وحسب وجهات الطلب على النفط (Destination port) فإنها تستطيع بهذه الوسيلة أن تتحكم بشكل أو بآخر في عمليات النفط المتسلسلة من إنتاج وشحن وتصدير ونقل وتسويق، بعبارة أخرى تكون أكثر قدرة وثباتاً في الاسواق النفطية العالمية.

     إذ لا زال العراق يمتلك (4) ناقلات منتجات نفطية صغيرة الحجم فئة (Small Handy) تتسع حمولاتها الإجمالية لـ (53) ألف طن فقط في حين نجد أن شركة النفط الوطنية الإيرانية تمتلك حالياً (64) ناقلة ويضم اسطولها الفئات التالية (47) ناقلة نفط نوع VLCC)) و (9) ناقلات نوع SUEZEMAX، و (5) ناقلات نوعAFRAMAX  و(3) ناقلات نوع Handy. كما يضم أسطول شركة ناقلات النفط الكويتية حاليا (24) ناقلة موزعة على الفئات التالية (10) ناقلة نوع VLCC و(10) ناقلات منتجات نفطية وناقلتين غاز مسال وناقلتين وقود. أما بالنسبة للشركة الوطنية السعودية للنقل البحري (Bahri) فان أسطولها البحري يضم (82) ناقلة حسب الفئات التالية: (46) ناقلة VLCC  و(36) ناقلات كيمياوية ومنتجات نفطية).

وقد قامت شركة ناقلات النفط الايرانية بنقل ما يقارب (40%) من النفط الخام الايراني المصدر عبر ناقلاتها في عام 2018 , في حين تقوم شركة ناقلات النفط الكويتية بتأجير كامل اسطولها إلى مؤسسة البترول الكويتية مقابل أسعار تأجير سنوية حتى إذ نقلت حوالي 35% من النفط الخام الكويتي المصدر حتى أنها سجلت معدل تشغيل بنسبة 98% لكامل أسطولها في عام 2017. أما شركة ناقلات النفط السعودية (البحري) فتقوم بنقل النفط الخام المنتج لشركة أرامكو بنسبة (15% - 30%) على أساس البيع ((CIF وتعد الناقل الوطني الوحيد لشركة أرامكو السعودية.

       وقد حققت تلك الدول إيرادات ضخمة من خلال عملية نقل النفط على أساس البيع (CIF) عند عام 2017 , فعلى سبيل المثال حققت شركة ناقلات النفط السعودية (البحري) إيرادات بلغت (1.208) مليار دولار في حين حققت شركة ناقلات النفط الكويتية إيرادات بلغت (417) مليون دولار .

        يتضح مما تقدم ان العراق يفقد كثيراً من الأموال بسبب عدم ممارسته لهذا النشاط، لذا لابد من التخطيط بمنح شركة الناقلات العراقية فرصة عمل بما يمكنها من نقل جزء من النفط الخام المصدر وفق طريقة CIF بنسبة (15% - 30%) من النفط الخام العراقي المصدر ودعمها لإعادة بناء اسطول ناقلات النفط الخام.
- ومن أجل تحقيق هذا الهدف هناك خياران أمام شركة ناقلات النفط العراقية:

الخيار الأول: هو امتلاك ناقلات نفط عوضاً عن الناقلات التي فقدت أو دمرت بسبب أحداث الخليج الأولى والثانية والتي كان عددها (24) ناقلة. وأن امتلاك العراق لأسطول وطني للناقلات يعد الامتداد الطبيعي للتكامل الافقي للصناعة النفطية. ونظراً لان إعادة بناء الاسطول يتطلب توقيع عقود مع المسافن العالمية وهذه العملية تستغرق وقتاً طويلا بسبب ارتباط المسافن بعقود طويلة الأمد يمكن الذهاب الى الخيار الثاني مع بقاء الخيار الأول بشكل متزامن.

- الخيار الثاني: دخول شركة ناقلات النفط العراقية بنشاط تجاري مشترك مع إحدى الشركات البحرية العالمية الرصينة وذات السمعة التجارية لنقل جزء من النفط العراقي المصدر وفق الطريقة (CIF) وبما يعود بالفائدة للطرفين. على ان يقوم الطرف الاخر بتهيئة ناقلات حديثة ومطابقة للمواصفات العالمية وهذا الأسلوب موثوق ومعمول به من قبل دول أخرى.

لذا لابد من توفير الدعم اللازم لشركة ناقلات النفط العراقية وتمكينها من بناء اسطول متنوع من ناقلات النفط الخام والمنتجات البترولية وناقلات الغاز للنفاذ إلى اسواق النقل العالمية وتحقيق اعلى المردودات الاقتصادية التي تعود على ميزانية الدولة ووزارة النفط وكذلك تطوير شركة الناقلات ذاتها الممكن تحقيقها من خلال ممارسة نشاط النقل البحري للنفط الخام العراقي.

حسين حيدر محمد الجزائري
ماجستير علوم اقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي