الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفاتيح العشر لتربية الناجحة

أيوب الوكيلي

2019 / 6 / 11
التربية والتعليم والبحث العلمي


إن مجال التربية من أهم المسائل الإنسانية المشتركة وهي تهتم بتربية الأبناء وتربية النفس، لهذا فإن التربية تعد من الشؤون العامة، حيث توجد مجموعة من التعريفات المختلفة للتربية لكن يمكن القول أن التربية بأنها تمكين الفرد من الاستقلال والحرية في تصرفاته وأفعاله من خلال ما زودناه من قيم ومبادى ومناظير ومعايير في الحياة. لذا فإن التربية هي تبليغ الشيء إلى كماله وذلك عن طريق تطوير الملكات المعرفية عند الطفل بالتدريب وتنمية الوظائف النفسية بالتمرين، والمهم في التربية هو المواقف وليس المعلومات لأن المواقف لا تنسى بل تظل حاضرة بقوة في نفوسنا لذا نحن في حاجة إلى خبرتها بشكل عميق وقوي حتى نتمكن في الوصول إلى انجاز منظم يخدم الأهداف الكبرى في الحياة، وحينما يربى المرء فإن ملكاته تتقوى وقدراته تزيد وسلوكه يتهذب ويصبح صالحا للحياة الاجتماعية ومؤهلا للوسط المدني والحضاري.
لكن نحن العرب لدينا قدر غير يسير من التسلط، مثلا الأب أو المربي أو المدرس يقيس نجاحه التربوي بمعيار الطاعة، فإذا شد المراهق قليلا وخرج عن النمط، يعد شخص قليل الأدب وغير محترم، غير أن مرحلة المراهقة تتميز بنوع من الخروج عن المألوف والسعي إلى البحث عن الذات، كما أننا نفهم التربية باعتبارها شيء ثابت، غير أنه كل مرحلة عمرية يحدث فيها تحول نفسي وفيزيولوجي، خصوصا مرحلة المراهقة، لكننا نتعامل مع هذا الأمر بأسلوب تبريري خرافي تدخل فيه أفكار العين والسحر والشعوذة وقلت الأدب، وهذا النموذج خاطئ وغير مقبول في التربية، لأننا نحتاج أن نفهم هذه الظواهر بشكل موضوعي وفق رؤية علمية وتربوية متخصصة وليس انطلاق من منطق الوعظ والارشاد. وفي هذا السياق تأتي التجربة الشهيرة، في مجال علم النفس التي تقر بأن قدرة المراهق على قراءة مشاعر الأخرين تتقلص مقارنة مع الأطفال الصغار بين 6 و10 سنوات، لأن الطفل الصغير لديه القدرة على قراءة المشاعر و تفهمها أقوى من المراهق، وهذا مؤشر بيولوجي يساهم في تمكين المراهق من بناء شخصيته بشكل مستقل و الا سوف يظل حبيس النمط الذي يحدده المجتمع ولا يمتلك القدرة على الاستقلالية.

سوف نقدم في هذا العرض مجموعة من الخطوات العملية من أجل النجاح في العملية التربوية:

1. التربية على الاستقلالية:

يجب أن نتعامل مع أطفالنا بأسلوب تربوي يحترم شخصيتهم وعواطفهم، لأن الجانب العاطفي أهم في التعاطي مع هذه القضايا التربوية بطريقة سليمة، لأن ردود أفعال سلبية تجاه طفل أو مراهق تقتل فعاليته، لأن الأب المتسلط أو الأم المتسلط تخلق أسرة غير متوازن وتؤثر سلبا على شخصية الطفل. لهذا ينبغي أن لا نخاف من الاستقلال في حياة المراهق، لأن كل جيل يمتلك صفات وخصائص تجعله مختلف عن الجيل السابق، لهذا قال سيدنا علي "لا تربوا أولادكم كما ربيتم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم"، يتكلم عن المتغيرات اللباس و طريقة المشي والكلام، عدم التدخل في الشؤون التي تتعلق بالمرحلة، لهذا نحتاج التخلص من وهم بناء الأحياء على تراث الأموات وخلق عالم جديد عن طريقة تربية الأطفال عن طريق الحوار والتواصل بأسلوب يحترم ذواتهم وشخصياتهم.

لأن النجاح الدراسي ليس هو الهدف الأساسي من التربية، إنما الأصل أن نشيد مشروع إنسان ومواطن يمتلك قيم ومبادئ مستقل تسمح له بأن يكون شجاعا وقادرا على اختيار السلوكيات التي تحترم المشترك الإنساني، والقدرة على بناء معرفة شاملة تحترم الجميع رغم تفاوتهم المادي والرمزي، حيث تجعل الفرد يرفض كل الأنماط الثقافية التي تفسد العقول، والقدرة على التجديد والخروج عن التقاليد التي تقتل حس الإنسانية وتمنعنا من الرقي بأنفسنا في مصاف العظماء والمتميزين.

2. التقبل الشعوري والعاطفي:

الانسان عالم من العواطف والانفعالات حيث أنها تتحكم في معظم خياراتنا وقد أغفلها العلم كثيرا في الماضي، بيد أنها اليوم أضحت موضع بحث من طرف المتخصصين، إذ وجدوا أن معظم ردود أفعالنا تتحكم فيها العواطف والمشاعر وبعدها يقدم العقل التحليلي أو المنطقي تبريرات عقلانية، لهذه السلوكيات. لذا فإن الشرط الأول هو تقبل مشاعر الطفل أو المراهق، لأن التقبل أهم فعل تربوي ناجح في التعاطي مع الفعل الإنساني، لذا يجب التعاطف مع الأطفال، دعهم يعبرون عن ما يخالجهم و تقبل مشاعرهم بكل أنواعها (الغضب الفرح التوتر الخوف...)، هذا المنطلق هو المفتاح المركزي من أجل نجاح في عملية التواصل. يجب أن تسأل عن طبيعة شعوره بماذا يشعر؟ وليس سؤال لماذا يشعر؟ لأن حرق المراحل يقود إلى فشل التواصل و الإقناع، ذلك أن الإقناع لا ينطلق من مبدأ عقلاني، بل نحن نحترم أكثر من يتعاطف معنا ويقدرنا، لهذا يجب على المربي أن يتقبل بداية المشاعر كما هي وبعد ذلك يبحث عن الحل، وهنا سوف يقع التجاوب على المستوى التواصلي بين الأب وابنه أو بين المدرس والتلميذ، وهذه الوسيلة فعالة في جميع أنواع التواصل.



3. بناء النماذج التربوية " الإنسان يخون المبادئ التي يؤمن بها"

الشاب الذي لا يؤمن بفكرة وتفرض عليه بأسلوب تسلطي قمعي، سرعان ما يجد الفرصة يخون تلك الأفكار والمبادئ، لهذا يجب أن يقتنع الشاب بالمبادئ وأفكار عن طريق التفكير والتعلم الذاتي، وليس فرض ذلك المبدأ عليه، بمنطق السلطة الأبوية أو الدينية أو أي سلطة أخرى، لأنه إذا فرضت على المراهق بعض الأفعال والسلوكيات بدون حوار ومناقشة، فإنه بمجرد أن يجد الفرصة سوف يخون هذه القيم التي لم تدخل في تصوره وذهنه إنما الزم بها، لهذا التربية على المبادئ والقيم يجب أن تكون بالحوار بدل العنف والقوة، بحيث يحترم المراهق تلك القيم والمبادئ باعتبارها جزء جوهري من شخصيته، وليست مجرد مبدأ فرض عليه بدون تبرير أو اقتناع لهذا لا يكون مسؤولا تجاه تلك القيم والمبادئ.

4. التربية الفنية والجمالية:

إن الفن يحسن الذوق الإنساني، في بعض الأحيان سماع معزوفة موسيقية أو مشاهدة فلم قد تكون محفزا ودافعا لفعل أخلاقي أفضل من قراءة الكتب وسماع المحاضرات، لأن من يحب الجمال والفن سيكون مواطن صالحا، كما قال شكسبير في احدا مسرحياته على لسان البطل "احذر فلانا فإنه شخص خطير، لأنه لا يحب الجمال والخير"، وبذلك يمكن القول أن الحس الجمالي يعصمنا من الوقوع في الأخطاء والتفكير بشكل سلبي، وتوجد قصة رواها الفيلسوف شهير مطهر في أحد السجن الايرانية في عهد الشاه، كان داخل سجن طهران مجموعة من المجرمين الخطيرين، وجد السجانين والمشرفين الاجتماعين صعوبة في التعامل معهم، سمع أحد الشيوخ بهذا الوضع فأخد المبادرة من أجل اصلاح هؤلاء السجناء، دخل إلى هؤلاء السجناء ولم يحدثهم عن قول الله والرسول وغيرها من الخطابات الوعظية، التي تفشل أمام هؤلاء المجرمين المعصوبين، إنما اتخذ مدخلا مخالف لذلك، وهو صناعة السجاد العجمي، وهو محترف في هذه الصناعة، وهي صناعة صعبة وجميل، أقام معهم بضعت أشهر تعلموا هذه الصنعة، فأصبحوا يصلون ويقومون الليل، فسأل أصحاب السجن الشيخ ماذا فعلت معهم فقال لا شيء، علمتهم فقط السجاد العجمي، قال نميت حاسة الجمال فيهم، فتغيرت معظم تصرفاتهم وأضحو أكثر هدوء و لطفا في التعامل، من خلال هذه القصة يتبين أن الذوق الفني يقود الإنسان إلى عمل الخير و تهذيب النفس نحو الأشياء الجميلة والجليلة.

5. تشجيع الأطفال والشباب على القراءة:

النجاح التربوي يحتاج إلى التسلح بالمعارف، والتعلم لأن المربي الناجح من يشجع أبناءه على الاطلاع على الجديد ومواجهة المألوف وليس فقط العيش في حياة روتينية نعيد فيها الماضي بكل أشكاله دون معرفة السر الكامن وراء فعاليته وقوته، الكل يحتاج أن يقرأ وهذا الأمر ينعكس ايجابا، لذا على الجميع أن يقرأ الكتب بشكل كثيرة، والقراءة فعالية مهمة في تحقيق الوعي الذاتي والقدرة على فهم العالم من خلال مناظير مختلفة تعزز القيم الإنسانية في شخصية الطفل، لأن قراءة الروايات والقصص والكتب التاريخية تنمي مخيلة الطفل، حتى ينفتح أكثر في بناء شخصيته.

6. تعزيز الوازع الذاتي:

التربية الناجحة لا يكون فيها المربي مثل العسكري يراقب كل صغيرة وكبيرة لدى الطفل خصوصا عندما يبلغ مرحلة النضج العقلي، بل إن النجاح التربوي يحتاج تمكين المراهق من الوازع الذاتي في الاستقامة والصلاح، لأن الرقابة الخارجية وحدها لا تنتج شخصا يحترم القيم التي يؤمن بها، وهذا الفرق بين الالزام والالتزام في أداء الواجب الأخلاقي كما تحدث عنه كانط، لأن الواجب الأخلاقي الحق يصدر من الجانب الداخلي، مصدره الإرادة الحرة العاقل، التي يشرعها العقل الأخلاقي الذي يمتلكه الجميع لكننا لا نسمع لصوت الضمير بل نركز على مصالحنا الشخصية والذاتية.

7. التواصل الجيد مع الأبناء:

التواصل هو مجموع مهارات لا تعطى ناجزة، وإنما تحتاج إلى تدريب وتعلم وممارسة، لهذا يقال نحن لا نعاني من التعاطف مع أبنائنا، لكن نعاني من سوء التفاهم والتواصل، الكل يريد أن يكون أبناؤه ناجحين على المستوى الاجتماعي و المادي، لكن الذي نفتقده في الكثير من الأحيان هو مهارات التواصل وكيفية إقناع بأسلوب يحترم الطفل أو المراهق ولا ينتقص من إنسانيته، وليس بالضرب والسب والشتم والإكراه، لأن المربي الناجح هو من يستطيع أن يقنع بالتواصل والحوار، دون استعمال منطق السلطة والقوة.

8. اختيار الكلمات التي نقولها بعناية:

العملية التربوية قضية شاقة وصعبة لأننا نتعامل مع الإنسان وليس الحيوان الذي يمكن ترويضه بسرعة، لهذا نحتاج إلى امتلاك قوة الخطاب الإيجابي وقول الكلمة الطيبة، لأننا حين نكلم الأطفال نسجل بعض المعطيات داخل الذاكرة الانفعالية التي تسجل المشاعر و الأحاسيس، فالمراهق قد يرفض أن تنعته بالفاشل أو البليد....، على المستوى الظاهري مما يبدي امتعاض ورفض لكنه على المستوى الداخلي يصدق ما تقول حيث تدخل هذه الأفكار في التسجيلات العاطفية مما يؤثر سلبا على شخصية الطفل أو المراهق حيث يطارده شبح الفشل الداخلي، لهذا نحتاج في الكثير من الأحيان الحذر مما نقوله وكيفية قوله، لهذا فإن النية الحسنة ليست كافية في التربية، بل نحتاج الاعتصام بالعلم والبحث والتنقيب عن الأساليب التي تقود إلى النجاح في العملية التربوية.

9. مراعات الفروق الفردية

المربي الناجح يجب عليه أن يدرك الفوارق الطبيعية الموجود بين الأطفال، ويعزز مبادئ نظرية الذكاءات المتعددة، التي تقر بأنه لا يجود طفل غبي إنما كل فرد ميسر لما خلق له، لهذا نحن في حاجة إلى البحث الأشياء التي يتميز فيها الطفل وتنميتها، من أجل تفادي كل أشكال الحرمان والاستعباد التي يتعرض لها بعض الأطفال والوصول إلى الاندماج الاجتماعي وتعزيز قيم تقدير الذات من أجل التخلص من مشاعر الاهانة والازدراء، لذا نحن في حاجة ماسة إلى احترام الفوارق الفردية على مستوى الذكاء، فما أحوجنا لأن نتعلم احترام الجميع، رغم اختلاف قدراتهم وامكاناتهم لأنهم يظلون بشر يجب احترامهم وتقديرهم رغم كل شيء.

10. بناء النماذج والقيم العليا:

تأسيس النموذج شيء مهم في عملية التربية، الكلام والوعظ والخطابة تعد من أضعف الاساليب في التأثير على نفوس الناس عموما، لأنها لا تحرك مشاعرهم، في حين أن تنمية الشخصية وتطويرها يحتاج إلى قدوة يمارس الفعل ولا يحدث عنه، لأننا إذا غيرنا من طبائعنا كمربين، سوف يتغير الأطفال معنا، ونكون أكثر ايجابية في التعاطي مع هذه التحديات والمشاكل. كما أنه ممنوع ضرب الوجه أو البصق أو الضرب المبرح، و لا تتهجم على الشخص إنما خاطب السلوك، لذلك لا ينبغي على التربية أن تعمل على إذابة شخصية الإنسان وتكرس اغترابه عن هويته وعن شعوره بذاته وإنما يجب أن تساعد في إنتاج فرد حر ومسؤول تجاه تصرفاته وأفعاله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا