الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلامة محمد سلمان حسن: دروس في الحياة المعرفية الاقتصادية. (2)

مظهر محمد صالح

2019 / 6 / 14
الادارة و الاقتصاد


العلامة محمد سلمان حسن: دروس في الحياة المعرفية الاقتصادية.
مظهر محمد صالح
/الجزء الثاني والاخير

انصب اهتمام الاستاذ محمد سلمان حسن على المسار التحليلي لنماذج التنمية في محاضراته الاكاديمية التي أخذت بالحسبان تعايش قطاعين اقتصاديين مختلفين في شروطهما التاريخية في اقتصاد واحد ،احدهما تقليدي زراعي متخلف بالغالب ويعيش سكانه في حالة من شبه الكفاف والاخر راسمالي ربحي متطور عالي التراكم الراسمالي(صناعي تحويلي بالغالب) أي الثنائية القطاعيةdual sector economy . وكانت هذه المقاربة هي هاجس الدكتور محمد سلمان حسن في التنمية و كيف كان عليه ان يوظف ذلك في قطاع حديث ومتطور ولكن يقتصر على انتاج وتصدير المواد الاولية (النفط) وهو عائد ريعي من نشاط كثيف التكنولوجيا منفصل بالغالب عن النشاط الاقتصادي المحلي ومرتبط بالسوق الدولية و لايمثل الاساس التاريخي وضروراته في نشأة قطاع راسمالي حديث متنوع عالي التراكم ممن يتمتع بروابط انتاج خلفية مع القطاع التقليدي(الزراعي).

فبين انموذج (آرثر لويس) في دراسته الموسومة –التنمية الاقتصادية بعرض غير محدود من قوة العمل 1954 وبين انموذج (بنجامين هكنز) حول الثنائية التكنولوجية 1940،فقد حلل الراحل محمد سلمان حسن اقتصاد المواد الاولية (القطاع النفطي) كممثل لاقتصاد الحداثة الراسمالية، ذلك في محور محاولته لفك لغز التنمية ومأزق التطور الاقتصادي في العراق وكيفية الخروج منه نحو التكامل القطاعي لبلوغ التطور الاقتصادي.متسائلاً، وبعبارة اخرى هل يُعد القطاع النفطي الكثيف التكنولوجيا، هو البديل للقطاع الراسمالي عالي التراكم كما افترضه آرثر لويس (حيث تلتحم نظرية عرض العمل غير المحدد في قطاع الاكتفاء الذاتي بقطاع الحداثة الراسمالي عبر اعتدال الاجر لمصلحة التراكم الراسمالي واندفاع الصناعة؟ كان جواب الراحل كلا قطعاً. وان تفسير بنجامين هكنز في موضوع الثنائية التكنولوجية هو الاقرب في تفسير حالة الاقتصادات الريعية مالم يتم خلق القطاع الصناعي الحديث الذي يمثل الاساس التاريخي للعملية الانتاجية ودور الطبقة العمالية في استكمال الشروط الاساسية للتطور الاقتصادي بعلاقات وقوى انتاج فاعلة .وولادة بنيان فوقي هو نتاج طبيعي لهما.فولادة بناء فوقي من قطاع النفط الريعي (كما ارى ذلك شخصياً) هو اقرب الى خلق نمط اسيوي للانتاج في عصور مابعد الثورة الصناعية والذي غالباً ما ينتهى الى صورة مشوهة من صور الاستبداد الشرقي في دولة مركزية رافعتها المالية هي جباية عوائد النفط من باطن الارض وانفاقها في نشاط دولة بيروقراطية كبيرة غير مُنتجة (وظيفتها تنظيم الانتاج النفطي بقوتها السيادية لتعظيم الريع و تتطلع في الوقت نفسه الى الحرب للاستيلاء على ريوع البلدان المجاورة او حتى استنزاف ريوعها النفطية) .فالثنائية التكنولوجية ستنتهي هنا وفقا(لهكنز) بين القطاع النفطي العالي الحداثة وبين القطاع الزراعي الذي لاينعم الا بالكفاف وان عرض العمل غير المحدود كما يراه (آرثر لويس ) سوف تمتصه اما الفرص في الوظائف الحكومية الخدمية في الدولة الواسعة او الكبيرة بما في ذلك العسكرة او العمل داخل القطاع الزراعي نفسه .

وهنا تتحقق نظرية (بنجامين هكنز) في الثنائية التكنولوجية عند تحليل المسار التاريخي للبلدان المتخلفة في قطاعها الزراعي ولكنها تحتضن في الوقت نفسه قطاع تكنولوجي(نفطي) شديد الحداثة كثيف راس المال.حيث يرى( بنجامين هكنز) ان الثنائية في التكنولوجيا تعني هنا ان فرص الاستخدام المُنتج هي محدودة، ذلك ليس بسبب محدودية الطلب على العمل ولكن بسبب القيود التكنولوجية في كلا القطاعين (التقليدي الزراعي والراسمالي الحديث).وهنا يعزو(هكنز) ظاهرة البطالة المستمرة والتخلف الاقتصادي وتدني مستوى المعيشة في بعض البلدان الى تلك الثنائية التكنولوجية والتي تلقي بظلالها على النمو الاقتصادي سلباً بسبب اختلاف دوال الانتاج المعتمدة في كلا القطاعين والناجمة عن اختلاف عوامل الانتاج المستخدمة وطبيعة مصادرهما .فالمُعاملات التكنولوجية او الفنية أي نسبة تركيب راس المال الى العمل هي ثابتة في القطاعات الحديثة (كثيفة راس المال) في حين ان المعاملات الفنية متغيرة في قطاع الكفاف التقليدي (الكثيف العمل) وان أي زيادة في قوة العمل لايوجد من يحتضنها في النشاط الانتاجي سوى ذلك القطاع التقليدي الذي يمتص الفائض منه (بسبب محدودية استخدامه لراس المال )ولكن النتيجة النهائية هي تردي مستوى المعيشة بسبب تردي الانتاجية جراء طبيعة المُعاملات الفنية واختلافهما بين القطاعات المنتجة(الحديثة والتقليدية) وضعف قدرتها على التراكم الراسمالي والاستخدام العالي للعمل للمنتج الابنطاق ضيق ،ومن ثم تدهور مستوى فرص العيش مع تدهور النمو الاقتصادي.

ازاء ما تقدم ،فقد كان الراحل اكثر ميلاً الى الاقتصادي (آرثر لويس) في بناء تصوراته عن مستقبل التنمية الاقتصادية والرفاهية في العراق مشترطاً ولادة قطاعات الحداثة الراسمالية المنتجة من خارج القطاع النفطي والتي يمكن لتلك القطاعات الحديثة ان تتعامل بديناميكية وتفاعلية عالية مع القوى البشرية التي تدفع بها ارياف العراق او حتى الاستخدام المنتج للقوى السكانية العشوائية المتجمعة حول هوامش المدن.ففي نظريته التي نشرها في الحولية الاقتصادية لمدرسة مانجستر والمذكورة آنفاً، يرى آرثر لويس ان القطاع (الراسمالي) يتطور ويزدهرعن طريق العمل المتدفق اليه من (القطاع اللاراسمالي) المتخلف الذي يعيش افراده على حافات الكفاف.ففي مراحل التنمية المبكرة ،فأن حالة العرض (غير المحدود )من العمل المتدفق من اقتصاد الكفاف، يعني في جوهره ان القطاع الراسمالي(الحداثة) بمقدوره ان يتوسع لمدة من الزمن دون الحاجة الى تزايد مستويات الاجور ،وان هذا يؤدي الى تحقيق عوائد ومردودات مرتفعة على راس المال المستثمر مما يُمكن من اعادة استثمار الارباح وتعظيم التراكم المادي الراسمالي مرة اُخرى. وبهذا فأن تزايد خزين راس المال سيقود القوى الراسمالية الى توسيع استخدامهم للعمل المتدفق من اقتصاد حد الكفاف بعد تحقق شيء من المهارة . وبعبارة اُخرى ، فان التراكم الراسمالي يمثل احلالاً للعمل الماهر في الانتاج، وان عملية التراكم الراسمالي ستصبح ذات استدامة ذاتية الدفع وتقود الى اتساع التحديث التكنولوجي والتنمية الاقتصادية وتصاعد معدلات النمو في الناتج المحلي الاجمالي .وبهذا فعند النقطة التي يمتص فيها العمل الفائض كله في قطاع الكفاف ويزج في عجلة القطاع الحديث ،وعندما يبلغ التراكم الراسمالي مستوى من السعة التي تدفع الى تزايد الاجر، فأن هذا الامر يطلق عليه (بنقطة لويس في الانتقال او التحول).وهنا كان الاستاذ الراحل يشير مراراً الى ظاهرة البلدان الكثيفة السكان ولاسيما في آسيا وكيفية ان يعمل هذا الانموذج لآرثر لويس فيها بسهولة…وكأنما كان يتنبأ عما سيؤول عليه الانموذج الاقتصادي الصيني من نجاح والذي جرى تبنيه حقاً بعد مرور خمس سنوات على محاضرته لنا. فمنذ العام 1978 ميلادية تبنت الصين تطبيقاً حقيقياً لنظرية آرثرلويس في التنمية الاقتصادية معتمدةً شعارها السياسي الاقتصادي الذي كان: ( الصعود السلمي نحو بناء التنمية ).وهو الشعار الذي تعامل حقاً مع نظرية آرثر لويس ببراغماتية عالية ومن خلال استراتيجية (اقتصادان مختلفان في نظام سياسي واحد).

وختاماً، فعلى الرغم من السجال الاكاديمي الذي اثاره الراحل في منهجنا الدراسي في التنمية الاقتصادية (نحن طلبة الدراسات العليا )الا ان العلامة الراحل محمد سلمان حسن لم يخفٍ ميوله الاشتراكية ورؤيته التقدمية في السير في التنمية والتقدم الاقتصادي عبر الطريق اللاراسمالي وإظهار القدرة على تجاوز بعض المراحل والعقد التاريخية عندما تعرض لتجرية الاتحاد السوفياتي وانموذج الدفعة القويةbig push في تطور ذلك النظام الاقتصادي ,ولكن كان ميالاً في الوقت نفسه للمنهج الاصلاحي الاقتصادي يوم ادخلت الحوافز المادية وبعض أليات السوق الاشتراكي وجدل القيمة الملازم في تشخيص حركة النظام الاقتصادي وهو التوجه الذي قاده الاقتصادي السوفياتي( ليبرمان) في خمسينيات وستيتيات القرن الماضي .

انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”


.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو




.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج


.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة