الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديانة الإبراهيمية والمخطط الغربي

طلعت خيري

2019 / 6 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الديانة الإبراهيمية والمخطط الغربي

التآمر على الإسلام

الواقع أن “الديانات الإبراهيمية” هو مصطلح تم إطلاقه مع مطلع الألفية الثالثة ليشير إلى الأديان السماوية الثلاثة. وجاء طرحه ضمن مفهوم جديد لحل النزاعات والصراعات الممتدة والقائمة على أبعاد دينية متشابكة، وهو مفهوم “الدبلوماسية الروحية”، لتمثل خلاله الأديان الإبراهيمية أحد أبرز أركان هذا المفهوم الجديد. فقد تم إطلاق لفظ “الإبراهيمية” نسبة إلى نبي الله إبراهيم ورمزيته في الأديان السماوية الثلاثة، ليكون بوتقة لصهر الخلافات وتنحيتها جانبًا. وفي هذا الإطار، يرى “جيمس روزينوه” أن مستقبل العالم سيرتكز على السلام العالمي الذي سيتحقق عبر الديانات الإبراهيمية والعقائد المتداخلة، كمدخل جديد لحل النزاعات في العلاقات الدولية، وكطرح بديل لنظرية “هنتنجتون” حول “صدام الحضارات”، ونظرية “فوكوياما” حول “نهاية التاريخ”؛ بل ليعكس نهجًا جديدًا داخل علم العلاقات الدولية كانت أهم ملامحه ظهور مفاهيم جديدة؛ كالتسامح العالمي، والأخوة الإنسانية، والحب، والوئام، كمفاهيم جديدة مطروحة داخل هذا الحقل.
بهذا المعنى، فإن الأمر يتطلب ضرورة الوقوف على مغزى هذا الطرح: هل هو حقًّا بهدف الوصول للسلام العالمي؟ أم هو مجرد طرح بديل لفوكوياما وهنتنجتون يحمل نفس الغاية الصدامية التي تُعلي من هيمنة الغرب وتحقيق مصالحه بالأساس؟
الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب استكمال تناول أركان مفهوم “الدبلوماسية الروحية”، التي تمثل مبادرة لتحقيق السلام العالمي عبر التقارب بين الأديان السماوية للوصول للمشترك الديني، وتنحية النصوص المختلف عليها عبر إعادة قراءة النص الديني، وترجمته عبر ما يُعرف بدبلوماسية “المسار الثاني” أو المفاوضات غير الرسمية، التي تجمع رجال الأديان الثلاثة معًا بجانب الساسة والدبلوماسيين لترجمة المشترك الديني على الأرض، ولإعطاء أصحاب الحق الأصلي الحق على الخريطة، ليكون مستقبل العالم رهن قرارات تلك الآلية التي ستكون هي أساس مركز الحكم العالمي التي ستدعمها المجتمعات المحلية عبر “أسر السلام” و”الحوار الخدمي”، أي الخدمات والمساعدات التي تُقدم لجذب أتباع يشعرون بالامتنان لأصحاب هذا الفكر، ومن ثم يصبحون أكبر الداعمين له.
هذا الطرح يحمل في ثناياه العديد من التساؤلات، قد يكون أبرزها: من هم أصحاب الحق الأصلي؟! وهل يمكن الربط بين هذا الطرح والجهود المبذولة من جانب إسرائيل للمطالبة بتعويضات من الدول العربية التي عاش داخلها اليهود قبل هجرتهم منها؟ خاصة في ظل ظهور كتابات تنادي بالحقوق التاريخية لليهود من قبل عدد من ضباط الموساد الإسرائيلي، بل وتلاقي هذا الطرح مع تأسيس جمعيات بالدول العربية ترفع شعار إحياء التراث اليهودي! هل الهدف هو تأصيل الادعاء بوجود حقوق تاريخية أصيلة في الأرض العربية؟! هذا تساؤل تطرحه الباحثة فقط على ذهن القارئ للتدبر والتأمل.

الأركان الأساسية للإبراهيمية

بالرجوع إلى مفهوم “الإبراهيمة” سنجد أنه يطرح عددًا من الأركان الرئيسية، أبرزها ما يلي:

محورية النبي إبراهيم باعتبار أن ذكره يحمل القبول والقدسية والتقارب، ويمثل المشترك بين الأديان.
أن الديانات الإبراهيمية هي التي ستتحاور لتصل إلى وضع ميثاقٍ تكون له القدسية الدينية كبديل عن المقدسات السماوية، يؤسس للمشترك الديني بين هذه الأديان وينحي الخلاف.
الجمع بين رجال الدين والساسة والدبلوماسيين ليعملوا معًا لوضع المتفق عليه دينيًّا على الأرض، وترجمته سياسيًّا لحل الصراعات المتشابكة.
الاعتماد على آلية دبلوماسية المفاوضات غير الرسمية (دبلوماسية المسار الثاني) كساحة لعمل وتعاون رجال الدين والساسة لمناقشة القضايا الحساسة خارج الأطر الرسمية، تمهيدًا لإعلانها لاحقًا حال الاتفاق عليها، وتمهيد الساحة للإعلان عنها رسميًّا.
أن القادة الروحيين هم من الأدوات المهمة لنشر هذا المفهوم على الأرض، وجذب المريدين والمؤمنين بالفكرة، ويتم اختيارهم بناء على معايير كثيرة، أهمها تمتعهم بالتأثير الفعلي داخل مجتمعاتهم، وتمتعهم بسمعة طيبة وعدد كبير من المريدين.
“أسر السلام” هي جماعات قاعدية تنتشر بكافة الدول والمجتمعات التي تعاني من نزاعات دينية قائمة، أو نزاعات كامنة غير واضحة على الأرض، بهدف حل الصراع والتقريب بين القيادات الإبراهيمية عبر ضمانة تطبيق الميثاق الإبراهيمي المشترك.
“الحوار الخدمي” هو أداة لجذب المريدين والمؤيدين والداعمين من المجتمعات المحلية، حيث يتم نشر الأفكار والحوار بشأنها خلال تقديم خدمات تنموية على الأرض تكفل التخلص من الفقر العالمي عبر خلق دخلٍ للأسر الفقيرة لتصبح من أصدقاء السلام العالمي.
تُعد القيادات الصوفية هي الأكثر قربًا للتعامل مع الفكرة وتقريب وجهات النظر على الأرض، حيث لا يُنظر للصوفية باعتبارها مقصورة على الدين الإسلامي فقط، ولكنها تمتد إلى باقي الديانات السماوية، بل وتشتمل على الملحدين أيضًا، كبوتقة روحية قادرة على خلق المشترك والجمع بين المريدين على الأرض.
البحث العلمي المستمر حول المشترك الديني وإعادة قراءة النصوص الدينية المقدسة لوضع الميثاق الإبراهيمي المقدس، ونشر الفكر وتحديثه، ورفع الوعي، وبناء الكوادر العلمية المتخصصة، ووضع خطط العمل التنفيذية لحل الصراعات.
هناك عدد من الكيانات العلمية الداعمة للفكرة، كالجامعات الدولية، وفي مقدمتها جامعهة هارفارد ومشروعها الذي يرصد رحلة النبي إبراهيم بين عشر دول ليرسخ للفكرة بين الدول المختلفة.
أن السلام العالمي مدخله الأساسي هو الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها أساس استقرار العالم وفقًا لأنصار فكرة “الإبراهيمية”؛ فالشرق الأوسط هو نطاق التطبيق للمبادرة.
الأدوات المستخدمة لنشر الفكرة

يحدد أنصار فكرة الإبراهيمية عددًا من الأدوات الأساسية لتنفيذ هذه الفكرة، أبرزها ما يلي:
1- الأمم المتحدة: فقد تم ربط هذه الفكرة بأهداف التنمية المستدامة باعتبارها تهدف لمكافحة الفقر العالمي عبر الحوار الخدمي، وكذا شمول أتباع الأديان السماوية الثلاثة، أي نصف العالم، خاصة أن الأمم المتحدة تحظى بدعم النصف الآخر العلماني من العالم. وبتطبيق هذا الفكر سيتم استيعاب النصف المتدين، ومن ثم ستتحقق الأهداف التنموية المرجوة. والمتابع لمشروعات منظمات الأمم المتحدة سيلاحظ تخصيص الدعم للأنشطة التي ترفع شعار السلام العالمي و”معًا نصلي” و”الأخوة الإنسانية”.. إلخ.
2- المؤتمرات والقمم الدولية: من أبرز المحافل الدولية التي تمثل تطبيقًا عمليًّا هي مؤتمر دافوس، الذي تُعقد على هامشه لجنة المائة التي تهدف بدورها إلى الوصول للمشترك الإبراهيمي، والتقارب بين القيادات الروحية والساسة وتوفير سبل الدعم الممكن.
3- القوى العظمى والمعسكر الغربي: ويأتي في مقدمة هذه القوى الولايات المتحدة التي بدأت بمأسسة هذا الفكر داخل مؤسساتها الرسمية في عام 2013، حيث تم إنشاء فريق عمل حول الدين والسياسة في وزارة الخارجية بقرار من “هيلاري كلينتون”، يضم 100 عضو نصفهم رجال دين من الديانات الثلاثة، يعملون جنبًا إلى جنب مع الدبلوماسيين بالوزارة. ولا يزال هذا الفريق قائمًا في ظل إدارة “ترامب”. ونشير هنا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” أشار في كلمته بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى أننا جميعنا أبناء إبراهيم، ما يعكس استمرار ذات النهج بل والعمل على ترويجه. ويلاحظ أن أغلب مراكز الدبلوماسية الروحية بالعالم تحمل جنسيات محددة معظمها أمريكية، وإنجليزية، وفرنسية، وألمانية، وإسرائيلية بالأساس.
4- الصراعات الدينية القائمة على الأرض بين أنصار الدين الواحد، وأهمها الصراع السني-الشيعي، فهو الممهد لقبول هذا الفكر باعتبار أن سلوك أتباع الدين الواحد هو دليل على غياب التسامح داخل هذا الدين، وهو ما سينفر أتباعه، وسيجعلهم يقبلون بالمشترك الإبراهيمي.
5- السياحة الدينية المشتركة، خاصة أن دول المنطقة تضم جميعها مقدسات دينية تاريخية، وتعاني -في الوقت ذاته- من مشاكل اقتصادية تحتاج لتنشيط مصدر جديد يدر الدخل كالسياحة الدينية المشتركة بين الديانات الإبراهيمية.
6- مشروعات ريادة الأعمال التي تمثل مدخلًا لخلق دخل للأسر الفقيرة، وتحظى بقبول مجتمعي، بالنظر إلى مساهمتها في مكافحة الفقر وجذب المريدين على الأرض.
7- التعاونيات النسائية، باعتبارها أهم سبل لتحرير المرأة بالمنطقة، خاصة التي تعاني من تهميش اقتصادي، حيث تحتل المرأة مكانة مهمة داخل هذا الفكر لأنها أساس الأسرة خاصة بمنطقة الشرق الأوسط.
8- التواصل مع الشباب، باعتبارهم أساس الحركة المجتمعية، وهم المستقبل، على أن يتم تدريبهم مع غيرهم من أتباع الأديان الإبراهيمية، والوصول إلى طقوس دينية جديدة مستحدثة بين الأديان الثلاثة للبدء في إقناع مجتمعاتهم بتطبيقها بالفعل داخل دور العبادة.

التداعيات والمخاطر

ينطوي هذا المشروع الفكري على عدد من التداعيات والمخاطر المهمة. أول هذه التداعيات أن انتشار فكرة “الإبراهيمية”، واتساع المؤمنين بها، ينطوي على تحول دور العبادة بالأديان الثلاثة إلى مراكز للدبلوماسية الروحية، ومن ثم ستفقد قدسيتها. وكذلك إعادة قراءة النص الديني، واستخدامه لتفسير النهج السياسي. ومثال ذلك ما تقوم به جمعية المؤرخين للسياسة الخارجية الأمريكية التي تعيد قراءة الأحداث التاريحية الأمريكية من منظور ديني يبرر كافة القرارات السياسية حتى وإن تم انتقادها بسبب عدم تمتعها بالشرعية الدولية، حيث يتم قراءة هذه القرارات باعتبارها تعبر عن أمر إلهي مقدس. ولا يقتصر الأمر هنا على تبرير الماضي، ولكنها ستمثل صكوكًا لفعل أي شيء بالمستقبل.
أضف إلى ذلك تداعيات انتشار وتكريس فكرة “الإبراهيمية” على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين. وقد كانت القدس من أهم المحطات الأولى للتغيير على الأرض؛ فقد حاولت منطمة الأونروا فور وصول “ترامب” إلى السلطة حذف عبارة “القدس عاصمة فلسطين” من المقررات الدراسية للصف الأول إلى الرابع الابتدائي بمدارسها لتحل محلها عبارة “القدس المدينة الإبراهيمية”، كمحاولة لتغيير وتغييب هوية الأطفال خلال مرحلة التشكيل ليكونوا نواة التطبيق للمخطط المستقبلي. أيضًا كان من أبرز تجليات “الحوار الخدمي” تطهير غور الأردن من الألغام باعتباره أحد مقاصد السياحة الدينية الإبراهيمية المشتركة. كذلك فإن الحديث عن “مفهوم أصحاب الحق الأصلي” دون تحديد هويتهم، يفتح المجال أمام إصدار خرائط عن وزارة الخارجية الإسرائيلية تتحدث عن حقوق تاريخية لليهود في الدول العربية، خاصة في شبه الجزيرة العربية.

المصدر – الدكتورة هبه جمال الدين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اخ طلعت ؟
على سالم ( 2019 / 6 / 23 - 01:36 )
الا تعتقد ان الاسلام نفسه يتأمر على العالم ويهدف الى غزو كل الدول وجعلها خلافه اسلاميه عالميه والشريعه الاسلاميه هى قانون الله على الارض ومن يعترض يتم قطع رقبته ؟ يجب ان تكون صادق مع نفسك اخ طلعت وحاول دائما وابدا ان لاتكذب


2 - إلى علي سالم
عبد السلام أمين ( 2021 / 6 / 10 - 08:28 )
علي سالم أنت تعيش في عالم افتراضي كله أوهام الماضي وكذب المستشرقين وتضليل السلفيين وخط التشدد عبر التاريخ.. فالله أنزل سيف الإسلام سيف رحمة موجه لتحرير الشعوب من عبادة الحكام والكهنة، وليس موجهاً للشعوب كما هو المفهوم المغلوط المنتشر
اقرأ كتاب (الإسلام الفاتح) للمؤرخ المصري المخضرم حسين مؤنس لتعلم أن أكثر من 70% من البلاد التي دخلت الإسلام في العالم في آسيا وإفريقيا على وجه الخصوص، دخلت بأخلاق التجار الصوفية وبدون سيف أو سنان على الإطلاق.. ومن أهم تلك الدول دول جنوب شرق آسياكماليزيا وإندونيسيا، والصين التي ذكر د. مؤنس أنها كانت في يوم من الأيام عليها 12 امبراطور 8 منهم كانوا مسلمين
هذه واحدة والأخرى: أنت تقول أن الإسلام الآن يتآمر على العالم.. ما هو الإسلام ؟ هل هو مؤسسة دولية لها وزارة مستعمرات خارجية مثلاً ؟ أبن من ينفذون مخطط التآمر.. أفق من نومك وتكلم بشكل علمي أفضل من هذا