الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(4) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف

أسماء غريب

2019 / 8 / 2
مقابلات و حوارات


هل لكِ أن تُوضّحي للقارئ أكثر فكرةَ الخوف هذه أو ما اتّفقَ النّاسُ على تسميّتهِ بإبليس، أوَليْسَ اللهُ من خلقَهُ وبإمكانهِ أن يحُدَّ من سيْطرتهِ على الإنسان، ومِنَ الأضرار النّاجمة عنهُ؟
*

سأعطيكَ مثالاً من خلال تجربة بسيطة جدّاً: تخيّلْ نفسكَ الآن في غرفة مكتبِكَ، والوقتُ مازال مبكراً عندكَ، ولأنَّ الشَّمسَ مازالتْ لمْ تبسُطْ بعدُ أشعّتَها الكاملة على المدينة، فإنّك ستُشعلُ ضوء المصباح في الغرفة لتتمكّنَ من الرّؤية بشكل أوضح والكتابة بتركيزٍ أكبر. سأطلبُ منكَ طلباً وما عليكَ سوى أنْ تنفّذه: قُمِ الآن وأطفئ ضوء المصباح. لقد حلّ الظَّلام، أليس كذلك؟
أشْعِلِ الضّوء مرّة ثانية وقل لي ماذا ترى؟ النّور طبعاً، وبه ظهرتْ كلُّ الأشياء في غرفتكَ وأصبحتَ تراها بشكل أوْضَح. جميل جدّاً، فالظّلام إذن شيء وهميٌّ، لا يَنْوَجِدُ إلّا إذا غاب النّور، وهذا يعني أنّه الحالة المضادّة للضّوء. وأنّه إذا أراد الإنسانُ أن يطرد الظَّلام، ما عليه سوى أن يلجأ إلى النُّور. هكذا هو الخوف؛ لحظةُ ظلامٍ يغيبُ فيها النّور، وهذا هو إبليس في مفهومه الحقّ. النّور موجود ودائم وأبديّ، والظّلام لا وجود له إلّا في غياب النّور، وبمعنى أكثر دقّة ووضوحاً، النّور هو الحبّ والسّلام، والظّلام هو الخوف والحرب، ومن الخوفِ تنبع كلّ المشاعر السّلبيّة بما فيها الحقدُ والكراهيّةُ والغيرة والحسد وهلمّ جرّاً. هناك طريقتان للعيش: أن تكون مسكوناً بالخوْف، أو أن تكونَ في صحبة الحبّ والعشق والسّلام، وما عليكَ سوى أن تختارَ طريقكَ الأنسب. لا يمكنُ أن يتوقّفَ الإنسانُ عند الخوف، ويقول إنَّني سأحاربهُ، لأنّه لن ينجح في كلّ الأحوال، وأنّى له ذلك وهو المنشغلُ بمحاربة شيء لا يوجد بتاتاً، وبهذا فإنّ خوفَهُ سيُصبحُ مركّباً، وقد يقودهُ ولا شكّ إلى الجنون، لأنّه يصبحُ خائفاً من كلّ شيء، بل خائفاً من الحياة بأسرها. الوسيلة الوحيدة للخروج من هذا المأزق، هيَ الحُبّ الكامل والسّلام الحقيقيّ، الحبّ وحده يطردُ الخوف أو الشّيطان. الحبُّ يُعلّمكَ كيف تنفتحُ مع نفسكَ أولاً، وكيف تنفتحُ على الآخرين، وكيف تعيشُ في أمان دون أن يهاجمكَ الخوفُ من الغد ومن نتائج الأشياء، لأنّكَ ستعيشُ الزّمانَ والمكان، وتكونُ هنا وهناك وفي أيّ وقت تشاء. ستقول لي إنّ الإنسانَ فشل فشلاً ذريعاً فيما أسمّيه بدرس الحبّ والسّلام، وسأمدّكَ لإيضاح هذا الدّرس بمثال آخر قريب من لغتكَ وواقعكَ اليوميّ: في علاقة "الحبِّ" بين العديد من الأزواج لا يوجدُ سوى الحبِّ الكاذب؛ وإن كانوا يدّعون العكس أمام الجميع. لماذا أقول هذا؟ لأنّ معظم المحبّين اليومَ يعيشونَ في خوف مستمرّ؛ فالرجلّ يخاف من زوجته ويشكُّ في سلامة نيّتها، وهي كذلك تخافُ منه ولا تأتمنه على نفسها وحياتها وأسرارها، وهذا ليس بحبٍّ بتاتاً، وما هو سوى عقدِ زواج مُبرم بين شخصيْن خائفيْن، لا قدرةَ لهما على كسر العوائق والحواجزِ، ويتخاصمان بشكلٍ مستمرّ، ويستغلُّ الواحدُ منهما الآخر، ويراقبُ الواحدُ منهما الآخر، ويغارُ الواحد منهما على ومِنَ الآخر، ويصبو كلّ واحدٍ منهما إلى تَمَلُّكِ الآخر بشكل كاملٍ ومطلق. وهذا كله يجلبُ التّعاسة للجميع. لا يحتاجُ الحبُّ إلى صلاةٍ أو معبد. يحتاجُ فقط إلى التَّخلّص من الخوفِ، وإذا ما وقع الإنسانُ في الحبّ حقيقة، فإنّه يجدُ الطّريق إلى السّلام بشكل تلقائيّ، لأنّ الله هو الحبّ، والنّور الَّذي بهِما تتحرّكُ الأكوان. وهو الحرّيّة من كلّ التّبعيّات والأغلال، فأنتَ خُلقتَ حرّاً، ولا يريدُ الخالقُ أن يتدخّل في أمورك وحياتكَ، وإلَّا فما قيمة صنعتهِ فيكَ ولكَ؟ أليسَ لتكون حرّاً وتعيش جسدك وروحك ونفسك كما تريد، ولتختار الطَّريق الّذي تريد؟! فالحرِّيّة هي أن تشعرَ بعظمة الله كخالقٍ لك، والشّعور بهذه العظمة هو الّذي سيحقّقُ لكَ الوجودَ والسّلام:
((حبيبي،
يا فارسَ النّورِ والنّار
إنّني أنا الرَّبّةُ أوشُونْ
فاترُكْ ما أنتَ فيه
واخرُجْ إليّ
واستمِع لما يُلقِيهُ الماءُ
بيْنَ يديْكَ ويديَّ:
لأجلكَ أوْجَدْتُ نفْسِي بنفْسِي
طبيبةً لروحكَ الباحثةِ عنّي
في الغيْبِ مُنذُ الأزل.
*
حبيبي،
يا فارس الكهوف والوديان
إنَّني أنا سيّدةُ الرّيح والجِياد
فاتركْ جبلَ التّيه والحَيْرة
واخرج إليّ
ولتتذكّر أبداً
أنّكَ حينما قلتَ لي اظْهَرِي
بزغتُ في سمائكَ
نجماً سَنيّاً
وسقيتُكَ منْ ثدْيِي
حليباً طاهراً زكيّاً
وحينما حبوتَ عندَ بابِ الحرفِ
حملتُ الرّبيع إليكَ
وأريتُكَ كيفَ تنمو الأقاحِي
وتُزْهِرُ أشجارُ البلّوط والصّنوبر
وكيف من بينِ دمعةٍ وبسمة
تَخْرُجُ اليمامةُ ضاحكةً
لتهدلَ بأجمل التّسابيح والتّرانيم
عند قدميْكَ وقدَمَيَّ
*
حبيبي
يا فارسَ المحبّة والعشْق
إنَّني أنا سيّدةُ المناجلِ والحصاد
فاترُكْ بحرَ الوهْمِ والغرقِ
واخْرُج إليّ
فلّاحاً كنتَ أو نجّاراً
طبيباً كنتَ أو حدّاداً
شاعراً كنتَ أو صيّاداً
تعال،
أينما كُنتَ وكيفمَا كُنْتَ
ولن يهمّني أبداً
من أيّ زمانٍ أتيتَ
فكلّ الأزمنةِ عندي واحدة
ما دمتُ أنا صاحبتُها
تعال،
واشرحْ صدرَكَ لنورِي الأزرق
وَضَعْ جبهتكَ بين يديّ
لأفتحَ بنفخٍ منّي
عينَ قلبِكَ الأخضر
وأُذُنَهُ البيضاء
كيْ ترانِي كما أراكَ
وتسْمَعنِي كما أسمعُكَ
*
حبيبي
يا فارسَ اللّيل والنّهار
إنّني أنا سيّدةُ السّفن والبحار
فاتركْ فيافي الجوع والعَطش
واخرجْ إليّ
لأعطيكَ سلطانَ الكواكب والنّجوم
وأُطْلِعْكَ على حدائقِ جسدِكَ السّرّيّة
علّكَ تكتشِفُها رُكناً ركناً
كما لم يكتشفْهَا أحدٌ
من قبلكَ بعْدُ
ولتَعْلمْ يا حبيبي
أنّني أمُّ الأبِ
وأُخْتُ الزّوج وابنتُهُ
وأنّني النّون والقلمُ
وحوتُ يوشع وعصَا موسى
واللّبؤة والأفعى
والبقرةُ والنّاقة
والنّحلة والعنكبوت
وأنا الدّمُ والنَّبيذ
والعسل والقطران
والأيّام والأعوام
تعال،
فأنا الرّبّةُ الَّتي وُلِدتْ
في الثَّامن من آذار)).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة