الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا... يا أمي الحزينة الثكلى...

غسان صابور

2019 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ســـوريــا... يا أمي الحزينة الثكلى...
سمعت هذا النداء.. أو هذه الصرخة الأليمة الجريحة.. من مهاجر سوري جديد.. وصل إلى مدينة أوروبية.. بلا فيزا.. بعد أن جال ثلث الكرة الأرضية.. متسللا مرفوضا من بلد لبلد.. بعد أن ضاق انتظارا.. ليصل إلى بقعة من أرض.. اعترفت به كإنسان.. بانتظار استقراره.. أو رفضه كإنسان لا يقبل له اللجوء.. فيبقى ويقاوم.. عسى أن مؤسسة أو جمعية إنسانية... تتكفل به.. مهتمة مدافعة بعزم وجدية عن جراحه الجسدية والفكرية... حتى تحصل له على إقامة شرعية... أو يبقى بلا أوراق.. وبلا أمل...
أمثال هذا الإنسان.. خلال العشرة سنوات الأخيرة.. بعد مختلف الأحداث والاضطرابات المختلفة التي نفجلات بالبلد الذي ولدنا به.. هذا الإنسان السوري.. وأنا... تحمل نفس العنوان :
" سوريا.. يا أمي الحزينة الثكلى " هو من سنة وبضعة أشهر.. وأنا من ستة وخمسين سنة... هو قد يحتاج لعدة سنوات غير محدودة.. حتى تشفى أعراض حنينه وشقائه.. وشوقه إلى أمه الوطن.. وأمه الحقيقية.. وأنا رغم استقراري وحصولي على الجنسية الفرنسية.. منذ أول سنة من استقراري هنا.. فتحت لي فرنسا أبوابها نظرا لخدمات والدي بالجيش الفرنسي.. وخاصة أثناء الحرب العالمية الثانية.. ولهذا حديث طويل آخر... وكل أفراد عائلتي القريبة وأولادي وأحفادي وأبناء أحفادي.. هنا أو ببلد أوروبي.. قريب بالطائرة أو القطار أو السيارة... ورغم أنني لا أغير اليوم فرنسا ــ رغم تناقضاتها الاجتماعية والسياسية المختلفة ــ لقاء الجنة..... ولكنني ما زلت مصابا بهذا السرطان بلا شفاء الذي يسمى الحنين La Nostalgie والذي رغم آلاف المحاولات.. ما زال يربط ويجنزر مشاعري وأفكاري وكتاباتي ونقاشاتي وصراعاتي.. من أجل هذه الأم الثكلى... رغم عتمات ذكرياتي هناك... وخاصة ــ هــنــا ــ طيلة سنوات الحرب الغبية الآثمة التي هيمنت عليها... وما تزال مجهولة النهاية...
هذا اللاجئ السوري.. رغم اختلاف صعوباتنا وآلامنا... وأشكال حنيننا.. هو وأنا تؤامان ملتصقان... رغم اختلاف دروبنا... وحياتنا وأشكال حزننا وهنائنا وسعادتنا... نحن تؤامان ملتصقان بهذه الأم الحزينة الثكلى.. مهما حاولنا الخلاص... ومهما ابتعدنا...
الــمــشــكــلــة؟؟؟... المشكلة جيناتية متوارثة... وخاصة متوارثة سلبية... تخلصت من العادات والتقاليد والأمثال والقوانين والشرائع.. وتبنيت بعد سنوات معدودة عادات وتقاليد وقوانين وحريات الاختيار .. لهذا البلد الذي تبناني ـ كإنسان ـ بلا أي قيد وشــرط... ولكنني حتى هذه الساعة لم أتخلص من الحنين لهذا السبب...أسبابه ما كانت جميع ارتباطاتي ومعتقداتي.. وجميع ذكرياتي وصعوباتي.. أيام فتوتي وشبابي.. عندما اكتشفت تاريخه.. قبل اكتشاف الأديان... وكان خالق أولى الأبجديات والشرائع والقوانين الإنسانية... وحتى باعتراف ألد أعدائه وغزاته... ولكنه اليوم حزن وتفجير.. ويأس من أي حل أو نهاية... ومجهول وعتمات بلا نهاية... ولكن.. ولكن ما زلت أحمل فيروس الحنين وجيناته... هذه طبيعتي لا أستطيع تجاهل الضيم ضد شبر أرض أو إنسان.. أينما كان.. وكيف تريدونني تجاهل ما يجري وما يمضي وما يمزق.. وما يحزن بالبلد الذي ولدت فيه.. ومضيت فتوتي وأولى سنين شبابي.. بعضها.. بعضها الضئيل.. حلو قليل... وغالبها مرارة وحرمان.. وفقدان كل أوكسيجين.. لأية نبضة امل!!!...
هذا البلد... لولا جحافل غزاته.. ولولا جميع حكامه.. من أول أيام ما سمي استقلاله.. بنهاية الحرب العالمية الثانية.. سنة 1946... كان بإمكان ازدهاره وغناه الفكري والحضاري.. أن يتفوق حضارة الغرب... ولكن.. ولكن كل قوانينه... مستقاة من شريعة سكانه الإسلامية... وطبقت فيه نظريات وقواعد وقوانين عرجاء للأكثرية والأقليات... وكل الحكومات التي توالت.. حصرت كل مساعيها بديمومة بقائها... وكانت تتجنب دوما أي تطوير أو أية حضارة.. حتى لا تحرك شعوبها من سباتها وتخديرها.. مما أدى إلى تسلل آلاف المحاربين الإسلامويين منذ سنة 2010.. وتحضير كل الآفات والتعديات والتحضيرات بسنة 2011 إلى هذه الحرب الغبية الآثمة وفجرت نصف البلد وهجرت أكثر من عشرة ملايين من سكانها... وما من أحد يعرف متى سوف تنتهي.. وبأي شكل سياسي واجتماعي.. سوف يبنى مستقبل سوريا ووحدتها...
***************
عــلــى الــهــامــش :
ــ غـــضـــب...
شغلتان.. حادثتان.. أثارتا كامل غضبي هذا الأسبوع...
الأولى عندما تكلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (ذو الصفات العقلية المعروفة) عن الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون.. مع حلقة ضيقة من الصحفيين الأمريكان.. بجلسة خاصة... ناعتا إياه " بالغلام الغبي " سرعان ما تناقلتها بعض المواقع الأمريكية والأوروبية والفرنسية...
والثانية عندما قابل رئيس الوزراء البريطاني من يومين.. والمتشدد لخروج إنكلترا من الاتحاد... بمقابلة خاصة من يومين مع الرئيس الفرنسي قبل اجتماع الدول الستة G7 في مدينة بــيـاريــتــز الفرنسية... صورة للسيد بوريس جونسون واضعا رجله اليمنى على الطاولة الصغيرة التي تفصله عن الرئيس ماكرون.. بدون أي احترام ... كأنه جالس تجاه خدم بيته... والرئيس ماكرون الذي لا تربطه أية علاقة شخصية بالبريطاني... يستمع إليه باهتمام.....
أثارتني هذه النادرة الترامبية.. وهذه الرجل والحذاء على الطاولة... واللتان تخالفان أبسط أنواع الاحترام والتهذيب... وخاصة أبسط علامات الديبلوماسية المهذبة... والتي بين دول تحترم أبسط مبادئ العلاقات... تؤدي آنيا إلى قطع العلاقات...
كلي غــــضـــب.. وكلي ثورة... وذلك رغم خلافي الكلي المبدأي والاجتماعي والسياسي.. مع الرئيس ماكرون... ولكنه يبقى رئيس البلد المنتخب لفرنسا.. هذا البلد الذي تبنيته وتبناني.. وأحترم مبادئه وقوانينه ومتناقضاته... ولا أغيره لقاء أية جنة... ولا أقبل أن تدوسه أية إهـــانـــة!!!......
بــــالانــــتــــظــــار...
غـسـان صـــابـــور ــ لـيـون فـــرنـــســـا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في