الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(14) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف

أسماء غريب

2019 / 9 / 4
مقابلات و حوارات


ماذا تقصدين بالإيمان الصّافي الزّلال ولماذا فصلتِ بينه وبين العقيدة؟
*
الإيمانُ غيْر الاعتقاد، الأوّل ثقة والثّاني شكٌّ مبطّن. والإيمانُ صفةُ أهل الله، والاعتقاد صفة أهل الدّين. مُعظمُ المتديّنين هُم في حاجة دائمة إلى عقيدة تحكمُها القوانين والتَّشريعات لأنّهم بدونها يشعرون بالضّياع والتّشويش. ولأنّ أهلَ الإيمان الصّافي هُم أهل يقين فإنّك لا تجدهم وسط الجماعات والحشود، وذلك لأنّ يقينَهُم ملتحمٌ بالأحديّة والصّمديّة، ولا يقبَلُ الثَّنائيّات القطبيّة ولا المتضادّات المفهوميّة. لا يُمْكِنُ للمؤمن الحقّ أن يرى شيئاً في الوجود سوى الله، وهو لهذا ينمحقُ ويفنى فيه كلُّ شيء، ولا يبقى إلّا هو الَّذي لا هو بعده ولا قبله ولا حوله ولا تحته أو فوقه إلّا هُو.
الإيمانُ ذوبان، والتَّديُّنُ إعلاء للصّروح الكينونيّة، لأجل هذا تجدُ معظمَ المتديّنين لا يقبلون فتح أيّ حوار أو نقاش مع الملحدين في أمور اللّاهوت، إنّهم يخشون باستمرار أن يلمس الملحدون ذاك القبوَ الَّذي يقبعُ فيه منزوياً إزميلُ الشَّكّ النّاجم عن الاعتقاد في مجموعة من القوانين الَّتي يحفظونها عن ظهر قلب ويطبّقونها بدون أدنى تفكير. ولأجل هذا تجدُ أيضاً العديدَ من النّاس ينتقلون من حالة التَّديُّن إلى الإلحاد، وأحياناً أخرى من حالة الإلحاد إلى التَّديّن، وهو الأمر الَّذي يحدثُ حينما يتعبُ المُلحدُ من أسئلته وشكوكه الَّتي لا دواء لها. لكنّ الأمرَ يُصبِحُ غريباً حقّاً ومثيراً لأكثر من تساؤل حينما يتحوّلُ المتديّنون بديانة ما إلى ديانة أخرى، كأنْ يصبحَ المُسلمُ مسيحيّاً، أو يهوديّاً والعكس صحيح. هذا يحدثُ كلّ يوم، وعليه فإنّ السُّؤال الَّذي يطرح نفسه الآن هو التّالي: ما الّذي لمْ يجده هذا الإنسان في دينه فدفعهُ بالتَّالي إلى التَّحوُّل أو الانتقال إلى دين آخر؟!
الأمر له علاقة وطيدة بدرجة الإيمان ومدى عمقه. المتحوّلون من دين إلى آخر لا يمكنُهم أن يجدوا الحقيقة في أيّ مكان، لأنّها تنقصُهم في دواخلهم، ولأنّهم لمْ يدركوا بعد مرحلةَ الوحدانيّة الحقّة والتَّوحيد الكامل الَّذي تنتفي فيه المفاهيمُ المزدوجة والحقائق الوهميّة.
أن تكون مؤمناً، يعني أن تكونَ عندكَ ثقة بالله تجعلك تتقبّلُ الانوجاد بعين الرّضا، فإذا أخَذَتْ منكَ الحياةُ شيئاً ما على سبيل المثال فإنّك لنْ تحزَن، وإذا أعطتكَ إيّاه فإنّكَ لن تفرح بهِ لأنك تعلمُ أنّه زائل، أمّا إذا وهبتْكَ الموتَ فإنّك سترحّبُ به كذلك لأنّك تثقُ بالموت أيضاً، ولأنّك قبل هذا وذاك تدَعُ اللهَ يختارُ لكَ وتُسلّمُ مقاليدك بين يديه!
فقط حينما تكفُّ عن التَّسوّل يقعُ الإيمان، وتحدث الثّقة وتتّحِدُ إرادتُك مع إرادة خالقك:
((أنَا يا حَبيبي بيْن يديْكَ
دُمْيةٌ مِنْ طين
أنتَ منْ خَلقَ صَلصَالهَا
وحَفرَ قـَرَارَها
وأنتَ من أجرى الماء
بين مَسَالكِ نطفـَتها ومُضْغـَتِها
وأنْتَ مـَن نـَسَج بالصَّبْر عـِظامَها
وكـَوى بالدّمْع لحْمَها
بـَلْ أنتَ من شقّ بالنَّار سَمْعَها
وأنارَ بالحقّ بَصَرها
فافعلْ بي مَا تشاء:
خِطْ بإبـَر النّملة جراحَ قلبي
واكتُبْ بالدّم القاني حُروفَ قـَدري
وارْسُمْ بألوان الطّيف تـَفاصِيلَ يوْمِي وغـَدِي
لنْ أنْطِقَ حرْفاً لمْ تـَشـَأ لي نُطـْقه
ولنْ أفْعلَ شيئاً لمْ تُرِدْ لي فعْله
ما دَام الحرْفُ لكَ والفعْلُ لكَ والاِسمُ لكَ)).

///

أنتِ كائن مفطور على الفرح، والصّفاء وبهاء الرّوح، كأنّك شجرة وارفة الظّلال، تحوَّلت إلى إنسانة تظلِّل الحياة بأغصان السَّلام، كيف تنظرين إلى هذه الرُّؤية، وهل يتواءَمُ التَّحليل مع عجينِ كينونتِكِ؟!
*
هذا سؤالٌ لطيف جدّاً، يضمُّ بين جناحيْه رؤية في غاية الجَمال والرّوعة، وقد لفتتْ انتباهي فيه هذه الصّورة الراقية التي أشرتَ فيها إلى الإنسان-الشَّجرة من حيث الكرم والعطاء، ومن حيث المحبّة والفرح والبهاء. هو هكذا إنسان السّلام، إنّه في عطاء مستمرّ، وكما أنّي شجرة فإنِّي أيضاً طائر بجع كبير، أنقرُ باستمرار قلبي، وأتركُ دمي ينزفُ قطرات هي ترياق أُحيي به جوعى المحبّة والطّمأنينة، ودمي هو حرفي الّذي ما تركتُ مجالاً من مجالات الإبداع إلّا وسكبتُه فيه خدمةً لغيري على الرّغم من المشاقّ والمتاعب الَّتي جلبَها لي هذا الأمر.
وحتّى لا أطيلَ في الحديث عن نفسي، فإنّي أحبُّ أن أوجّه دفّة الإبحار إلى جانب آخر كامن في سؤالكَ أجدُهُ أكثر أهمّية من فيوضات العطاء والكرم الشَّخصيّة، وذلك من خلال طرحِ سؤالٍ جديدٍ هو الآتي: هل يُمكنُ للإنسانِ أن يتحوّلَ بعد الموتِ إلى طبيعةٍ كينونيّةٍ أخرى تخالفُ طبيعتَه الأولى، كأن يُصبحَ شجرةً على سبيل المثال؟! هذه إشارةٌ وردتْ في سؤالكَ أنتَ بشكلٍ غير مباشر، وبموجبها سأشرع في الحديث عن نظرية التّفاسخ الَّتي تعني تحوّلَ روح الإنسان للاستقرار بعد الموت في عنصر من عناصر ملكوت النّبات.
///

هل يُمكنُ للإنسانِ أن يتحوّلَ بعد الموتِ إلى طبيعةٍ كينونيّةٍ أخرى تخالف طبيعته الأولى، كأن يُصبحَ شجرةً على سبيل المثال؟!
*
الحديث عن التّفاسخ قديم قدم النّفس البشريّة، وهو يدخل في إطار الحديث عن نظريّة تناسخ الأرواح وتقمّصها وتفاسُخها وتماسُخها وتراسُخها. وقد اهتمَّ الفلاسفةُ القدماء بهذه الظّاهرة بدءاً من سقراط وأفلاطون وأرسطو مروراً بابن سينا وابن رشد ووصولاً عند علماء من العصر الحديث اهتمّوا بدراسة النّفس والرّوح ومآلهما في العالم الآخر. وكلّ هذا يقتضي من الإنسان أوَّلاً أن يعرفَ نفسَه باعتبارها أولى درجات معرفة الله، وهيَ عند سقراط جوهر الإنسان والجسد حامل لها، أمّا أفلاطون فقد ذهب إلى القول بأنّ النّفس كانت في عالم قدسيّ تتنعّم بالحياة الطَّيّبة الكريمة وقد هبطت إلى الأرض نتيجة ارتكابها للآثام فعوقبت بالحلول في جسدٍ فانٍ.
وفي كتاب (النّفس) تناول أرسطو العلاقة بين النّفس والجسد قائلاً بأنّهما يشكّلان معاً وحدةً تامّة، ولا يمكن لأحدهما أن يوجد بمعزل عن الآخر، مادامت النّفس هي العلّة المحرّكة للجسد الّذي يقع تحت تأثيرها ويتبعها كما يتبع الخادمُ سيّدَه. وسيراً على نهج أوائل الفلاسفة الإغريق، حاول ابن سينا أن يفيد من تجاربهم وعمّق أكثر فأكثر بحوثه حول النّفس وظاهرة التّناسخ، فميّز بين ثلاثة أنواع من النّفوس، النَّباتيّة والحيوانيّة ثمَّ الإنسانيّة، ولكلّ نفس من هذه النُّفوس وظيفة خاصّة بها. والنَّفس الإنسانيّة عنده لا تموت بموت البدن، وهي أكثر كمالاً منه، فهي ليست مادِّيّة ولا تتعلّق بالجسد وإنّما هي جوهر روحانيّ قائم بذاته ومختلف عن الموجودات المادّيّة ولها القدرة على معرفةِ ذاتها من خلال الإدراك العقليّ. وفي رسالته (الأضحوية في المعاد)، تطرّق بشكل مفصّل إلى مصير النّفس بعد الموت، وناقش آراء من يقول أيضاً بتناسخ الأرواح وتقمّصها. وهي الفكرة الّتي تعمّقَ فيها بشكل أكبر البراهمة الّذين يعتبرون أنّ النّفسَ جوهر صافٍ أبديّ، مُدرِك وعالم بأبجديّات الكون مادام في حالة انفصال عن الجسد، أمّا إذا اتّصل به فإنّ هذا الإدراك الكامل ينقص ويتعكّر. ومن هذه العقيدة ظهر فكر مجاهدة النّفس عند الهندوسيين وتأثّر بهم من بعد العديد من متصوّفة الإسلام.
وتناسخُ الأرواح على درجات، فإذا انتقلت الرّوح من جسد آدميّ إلى جسد حيوانيّ، فذلك يسمّى تماسخاً، أمّا إذا انتقلت إلى جسد نباتيّ فيسمى تفاسخاً، وإذا انتقلت إلى جسد بشريّ فذاك يسمّى بالتناسخ، وأمّا التّراسخ فهو انتقال الرّوح إلى ملكوت الجماد. وهناك العديد من المفكّرين المسلمين من يدعم هذه النَّظريّة مستندين إلى آياتٍ قرآنيّة مختلفة، مثلاً تلك الّتي يقول فيها الله عزّ وجلّ: ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وادخلي جنّتي)) (الفجر / 27-28)، وقد قالوا إنّ عبارة (وادخلي في عبادي)، تعني انتقال الرّوح من جسد إلى آخر، وعليهم أردُّ وأقول إنّ هذه الآية تتحدّثُ عن النّفس وليس عن الرّوح الَّتي هي من أمر الله ولا أحد أدركَ لليوم سرّها أو أسرارها (وما أوتيتُم من العلمِ إلّا قليلاً).
وهناك آية أخرى يستشهدُ بها كثيراً من يؤيّدُ مسألةَ التَّقمّص والتَّناسخ هذه وهي الَّتي يقول فيها الله عزّ وجلّ: ((يا أيُّها الإنسانُ ما غرّكَ بربّكَ الكريم، الّذي خلقك فسوّاكَ فعدلكَ، في أيّ صورة ما شاء ركّبكَ)) (الانفطار – 6-8)، ولهم أقول هنا أيضاً، إنّ تعدّد الصّور المعني هنا محدود في الصّورة الإنسانيّة الّتي تختلف باختلاف وتعدّد الخلائق، إذ لا يوجد إنسان يشبه إنساناً آخر، لأنّ كل فرد هو آية كونيّة إعجازيّة قائمة بذاتها وفي كلّ تفاصيلها، وهذا هو في حدّ ذاته سرّ الإبداع الإلهيّ الّذي لا يضاهيه ولا يعجزه إبداع.
ولنفرض جدلاً أنّنا قبلنا تماماً بنظريّة التّناسخ تفاسخاً كانَ أو تراسُخاً أو تماسخاً أو تقمّصاً، فما الفائدة يا ترى في تحوّل الرّوح من جسد إلى آخر ولمرّات لا متناهية؟ ما المنطقُ في ذلك، وعلى أيّ أساس ستُكَافَأُ وتُجزى الأرواح بما عملت، وبأيّ جسدٍ ستُعاقَب أو تثاب مادامت تتحوّلُ باستمرار إلى أجساد جديدة وفي عوالم مختلفة؟ أليس في الأمر نوعاً من العبثيّة والطّعن في القدرة الإلهيّة؟ هل اللهُ عاجز إلى هذه الدَّرجة حتّى أنّكم ترونه يضطرُّ إلى تحوير وإعادة تدوير الأرواح في أجساد وحيوات أخرى؟! إنّ من يقول بهذا لا يعرفُ حقّاً سرّ الخلق ولا الحياة، ولا سرّ تكريم الإنسان وتتويجه سيّداً كاملاً مكتملاً بين كافّة المخلوقات!
أنا في المقابل عندي سورة واحدة أجيب بها عن هذه النَّظريّة، وهي الّتي يقول فيها سبحانه وتعالى: ((حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)) (سورة المؤمنون / 99-101)
إنّ من يموت لا يرجعُ إلى الحياة الدّنيا إلّا في بعض المعجزات كتلك الَّتي حقّقها المسيح بإحيائه للموتى بإذن من الخالق عزّ وجلّ مصداقاً لقوله: ((إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)) (المائدة / 110).
ثمّة من سيقول لي إنّ هذا ينافي ما عاشه الإنسانُ في عصور مضت وكذا في حقبتنا الحاليّة من تجارب عن عودة الموتى إلى الأرض وعن تواصل العديد من النَّاس معهم بمن فيهم الوسطاء الرّوحيون، وأقول إنّ الأمر ليس فيه عودة للأموات إلى الأرض وإنّما شيء آخر مختلف تماماً سأتحدّثُ عنه في الجواب القادم بإذن الحيّ القيّوم.
///

ماذا تقصدين بعدم عودة الموتى إلى الأرض على الرّغم من أنّ تاريخ البشرية الفكريّ حافل بالتّجارب الّتي وثّقتْ لدى مختلف الشُّعوب لقاء العديد من النّاس بمن ترك الأرض منذ زمن بعيد؟
*
حينما قلتُ إنّ الموتى لا يعودون إلى الأرض واستشهدتُ على هذا بأكثر من نصّ قرآني، فإنّي قصدتُ بذلك عودتهم إلى أجسادهم المادّية الأرضيّة، لأنّ هذا أمر مستحيل تماماً، وأنّى للميت ذلك وجسدُه قد صار تراباً منذ سنين عدّة؟! وأستثني من هذا الأمر المعجزات الّتي حدّثتنا عنها الكتب المقدّسة بما فيها قصة فتية الكهف، والرّجل الصّالح عزير، وحتّى هنا فإنّ الأمر ليس فيه عودة للحياة بالمعنى المتعارف عليه بقدر ما فيه تجسّداً جديداً هو ما يصطلح عليه بالـ (Incarnazione).
ما أريد أن أقوله هو أنّه لا أحد يموتُ حقيقة، ولكي نفهم هذا علينا أن نستوعب أوّلاً معنى الموت، الّذي هو انفصال الجسم الأثيري عن الجسم المادّي حاملاً معه كلّ شيء: العقل والنّفس والرّوح. حينما نعي جيّداً هذا الأمر يصبح عندنا العالم المادّي شيئاً غير ذي قيمة بتاتاً، أمّا العالم الأثيري فهو العالم الحقّ الثّابت الَّذي لا أثر فيه للزوال والتَّحلّل والفناء.
ولكي نفهم ماهية هذا العالم علينا أن نتساءل أولاً عن الأثير ما هو؟ إنّه مادّة الكون الأساسيّة وهو الجزء الأكبر الّذي يحرّك الذَّرّة بشكل حرّ منتظم، وتردُّد موجاته في الفضاء يعطينا الضّوء، وهو مادّة لا ترى ولا يمكن وزنها كما المادّة الحقيقيّة وهو أكثر كثافة ومرونة من الماء، وكثيراً ما تتحوّل موجاته إلى أصوات مختلفة بما فيها الكلام والموسيقى، وهو دائب الحركة وكلّ ما نحن فيه من وعي وبصر إنّما يتمُّ بفضله لأنّه هو الّذي ينقل لنا الموجات الّتي تُحدث الاهتزازات البصريّة والجلديّة. والأثير هو الحلقة التَّواصلية الكبرى الَّتي توحّدُ بين عالم المادّة وعالم الرّوح، وهذا يعني أنّ كلا العالمين جزء من كينونة واحدة، ولهذا قلتُ إنّ معظم من مات إلى اليوم لم يغادر بعد عالمنا لأنّه مقيم في عالم الأثير الموازي. وهذا ما يفسّرُ كيف أنّ بعض النّاس ممّن يتمتّعون بجلاء بصريّ وسمعيّ جيّد يستطيعون رؤية أهل العالم الأثيري، أو ما أسمّيه بالبحر الأثيري الّذي تصبح فيه حركة الإنسان أكثر سرعة ومرونة من حركة الأسماك في الماء. هذه هي حياتنا هنا وهناك، وعلينا أن نحبّها ونفخر بها لأنّها طاقة تُنظّمُ وتُعيدُ ترتيبَ الوجود، قادرة على التّفكير والعقلُ يحكمُها ويؤثّرُ فيها، وهو خالد وأبديّ وبه نبقى جميعاً في الأثير كوحدات مفكّرة مع تمتّعنا أكثر وأكثر بالقدرة على النّموّ والتَّطوّر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص