الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنين و الولاده

محمد برازي
(Mohamed Brazi)

2019 / 9 / 23
التربية والتعليم والبحث العلمي


يمكن للاشهر التسعة من انتظار الطفل أن تعمق علاقة الزوجين و تقرب أحدهما إلى الآخر أكثر من أي وقت مضى في زواجهما. وهناك مشاعر من الفرح والإثارة في المجهول – خليط غريب من القلق والسرور – لاسيما لدى لأزواج الشباب الذين يترقبون ولادة أول طفل لهم. وهناك أيضا مشاعر ّ داخلية من الدهشة والإجلال نحو سر ولادة حياة جديدة بالإضافة إلى مسؤولية التربية الملقاة على الوالدين.
وللأسف، نرى أن هذا الإجلال وأيضا الوقار لسر الولادة العجيب مفقودين بصورة كاملة تقريبا في أيامنا هذه. ثم أن عدد الذين ينظرون إلى الحمل على أنه شهادة مفرحة تشهد للحياة قد قلّ لأنه أصبح مجرد حالة طبية روتينية. أما أسرار الأم الطبية كنتائج الفحوصات والتصوير بالموجات فوق الصوتية فقد صارت اليوم أخبارا يتناقلها الأصدقاء والأقارب على حد سواء من دون توقي،لكن هل تُعتبر عملية نمو الطفل في رحم أمه مجرد عملية بيولوجية؟ ولو صح هذا الكلام لاستنتجنا منه أن الحمل لا يتطلب رعاية طبية فحسب بل حتى توقي روحي كما يترتب علينا أن نولي اهتماما لاحتياجات الأم الروحية بقدر ما نوليه لمواعيد فحوصاتها الطبية. لأن الحياة الأسرية المليئة بالمحبة وبالأمان بالاحترام تُعتبر في غاية الأهمية لكل من الطفل المولود ّ سلفا وأيضا للطفل المقبل الذي سيولد على حد سواء. وقد يعاني ّ الطفل الذي ما يزال في الرحم لو لم يحس بمحبة ترعاه وبحنان دافئ ّ تجاهه. فقد حذر علماء النفس والتربويون منذ أمد طويل من الآثار السلبية للأسر المفككة على الأطفال، وصاروا يدركون الآن أن هذه الآثار لا تقل خطورة على الأطفال الذين لم يولدوا بعد كذلك..
وقد تم وصف قابلية الجنين في التفاعل مع مشاعر أمه وصفا رائعا في إنجيل القديس لوقا، كما يلي:
فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت ليصابات من الروح القدس، وصرخت بصوت عظيم وقالت: «مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك! فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟ فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. انجيل لوفا الاصحاح الاول
وعلى غرار ما جاء أعلاه، نرى أن الكاتب الألماني جوزيف لوكاس يؤكد بشدة أن أفكار الأم تنتقل إلى طفلها وهو ما يزال في بطنها. فكل ما هو طيّب فيها – من محبة وطهارة وقوة –ينغرس في الطفل قبل ولادته. فهو يريد أن يقول أن أسلوب حياة ّ الأم أثناء مرحلة الحمل يضع اللبنات الأساسية لكل ما يخص التربية لاحقا. والذي يحصل بعد الولادة هو «تفتُّح ونمو ما قد نبت سلفا في النفس»
وعندما تكتشف الأم أنها حامل، ينبغي أن تشكر الله. فلما اكتشفت حواء أنها حبلى ومن ثم ولدت قايين، َ قالت: «ر َزقَني ّ الر ُّب ابناً». (الكتاب المقدس، سفر التكوين )1 :4فلم تقلْ : «رزقني آدم» َ بل: «رزقَني ّ الر ُّب». ولدى الله فكرة لكل طفل، ويجب علينا ّ أن نكن المهابة والإجلال لجميع مقاصده. بالطبع، يمكن للفحوصات الطبية – مثل الاختبار بالموجات فوق الصوتية – أن تعطي الأطباء معلومات مفيدة عن الحمل التي ستفيد فيما بعد القرارات الطبية بشأن المخاض والولادة. إلا أن معلومات ٍ كهذه لا تجلب معها بركة دائما. فكم اختبارات للموجات فوق الصوتية أظهرت تشوهات وعيوب، وانتهى بها الأمر بـ «الإجهاض!» ولا يعلم أحد بالضبط بعدد الأطفال الأبرياء الذين يجري إجهاضهم سنويا سوى الله وحده، لكننا نعلم أنه قد وصل الملايين. والإجهاض هو جريمة قتل، من دون أي استثناء. فهو يدمر الحياة ويسخر من الله، الذي على صورته يُخلق كل جنين. ولذلك فإن المرأة التي اقترفت الإجهاض أو تلك التي تعتزم اقترافه تعاني دائما من عذاب كبي للضمير. ولن تشفى نفسها إلا بالمسيح، الذي يغفر لكل قلب تائب. ومهما كانت الحجج تبدو مقنعة لإباحة الإجهاض مثل تقليل
الطفل لدرجة الرفاهية، أو تأثيه على صحة الأم، فيجب علينا أن ّ لا ندع هذه الحجج تزعزعنا وتغي موقفنا. فمن ترانا نحن لنقرر ما إذا كان ينبغي لروح أن ترى النور أو لا؟ فبالنسبة إلى الله، يمكن ُ استعمال الأطفال المعاقين جدا أيضا لتمجيد اسمه. وقد شهدت هذا مرات عديدة في حياتي. والمسألة هي ليست أننا نود وضع عبئا ثقيلا على الوالدين على الإطلاق بل هو الله الذي تسعى مشيئته لتحقيق ما هو الأفضل في كل واحد منهم وفي جميع الأحوال (الإنجيل، رومة8-28 ).
ويجدر بنا، كأولاد لله، أن نتذكر أن الله هو الخالق الكامل الذي لا مثيل له، وينبغي لنا أن لا نجد عيوبا في ما تصنعه يداه، بل نقدم له ببساطة التسبيح والحمد في خضم هذا العالم المذهول بظاهرة المثالية بمعنى أنه يجب أن يكون كل شيء متناه في الكمال وبلا عيب وأيضا بظاهرة الاختيار حيث يجري انتقاء كل ما هو فائق وفاخر. فلنستمع إلى صوت الكتاب المقدس:
لأنك أنت اقتنيت كليتي. نسجتني في بطن أمي. أحمدك من أجل أني قد امتزت عجبا. عجيبة هي أعمالك، ونفسي تعرف ذلك يقينا. لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء، ورقمت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي، وفي سفرك كلها كتبت يوم تصورت، إذ لم يكن واحد منها المزمور 139
في كل مره يولد فيها طفل، تحلّ الأبدية على عالمنا. ونبتهج كثيرا بوصول إنسان جديد إلينا عالمين أننا حينما نستقبل روح بريئة فإننا نتلقى بذلك شيئا من يدي الخالق نفسه – وهي حياة لا نعلم أمدها، ولكنها تحتوي على، «نغمة جديدة
ستعزف، ولون جديد سينكشف» مثلما وصفها الشاعر الإنكليزي فيليب بريتس.
ومهما كانت ظروف الولادة صعبة، إلا أن نظرة مطمئنة واحدة من الطفل الرضيع كافية لتذكينا بمحبة الله وحنانه. فالطفل، إن كان ولدا أو بنتا، فهو يبدو وكأنه محاطا بهواء الجنة النقي. فليس لنا إلا أن نتعجب لمعجزة الولادة، وأيضا لحقيقة أن الله قد وهب نفسا جديدة أصيلة وفريدة. غي أن الأسلوب المعاص الذي ننظر فيه إلى الأمور والذي يتصف بالتوجهات التكنولوجية يمكن له أن يدمر بسرعة شعور التعجب هذا. فعلى سبيل المثال، يرى كثي من الناس الولادة على أنها مجرد عملية بيولوجية، والمولود الجديد ليس سوى «نتاج» الحمل، لكن، ألا تتضمن الحياة شيئا أفضل من هذا؟ نتذكر باستمرار دور ّ الله وفضل يديه في السر العجيب لولادة نفس جديدة لدى الأزواج العقيمين الذين بلا أطفال، ففي كل مرة يسلمان أمرهما لله ويضعان أمنيتهما بين يديه يرزقهما الله بولد بصورة غي متوقعة بالرغم من أن الأطباء قد أبلغوهما بعقمهما. وتكتب دوروثي داي ِّ ( مؤسسة حركة العمال الكاثوليك) فتقول، «يكتنف الإنسان العجب ويقف بمهابة أمام حقيقة الخلق المذهلة. ومهما تعامل بسخرية خبراء شؤون الحياة مع ولادة طفل أو اعتقدوا أنها مجرد مسألة مصادفة عرضية، تبقى الولادة حدثا هائلا روحيا وجسديا».
من الضروري جدا أن نحافظ على موقف الإجلال والوقار للولادة حتى أثناء قيامنا بتربية أولادنا. ومبدئيا، فإن أولادنا ليسوا ملكا لنا – فهم عطايا أوكلها الله إلينا مثل الأمانة. ولو آمنا فعلا بهذه الحقيقة لتلهف قلبنا على أن نربيهم نيابة عن الله بكل غية وأمانة. قبل زواجي كنت قد رأيت أطفالا وحملت بين يدي العديد منهم. وفي كل مرة كانت لحظة متميزة. فما أروع رؤية الفرحة في عيون غيك من الآباء والأمهات الجدد، أما رؤية قدوم طفل لك شخصيا كأب أو كأم فهو شيء مختلف تماما. فلا شيء قادر على إعدادك لتلك اللحظة التي ستحمل فيها طفلك الوليد بين يديك – حينما تدرك فجأة أن هذا هو طفلك، وهو لا ينتمي لأحد غيك. وهاهي مسؤولية تربية طفل ملقاة على عاتقك الآن. وبعد الولادة، فمن الواجب أن نرسل تهنئات خاصة للأم. لأن ّ الموضوع بسيط لو أردنا الحق، فالأم هي التي قامت بالعمل الشاق فهي التي حملت الطفل في بطنها لأشهر طويلة، وتحملت عذاب آلام الولادة ومخاوفها. إلا أننا – نحن الآباء – لا نقدم في كثي من َ الأحيان التقدير الكافي لما يكابدن ّ زوجاتنا ولما يتحملن من عناء. فالأم تخاطر بحياتها عند كل مرة تلد فيها طفلا. لقد كان الناس يقولون قبل سنوات أن المرأة أثناء الولادة تكون أحد قدميها في القبر، وهذا لا يزال صحيحا حتى اليوم، بالرغم من تأكيدات الأطباء على أن الولادة هي «عملية عادية». لذلك لو جرت الولادة بخير، لوجب تقديم صلاة خاصة لها، لنحمد الله ونشكره على حفظه لحياة كل من الأم والطفل. وأتذكر أنا شخصيا عندما وصل طفلنا الأول َ وأصبحنا نحن الثلاثة لوحدنا لأول مرة، أضأنا شمعة وشكرنا الله – في وسط المستشفى، مع الممرضات والأطباء الذين ساعدونا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية