الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتفاضة ضد الفساد والنفوذ الإيراني

فهد المضحكي

2019 / 10 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


إذا كانت كما كتب خير الله خير الله في صحيفة العرب اللندنية تجربة العراق في السنوات الـ16 الأخيرة تعني شيئًا، فهي تعني أن المليشيات المذهبية لا يمكن أن تبني دولة.

إن الحديث عن انتفاضة العراق التي راح ضحيتها أكثر من 105 قتلى و6 آلاف جريح، هو حديث عن انتفاضة وصفوها – وهم على حق – بأنها عابرة للطوائف ضد الفساد وضد نظام المحاصصة الطائفي. إنها مظاهرات وطنية عابرة للطوائف من خلال شعاراتها المنددة بالفساد غير المسبوق في تاريخ العراق، الفساد الناجم عن نظام المحاصصة الطائفية الذي سبق وأن أرساه الحاكم الاستعماري الأمريكي بول بريمر.

وفي هذا الجانب، لم يكن الكاتب عليان عليان مخطئًا حين قال: هذه المحاصصة فتحت الباب واسعًا أمام سعي زعماء الكتل الشيعية والسنية والكردية نهب ثروات العراق، فالسرقات باتت بعشرات المليارات، وليس بالملايين، حيث أصبح العراق يحتل المرتبة الخامسة في الفساد في العالم، آلاف المليارات دخلت الخزينة ولم يستفد منها الشعب العراقي المحروم. إذا كانت آراء أغلب المحللين السياسيين صحيحة بأن انتفاضة الشعب العراقي كشفت عن أزمة عميقة يعيشها النظام السياسي العراقي الذي أسس سنة 2003 ولم يعد قادرًا على إعادة إنتاج نفسه وتقديم طبقة سياسية جديدة تملك قدرة الحفاظ على موقعها في السلطة وحماية مكتسباتها. والصحيح أيضًا ومن دون غموض او التباس أن الانتفاضة ليست ضد الفساد فحسب، وإنما أيضًا ضد النفوذ الإيراني في العراق او كما يسميه جبريل العبيدي الهيمنة والتدخل بل التغول الإيراني في العراق لدرجة ارتهان القرار العراقي، أمر لا يمكن تجاهله كمسبب للمظاهرات والغضب الشعبي، فإيران تحاول معالجة أزمتها ومواجهتها مع أمريكا والأوربيين عبر تحويل العراق إلى ساحة حرب بالوكالة، واستغلال موارد العراق ونهبها لمعالجة أزمة طهران الاقتصادية.

ويعني بذلك، هذه المظاهرات لا يمكن اختزالها في المطالب المعيشية، بل أن محاولات نزع العراق من هويته العربية وجعله مجرد كيان منزوع الهوية يدور في الفلك الإيراني بحجة الانتماء للولي الفقيه، سبب آخر يحاول بعض الأطراف العراقية اخفاءه والتكتم عليه، خاصة بعد قرارات خاطئة طالت مسؤولين يعارضون أي وجود إيراني او تبعية إيرانية تحت أي مسمى او شكل.

عندما نقول إن التظاهرات هي الأعنف منذ سقوط نظام البعث في عام 2003، فهذا يعني في رؤية الكاتب التقدمي العراقي محمود الوندي نشرها في (طريق الشعب) العراقية ظهر احتقان شعبي كبير تجاه الوضع المعيشي الصعب الذي يعانيه غالبية العراقيين جراء غياب العدالة الاجتماعية واستشراء الفساد، مع اتساع رقعة الفوارق الاجتماعية. حيث نشأ في العراق الفارق الطبقي الكبير (طبقة مترفة للغاية وأخرى لا تجد ثمن عشاء يومها)، الى جانب الاخفاقات الأمنية هناك ايضًا أفرزت فضائح عديدة بتورط شخصيات سياسية بارزة بعمليات تهريب وغسل الأموال واستيراد مواد صحية وأغذية فاسدة للعراقيين، ناهيك عن الأزمات العميقة التي يعاني منها العراق نتيجة نهج المحاصصة للعملية السياسية.

إن جملة ظروف وعوامل تكدست في السنين الماضية، وفشل الحكومة العراقية في إدارة الدولة بصورة صحيحة، وفقد العراقيون ثبتهم بها، كان كفيلاً لخلقها شرارة تفجر التظاهرات في دفع العراقيين للنزول إلى ساحات المدن والشوارع للاحتجاج على سياسة الحكومة، والمطالبة بحقوقها المشروعة.

واحتجاج على الفساد المتفشي في صفوف الاحزاب الحاكمة وعدم ارساء القضاء المستقل النزيه لمحاسبة الفاسدين، وهناك ما تصدره المنظمات الاستقصائية التي تثبت في كل مرة ان معدلات الفساد المالي في العراق بازدياد مستمر!!.

ان الاحزاب والكتل المسيطرة على إدارة البلاد منذ عام 2003 لم يقدموا اي خدمات إلى الشعب العراقي، وحرمانه، من ابسط شروط العيش الكريم، من الماء والكهرباء إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة الواضحة في صفوف الشباب وعدم ايجاد فرص عمل لهم، اضافة إلى ذلك بان المحاصصة الطائفية ادت إلى اقصاء الكفاءات والمختصين وابعادهم عن مؤسسات الدولة، ولم تستفد من عقولهم في بناء العراق الجديد!.

لقد انحسرت فرص العمل والوظائف بالمقربين من الاحزاب السياسية واهملت شريحة كبيرة من المثقفين والشهادات العالية، فيما زادت الجماهير العراقية في نقمة متزايدة على الحكومة بحيث دفعت الطبقة الكادحة إلى الشارع العراقي إلى التظاهرات والاحتجاجات بشكل اكثر عنفوانًا.

فإذا كانت ثمة رسائل تحملها الانتفاضة الشعبية العراقية المجيدة، فان اهمها لخصها احد المحللين في التالي:

اولًا: اسقطت الانتفاضة الحالية البعد الطائفي والمناطقي الذي كان يسيطر على الحراكات في السنوات السابقة، لم يكن الحراك هذه المرة «جنوبيًا شيعيًا» ولا«انباريًا سنيًا» ولا مرتبطًا بفصيل واحد مثل احتجاجات انصار الصدر عام 2016، بل هو حراك عابر للمدن والطوائف.

ثانيًا: كان المحرك الاساسي للحراك الجديد هو الفساد، بعد ان اصاب الافقار والتهميش جميع العراقيين باستثناء الاقلية المستفيدة من الحكم، وهذا يوجه رسالة للحكومة والميلشيات التابعة والحامية لها بان الشعب لم يعد معنيًا بالصراعات السياسية المصطنعة، خصوصًا مع انتهاء الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية وسيطرة الحكومة على كافة اراضي الجمهورية.

ثالثًا: تستطيع الديمقراطيات الحقيقية حل أزماتها المختلفة عبر آليات العمل الديمقراطي، وذلك لأن الديمقراطية تضع أسسًا دستورية لحل أي استعصاء سياسي دون الحاجة إلى اللجوء للشارع، أما في الأنظمة الديكتاتورية الأمنية التي تصنع «ديكورًا» ديمقراطيًا فتفشل في حل الأزمات الكبرى، ولذلك فان الشارع يضطر لاخذ زمام المبادرة وحل مشكلاته بنفسه.

رابعًا: رفعت الانتفاضة شعارات تندد بإيران وتطالبها بالخروج من العراق وإنهاء تدخلاتها ونفوذها، وهو ما دفع طهران لاتهام المتظاهرين بالتبعية لأجندات خارجية، وهي ذات التهمة السخيفة التي ترفعها الأنظمة في وجه كل من يثور ضدها. إن الرسالة التي تبثها هذه الشعارات للخارج هي أن الشعب العراقي يطالب باستقلال الحكم في بلاده، وليس فقط محاربة الفساد؛ لأن الدعم والنفوذ الخارجي هو من يحمي فساد الحكومات المتعاقبة ويغطي فشلها السياسي والاقتصادي.

إن انهاء حكم المحاصصة الطائفية والفساد مرهون بإقامة حكم وطني ديمقراطي وحكومة تعددية تلبي مطالب الشعب العراقي في ظل إصلاحات جذرية شاملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام